فعاليات تديّن السياسة وتسييس الدين

22-07-2007

فعاليات تديّن السياسة وتسييس الدين

شهدت الساحة الثقافية والسياسية السورية في شهري نيسان (ابريل) وأيار (مايو) فعاليات فكرية وسجالات سياسية تركزت حول العلاقة بين الدين والسياسة. ففي الوقت الذي بلغت الحملة الإعلامية للاستفتاء الرئاسي، (27/5/2007) ذروة غير مسبوقة بمشاركة علماء الدين وأئمة المساجد دعت دارا «أطلس» و «بيترا»، وبالتعاون مع المعهد الثقافي الدنماركي والمركز الثقافي الأميركي و «الفردوس تور»، مثقفين ونشطاء سياسيين وحقوقيين سوريين لحضور ندوة فكرية في المعهد الثقافي الدنماركي في دمشق تحت عنوان: «العلمانية في المشرق العربي» يومي 17 و18/5/2007.

كان تديين السياسة وتسييس الدين العامل المشترك في هذه الفاعليات وما أثارته من حوارات وسجالات. فقد استدعت السلطة السورية الدين إلى حقل السياسة من طريق استخدام علماء الدين وأئمة المساجد في طول البلاد وعرضها للمساهمة في الحملة «الانتخابية» لرئيس الجمهورية بينما هدفت الندوة الفكرية المذكورة الى التبشير بالعلمانية وبفصل الدين عن الدولة.

في الصورة الأولى علماء دين من كل المستويات والأصناف يوظفون «ثقافتهم» الدينية وبراعتهم اللغوية والخطابية في خدمة السلطة وبرامجها السياسية، يروون آيات كريمة وأحاديث شريفة وأقوال فقهاء من عهود النظم السلطانية. ويحثون المواطنين السوريين على المشاركة في الاستفتاء الرئاسي، باعتبار المشاركة «فرض عين» كما قال الدكتور عبد السلام راجح (أستاذ أصول الدين في معهد إسلامي، نجح في انتخابات مجلس الشعب في برنامج إذاعي في إذاعة «صوت الشعب» السورية، ويدعونهم للتصويت بـ «نعم» للرئيس، المرشح الوحيد، لأن الرئيس «ظل الله على الأرض» كما قال خطيب الجمعة (يوم الجمعة 20/4/2007) في أحد مساجد قطنا.

أما الصورة الثانية المعاكسة فتتكون من مثقفين، ومن مستويات متباينة، يدعون إلى فصل الدين عن السياسة والسياسة عن الدين من طريق تطبيق المنظور العلماني الذي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ويعرضون لتبرير موقفهم ودعوتهم أحداثاً تاريخية قديمة وحديثة شهدها العالم العربي والإسلامي تبرز الخلافات الفكرية والسياسية بين المسلمين وما أدت إليه من انشقاقات مذهبية وطائفية وما نجم عنها من مواجهات دامية ذهب ضحيتها عدد لا يحصى من المسلمين من كل المذاهب والطوائف والمناطق.

لقد كان لافتاً السجال الفكري والسياسي الذي تلا انعقاد الندوة (كرر منظموها وصفها بـ «مؤتمر العلمانيين» من دون تفسير ذلك علماً أن عدداً كبيراً من الحاضرين ليس علمانياً) حول موضوعها وما طرحه المشاركون فيها حيث تناولها كتاب وناشطون سياسيون وحقوقيون بالتعليق، كما كان لافتاً الصمت الداوي وعدم الاكتراث بمجريات الصورة الأولى واستخدام الدين في الدعاوى السياسية من قبل سلطة تصف نفسها بالعلمانية وتحّرم قيام تعبيرات سياسية، أحزاب أو منظمات سياسية أو جمعيات ثقافية، ذات مرجعية دينية (؟!).

إنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السلطة الدين والعواطف الدينية في خدمة برامجها وأهدافها حيث سبق واستدعت الدين إلى حقل السياسة في إطار استخدام نفعي. فقد شهد العقد الأخير ليس غض طرف عن نشاطات وممارسات مشايخ وعلماء دين ومجموعات إسلامية من دعاة طاعة أولي الأمر فقط، بل وتشجيع ومباركة ظواهر دينية يمكن وصفها بالمتخلفة كالقبيسيات اللواتي يتبنين رؤية دينية تستند إلى عدد من كتب الفقه التقليدي لا تتناسب مع روح الإسلام وقابلية الفقه الإسلامي للتجدد وفق الظروف والعصر، ويشعن بين المنتسبات إليهن نزعة استعلائية تحت ذريعة الزواج من الرجل الكفوء اجتماعياً وإيمانياً وهذا انعكس عليهن سلباً بتفشي العنوسة بينهن. ناهيك عن دفع عشرات المشايخ وعلماء الدين للترشح الى عضوية مجلس الشعب وتسهيل نجاح عدد غير قليل منهم في انتخابات الدور التشريعي التاسع (الأخير) وتوظيفهم في إعطاء انطباع ايجابي حول موقف السلطة من الدين.

كما استدعت السلطة الإسلام من طريق استخدام بعض الأصوات الإسلامية في مهاجمة قوى المعارضة الديموقراطية والناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة والغمز من عقيدتهم باسم الدين (نذكر هنا بتصريحات الدكتور البوطي ضد الجمعيات النسوية والدكتور محمد حبش ضد المعارضة الديموقراطية) ناهيك عن رعايتها للمناسبات الدينية وحضور مندوبيها لها.

كل هذا والسلطة تلاحق وتتهم وتدين كل ظاهرة إسلامية ذات بعد سياسي مهما كانت درجته ومستواه وطبيعته وتحرم تسييس الدين وقيام أحزاب تتبنى مرجعية دينية.

لماذا تجاهلت الندوة الفكرية التي عقدت للتبشير بالعلمانية هذه الممارسة الرسمية؟ ولماذا ثار الحوار والسجال بين المثقفين والناشطين داخل جلسات الندوة وخارجها حول محتوى الندوة من دون التفات إلى هذه الممارسة السلطوية؟ أهو التواطؤ أم الخوف؟.

علي العبد الله

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...