موت المجلات الثقافية

07-05-2009

موت المجلات الثقافية

الجمل- حسين درويش: معظم مجلاتنا الأدبية في حالة موت سريري وخاصة تلك التي تصدرها الوزارات أو المؤسسات الحكومية تحتاج إلى من يرفع عنها الأجهزة رحمة بها وبالثقافة، مجلات ليس لها مشروع ولا هدف ولا محتوى سوى تلك الهيئات التحريرية التي تحتل أسماؤها صفحة كاملة في مقدمة المجلة ،ناهيك عن ورق مصقول تفوح منه رائحة حبر طازج وألوان تتحدى المجلات النسائية بصراخها وقلة تجانسها.
تلك المجلات مستمرة في الصدور لأسباب حكومية، فهي خزانة الدولة ثقافياً وتمثل هيبتها في الوسط الأدبي لذلك تتراكم فيها نصوص كتاب الحكومة، وعن طريقها يقاس ولاء المثقف من عدمه، وفيها إعلانات عن استدراج عروض بالظرف المختوم لبيع بقايا خشب أو أعلاف حيوانية ولكأن قارئ هذه المطبوعة ينتمي إلى قطاع الفلاحين والمزارعين، ولا تخلو المجلة الأدبية العتيدة من بعض إعلانات التهنئة لإدارة حكومية بمناسبة وطنية.. وما أكثرها.
في حين تتوقف مجلات أدبية وثقافية رفيعة عن الصدور لأسباب مالية في الغالب، مخلفة وراءها مشروعا كبيراً في الثقافة، ولسبب (معلوم ـ مجهول) لا تقوم الحكومات بدعم هذه النوعية من المجلات ولا تعطيها فرصة الوقوف إلى جانب مجلاتها، فهي تدرك أن المنافسة ليست في صالحها ولا تخدم أهدافها، وهكذا توقفت شعر والناقد ومن ثم النقاد وأخيراً الكرمل، ولعل موت محمود درويش كان رصاصة رحمتها.
عندما تتوقف مجلة أدبية أو ثقافية رصينة ذلك يعني أن خللاً في المعرفة يضرب المجتمع، وطالما كان التوقف لأسباب مادية وليس لسبب آخر، فإن من واجب الحكومات أن تبحث في تلك الأسباب، أليس هذا ما تفعله عندما تتراجع التجارة وتكسد البضائع، تراها تسارع إلى معالجة الأزمة عبر ضخ الأموال وسن قوانين تنشط حركة التجارة، المجلة الأدبية لا تحتاج إلى قوانين، إنها تحتاج إلى رعاية بسيطة.. لتبقى ضميراً للشعب.
لقد ضربت أزمات اقتصادية العالم من قبل وتعثر صدور مطبوعات لكن لم تتوقف كليا كما الحال في بلداننا، حيث مازالت مطبوعات حكوماتنا الثقافية تصدر بخططها الخمسية والعشرية وتبويبها السقيم الذي لم تتغير فيه فاصلة، وحيث مواد تنام في المكتبات والأرشيفات لسنوات وسنوات دون أي ملل، وحيث تتكدس أعداد المجلات الرسمية أدبياً وثقافياً في المخازن والمستودعات غارقة في الغبار والنسيان، لا أحد يتذكرها سوى حفنة من موظفيها، نقول (موظفين) وليس محررين أو صحفيين، وما أكثرهم في وظائف الدولة.

 

شاعر وصحفي سوري


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...