قصة باص الثقافة الوطنية

12-01-2008

قصة باص الثقافة الوطنية

أواخر السبعينات كان الوطن باصاً بشبابيك مكسورة وأبواب معطلة، ينطلق بسرعة ويتوقف بسرعة، فيدخل من يدخل  ويخرج من يخرج.. بعضهم يدفع للجابي ضريبته وبعضهم يصرخ بوجهه (باص) فيرهب عموم الركاب.. كنا وقتها في الجامعة، وكان (المواطنون) يتعمشقون على باصات النقل الداخلي كما تعمشق أجدادهم بسفينة نوح قبل أن تحط على قاسيون(1).. وكان زميلانا في الأدب العربي المذيعان: محمد العبد الله وجمال الجيش، مثلنا، مندفعين نحو المستقبل –الذي نعيشه الآن- وكانا ينتظران باص المستقبل المزدحم على الموقف عندما توقف أمامهما، فطحش الطاحشون، ثم انطلق السائق، الذي كان يمشي بقوانينه الخاصة، مخلفاً محمداً وجمالاً غير آبه بهما.. محمد العبد الله ركض خلف الباص غير أن جمال الجيش ناداه قائلاً: نحن مذيعان محترمان ولا يجب أن نركض خلف الباص مثل بقية الرعاع.. لكن محمد لم يأبه لكلام جمال فركض وتعمشق ووصل إلى محطة الجزيرة الفضائية بينما بقي جمال واقفاً في الفضائية السورية على الرغم من أنه كان الأكثر ثقافة وموهبة.. فقد كان باص الوطن كسفينة نوح يحمل ما هب ودب، البشر والبقر، ولم تكن النخبة أو شرطة المرور قادرة على تنظيمه وتوجيهه، وبعضهم وقف في وجهه فدهسه أو حطمه وأقعده، فغرق من غرق في المنافي والسجون ودائرة الإهمال.. والآن بعدما أدرك قادة الباص الجدد أن الثقافة هي خط الحماية الأول، فإن الإعلان عن دمشق عاصمة للثقافة، يعني أن تستعيد دمشق نخبتها المثقفة من حديقة الوطن الخلفية فتطلق أسرها وتعيد لها اعتبارها لتضيء إنتاجهم وأسماءهم كما أضاء الطليان ليل (الأمويين) الطويل بالأمس..


نبيل صالح

هامش(1):  جاء في القرآن الكريم (واستوت على الجودي) وقال بعضهم أنه جبل في آرارات وأنا أقول أنه جبل قاسيون وكلانا قد يكون صادقاً أو كاذباً فاختاروا ما شئتم.

التعليقات

أين هم من الثقافة السورية... لا أريد أن أحكم على فعاليات الاحتفالية قبل أن تبدأ... لذلك وبغض النظر عن الاحتفالية. فالمثقفون السوريون.. كانوا وما يزالوا يعانون التهميش في بلدهم كمثقفين.. فهل من يعرف من هذه الأجيال الجديدة ناظم الجعفري الذي مازال مأسوراً داخل أروقة دمشق.. وعبد السلام العجيلي.. (حيث تذكروه وقت وفاته)..و.. و.. في سوريا فقط يُنسى كبار المثقفين وتُصنع الأفلام الوثائقية عمن يظنون أنفسهم صنعوا ما لم يصنع من قبل..

الرائع نبيل صالح وين كنت مخبا

يمكن للباص أن يعود فيلتقط من نسيه على الطريق , لكن كيف له أن يعيد من دهسه وهشم عظامه. كل التحيات الى الكبير نبيل صالح

في السبعينات كل العالم كان يستخدم هذه الباصات , ولكن الآن لا أحد يستخدمه فيرجى تحويل باص الثقافة الى ميترو الثقافة ليستوعب الجميع ويماشي العصر.

لربما في الماضي كان هناك باص واحد يحمل من يتمسك به دفعة واحدة ,أما الان فقد تغير الزمن ,الباص أحالوه للتقاعد ,وأصبح كل واحد هو وعربته أو سيارته فكلما كانت أحدث وأسرع وتثير الإعجاب كلما زادت الفرص في الوصول وبدون وقوف على الإشارات(كرت أخضر),أما من بقي مع الأصالة مشيا على الأقدام أو على الحنطور فإنه سيتعب ويلهث ,ثم سيعود أدراجه ....

أستمتع بما تكتب ايها الصديق ..وأختزن زواياك في أماكن نضرة في قلبي. أنت تنعش صورة دمشق في غربتنا ...محبتي لك

فاذااستويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانامن القوم الظالمين>>>>>>>>> لقد كان باصا ارعنا ينطلق بسرعة ولا يعلم الى اين ويتوقف فجأة ولايعلم لماذا كان الراكب فيه مفقود والنازل منه مولود كان يسير بعكس كل الاتجاهات الصحيحة كان باصا ذو محطتين فقط واحدة للركوب واخرى للنزول كان باصا سريع الانعطاف والالتفاف كثير الاعطال صاخب الاصوات والقرقعات مرهبا الركاب ومثبتا لهم ان الموت حق فكانوا يتشهدوا على ارواحهم في كل حركة من حركاته الهوجائية .كانت اصوات زقزقة وفرقعة فرامله تسمع القاصي والداني وكانها صوت وحش هائج جاهز للوثوب على كل من تقع عيناه عليه كان باصا اعورا له مصباح ضوئي واحد فعندما كان يسير ليلا لا يستطيع تمييز ضحيته الا بعد دهسها .كان باصا سقفه مهترئا لا قدرة له على حماية ركابه من مياة الامطار في الشتاء .وشبابيكه مكسورة سمحت للرياح العاتية بالدخول والخروج والعبث بحرية بركابه لقد كانت تجربة باصات النقل الداخلي كغيرها من الكثير التجارب التي اثبت الزمن فشلها الذريع ومنها مثلا __تجربة التعريب __تجربة الثقافة مع تشديد الرقابة___تجربة تصنيع الاجيال الواعدة___تجربة الاخوة الاعداء__ تجربة حارة كل مين ايده الوه__تجربة غوار الطوشة سارق الافلام العالمية__ تجربة كل ديك على مزبلته صياح__تجربة انا وبس والباقي خس__

ان الكلمات والعبارات داخل وخارج جدران باصات النقل السوريةكانت تعبر تعبير واضح عن النضوج الثقافي والحضاري للجمهور السوري والامثلة التالية من باصات القطاع الخاص تعطينا صورة واضحة جدا عن المجتمع وثقافته....؟؟؟؟ وكانت العبارات والحكم والامثال هي الطريقة الوحيدة للتعبير في زمن الاشتراكية والحرية؟؟!!!وكانت هي الصحف والجرائد التي تعبر عن شعور وثقافة المواطن. ومنها: -يا ناظرلي نظرة حسد اشكيك لواحد أحد-عين الحسود فيها عود-عين الحاسد تبلى بالعمى-لا تلحقني مخطوبة-عروسةابو سليمان-ابو خالد راعيها والرب حاميها-يصطفلوا-لاتكن للعيش مجروح الفؤادي انما الرزق على رب العبادي-سواح-ودارت الايام-ويامال الشام-لاتسرع يابابا-لاتسرع الموت اسرع-لاتسرع يابابانحن بانتظارك..طبعابدون الماما-يا داخل هذا المكان صلي على النبي العدنان-ومن شر حاسد اذا حسد-أمل حياتي-محروسةبعين الله-عيون المها-العيون السود-بسم الله الرحمن الرحيم-هذا من فضل ربي-صلي على النبي- ياظالمني-أروح لمين-يامالكا قلبي...الخ لقد كانت هذه مساحةالمواطن ليتثقف بدون تدخل السلطات واما باصات الحكومة فكانت امثلها وثقافتها مختلفة مثل :كلنا للوطن-بالروح بالدم نفدي الاوطان؟؟-اقطع التذكرة اولا هذا الباص ملك المواطنين فحافظ عليه-حافظ على نظافة الباص - النظافة مظهر حضاري -النظافة من الايمان-اليد النتجة هي العليا في الوطن-النصر لنا وحرام على غيرنا-لا لاسرائيل ولا لامريكا-سورية قلعة الصمود والتصدي- نحن معك يا وطن-نحن نحبك يا وطن-الصعود من الامام والنزول من الخلف- لا تتكلم مع السائق-ارجع الى الخلف- ارجع الى الوراء-لاتمد يديك من النوافذ-لاتقفز والباص يسير-لاتنزل قبل وقوف الباص -دق الجرس للنزول- حضر نفسك للنزول..-احترس من الوقوف المفاجئ-تنبه-اقفز-لاتنظر للخلف- هذه هي ثقافة الباصات والتي كانت مثل ثقافة الانترنيت هذه الايام فايهما الاكثر اهتراء...؟؟؟؟!!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...