مهندسو المعلوماتية السوريون.. إما متسربون.. أو هاربون.. أو .. !!

06-07-2008

مهندسو المعلوماتية السوريون.. إما متسربون.. أو هاربون.. أو .. !!

اتفق جميع الخريجين والذين توجهنا بالسؤال إليهم أن العمل براتب مقبول نسبة للاختصاص ووجود مناخ مناسب لتقديم الابداعات في هذا المجال ذي الفضاء الواسع, والسفر فقط عندها سيكون لإكمال التعليم وزيادة الثقافة المعلوماتية أو لتوفير فرصة عمل تقدم فائدة مادية كبيرة وخبرة مهمة وبغير ذلك اعتبر هؤلاء الشباب أن السفر فرصتهم الوحيدة لتأمين مستقبل جيد في ظل ظروف وضغوط اقتصادية كبيرة على شباب اليوم.

بين التفاؤل والتشاؤم كثير من الأمنيات والاقتراحات, تتحدث عن معاناة أكاديميين دخلوا حيز العمل وبعيداً عن كل التصريحات والوعود والمقالات الرنانة والخطابات الجاهزة التي يتمنى مستحقوها النزول إلى أرض الواقع لتلامس طموحاً ينمو مع شباب يحلم بغد أفضل دون أن يكتفي بتسليط الضوء على خبرات مستعدة للعطاء, تتمنى وجود من يحتضنها بصدق الإرادة و التصميم, بينما يتسرب آخرون من طاقات هؤلاء الشباب ويحرم وطنهم , في السطور القادمة حاولنا إلقاء الضوء من خلالها على الأسباب من خلال هذا التحقيق.‏

- المهندس محمد عمر أحد خريج كلية الهندسة المعلوماتية: تبخرت الأحلام الوردية ورميت كثير من الصحف وهجرت نشرات الأخبار المطعمة بالتصريحات والوعود الملتهبة وثبت لي أن الدراسة في أي فرع في الجامعة يشابه الفرع الآخر ولايكفي أن تحمل حرف »م« قبل اسمك حتى ولو كانت الهندسة معلوماتية هكذا بادرن.‏

ويضيف: أن الصورة التي رسمتها في خيالي عن المستقبل الباهر لهذا الاختصاص, انهارت لحظة محاولتي البحث عن عمل واكتشفت أن التأهيل الأكاديمي شيء, والعمل شيء مختلف تماماً.‏

وبين العام والخاص يؤكد محمد أن القطاع الخاص يبقى الأفضل في هذا الميدان لكون العمل فيه أكثر جدية ويبقى الشخص المقدم غير قابل للتهميش, إضافة إلى العامل الأهم حسب تعبيره وهو العامل المادي والفروقات الكبيرة في هذا الإطار بين الذي يتقاضاه مهندس المعلومات في القطاع العام, والعامل في القطاع الخاص حيث يصل إلى خمسة أضعاف في بعض الأحيان لمصلحة العامل في القطاع الخاص بينما يصف ماهر محسن »يعمل في القطاع الخاص« العمل في القطاع العام بأنه يشبه الانتحار البطيء معتبراً أن خريج المعلوماتية يتحول إلى مدخل للبيانات إلى أجهزة الحاسوب والتي عادة لا تحتاج إلى شهادة علمية فيما لو توافرت الدورات التدريبية اللازمة لذلك, كما أن معظم المسؤولين عن العمل في القطاع العام لا يعرفون عن تقنيات المعلوماتية الكثير وأكثر الموظفين الموجودين على مكاتبهم يرفضون هذا المنافس الجديد نتيجة لقلة الوعي ويبقى همهم الشاغل أن هذا الحاسوب سيحل محله.‏

رأفت زرقا الخريج الأول على دفعته لعام 2007 في اختصاص البرمجيات والمعلومات »يعمل في القطاع الخاص«: خريج المعلوماتية يحتاج إلى معاملة خاصة لكون هذا المجال يحتاج إلى تركيز شديد للوصول إلى الإبداع الذي يبتغيه من خلال تهيئة وسط مريح وفريق عمل متجانس وهذا الوسط ليس فقط كرسياً وطاولة وجهاز كمبيوتر إذا ما أريد لهذا الشخص أن يبتكر ويبدع, فمعظم طلاب هندسة المعلوماتية يمتلكون الكثير من الأفكار والإبداعات التي يحلمون بتجسيدها على أرض الواقع ولعل مشاريع التخرج خير شاهد على ذلك.‏

ويضيف المهندس زرقا: إنني مثلاً أعمل حاليا في مجال كان مشروع تخريجي مدخلاً للولوج إليه, فقد كانت فكرة المشروع هي التنقيب عن المعلومات بقاعدة معطيات مناخية حيث يتم اعتماداً على الفكرة التنبؤ بالعناصر المناخية والآن أعمل في شركة خاصة تقدم خدماتها في هذا المجال وأرجع السبب إلى أن مشاريع التخرج التي تقوم بها الطلاب مشابهة تماماً لحاجات السوق وأردف قائلا: إن خريج الهندسة المعلوماتية في جامعاتنا يتميز بمستوى عال من الأداء والإبداع حتى إن معظم من يذهب للدراسة خارج القطر تفوقوا بدرجات كبيرة على غيرهم من الخريجين في الدول الأخرى وحتى العمل حيث نرى الكثير من الأسماء الكبيرة التي لمعت في سماء هذا المجال في الدول العربية هم من خريجي الجامعات السورية وبالتحديد هم مواطنون سوريون.‏

أما عن العمل: أقول لك بصراحة قد أعمل في القطاع العام فيما لو وجدت فرصة للإبداع وتقديم ما هو مفيد لبلدنا, ولن أنظر للعامل المادي لأنني بالتأكيد ستكون لي أعمال أخرى تساعدني في التزاماتي وتقديم الإبداعات التي أطمح إليها.‏

مازن محمد خريج (2007) يعمل في هندسة البرمجيات ونظم المعلومات في شركة خاصة: أنا مثلي مثل أي خريج لدينا فرصة للتقدم للاتجاه والعمل بالقطاع العام, لكن قد يطول الانتظار فنعمل في القطاع الخاص, الذي يقدم مردوداً جيداً لشاب يريد تكوين نفسه وبناء ما يلزم لحياة المستقبل, إضافة إلى أنه قد يقدم فرصاً أكبر للإبداع والانطلاق والخبرة.‏

كما أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي عدم الثقة بمهندسي المعلوماتية الوطنيين في القطاع العام, على سبيل المثال القيام بمشاريع ضخمة في هذا الإطار يدفع إلى التعاقد مع كوادر خارجية قد تفوقها الكوادر الوطنية في غالب الأحيان من كافة الجهات إبداعاً وإخلاصاً, وتقدم للكوادر الخارجية مبالغ تفوق بعشرات الأضعاف ما يقدم للكادر الوطني, كما أن الروتين الذي يحكم العمل في معظم مفاصل القطاع العام يجعلنا نبتعد بشكل أو بآخر عن العمل فيه فالروتين هو العدو اللدود لعمل مهندس المعلوماتية.‏

- وبعد هذا العرض السريع لآراء عدد من خريجي كلية الهندسة المعلوماتية بدمشق والذي استقطبهم القطاع الخاص بمغرياته المادية وهوامشه الأوسع, ننتقل لنتبين حاجاتهم ومعاناتهم في هذا الإطار, وكيف تحول الحصول على مهندس يعمل في مجال المعلوماتية إلى عملية بحث شاقة تبوء معظم محطاتها بالفشل الذريع.‏

المهندس بشار القدَّة مدير المعلوماتية بمحافظة دمشق: لدينا مشكلة حقيقية بفرز مهندسي معلوماتية, فنحن نحتاج للعديد منهم في المحافظة التي تعتبر من أوائل جهات القطاع العام التي تقدم خدمات الكترونية, ويضيف المهندس القدَّة لكن للأسف لا يوجد لدينا حتى الآن مهندس واحد من خريجي الهندسة المعلوماتية يعمل في دوائر المحافظة ونحاول تلافي النقص بالاعتماد على العقود التي أبرمناها مع جامعتي دمشق وتشرين لتقديم الخبرة اللازمة من أجل تشغيل الأنظمة وعزا المهندس القدَّة سبب هروب أو بالأحرى تهرب خريجي المعلوماتية من العمل في القطاع العام إلى العامل المادي بالدرجة الأولى ووجود المغريات المادية الكبيرة في القطاع الخاص التي تفوق ما يأخذه مثيله في القطاع العام بأضعاف عديدة, إضافة إلى توفير الأجواء المريحة والمحيط المناسب لهذا الشخص كي يتمكن من أداء العمل الموكل إليه كون هذا العمل يحتاج إلى كثير من التركيز والهدوء وهامش أوسع للإبداع.‏

وبين المهندس القدة أن الحل لاستقطاب هؤلاء الخريجين يتطلب بالدرجة الأولى تحسين المردود المادي ولو بشكل بسيط يتناسب مع ما هو مطروح في السوق وتقديم الحوافز وعوامل التشجيع ومنح طبيعة عمل مجزية كون هذا العمل يتطلب في بعض الأحيان الحفاظ على السرية بالنسبة لبعض المشاريع والنشاطات الخاصة بالقطاع العام ومنع الانزلاق لسرقة الأفكار والمشاريع وتقديمها إلى قطاعات أخرى فتكون بذلك خسارة كبيرة للقطاع العام..‏

أما المهندسة (أميرة غفير) تعمل في دائرة المعلوماتية في إحدى جهات القطاع العام: إن معظم خريجي هندسة المعلوماتية الذين تقدموا للعمل في جهات القطاع العام سرعان ما تسربوا وقدموا استقالاتهم واتجهوا للعمل في القطاع الخاص أو السفر خارج القطر والعامل المادي يحتل الدرجة الأولى في قائمة الأسباب, أما السبب الثاني فهو الروتين ونظام الدوام الرسمي الذي يجعل عمل الأشخاص في أنظمة البرمجة والأتمتة يقع تحت ضغط يؤثر على إبداع هؤلاء الأشخاص الذين يطورون ويبدعون باستمرار باكتشاف برامج ومطورات جديدة في إطار الأتمتة والمعلوماتية.‏

تضيف المهندسة غفير أن بيئة العمل الفردية التي تنتهجها معظم مؤسسات القطاع العام تساهم إلى حد بعيد في سرعة تسرب وهروب مهندسي المعلوماتية, فعمل المعلوماتية يحتاج إلى فرق عمل متكاملة حسب المتطلبات والحاجات, لافتة إلى نقطة أثارها أحد الخريجين أيضاً وهي المبالغ الطائلة التي تدفعها الجهات العامة للتعاقد مع كوادر أجنبية التي لا تقدم في بعض الأحيان ما هو مطلوب منها, بينما توجد طاقات مميزة تسربت نتيجة الإهمال والتهميش واستفادت منها دول أخرى.‏

الدكتور راكان رزوق رئيس الجمعية السورية للمعلوماتية ومدرس في كلية الهندسة المعلوماتية بدمشق: لقد أحدثت كلية الهندسة المعلوماتية بموجب مرسوم جمهوري لعام 2000 وتم تخريج أول دفعة عام 2003 حيث كان قد أحدث قبلاً أقساماً للمعلوماتية في كليات الهندسة الكهربائية والميكانيكية والعلوم ويتخرج من الكلية سنوياً بين 200 - 300 مهندس بثلاثة اختصاصات أساسية هي هندسة البرمجيات وهندسة الشبكات وهندسة الذكاء الصفي.‏

ويضيف الدكتور رزوق أن الدفعات المتخرجة تلقى فرصاً كبيرة للعمل في القطاع الخاص في الداخل والخارج نظراً لتعطشها وحاجاتها لهذا الاختصاص, بينما تحرم جهات القطاع العام من جهود هؤلاء الخريجين وهي بأمس الحاجة إلى جهودهم التي عملت كثيراً لايصالهم إلى هذا المستوى وهناك عدم توفر الحافز المناسب وبيئة العمل المناسبة ومقومات الإبداع, ولا يجب أن ننسى أن هؤلاء الشباب في بداية حياتهم, مقبلون على بناء مستقبل يحتاج إلى الكثير من المتطلبات المادية التي تفوق كثيراً ما يمكن أن يوفره عملهم في القطاع العام مقارنة بما يعرضه القطاع الخاص في الداخل والخارج.‏

ثورة زينة

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...