هل حقّقت مشاريع التنمية في الرقة أهدافها؟

12-12-2010

هل حقّقت مشاريع التنمية في الرقة أهدافها؟

 تعدّ المنطقة الشرقية سلّة سورية الغذائية، كونها تتصدّر قائمة المحافظات المنتجة لمعظم المحاصيل الاستراتيجية، إلا أنّ تعاقب سنوات القحط والجفاف على هذه المنطقة، أدّى إلى تراجع إنتاجها الزراعي، وانعكس تأثيره على مجمل النشاط الزراعي فيها، وبدأت المنطقة تشهد هجرات بالجملة نحو المدن الأخرى، أو إلى خارج القطر،  بحثاً عن مصادر رزق بديلة، وازدادت بذلك أعداد العاطلين عن العمل، وسجّلت محافظة الرقة أعلى نسبة للأميّة في القطر، كما تضاعفت أعداد التلاميذ المتسربين من مدارسهم. هذه الأسباب مجتمعةً دعت الحكومة إلى اتخاذ عدّة إجراءات لتنمية المنطقة الشرقية، فطُرحت عدّة مشاريع هدفها الحدّ من الفقر، وزيادة فرص العمل، والنهوض بالمستوى التعليمي والصحي، والقضاء على ظاهرة الأمية، والحدّ من انتشارها.
وضمن هذا التوجّه، وبهدف إنماء البادية، وتحقيق استقرار سكانها، عمل مشروع تنمية البادية على إعادة استزراع البادية وإنماء حقولها، وتحصين ثروتها الحيوانية، وتطوير بناها التحتية، وتأمين عوامل استقرار سكانها، وتعزيز المشاركة الإيجابية للمرأة في مجال التنمية المجتمعية، من خلال إخضاعها لدورات تأهيل وتدريب مجانية، ولا يختلف نهج هيئة إدارة وتنمية البادية عن عمل المشروع في مجال تنمية البادية، وإعادة الغطاء النباتي إليها، مع اختلاف الأماكن التي يستهدفها، كما يشمل عمل الهيئة تنفيذ محميّة بيئية في موقع طوال العبا، وتوزيع معونات غذائية في عموم بادية محافظة الرقة والمنطقة الشرقية. كما يهدف مشروع الحدّ من الفقر وتمكين المرأة الريفية، إلى تدريب النساء على إدارة المشاريع المدرّة للدخل في الريف، وذلك من خلال دورات تدريبية للنساء في المناطق التي يستهدفها المشروع، وفي هذا الإطار يقوم مشروع تحديث الإدارة البلدية، الذي ينفّذ بالتعاون بين وزارة الإدارة المحلية والوكالة الإسبانية، بتدريب الكوادر العاملة في مجالس المدن والبلدان، على مهارات القيادة الإدارية، وفنّ مزاولة المهنة في مختلف الاختصاصات، بالإضافة إلى مشروع التنمية الريفية الذي يستهدف 30 قرية في محافظة الرقة، ويعمل على تنمية المجتمع المحلي في هذه القرى، من خلال دورات مدرّة للدخل، وأخرى لمحوِ الأميّة، وتحسين طرق الاستفادة من مياه الأمطار، ودورات توعية صحية، وتنفيذ حقول إرشادية في قرى المشروع..
سنوات عديدة مضت على انطلاقة مجموعة مشاريع التنمية المذكورة، فهل تمكّنت في الحدّ الأدنى من تحقيق أهدافها؟ وهل أسهمت في تثبيت السكان في مناطقهم؟
 
أرقام ومؤشرات
تشير الأرقام الإحصائية إلى تراجع المؤشرات الصحية في محافظة الرقة، حيث يبلغ متوسّط عمر الفرد في المحافظات الشرقية 67.4 سنة، في حين يصل المعدل الوطني إلى 72 سنة، وإجمالي عدد السكان، الذين يستفيدون من خدمات طبيب واحد في المنطقة الشرقية، 1195 مواطناً، مقابل 712 مواطناً في المعدل الوطني، ولا تتعدّى نسبة المساكن المخدّمة بشبكة صرف صحي في المنطقة الشرقية 49 %، في حين ترتفع في المعدل الوطني إلى 73 %، وبقيت نسبة التسرب المدرسي في محافظة الرقة عند حدود 2 % ابتداءً من العام 2005 وحتى الآن، مع ظهور مؤشرات في تراجع نسبة الأمية في المحافظة من 34 % عام 2005، إلى 27.6 % عام 2009.  
 
حديث الشارع
معظم من التقيناهم من الذين تابعوا هذه المشاريع، أو عملوا فيها، يؤكّدون أنّ هذه المشاريع عجزت عن تحقيق الحاجات الفعلية لسكان البادية على الأقل، حيث هجرها أهلها بسبب ندرة غطائها النباتي، وتدهور مراعيها، ما أدى بالنتيجة إلى تقلّص أعداد القطعان، وبحث المربّون عن مصادر رزق بديلة، كما أنّ الحقول، التي قامت الهيئات المهتمّة بشؤون البادية باستزراعها، تيبست وماتت نتيجة شحّ الأمطار، ولم تحقّق الفائدة المرجوّة منها، ولم تسهم الحفائر التخزينية التي نُفّذت في تأمين مصدر مائي للمربين وقطعانهم للأسباب السابقة نفسها.
ويرى سكان البادية، أنّ الهيئة العامة لإدارة وتنمية البادية لم تحقّق شيئاً جديداً لهم، وسارت على نهج مشروع التنمية نفسه، باستثناء المشاريع المزمع إقامتها في محميّة طوال العبا، والتي تتضمّن تربية غزلان، وبناء مدينة ألعاب ووسائل ترفيهية، ولكنّ القائمين على المشروع نسوا أنّ المحمية تقع في أطراف البادية، وتبعد عن مدينة الرقة أكثر من 60 كم، فمن المستفيد من مجموعة هذه المشاريع؟ وإذا كانت مشاريع التنمية، على اختلاف مسمياتها، قد حققت أهدافها، كما يصرح القائمون على تنفيذها، فلماذا هاجر سكان البادية من أبناء الرقة، بحثاً عن لقمة عيشهم، إلى ريف دمشق ودرعا ومناطق الساحل السوري والدول المجاورة.  
وتلتقي آراء أبناء المحافظة على أنّ العامل التنموي الأهمّ في حياة أبناء المنطقة، هو مشاريع استصلاح الأراضي الجديدة، لأنّ التوسّع في هذه المشاريع، يترك آثاراً إيجابية في شتّى الصعد، من حيث تثبيت السكان في أراضيهم ومناطقهم، وخلق فرص عمل لهم، كما تؤدي هذه المشاريع دوراً كبيراً في التنمية البشرية، من حيث تجميع السكان في قرى ومزارع كبيرة، ما يسهّل على جهات الإدارة المحلية تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية تغطّي احتياجات أكبر عددٍ ممكن من السكان، وإضافة إلى ذلك فإنّ دخول مساحات جديدة في حيّز الاستثمار الزراعي، يسهم في تحقيق معادلة الأمن الغذائي، ويؤمّن فوائض تصديرية من مختلف الغلال والمحاصيل.
 
قضية ورأي
أوضح المهندس عيسى السلوم، مدير فرع تنمية المنطقة الشرقية في محافظة الرقة، أنّ الحكومة اعتمدت، في رسم سياستها التنموية للمنطقة الشرقية، على مؤشّرات الخطة الخمسية العاشرة، التي بيّنت أنّها (المنطقة الشرقية) تحتوي على أعلى معدلات للفقر والبطالة، حيث تبلغ نسبة الفقر فــــــي هذه المنطقة 18 % في مناطــــق الـريف، و11.2 % في مناطق الحضر، كما تحتوي أنّ نسبة البطالة فيها تصل إلى 13 %.
وأشار السلوم إلى أنّ أهم أهداف مشروع التنمية تحقيق تنمية إقليمية عادلة ومتوازنة في المنطقة، من خلال اعتماد خطط تنمية مكانية واقتصادية واجتماعية، ويتمّ ذلك عبر إشراك المجتمعات المحلية في الاستثمار الأمثل للموارد المحلية المتاحة، وقد تمّ إنجاز وتنفيذ دراسات متكاملة لخطط التنمية المكانية الاقتصادية، ورسم الخرائط الخاصة بذلك في عموم المحافظة، مشيراً إلى أنّ كافة هذه الإجراءات تمّت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإدخال مشروع التنمية الرشيدة، وتنمية المجتمع المحلي، وهو المشروع الأول من نوعه في المنطقة.
وفيما يخصّ مشاريع التنمية، التي يتمّ تنفيذها في المحافظة، بيّن السلوم أنّ هذه المشاريع تمكّنت من تحقيق أهدافٍ عدّة، في مجال تنمية حقول البادية، وتحرير عدد كبير من السكان من أميّتهم، وتدريب المجتمع المحلي على كيفية إقامة مشاريع صغيرة مدرّة للدخل، وتنفيذ حقول زراعية إرشادية، ولكن من الأجدى أن تتوحّد جهة الإشراف على مشاريع التنمية المختلفة في المحافظة، وتطوير آلية عملها، كي تستطيع الوصول إلى كافة الشرائح المجتمعية وتلبية احتياجاتها.
ونوّه السلوم، في ختام حديثه، إلى أنّ أهم عامل تنموي تمّ تحقيقه خلال السنوات السابقة، هو افتتاح كليات جامعية في المحافظة تلامس احتياجات سوق العمل في المحافظة، مثل كليات التربية والزراعة والهندسة المدنية والري والصرف والآداب، حيث ستسهم هذه الكليات في إعداد كوادر بشرية تسهم في عملية التنمية المنشودة.

صالح الحاج حمد

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...