مراكز التجميل تستعصي على الرقابة

13-07-2008

مراكز التجميل تستعصي على الرقابة

«الخاتم الصيني للتنحيف السريع، اخسري كل شهر 5 كغ من وزنك بدون جهد أو تعب أو ريجيم أو تمارين شاقّة، يعمل على إزالة الشحوم والترهلات من البطن والأرداف والفخذين عن طرق الوخز الصيني..النتائج مضمونة وسريعة، ليس لها أي عوارض جانبية..التوصيل مجاني«الرنة عليك»والاتصال علينا..مع كل خاتم هدية».

عندما يصل الأمر إلى ظهور مثل هذا الإعلان في جرائدنا الإعلانية، فلن يبقى إلاّ ننتظر من سكرتيرة أحد أطباء التجميل المشهورين في دمشق، أن تنشق عنه وتفتتح لنفسها فرعاً تجميلياً وتعلن هي الأخرى «وما حدا احسن من حدا»أنّ مركزها يجري عمليات (حقن بوتكس، شفط شحوم، تجميل الأنف، تكبير وتصغير الثدي..). ‏

بهذا الإعلان تضيف السكرتيرة التي أخذت دور الأطباء إعلانها إلى نحو 15 إعلاناً عن مراكز للتجميل في عدد واحد فقط من الجرائد الإعلانية واسعة الانتشار في سورية. ‏

- وفي اتصال متنكّر قمنا به إلى الرقم الذي يعلنه المكتب الرئيسى الموزع لخواتم التنحيف الصينية في اللاذقية، بشّرتنا الموظفة أنّ الشحنة الأولى من هذه الخواتم قد نفدت فعلاً وأنّ الباخرة قادمة من الصين تحمل شحنة أخرى من هذه الخواتم السحرية. ‏

وفي هذه الدردشة الهاتفية لم نسأل تلك الموظفة فيما إذا كانت قد أجرت شركتها اختباراً إشعاعياً لهذه الخواتم بعد أنّ ردّت الجمارك السورية مؤخراً شحنة من الألعاب الرياضية القادمة من الصين والتي كانت مصنوعة من أنواع من المعادن المشعّة، لكننا سألناها فيما إذا كانت قد حصلت على تحليل من وزارة الصحّة بالصلاحية الطبية المزعومة لهذا الخاتم السحري، ورغم إجابتها بالتأكيد، فإنّ مدير عام الجريدة الإعلانية التي نشرت هذا الإعلان، ينفي حصوله على أية شهادات صحية من وزارة الصحّة حول هذا الخاتم. ‏

- ومن اللاذقية إلى أحد أحياء دمشق الراقية حيث تحوّل المركز الذي أحدثته الممرضة التي انقلبت على طبيبها الى قبلة للراغبات بالتجميل، رغم أنّ الشهادة التي افتتحت على أساسها (ك مركزها هي شهادة حلاقة وتزيين)، تلك الذريعة التي تسمح لها بمنع مفتشي ومراقبي وزارة الصحّة من مراقبة مركزها، حيث تعترف (ك( أنّها «قلّعتهم أكثر من مرّة من الباب»لأنّها لاتتبع لهم حسب ادعائها رغم أنّ إعلاناتها تضمّنت إعلانات طبية صريحة. ‏

كما أنّها وغيرها الكثير من المالكين لعيادات طبية بحجة شهادة الحلاقة والتزيين، قد أدخلوا جمعية الحلاقين هي الأخرى في معركة مفتوحة معهم، حيث يفيد أمين سرّ نقابة الحلاقين في دمشق سعيد قطّار، أنّ في دمشق وحدها نحو 5200 حلاّق منهم 3500 غير مرخصين وغير مسجلين في الجمعية، ويقول: نتعاون حالياً مع محافظة دمشق للقيام بحملة واسعة لتسوية أوضاعهم". ‏

وتعتبر صاحبة مركز التجميل المرخص بشهادة تزيين وحلاقة أنّ الحملة الموجهة ضدها من قبل أطباء التجميل«:بسبب الغيرة، ولأنّ مرضاهم الذين أجروا لهم عمليات فاشلة أصبحوا يأتون إليّ» ‏

وتقول (ك):«حصلت على الترخيص من نقابة الحلاقين، وما أمارسه ينحصر في جانب التزيين والتجميل»، وتضيف«:كان لدي طبيبان يعملان معي في المركز، والآن يقتصر نشاطي الطبي التجميلي على الاستشارات ونصح الزبائن بأطباء مختصين» ‏

من جهته، يبيّن سعيد قطّار أمين سرّ نقابة الحلاقين أنّ النقابة تنتظر الشكاوى من المواطنين لتتحرّك ضد المخالفين بالتعاون مع الجهات المختصة. ‏

ويعاني رئيس رابطة التجميل د.عمر مأمون من أنّ هذا التداخل بين اختصاص التجميل الطبي واختصاص الحلاقين هو من أكبر الإشكالات التي يذهب ضحيتها المرضى بنتائج خطيرة قد تصل إلى الموت. ‏

- دخول الحلاقين إلى مهنة أطباء التجميل ليس هو أوّل بوادر التشويه لهذه المهنة، كما يقول رئيس الرابطة د. مأمون، بل إنّ هذه المهنة بدأ ينخرها السوس من داخلها أيضاً أي من خلال الأطباء أنفسهم، والذين وضع كثيرون منهم مشارطهم الجراحية جانبية واتجهوا إلى حقن البوتكس وخراطيم شفط الدهون والشحوم. لِمَ لا فإذا كان الحلاقون قد هجموا بمقصاتهم وصالوناتهم على هذه الرزقة الواعدة، فمن يمنع الأطباء من الدخول إلى منجم الذهب هذا؟! ‏

هذه أوّل المفاجآت«خمسة أطباء تقريباً في دمشق، هم من يملأ الدنيا ضجيجاً إعلانياً بأنهم نجوم التجميل، لايحملون الاختصاص وغير مرخصين به»كما يقول الدكتور عمر المأمون رئيس رابطة التجميل في دمشق. ‏

والمفاجأة الأخرى ما يقوله القانون والقرارات التنظيمية لهذه المهنة: قانوناً لايحق سوى للأطباء الحاصلين على (شهادة اختصاص بالتجميل( والمرخصين على أساسها من وزارة الصحة بممارسة مهنة التجميل، كما خوّل القرار التنظيمي الصادر عن وزير الصحّة برقم 41/ت لعام 1970 الطبيب المختص بالجراحة العامّة بممارسة اختصاص الجراحة التصنيعية أي التجميلية، و سمح القرار التنظيمي رقم 13 لعام 2005 لطبيب الجلدية ممارسة بعض اختصاصات التجميل كنزع الأشعار وتجميل البشرة بالليزر وغيره من الأجهزة الطبية. ‏

أمّا معظم الاختصاصات الداخلة على مهنة التجميل في المراكز والعيادات والتي تتراوح بين أطباء (نسائية، أذن أنف حنجرة( إضافة إلى أطباء الجلدية الذين وسّعوا نشاطاتهم لتشمل ممارسة شفط الدهون والشحوم وشد الترهلات وتجميل الأنف، فإنّ القرار التنظيمي 13 حصر ممارسة تجميل الوجه بكل اجزائه بالطبيب المختص بالتجميل والمرخص أصولاً، وعليه، فإنّه «لايحق للطبيب المختص (أذن، أنف، حنجرة( ممارسة عمليات تجميل الأنف وفقاً لهذا القرار» بحسب وزارة الصحّة،كما لايحق لطبيب الجلدية أو النسائية وفقاً للقرار ذاته ممارسة عمليات إزالة الترهلات وشدّ البطن خلافاً لما هو شائع. ‏

ويعتقد الدكتور مروان البزم (اختصاص نسائية( وهو الذي يفتتح مركزاً تجميلياً بمشاركة زميلته الطبيبة المختصة بالجلدية، أنّه يحق لطبيب النسائية ممارسة عمليات شد البطن وإزالة الترهلات وغيرها، كما يحق لطبيبة الجلدية ممارسة أعمال الحقن بالبوتكس وغيرها من المواد التجميلية التي تنفخ أماكن معينة في الجسم. ‏

علماً أنّ القرارت التي أشرنا إليها ووفقاً لوزارة الصحة، لاتسمح لطبيب النسائية ولا الجلدية توسيع ممارساتهم لتشمل هذه الاختصاصات، إلاّ أن نقيب أطباء سورية د. أحمد قاسم يعد بأنّ «التعديل المرتقب لقانون مزاولة المهن الطبية سيسمح لطبيب النسائية والجلدية بممارسة هذه الاختصاصات». ‏

ويؤكّد الدكتور أحمد رسلان (المختص بالجراحة العامّة( الحاجة لتعديل هذا القانون، حيث رفضت اللجنة المشكّلة من نقابة الأطباء منذ عام 2000 تسجيل اختصاص التجميل الذي حصل عليه من جامعة فرنسية بسبب عدم حصوله على اختصاص حروق، علماً «أنني سجلت الاختصاص ذاته في السعودية»كما يقول. ‏

- الدكتور رسلان يمارس عمله التجميلي منذ ذلك التاريخ استناداً إلى اختصاص الجراحة العامّة فقط، وقد عانى بسبب ذلك "الكثير من المعاناة مع نقابة الأطباء" كمايقول. ‏

علماً أنّه ـ كما يقول ـ حصل على الاختصاص التجميلي الشامل بما فيه esthetic أي التجميل للتجميل، ويستغرب د. رسلان«:تسجل النقابة الأطباء الحاصلين على اختصاص التجميل من الجامعات السورية وتسمح لهم بممارسة التجميل الشامل بما فيه التجميل للتجميل، رغم أنّ اختصاص التجميل السوري لا يتضمّن هذا النوع من التجميل ولا يمارسه أي طبيب في المشافي العامّة السورية». ‏

- في الشهر الخامس من العام الماضي، طلب وزير الصحّة من مديريات الصحّة في المحافظات القيام بجولات رقابية على كل المراكز والعيادات التي تقوم بأعمال التجميل، فكانت نتيجة الجولات التي رفعت إلى وزير الصحّة تؤكّد أن «معظم المراكز تخالف الشروط والمتطلبات«. و«هذا يعني ـ بحسب د. عمران رسلان مسؤول العيادات والمراكز في وزارة الصحّة ـ أنّ هذه المراكز إمّا أنها تفتقر لوجود المختصين وإما للتجهيزات المطلوبة». ‏

كما أنّ آخر الإحصاءات الرسمية تثبت أنّ عدد الأطباء المختصين حقيقة في التجميل هم نحو 65 طبيباً على مستوى سورية" كما يقول الدكتور عمر المأمون رئيس رابطة التجميل في دمشق، لكنّه يؤكّد أن "مئات الأطباء غير المختصين يمارسون عمليات التجميل دون أن يكونوا قد حصلوا على الاختصاص والترخيص". ‏

وبالرجوع إلى وزارة الصحّة ونقابة الأطباء فإنّ تداخلاً آخر مازال يحول دون حماية المواطن من الوقوع ضحية لأحّد مدعيّ اختصاص التجميل.. فمنذ أيام نقيبها السابق تشتكي نقابة أطباء سورية في كتب رسمية متكررة من أنها رفعت عدداً من الكتب لوزارة الصحّة تطلب فيها إغلاق بعض عيادات أطباء التجميل المخالفين والذين يمارسون عملهم دون اختصاص، كما صدر بحقهم قرارات بإغلاق عياداتهم من مجلس التأديب، دون أن تحرّك وزارة الصحةّ ساكنا،ً فلم تعاقبهم ولم تغلق عياداتهم. ‏

علماً أن ملاحقة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجالس التأديب «هي في النهاية مسؤولية وزارة الصحة»كما يقول الدكتور أحمد قاسم، ويقول«بعض الناس يحمّلون النقابات المسؤولية ويطالبونها بملاحقة المخالفين«ويؤكّد»نحن في نقابة أطباء سورية وفروعها في المحافظات، مهمتنا التحقيق بناءً على الشكاوى ورفع النتائج إلى الجهات المختصة والتي هي وزارة الصحة والنيابة العامّة للتنفيذ». ‏

لكنّ الدكتور عمران رسلان مسؤول المراكز الطبية والعيادت في وزارة الصحّة يقول: «قرارات مجلس التأديب تنفذّ بعد تصديقها من القضاء وبلوغها الدرجة القطعية» ويضيف«:مهمة المراقبة للعيادات والمراكز الطبية هي مسؤولية النقابة كما نقوم نحن أحياناً بجولات مراقبة بناءً على شكوى أو تكليف رسمي». ‏

- إحدى ضحايا التجميل التي تحوّل وجهها إلى خريطة وأصابها مايشبه الشلل النصفي، بعدما كانت تحلم بأن تصبح مثل الممثلة الأمريكية الفاتنة كاترين زيتا جونز، ترفض أنّ تقدّم ادعاءً ضد طبيب التجميل المزيف الذي أجرى لها العملية، «لاخوفاً من الفضيحة»كما تقول، ولكنّ لأنّ الجميع أقنعها أنّ إثبات حقّها سيكون صعباً للغاية وأنّها ستضيع أمام مصطلحات الأطباء وتفسيراتهم. كما أنّ ماتراه من ممارسة هؤلاء الأطباء والحلاقين لهذه المهنة دون حسيب أورقيب، لايضمن لها وجود ضوابط تضمن حقّها. ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...