رحيل نقولا زيادة شيخ المؤرخين المعاصرين

28-07-2006

رحيل نقولا زيادة شيخ المؤرخين المعاصرين

الجمل : توفي مساء أمس  في بيروت المؤرخ الشامي نقولا زيادة عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، قضاه في التدريس والبحث والتأليف ، حيث حل وارتحل بين فلسطين وسوريا ولبنان بعد أن تلقى علومه في بريطانيا, وعمل مدرساً في قرى فلسطين, ومن ثم في الجامعة الأميركية في بيروت, وعاش مرحلة اكتشاف التاريخ من قبل أهل التاريخ, فبعدما كان المستشرقون يؤرخون تاريخنا على هواهم السياسي والثقافي انبرى مؤرخون عرب, ومن أبرزهم الدكتور نقولا زيادة الى وضع قراءة عادلة لبعض تاريخنا, واستطاعوا توضيح الصورة وتقريبها الى واقع المنطقة.
. ولد في دمشق 1907 من والدين فلسطينيين, كان والده يجيد اللغة الألمانية, ويعمل في سكة حديد أنشأتها ألمانيا في دمشق, انتقل الى هناك مصطحباً زوجته حيث ولد نقولا في روايته لولادته يسلط الضوء على تدخلات الدول الأوروبية ومنها ألمانيا في السلطنة العثمانية, حيث يعتبر مشروع سكة الحديد ذاك مركز نفوذ اقتصادي وسياسي كبير. بعد وفاة الوالد عادت العائلة الى فلسطين حيث عملت الوالدة في جنين والتحق نقولا بدار المعلمين في القدس وتخرج عام 1924 وعمل بالتعليم في قضاء عكا. ويروي قصة طريفة عن تلك الفترة وهي حول زيارة بلفور (صاحب الوعد الشهير) الى القدس عام 1942, حيث استقبل بالتظاهرات والإضرابات الواسعة, وحدث أن حضر الى القرية التي يعمل فيها مدرّس قادم من القدس, فسأله: كيف حضرت الى هنا تاركاً مدرستك؟ فأخبره أن هناك إضراباً بدأ منذ شهر احتجاجاً على زيارة بلفور, كما أن الاضطرابات تعم القدس بأسرها, كل ذلك وفي قرى عكا لا أحد على علم بما يحصل بسبب صعوبة الاتصالات وبدائيتها. ويضيف الدكتور نقولا زيادة في هذا الصدد: كنا نتلقى الأخبار من الصحف التي تصل أحياناً الى عكا, أما الى القرى البعيدة فمن النادر أن تصل, وإن وصلت فإنها تصل متأخرة جداً.
مارس التعليم حتى العام 1935 حين حصل على منحة دراسية الى بريطانيا نال بعدها إجازة في التاريخ, وعاد الى القدس مجدداً قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939, وعام 1947 زار بريطانيا مجدداً لمتابعة الدراسات العليا في التاريخ أيضاً, حتى عام 1949 حيث كانت قد أعلنت دولة إسرائيل في فلسطين, وتم طرد العدد الأكبر من السكان الى الدول العربية المجاورة, وبدأ الشتات الفلسطيني يتكون حيث رأى نفسه بين وطن قد ضاع وغرب يقصده بهدف الدراسة لا الاغتراب, فانتقل الى بيروت هذه المرة ليعمل مدرساً في الجامعة الأميركية حيث شعر بأنه حاز على وطن بسبب التقدير والترحيب اللذين لقيهما لدى اللبنانيين, لكن الحسرة على أيام الطفولة والشباب في الناصرة والقدس وعكار لم تفارقه أبداً.
عام 1973 تقاعد من التدريس في الجامعة الأميركية ليعمل هذه المرة مشرفاً على رسائل الدكتوراه في الجامعة اليسوعية, كما أنه مارس التعليم أيضاً في الجامعة اللبنانية, وعام 1991 تقاعد نهائياً وانصرف الى الكتابة.
نال وسام الاستحقاق السوري نهاية عام 2002 ، تقديراً لجهوده العلمية.
عاش هموم العرب, وشاهد منذ نعومة أظفاره انهيار السلطنة العثمانية, ودخول قوات الحلفاء الفرنسيين والبريطانيين الى المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأولى, وعاصر الحرب العالمية الثانية, وعايش التغلغل اليهودي في فلسطين, وأصبح من الشتات الفلسطيني, درس التاريخ ودرّسه, وبحث فيه غائصاً الى العمق الحضاري,.
طعّم التاريخ بالأدب,ليخط أسلوبه الممتع.
ليكون , واحد من أعمدة التأريخ، فقد نال شهادة الدكتوراه في عام 1950، وكانت رسالته عن (سوريا في العصر المملوكي الأول)، وله العشرات من الكتب كان أولها كتاب بعنوان (روّاد الشرق العربي في العصور الوسطى)، ومنذ ذلك الحين وصلت دراساته التاريخية الموسوعية نحو أربعين كتاباً (منها اثنان بالمشاركة) بالعربية، وستة كتب بالإنجليزية، وترجم ستة كتب عن الإنجليزية، وكتاباً عن الألمانية ،ومع ذلك فكان يرى نفسه فاشلا، صحيح أن فشله ليس من النوع المثير كما يقول، لكنه فشل على أي حال.
أحببت خالتي !!
قد يكون هذا أول فشل طفولي في حياة نقولا زيادة، وهو فشل مع سبق الإصرار والترصد، فقد كان فشلا عاطفيا من نوع غريب، لم لا ومن أحبها كانت خالته؟!
يقول نقولا زيادة عن هذا الحب الطفولي الطريف " كنت في السادسة من عمري عندما أحببت خالتي، حتى أنني شعرت بالغيرة عندما خطبت، وظل هذا الشعور يطاردني حتى فسخت خطبتها بعد أربع سنوات، مما أفرحني جدا"، لكن ينتهي الحب إلى مأساة عندما تمرض حبيبته بوباء الكوليرا ليكون لها ممرضا وملازما حتى فارقت الحياة بين يديه.
الفشل الثاني في حياته كان أنضج، وإن كان لا يعتبره فشلا كبيرا، فقد أحب فتاة وتواعدا على الزواج، غير أن أمها فضلت أن تزوجها لابن أختها دون أن تعارض الفتاة.
أما الفشل الكبير والغريب في حياة الأديب، هو ألا يتقن صناعة الأدب، خاصة بعد أن عركته الأيام وتجاوز التسعين من عمره، فقد جرب كتابة القصة القصيرة لكنه فشل في ذلك، وهو الأديب الكبير.
لكن الفشل الغريب في حياة نقولا زيادة، هو فشله في أن يقنع الكثيرين في المغرب العربي أنه مسيحي، فحجتهم في ذلك أنه لا يمكن للمسيحي أن يستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، بل إن الفقيه التطواني أحد علماء المغرب ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد كان يذكره أمام أصحابه باسم " الشيخ نقولا

إعداد ـ الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...