تياترو أول معهد سوري خاص للتمثيل

17-03-2007

تياترو أول معهد سوري خاص للتمثيل

لقد صرعوا موهبتك من الجولة الأولى. عدت خائبا تجر خلفك أنقاض حلمٍ لم يكتب لك الوقوف على شرفاته، والتأمّل في خياراتك. في عدة دقائق انتهى كل شيء، وعليك الإذعان للواقعة كقدر محتوم. هذه التداعيات لا زالت تسكن الكثيرين، المئات ممن حزموا آمالهم وتوجهوا إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وضّبوا أدواتهم ومشاهد حضروها بذعر، ووقفوا أمام لجنة الفحص، في امتحان القبول، وبعض أعضائها ممثلون معروفون، ليرتبكوا محاولين مداراة خوفهم ممن بدوا لهم مثل كتيبة الإعدام، وهم يحرجون ويسخرون أحيانا (حتى لو كانت طريقة للتحفيز وكشف ما لدى الشباب). هكذا ظهر الأمر من زاوية المتقدمين. كانوا مئات والمقبولون منهم لا يتجاوزون 15. هزيمة سريعة كهذه يصير من الصعب تقبلها، لذلك سيأتي ذكرها، كغصة مقيمة، في أحاديث كثيرة، وأغلبها سيتساءل هل يمكن الجزم، في دقيقتين، أني لا أصلح نهائيا، وإلى الأبد، للتمثيل؟!

في هذا السياق تحاول الممثلة السورية مي اسكاف تقديم مناخ ملائم للشباب، كي يجيبوا بتروٍ على أسئلتهم. هي لا تقول أن فحص القبول، في معهد التمثيل، يتجنى عليهم. لكنها بالمقابل تؤكد عجز المعهد عن حصر المواهب وانتقائها بطريقة صحّية. وتردف أنه عندما يصل عدد المتقدمين إلى حوالي 800 متقدم، يصعب الركون إلى إثنين بالمائة منهم، والقول أنهم وحدهم الصالحون وغيرهم لا، إذ «بأسوأ الحالات هناك عشرة بالمائة من المتقدمين لديهم الإمكانية، والشروط الفنية، التي تؤهلهم للخوض في عالم التمثيل» خصوصا أن المعهد هو الوحيد من نوعه في سوريا، ويكون ظلما للشاب إن عوّل عليه في بحثه عن ذاته.
تصورات اسكاف هذه، وغيرها، تجلت في مشروع بدأت ملامحه تأخذ شكلا واضحا. منذ وقت طويل، وعندما كانت تقدم مع زملائها عروضا للمسرح القومي، كانوا يتمنون وجود مكان للقاء والعمل، ويقدم عروضا تلائم مزاجهم، دونما ارتهان لظروف التمويل المسرحي القاسية. يتحدثون بحسرة وحسب. هذه الأمنية صارت لاحقا محور اهتمام اسكاف، لتتيقن أيضا أن ما يلزم لترجمة الأماني واقعا هو التفكير بالخطوات العملية. كان على أحد ما أن يأخذ خطوة متقدمة على التمني. منذ سنتين عملت في مسلسلين، تقول أنها رصدت ريع أحدهما لتعيش، والثاني لتقيم أول معهد خاص لتأهيل الممثل، ويكون في آن مكانا مكرسا له شباك تذاكر. يقدم عروضا مسرحية، ويلتقي فيه المحترفون ومشاريعهم، وصولا إلى تكوين فرقة خاصة من خريجي المعهد يحتضن عروضها ويرعاها. «التياترو» هو اسم مولود اسكاف الذي بدأ يحبو بعد مخاض استمر نحو سنتين. مقره بيت دمشقي قديم، يضم بعض التجهيزات، ببهوِ يستحيل خشبة وقت الحاجة. ويتدرب فيه الآن 18 طالبا من هواة التمثيل، سيتم ترفيع من أثبتوا حضورهم إلى مرحلة ثانية، وهكذا يتخرج الطالب بعد تجاوزه أربعة مراحل. ومن لم يفلح في تخطي مرحلة، ولازال مصرا، يستطيع أن يمتحن نفسه بإعادة المحاولة، ليعاد تقييــم مـــا يقدمه. بيئة كهذه ستكون كفيلة بتبديد شعور الغبـــن، الذي يحسه الكثير من المتقدمين لمعهد الفنــون المسرحية.

وبشكل أساسي سيمكنهم اختبار موهبتهم، والتقرير إن كانوا يريدون فعلا الاستمرار، أو يصلحون له، أو أن غواية التمثيل كانت هواية ونزوة. وهو أمر كان يمكن ملاحظته مؤخرا. فقد دعا «التياترو»، منذ أيام، لحضور بعض التمارين المسرحية لطلابه. بعضهم بدا يتمتع بموهبة حقيقية (قليل منهم)، وآخرون لم يظهروا افتتانا كافيا بما يأدونه، ربما كونهم يواجهون جمهورا للمرة الأولى، أو لأن التمثيل ليس إلا خلجة ليس لها رصيد كاف لتتبلور عندهم. يشرف على التأهيل في «التياترو» ممثلون محترفون وأخصائيون، وهم يتوزعون في عدة اختصاصات منها الليونة والدراما والقراءة المسرحية. مشرفة الدراما، الممثلة الموهوبة ناندا محمد، تعتبر أن «التياترو» لا يشكل مكانا بديلا عن معهد الفنون المسرحية، بل «رديفا» له. حيث يشكل معهد التمثيل إطارا أكاديميا جاهزا، ومبرمجا، ليس على الطالب إلا الدخول في سياقاته، في حين يكون عليه في «التياترو» بذل جهد إضافي، وقد يكون ذا أثرِ إيجابي في نضوج موهبته، وقدرته لاحقا أن يكون «عجينة مطواعة» بين يدي المخرج. في حين لا يكون كل من ينخرطون في إطار المعهد الأكاديمي ممثلين لمجرد تخرجهم منه. فالمسألة هنا تبقى رهنا بما يقدمه طالب التمثيل ويؤمن به.

العقبة الوحيدة أمام «التياترو» هي المسألة المادية، كما توضح صاحبته، وهي التي ستقرر إن كان سيستمر ويغدو مشروعا ناجزا، في حال استطاع أن يحقق، في السنوات القادمة، اكتفاءا ذاتيا من ريع عروضه وخدماته الأخرى. وتعود اسكاف هنا لتعلّق: «لو كنت صاحبة رأس مال لقلت أنه لا شيء في العالم يمكنه الوقوف أمام مشروعنا»، متأملةً أن تقدم خمسة عروض سنوية للمسرح، تحقق للمكان شخصيته وطقسه، هي عرض راقص، عرض باليه، عرض لمسرح الطفل (هناك أطفال يتم تأهيلهم لهذا الغرض)، إضافة إلى عرض فرقة شباب «التياترو»، وعرض يقدمه الممثلون المشرفون عليه.

وقد علّق بعض من حضر تمارين الطلاب أن معظمهم لا يظهر موهبة كافية، لكنهم جزموا بوجود موهبة واضحة لدى قلّة منهم. هذا بحد ذاته نقطة مضيئة. فكم هم الذين فشلوا في مقابلة معهد الفنون المسرحية، وهجروا التفكير بالتمثيل خائبين، وربما كانوا موهوبين لكنهم لم يكرروا المحاولة. بينما هناك آخرون تقدّموا لفصح القبول عدة مرات حتى نجحوا، ونراهم الآن ممثلين موهوبين. كم موهبة ذهبت سدى.. لا أحد يعرف بدقة، لكن ما لا جدال فيه أن «التياترو» صار الآن مكانا موازيا، يقلل نسبة «السدى» عن النسبة الكبيرة التي كانتها لسنوات طويلة، عن تجربة وباعتراف الكثيرين.

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...