الخادمات أكثر من خدمات

16-08-2010

الخادمات أكثر من خدمات

لا يستطيع أحد أن ينكر أن موضوع استقدام الخادمة إلى المنزل قد سلب تفكير أغلبية سيدات المجتمع السوري على اعتبار أنها موضة العصر وبحجة الحفاظ على الوقت واستغلاله في أمور وقضايا أرقى من تنظيف المنزل وتحضير الطعام حتى باتت القضية بريستيجاً تباهي النساء به متناسيات أثر الخادمة السلبي على ثقافة العائلة وشخصية الطفل تحديداً ولغته إضافة إلى أثرها السلبي على زيادة عدد العمالة الوطنية التي أصبحت فائضة في مختلف المجالات...
ولنكن منصفين: هناك العديد من الأسر بحاجة إلى وجود خدم نتيجة الضرورة والظروف والحاجة إلا أن عدم الدقة في اختيار الخادمات واختلاف ثقافتهن وأخلاقهن وبيئتهن من عادات وتقاليد مختلفة عن عادات المجتمع السوري أمر لا بد من تسليط الضوء عليه والتصدي له ولاسيما أن الخادمة أضحت بدلاً من كونها مساهمة في أعمال التنظيف والترتيب ومربية للأطفال أماً بديلة لهم...؟

فجوة كبيرة «بين الأسرة والخادمة...»؟!

التقينا الاختصاصي الاجتماعي د. كامل عمران في جامعة دمشق الذي أكد بداية وجود فجوة كبيرة جداً بين الأسرة في سورية والخادمة الأجنبية ولاسيما أنها قادمة من مجتمع نجهل عاداته وتقاليده...
وحول قضية انتشار الخادمات في المجتمع السوري أضاف عمران: إنها جاءت نتيجة احتكاك المواطن السوري مع الأقطار العربية أو حتى مع مواطنين سوريين يعيشون في دول الخليج والفكرة انتقلت انتقالاً ولم تكن حاجة طبيعية من حاجات التطور في المجتمع أي هي نقل مشابهة ومحاكاة وتقليد وهي أيضاً جزء لا يتجزأ من الوجاهة لأن الكثير من العائلات في سورية تجد أن عدد الخادمات يفوق عدد أفراد الأسرة الأمر الذي أصبح غير ممكن.

الإشارة هي اللغة السائدة
وأشار عمران إلى أن القضية الأسوأ لوجود الخادمة في المنزل هي قضية اللغة الأم التي تجهلها الخادمة ولا تعرف عنها شيئاً، ثم نأتي ونقول إن الخادمة تربي الأطفال فكيف تربي الأولاد ولا تعرف لغتهم أم هي جاءت لتعلم الأولاد غير اللغة العربية وغير حتى الإنكليزية لأن ما تتقنه هذه الخادمات ليس إلا عبارة عن لغات فرعية الأمر الذي يشكل تشويهاً حقيقياً وخطيراً على عملية تعليم الطفل اللغة العربية في وقت تصبح فيه اللغة الأم مجال تهديد كبيراً...
وأضاف قائلاً إن القضية ليست قضية لغة وإنما محتوياتها لأنه باللغة نفكر وباللغة نتصور المستقبل والحاضر وبها نحدد ماذا نريد وماذا يجب أن نفعل فاللغة هي إطار الأمة وآمالها وآلامها وعندما تتشوه اللغة يتشوه المجتمع ويصبح هناك اعتداء على القيم والعادات وتزداد الفجوة بين الخادمة والأطفال إلا إذا كانت لغة الإشارة هي اللغة السائدة بين الأطفال والخادمات...

حوادث مؤسفة...
ولفت د. عمران إلى أن قضية التربية لا تتم هكذا، التربية تحتاج إلى مربين ومربيات إلى أمهات لديهن الحرفة الكبيرة على تنشئة الأبناء.
فالأمومة ليست لهواً أو جمع الأولاد دون تنشئة وتوعية وبقاءهم يبكون طوال فترة غياب الأم عن المنزل... وللأسف مجتمعنا لديه الكثير من الحوادث المؤسفة التي أودت بحياة الأطفال نتيجة لتصرف الخادمات غير الإنساني...
ولدى سؤال عن تأثير الخادمة على الناحية الاقتصادية قال إنها تشكل نزيفاً اقتصادياً للبلد معتقداً أن هناك نحو أكثر من 200 ألف لكل خادمة، هذا المبلغ يذهب خارج البلد وبالتالي هذا يعد نزيفاً اقتصادياً في غير جدواه الاقتصادي ولاسيما أن عددهن يزيد على 200 ألف خادمة هذا الرقم يأخذ مكان 200 ألف قوة عمل في سورية بحاجة إلى عمل...

الآثار السلبية
وتطرق عمران إلى الآثار السلبية التي تتركها الخادمات على المراهقين في المنزل في ظل غياب الأم والأب المتكرر والذي يصل أحياناً إلى درجة الذل والمهانة نتيجة التقاليد العربية الأصيلة التي تجهلها تلك الخادمات...
كما أكد ضرورة التفريق بين مفهوم الخادمة قديماً وحديثاً، بالأمس كانت تسمى صانعة لتصنع وتبدع وتربي وكانت جزءاً لا يتجزأ من الأسرة وكانت تربيتها في معظم الأحيان تتم في المنزل ذاته أي داخل الأسرة وتعامل معاملة أي فرد من أفراد الأسرة حتى إن زواجها يتم عن طريق الأسرة التي تعمل فيها ولاسيما أنه لا يجوز أن تقترن الصانعة بشخص سيئ لا يتحلى بالآداب من حيث المستوى على عكس ما تحمله صفات الخادمة في وقتنا الحاضر...

لكل اختصاص خادمة والأجر عشرة ألاف ليرة سورية
اقتحمت ظاهرة الخادمات بقوة المجتمع السوري في السنوات الأخيرة إذ أصبحنا نراهن في المطاعم والحدائق وأماكن لهو الأطفال من جنسيات مختلفة أندونيسية وفلبينية وسيرلانكية وإثيوبية كما نراهن يسرن في الشوارع والأسواق وفي المقعد الخلفي في سيارات من يعملن لديهم ويهتممن بأطفالهم وهذه الظاهرة بدأ المجتمع يتقبلها ويتعامل معها على أنها باتت ضرورة لا بد منها لمن تتيح له إمكاناته المادية في استخدام خادمة لأسرته وقد يحتاج لأكثر من خادمة في عدة اختصاصات كالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وغيرها.
وقد نص المرسوم التشريعي رقم 62 لعام 2007 على أن يتم استقدام العاملات والمربيات من غير السوريات عن طريق المكاتب المرخصة كما يستوفى رسم من المستفيد من خدمات العاملة والمربية في المنزل من غير السوريات المرخص لها بالعمل قدره 40 ألف ليرة خلال سنوات الإقامة الثلاث في سورية كما تستوفى من المستفيد من خدمات العاملة غرامة مقدارها 100 ألف ليرة إذا ثبت لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تشغيلها بغير الغرض التي استقدمت من أجله أو إذا قام باستقدام العاملة دون الحصول على ترخيص العمل أصولا أو استمر باستخدامها دون تجديد الترخيص.

شروط ترخيص المكاتب واستخدام الخادمات في سورية

نص القرار رقم 108/م والصادر عن مجلس الوزراء الذي تضمن نظام المكاتب الخاصة العاملة في استقدام العاملات والمربيات في المنازل من غير السوريات وشروط وقواعد استخدامهن داخل سورية حيث ألزم القرار طالب الترخيص تقديم إيصال خزينة يتضمن تسديد بدل الترخيص لحساب الخزينة المركزية قدره 300 ألف ليرة وتقديم كفالة نقدية غير مشروطة وغير قابلة للإلغاء بقيمة 15 مليون ليرة على أن تصدر عن أحد المصارف العاملة والمرخصة أصولاً كما يلتزم صاحب المكتب بتأمين مقر إداري للمكتب ومقر إقامة مؤقت لمبيت العاملات وفتح سجل خاص لبيانات العاملات اللواتي تم استقدامهن وسجل يوضح آلية الاتصال بالمستفيدين والعاملات اللواتي يعملن لديهم وتقديم البيانات التي يطلبها مفتشو العمل وفتح حساب مصرفي تسدد فيه الالتزامات المادية المستحقة على المستفيد تجاه المكتب وتأمين مستفيد للعاملة في حال إعادة المستفيد العاملة للمكتب وتأمين سفر العاملة إلى بلدها على نفقة المستفيد إذا تجاوزت مدة استخدامها لدى المستفيد ثلاثة أشهر.

10 آلاف ليرة كمعدل وسطي أجر الخادمة
بلغ عدد مكاتب استقدام واستخدام العاملات والمربيات من غير السوريات المرخصة حتى تاريخ 14/4/2010 نحو 20 مكتباً متوزعة في محافظات دمشق وريفها وحلب وحمص واللاذقية.
وأكد لنا مجموعة من أصحاب مكاتب استقدام خادمات أجنبيات وجود عدد كبير جداً في سورية من الخادمات الأجنبيات من الفلبينيات إلى السيرلانكيات والإثيوبيات، كل عائلة تختار الفتاة التي تريد حسب جنسيتها وخبرتها في العمل فالأسرة السورية اليوم، تفضل الخادمة الأجنبية على الخادمة السورية، التي تكون أكثر تمرداً على شروط العمل الصعبة ولا تتحمل الأعباء كما تتحملها الأجنبية ويضاف إلى ذلك أجرها الذي يعتبر مقبولاً نوعاً ما إضافة إلى ندرة الخادمات السوريات بحكم العادات والتقاليد في مجتمعنا وعن الأجرة التي تتقاضاها الخادمة شهرياً لقاء عملها أكدوا أن الرواتب هي بحدود 200 دولار أي 10 آلاف ليرة سورية.
وأكدوا أنهم يقومون بفحوصات لهن للتأكد من الفحوصات التي تجرى للخادمات في بلادهن مثل الإيدز والكبد والسل والتيفوئيد وتجرى هذه الفحوصات في مخابر متعددة ونسبة من نكشف لديهن أمراضاً 2-3% وعندئذ تعاد الخادمة لبلادها فوراً.

غياب الموظفين في وزارة الشؤون
وعندما توجهنا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لمعرفة الإحصائيات عن عدد الخادمات في سورية وعن دور الوزارة بمراقبة عمل المكاتب المرخصة لاستقدامهن ولدى سؤالنا في مديرية القوى العاملة قيل لنا قبل كل شيء أن نقوم بتقديم طلب خطي لموافقة الوزيرة وكان ذلك ولكن بعد أن أتت الموافقة على الطلب وتم أخذنا إلى الموظف المختص في المديرية لنحصل على ما نريد من معلومات قال لنا الموظف عودوا في اليوم التالي لتكون هذه البيانات جاهزة ولكن عندما عدنا وسألنا قالت لنا زميلته في المكتب إنه اضطر للسفر إلى مدينة اللاذقية فسألنا من أين نريد الحصول عليها فقالت من مكتب الإحصاء وذهبنا ولكن المفاجأة كانت أن الموظفة المسؤولة في المكتب هي الأخرى غائبة عن العمل ولا أحد يستطيع إعطاءنا ما نريد على حد قولهم ودخلنا بعد ذلك إلى مديرية منح بطاقات العمل لهؤلاء الخادمات ربما نستطيع الحصول على رقم بشكل تقريبي فأجابنا الموظف: إنه يستطيع إعطاءنا الرقم إلا أن هناك موظفاً ثانياً يعمل معه وهو غير موجود فنصف العدد مسجل لديه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل غياب موظف يعطل العمل بهذا الشكل أم إن ذلك هو مقصود لأنه لا يتوافر لدى الوزارة رقم حقيقي بعدد هؤلاء الخادمات؟!

هل وجود الخادمة الأجنبية ضروري؟
يرى البعض أن استقدام الخادمة بات حاجة للكثير من السوريين وخاصة بوجود شخص مريض أو كبير في السن في الأسرة أو سيدة تعمل خارج المنزل ولكن لا بد من وضع حد لها منذ البداية وتعريفها ما يترتب عليها وعدم إفساح المجال لها للاندماج بالعائلة لأن لكل عائلة خصوصيتها وعدم السماح لها إلا برفقة العائلة مع مراقبة مكالماتها الهاتفية وبما أن لغتهن مختلفة فالأمر مريح جداً.
ويرى آخرون أن الخادمة أصبحت رمزاً اجتماعياً للدلالة على رفاهية شريحة محددة كما أنه أصبح استقدامها بغرض الاستعراض والتباهي وهم لا يفضلون استقدام هذه العاملات إلى المنزل وخاصة الأجنبية لأن لغتها وعاداتها مختلفة عن لغتنا وعاداتنا وما يمكن أن يتعلمه الأولاد الصغار منها من عادات غريبة عن مجتمعنا، كما أنهن صغيرات في السن لا يستطعن القيام بأعباء أسرة كاملة من طبخ وتنظيف وتربية أطفال.

ضريبة سنوية تقارب 200 دولار عن كل خادمة

عشرات إن لم يكن مئات آلاف الخادمات من مختلف الجنسيات الآسيوية تنتشر في عموم بيوت الأسر السورية وبحسب النظام الخاص بهاتيك الخادمات فمن الخطأ كل الخطأ القول بتسمية الخادمة وإنما الأصح هو المربية أو العاملة في أسوأ الأحوال، وتتراوح الأجور التي تتقاضاها الخادمة بحسب اختلاف المكتب الذي استقدمها وليس بحسب مقوماتها هي كشخص ذي مهارات معينة إذ إن زيارة واحدة إلى أي من هذه المكاتب تجعل حجر المرء يطوف بالبروشورات والكتيبات التي تتضمن صور الخادمات ومهاراتهن، فمن التي تتقن اللغتين الأجنبيتين الفرنسية والإنكليزية إلى التي تتقن العربية وصولاً إلى تلك التي تمتاز بحفظها للقرآن الكريم وأخرى تجيد تنسيق الحدائق.

 حاولنا ومن خلال مصادر عدة الوصول إلى بعض الحقيقة ما يدفع عن هذه الخادمات وما تتقاضاه الجهات المعنية من ضريبة عليهن، وقد تبين أن طريقة وكمية المبلغ الذي يتم تقاضيه انقسمت إلى مرحلتين، ففي المرحلة الأولى قبيل تنظيم هذه المسألة من وزارة المالية كان الراغب في استخدام خادمة في منزله يطلب إلى المكتب تأمين خادمة بمواصفات معينة ويدفع تأميناً عليها يصل إلى ألف دولار يقدمها للمكتب الذي يقدمها بدوره (على ذمة المكتب طبعاً وما أوسعها) إلى وزارة المالية ومن ثم وبعد انتهاء عقد عمل الخادمة تتم إعادة مبلغ التأمين إلى مستخدمها، وهي إعادة تكون وهمية في الأغلبية العظمى من الحالات حيث يستولي المكتب على مبلغ الألف دولار ويبلغ مستخدم الخادمة أن المبلغ تم تسديده رسوماً وضرائب وما إلى ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخادمات في تلك المرحلة كن يدخلن سورية بفيزا سياحية ويستمر صاحب المكتب بتأمين العمل لهن في حين أنهن مقيمات غير شرعيات في سورية ويستولي على ألف دولار.
المرحلة التالية لتلك الفوضى حملت إلى راغبي استخدام الخادمات نظاماً أكثر إحكاماً وأقل إثراء بالنسبة لأصحاب المكاتب حيث يترتب على من يرغب في تشغيل خادمة في منزله أن يطلب ذلك إلى مكتب ومن ثم يتوجه بعد الحصول على الموافقات اللازمة إلى مديرية المالية في المحافظة التي يقع فيها مسكنه ويسدد ضريبة للخزينة العامة للدولة بمعدل (20-10-10) بحيث يسدد ضريبة عن السنة الأولى بمقدار 20 ألف ليرة سورية (ما يقارب 400 دولار) في حين يسدد عن السنة الثانية من عملها لديه مبلغ 10 آلاف ليرة سورية (ما يقارب 200 دولار) ويسدد عن السنة الثالثة من عملها في منزله مبلغ 10 آلاف ليرة سورية ليكون المجموع بمجمله 40 ألف ليرة سورية تحصل عليها الخزينة العامة وليس صاحب مكتب خادمات يخدع الزبون ويسرق حق الخزينة العامة للدولة ليثرى على حساب الطرفين، وفي ذلك نقطة ايجابية تسجل لمصلحة وزارة المالية التي نظمت هذا القطاع بعد فوضاه وما نهب من حق الدولة عبره.

هناء غانم - وسام محمود- مازن خير بك 

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...