أول مسح من نوعه لظاهرة السكن العشوائي في سورية

24-09-2008

أول مسح من نوعه لظاهرة السكن العشوائي في سورية

عندما تسلم الدكتور شفيق عربش إدارة المكتب المركزي للإحصاء قبل نحو ثمانية أشهر سألته: متى يمكن أن نلمس التغيير الجديد في أداء وعمل المكتب، فردعلي: بعد نحو ثمانية أشهر تقريباً تبدأ خطة العمل الجديدة تؤتي ثمارها.. وبالفعل هذا ما كان.

فقد أنجز المكتب المركزي للإحصاء وفي إطار خطة عمله السنوية المطورة مسحا هو الأول من نوعه في سورية، يتناول ظاهرة السكن العشوائي لعام 2008، وقد خلص إلى نتائج مهمة يفترض أن تحل مكان البيانات والمعلومات غير العلمية المنتشرة منذ سنوات، والتي حاولت الإحاطة بمعالم هذه الظاهرة عبر جهود فردية وتقديرات سطحية. ‏

- تكونت عينة المسح البالغ عددها 3010 من المساكن التي لاتملك طابو نظامياً في مراكز المحافظات ومراكز المدن في ريف دمشق وحسب الأحياء (13 محافظة) والتي تشكل فيها نسبة هذه المساكن 75% فأكثر.. ‏

وقد بينت النتائج ـ لجهة توزع المساكن حسب نوع السكن ـ أن نسبة المساكن التي هي عبارة عن شقة في مبنى بلغت من إجمالي المساكن 27.7%، فيما كانت نسبة المساكن التي هي عبارة عن دار عربي 34.4%، والمساكن التي هي عبارة عن مسكن شعبي 37.9% ولم يلحظ المسح أي بيت ريفي.. ‏

هذه البيانات تقودنا إلى النقاط التالية: ‏

ـ وجود تنوع عمراني غير مدروس هندسياً سببه غياب النسيج العمراني الواحد وتنفيذ الأبنية السكنية بشكل ذاتي بعيداً عن الاستعانة بالخبرات الهندسية والعمرانية. ‏

ـ غلبة المساكن الشعبية وهذا أمر طبيعي نتيجة وجود معظم مساكن المناطق غير المنظمة ضمن تجمعات سكنية متلاصقة، فضلاً عن أن بناءها الذي تم على عجل لم يمكن أصحابها لاحقاً من بناء طوابق إضافية. ‏

واللافت في النتائج المهمة التي خلص إليها البحث وهي كثيرة، أن متوسط المساحة الطابقية للمسكن العشوائى على المستوى الإجمالي يصل لنحو 103 م2 وهو متوسط يفوق المساحة الطابقية للكثير من الشقق السكنية الحديثة، فمثلاً المساحة الطابقية الغالبة في مشروع السكن الشبابي لاتزيد على 90م2، كما أن متوسط عدد الغرف في المسكن العشوائي الواحد كان 3 غرف، فيما، ومن خلال حساب مؤشر معدل التزاحم ووسطي حصة الفرد من المساحة الطابقية، تبين أن معدل التزاحم الكلي هو 1.7 بينما هو على مستوى إجمالي الجمهورية 1.3 وأن متوسط حصة الفرد من المساحة الطابقية بلغ 18 م2و هو على المستوى الإجمالي في مراكز المحافظات 21.2م2. ‏

ونحو مزيد من التوضيح لطبيعة مساكن مناطق السكن العشوائى تؤكد بيانات المسح أنه لايوجد أي مسكن مبني من الاسمنت المسلح، إذ إن 25.3% من المساكن مبنية من البلوك الاسمنتي دون أعمدة و 50% من المساكن مبنية من البلوك الاسمنتي مع أعمدة، فيما كان نحو 23.5% من المساكن مبنية من الحجر وفقط 1.2% مبنية من اللبن.. ‏

هذه المؤشرات الإحصائية تذهب في الاتجاه ذاته الذي يتم من خلاله دوماً النظر إلى طبيعة المخاطر المحدقة بمناطق السكن العشوائي لاسيما في ظل حدوث أية كوارث طبيعية، فوجود نحو 50% من المساكن العشوائية مبنية من مواد غير مقاومة وغير قادرة على مواجهة أية حالة طوارئ يدلل على حالة الخطر الكامنة وتتضح الخطورة أكثر إذا علمنا مثلاً 16.3% من هذه المساكن تحتوي على تشققات في الجدران، وإذا كنا قد استثنينا النسبة الباقية المكونة للمساكن المبنية من البلوك الاسمنتي مع أعمدة فهذا لايعني أنها آمنة إنما تبقى أفضل من غيرها..... ‏

وتحمل ملاحظات الباحثين المسجلة لجهة كسوة المساكن إشارات حول الوضع المادي للقاطنين من جهة ومدة الإقامة فيها من جهة ثانية، فهناك مثلاً 70.8% من المساكن كسوتها عادية و 26.7% كسوتها جيدة، وفقط 2.5% من المساكن كسوتها ممتازة.. 
 في بند الملكية يبين المسح أن 88.4% من المساكن هي ملك للأسر التي تقطنهاوأن 7.4% هي مستأجرة من قبل الأسر التي تقطنها و 4.2% هي إما ملك لأهل قاطنها أو هي مقابل رهن أو وقف أو مقابل عمل أو مساعدة.. الخ، ومن بين المساكن المستأجرة هناك 6.7% إيجار مفروش و 93.3% إيجار غير مفروش.. ‏

- إحدى أهم النقاط التي تشكل مادة للنقاش وخلافاً بين المهتمين بمعالجة ملف السكن العشوائي أو غير المنظم ما يتعلق بالخدمات العامة، فالبعض يرى أن تزويد هذه المناطق بخدمات الكهرباء، مياه الشرب و الصرف الصحي، الهاتف، المدارس والمراكز الصحية أمر ضروري للحد من عمليات التعدي والسرقة على هذه المرافق من جهة، ومن جهة ثانية فإن إيصال الخدمات سيرفع من المستوى المعيشي والصحي والتعليمي لسكان المناطق العشوائية والذين هم بالأساس مواطنون سوريون وجزء أساسي من عملية التنمية المستهدفة.. فيما يرى طرف آخر أن إيصال الخدمات من شأنه المساعدة على زيادة رقعة هذه المساكن ومخالفاتها لدرجة لن تستطيع معها الجهات المعنية إيجاد حلول متكاملة ودائمة لهذه المشكلة، وبالتالي فالتشدد في تزويد المخالفات السكنية بالخدمات العامة سيحد من توسعها... لكن إلى ماذا خلص المسح من نتائج في هذا السياق؟!. ‏

تشير بيانات المسح إلى أن 99.2% من المساكن متصلة بشبكة الكهرباء العامة، بينما تتم الإنارة لنحو 0.8 % من المساكن بواسطة الكهرباء من مولدات ذاتية وهي موجودة في ثلاث محافظات هي: دمشق ـ ريف دمشق ـ حلب... ‏

كما أن 96.9% من إجمالي المساكن موصولة بشبكة المياه العامة وتحصل على المياه من هذه الشبكة، فيما يحصل 1.3% من المساكن على المياه من بئر خاص بالأسرة و 0.2% من منهل مشترك و 1.6% من مصادر أخرى (الصهاريج.. الخ). 
 وتنخفض نسبة المستفيدين من شبكة الصرف الصحي قليلاً عن المستفيدين من شبكة المياه، إذ إن 94.3% من المساكن موصولة بشبكة الصرف الصحي، والنسب الباقية من المساكن إما تتخلص من المياه العادمة إلى حفرة فنية وهذه نسبة مساكنها 4.5% أو أنها تتخلص من المياه العادمة بواسطة مجار مكشوفة وربما إلى البساتين المجاورة أو.. الخ وهذه نسبتها 1.2%. ‏

واللافت أيضاً في هذا الجانب أن 65.6% من الأسر القاطنة في هذه المساكن لديها هاتف ثابت منها 91.7% في المساكن التي هي ملك للأسر.. ‏

أما بالنسبة للخدمات المتوفرة في منطقة السكن فهي لم تكن أقل شأناً من الخدمات العامة المتوفرة للمسكن، حيث أكدت نتائج المسح أن 65.6% من أسر هذه المساكن أجابت أنه يتوفر مركز صحي في منطقة السكن، و 30% تقريباً قالت بوجود مشفى في منطقة السكن، و 93% قالت بوجود مدرسة ابتدائية، و 63.8% أكدت وجود مدرسة ثانوية، و 57.8% أجابت بوجود دار حضانة في منطقة السكن. ‏

وبالنسبة لمرافق الخدمات المتوفرة في داخل المسكن فإن 99% من المساكن تبين وجود مطبخ فيها، و 97.7% تحتوي على حمام، و 99.9% من المساكن فيها مرحاض، فيما تبين أن 0.1% لايوجد فيها مرحاض وهي إما دار عربي أو مسكن شعبي، وهنا ربما يكون المرحاض مشتركاً ويقطن في المسكن أكثر من أسرة لذلك عندما سألت الأسر هذه عن وجود مرحاض خاص بها نفت ذلك. 
 ‏ ما سبق من نتائج وبيانات يقودنا إلى نقاط مهمة يجب التركيز عليها وهي: ‏

ـ إن مشكلة مناطق السكن العشوائي ليست في إمدادها بالخدمات العامة، بل بالطريقة التي تتسبب غالباً في ضياع هذه الخدمات وتعرضها للسرقة والهدر تماماً كالكهرباء والمياه، دون أن يعني ذلك أنه لا توجد حالات محددة تعاني من نقص في الخدمات العامة إنما بشكل عام تبقى المشكلة في إيصال الخدمة، ولعل حصول جميع مناطق السكن العشوائي في دمشق مثلاً على مياه الشرب من الشبكة الرئيسة للعاصمة يومياً، في الوقت الذي تعاني ضواحي سكنية حديثة من ندرة هذه المياه واعتمادها على الصهاريج والآبار الخاصة يؤكد هذه الملاحظة. ‏

ـ على الرغم من طبيعة تلك المساكن إلا أنها جميعها تقريباً تحتوي على غرف «منافع» من مطبخ و حمام ومرحاض، وهذا ما يغير قليلاً من الصورة التي تتبادر إلى ذهن كل منا والمتمثلة بأن مساكن السكن العشوائى غالباً هي أقرب إلى بيوت الصفيح، والتي إن وجدت في بعض المناطق فهي لا تشكل ظاهرة عامة. ‏

- يدرك الجميع أن سكان المناطق العشوائية تحديداً هم من الأشخاص المهاجرين نحو المدينة بحثاً عن فرصة عمل أو لإكمال الدراسة أو تبعاً لطبيعة عمل الزوج أو.. الخ، لكن المعلومة المهمة التي يقدمها المسح، وهي تنشر لأول مرة، تتعلق بتوزع السكان تبعاً للإقامة السابقة، إذا أظهرت النتائج مثلاً أن النسبة الأعلى من سكان مناطق السكن العشوائي في دمشق ينتمون لمحافظة ريف دمشق وهؤلاء بلغت نسبتهم 18%، ثم يأتي القادمون من محافظة درعا 14.5% فيما كانت النسبة الأقل من محافظة الرقة، وأما في مناطق السكن العشوائي في محافظة حلب فقد كانت النسبة الأقل من أبناء ريف المحافظة الذين شكلوا 97.6% من إجمالي القادمين لتلك المناطق، وهو الأمر ذاته بالنسبة لمناطق السكن العشوائي في بقية المحافظات وإن بنسب مختلفة.. ‏

من المؤشرات الأخرى المهمة في رسم صورة الواقع في تلك المناطق مؤشران.. الأول يتعلق بالحالة التعليمية لسكانها، والثاني يتعلق بقوة العمل والتشغيل ونسبة البطالة.. ‏

ففي المؤشر الأول تشير نتائج المسح إلى أن نسبة الأمية بين سكان تلك المناطق (15سنة فما فوق) تبلغ نحو 15.5% (وهذه نسبة قريبة من النسبة الإجمالية لظاهرة الأمية على مستوى القطر ككل) وتبعاً للجنس فقد كانت الأمية بين الذكور تشكل نحو 10.4%، و 21.3% بين الإناث، فيما بلغت نسبة الحاصلين على شهادة جامعية فأكثر نحو 3.1% (على مستوى القطر تبلغ النسبة 4%) وتبعاً للجنس فقد كانت لدى الذكور 3.9% ولدى الإناث 2.2%، ومن بين أعلى النسب المسجلة كان وجود 36.1% من الذكور في تلك المناطق حالتهم التعليمية تقف عند «ملم»، و 32.2% من الإناث حالتهن التعليمية وصلت إلى مرحلة التعليم الأساسي... ‏

أما بالنسبة للمؤشر الثاني فقد أكد المسح أن معدل النشاط الاقتصادي الخام وصل لنحو 29.8% وهو بذلك أعلى بقليل من المستوى العام للجمهورية، كما أن النشاط الاقتصادي المنفتح بلغ نحو 47.5%، فيما كانت نسبة البطالة 9.3% وهو معدل مساو تقريباً لمعدل البطالة على مستوى القطر خلال الربع الرابع لعام 2007. ‏

ويبدو من المفيد أن نذكر أن بيانات المسح الخاصة بنسبة توزع المشتغلين في تلك المناطق حسب النشاط الاقتصادي تبين أن 5.2% يعملون في الزراعة، 18.6% في الصناعة، 14.1% في البناء والتشييد، 10.1% في التجارة والفنادق والمطاعم، 6.5% في النقل والمواصلات، 1.1% في المال والتأمين، والنسبة الأهم وتبلغ 44.8% تعمل في الخدمات... ‏

- تقدم البيانات السابقة والبيانات الأخرى الكثيرة التي تضمنها المسح ولم تسمح مساحة النشر بتناولها صورة واضحة لظاهرة السكن العشوائي في سورية.. بيانات لا تحتاج اليوم سوى لقليل من اهتمام الجهات المعنية بمتابعة ملف السكن العشوائي، التي يفترض أن تعتمدها أساساً لتحركها البحثي والإجرائي، ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في هذه البيانات أنها شفافة لدرجة تبدو معها محاولة تحليلها ضرباً من المستحيل.. أو كما يقال من السهل الممتنع. ‏

زياد غصن

المصدر: تشرين

التعليقات

يرجح ان يكون اجراء هذا المسح تم لتسيهل مهمة الخبير دي سوتو و التي ستتمحور حول نتظيم مناطق السكن العشوائي و التي - اقتباسا عن السيد عبد الله الدردري - تعد ثروات كامنة. يذكر انه من فترة قصيرة القى الخبير دي سوتو محاضرة شيقة جدا في فندق الشيراتون عن هذا الموضوع مستحضرا خبراته في دول شقيقة

السكن العشوائي حسب الدراسات العالمية هي فعلاً ثروات كامنة لأنها تعكس قدرة السكان عل حل مشكلة السكن في ظل عجز حكومي ظاهر ،بعيداً عن الروتين والتعقيد والمماطلة وهذا لا يعني أن نشجع انتشار هذا النمط من السكن بل أن نستفيد من دروسه الايجابية في تطوير سياسة اسكانية تضمن وصول المسكن الملائم للمستفيد حسب قدراته الاقتصاديةوحسب احتياجاته الانسانية ...على سبيل المثال ما زالت سياسة حكومتنا الاسكانية متخلفة تعتمد على امكانيات مادية محدودة لديها تثقل كاهلها وهي قد تصل إلى الفئة المستحقة وقد لا تصل بل تذهب إلى فئة تجار ومنتفعين ..باختصار الأحياء العشوائية التي نشأت في ظروف غير داعمة يمكن للموارد البشرية التي أنشأتها أن تكون حلاً لأزمة السكن فيما لو توفر لها الدعم اللازم وهذا يتطلب قراءة علمية للمسح وهو موضوع بحث الدكتوراة الذي آمل أن أتمَه ويجد طريقة إلى نفع عام وليس إلى رفوف وأدراج المكتبة...

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...