سوريا: ماذا غيّرت الحرب في حياة المجندين؟

02-10-2015

سوريا: ماذا غيّرت الحرب في حياة المجندين؟

عام ونصف عام هي مدة خدمة العلم الإلزامية للشباب في سوريا، والتي سبق وصدرت مراسيم جمهورية عدّة بتخفيضها من العامين ونصف عام إلى عامين، ثم إلى المدة المذكورة. لكن الحرب السورية، التي باغتت الكل، واستطاب لها البقاء، استدعت الاحتفاظ بالمجندين إلى جانب رفاقهم في الجيش، ومن بينهم شبان دخلوا عامهم السادس في الخدمة العسكرية، وهي حتى الآن، فترة لا تعتبر طويلة جداً قياساً بالفترة التي شهدتها سوريا في الثمانينيات.
واذا كانت الحرب قد شكلت خياراً بالنسبة الى السوريين الذين تطوعوا للقتال إلى جانب قوات الجيش السوري، ضمن تشكيلات عدة، أبرزها «الدفاع الوطني»، و «كتائب البعث»، و «الدفاع الشعبي»، فإنّ الأمر لم يكن كذلك بالنسبة الى الشباب الذين التحقوا بالخدمة الإلزامية بالتزامن مع بداية الصراع العسكري، إلا أن الواجب والوطن جعلاها قراراً لا يساوم عليه.
ولكن ماذا فعلت هذه الحرب بهؤلاء الشباب، وما هي أولوياتهم وأحلامهم وخططهم المستقبلية؟ وكيف اختلف أسلوب محاكمتهم للواقع المحيط والظروف المتغيرة؟جنود سوريون يراقبون مواقع المسلحين في قرية الزارة في ريف حمص (ا ف ب)
 بشار عيسى، وهو متخرج من معهد حاسوب، التحق بالخدمة العسكرية في 27 تشرين الثاني في الاكاديمية العسكرية في حلب، واتبع دورة اختصاص في إحدى الأكاديميات العسكرية في دمشق، ثم عاد إلى حلب وما زال فيها حتى اليوم.
يمضي بشار معظم وقته داخل الأكاديمية. يزور أهله في دمشق مرّة كل ثلاثة أشهر.
استغل بشار الفرصة ليتابع دراسته الجامعية (فرع تجارة واقتصاد) ويتخرج أثناء خدمته، بحكم صعوبة السفر المتكرر إلى دمشق.
ويقول بشار عن حياته خلال السنوات الخمس الماضية: «كنت في سن الخامسة والعشرين عندما التحقت بالخدمة العسكرية، ولم تكن لدي رغبة بالسفر الى خارج سوريا. قررت الذهاب إلى الخدمة العسكرية وأعود بعدها لكي أؤسس حياتي ومستقبلي».
ويضيف «كان هناك أكثر من عمل ينتظرني. تابعت دراستي لكي أطوّر نفسي، ولدي ثقة كبيرة في أن الفرص ستكون متاحة لي بعد أن تنتهي الحرب».
ويتابع بشار «لست متشائماً، ولدي يقين بأن الوطن سيتعافى يوماً ما، أحبّ وطني كثيراً، وقد مضى إلى الآن خمس سنوات من التعب والحرب، ولكننا لن نرحل ولن نتراجع».
وحول الجوانب الإنسانية من حياته في الخدمة العسكرية، يقول بشار «نعم أشتاق الى أهلي وأولاد إخوتي، وفي صميمي رغبة بالعودة إلى حياة طبيعية حرة لا تشوبها رائحة البارود، وما زلت أحلم ببيت وأولاد وعمل محترم مثل أي إنسان عادي بعد سنوات من البعد عن الأهل والبيت».
خيارات الحياة العسكرية محدودة، ومع ذلك، فإن الحرب السورية غيّرت مسار حياة مئات الشبّان، ونقلتهم من مكان إلى آخر. منهم من غدا مشهوراً وصديقاً لآلاف الأشخاص الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي في صفحات لتبادل الطرف والذكريات من أماكن خدمتهم في أوقات الاستراحة، كما فعل علي يوسف، الذي يدير صفحة «بوستات مسروقة» على موقع «فايسبوك»، والتي يتابعها أكثر من 130 ألف شخص، وبينهم من ليس من اختصاص عمله أو حتى هدف حياته.
ويقول وسام الطير، وهو مدير «دمشق الآن»، إحدى أهم الشبكات الإخبارية السورية على موقع «فايسبوك»، إنه دخل إلى الجيش السوري في مطلع العام 2010 لأداء خدمة العلم.
كان الطير يخطط لأن ينهي خدمته العسكرية، ويعود إلى حياته المدنية، ويزاول التجارة العامة التي نجح بها في وقت سابق.
قرر الطير أن يستثمر وجوده في صفوف الجيش السوري بعد اشتداد وتيرة الأحداث، التي لا يبدو لها أفق نهاية في سوريا، خاصة أنه كان متابعاً ومطلعاً وقريباً من الحدث الميداني الذي يشكل هاجساً لمعظم الشارع السوري، فأنشأ شبكة أخبار على «فايسبوك» بالتعاون مع مجموعة من أصدقائه، وبتسهيل من قادته العسكريين، الذين ساعدوه على تطوير عمله كـ «ناشط ميداني» من خلال السماح له بالتحرك والتنقل بحريّة وقت الحاجة لإيصال الخبر الموثوق للمتابعين.
يرى الطير أن الحرب قد غيرت منحى حياته تماماً، وجعلت وقته مكرساً بالكامل لخدمة القضية التي يؤمن بها، متنقلاً بين «رشاشه الـ14.5» الذي بات يعرفه كل أصدقائه على الموقع الأزرق، وحاسوبه الشخصي وهاتفه المحمول.
ينهي الطير حديثه ممازحاً: «لست متزوجاً وأقسمت بأنني لن أرتبط بأية فتاة حتى تنتهي هذه الحرب الملعونة. يمكنك القول إني عشقت القضية».
ليس صحيحاً أن الحرب بدلت مستقبل جميع أولئك الشباب للأفضل، فالوجه الآخر لحكايات خدمة الخمس سنوات، يروي قصصاً أخرى، تخلى بعض أصحابها عن أحلام الدراسات العليا، وخسر البعض الآخر عمله، أو اضطر الى تأجيل مشروع البيت والعائلة والأولاد بطبيعة الحال.
عامر ومحمود أخوان جامعيان التحقا بصفوف الجيش السوري قبل بداية الأحداث، وشاءت أقدارهما أن يكونا على جبهات ساخنة في حلب وحمص. أحدهما اضطر الى التخلي عن مقعده في الجامعة، بعد انقطاع ثلاث سنوات، قبل أن يُسرح، مستفيداً من مرسوم يقضي بإنهاء خدمة أحد الإخوة إذا كان بقية إخوته ووالده في الجيش، ويتجه للعمل في التجارة الحرة.
«نعم هناك مراسيم دورية يصدرها رئيس الجمهورية لطلاب الجامعات»، يقول عامر، «لكن شيئاً ما تغير بأسلوب تفكيري، الحياة باتت صعبة للغاية ولا أستطيع تحمل نفقات الجامعة، وانتظار مدة طويلة حتى يصبح بإمكاني الإنتاج، ولذلك قررت ترك الدراسة الجامعية».
طويلة هي الحرب، وجلّ ما يحلم به أولئك الشباب اليوم هو أن ترتسم لها ملامح نهاية قريبة، بعدما ساقتهم إلى أقدار ما كانوا ينتظرونها أو يتوقعونها، فهم، بالرغم من كل ما حصل، ما زالوا يحلمون بـ «حياة كالحياة».

سناء علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...