مسرح الأطفال أزمة مستمرة والجميع يعرف الحل

25-01-2007

مسرح الأطفال أزمة مستمرة والجميع يعرف الحل

يجمع عدد من العاملين في المسرح الطفلي في سورية على أن أزمة هذا المسرح الرئيسية تكاد تكمن في «النص» إذ إنه، وعلى الرغم من مرور عقود طويلة من السنين على دوران عجلة مسرح الأطفال، لاتزال أزمته الأولى هي «النص» وتحديداً ندرة النص المحلي الجيد.. هل لهذه الأسباب ياترى، لا تزال ثمة عروض مسرحية هي ذاتها تعرض منذ مهرجان ربيع مسرح الأطفال الأول، إذ بالكاد تكون العروض الجديد في مهرجان ربيع مسرح الأطفال الرابع ـ الذي يقام هذه الأيام ـ في بعض المحافظات السورية التي كان لها «الحظ» في هذه العروض تصل عدد أصابع اليد الواحدة.

الغريب أنه في الندوة التي عقدت في مسرح القباني على هامش الدورة الرابعة وحضرها أكثر من عشرة من المعنيين بمسرح الطفل: إخراجاً، وتأليفاً، وتمثيلاً.. إن الجميع وضع يده على «الجرح» على الأزمة الرئيسية والأزمات الفرعية. و.. الجميع أيضاً يعرف الحلول ويجد المقترحات، و.. مع ذلك لاتزال «الازمة و.. الأزمات» مستمرة وأراهن على أنها ستبقى مستمرة.. هل يعرف أحد ما لماذا بقيت وستبقى مستمرة هنا السؤال؟! ‏

حسب مأمون الفرخ، أحد المشتغلين في مسرح الأطفال يقول في الندوة المذكورة والتي ادارها الناقد والمؤلف المسرحي جوان جان ـ عن البدايات المسرحية للأطفال إنها كانت على يد الراحل عبد الوهاب أبو السعود، الذي يعود له الفضل في إنشاء المسرح المدرسي وكان يقدم حوالي ستين عملاً سنوياً في ذلك الحين من الدهر، ثم جاء بعده، وربما عاصره كل من: رضا صافي، نجيب درويش، عبد الكريم حيدري، والأخير كان صاحب الكتابة الشعرية في مجال مسرح الأطفال، وفي عام 1983 كانت الولادة الثانية لهذا المسرح مع عدنان جودة، إذ كانت الولادة الأولى عام 1960 عندما تسلم الراحل عبد اللطيف فتحي مسرح العرائس، بعد ذلك جاءت فترة الانحدار مع إنشاء الفرق الخاصة والأهلية، وعدم الاهتمام الكافي من قبل الجهات الرسمية لاعتبارها هذا النوع من المسرح من الدرجة الثانية، بل ربما العاشرة.. ‏

أما محمد خير عليوي، وهو من رواد مسرح الأطفال في سورية، فيرى أن ثمة عدم مواكبة للنصوص والعروض المسرحية التي تقدم مع تطورات العصر، وحتى مع أزمات المنطقة، الأمر الذي يجعلها متخلفة عن خيال طفل اليوم، هذا الأمر يفسره الكاتب أحمد اسماعيل أن النص الطفلي يفتقد للأسس العلمية والدرامية، والفنية، وذلك لأسباب عديدة منها: حداثة هذا الفن في حياتنا الثقافية ـ هذا طبعاً بتقديره ـ وندرة النص وانعدام التراكم النصي الذي يولد الخبرة..!! ‏

المفارقة في هذا المجال التي يذكرها أحمد اسماعيل، إن كاتب اليوم الذي بلغ من العمر عتياً. يكتب منطلقاً من حالة ذاتية، ذلك أن الكاتب يتوجه الى الطفل الذي بداخله، ويتناسى الكاتب هنا أمراً مهماً أن طفله الداخلي غير طفل الواقع، وثمة بعد زمني هائل بين «الطفلين» ومن هنا نعرف السبب لماذا أطفال اليوم يديرون ظهورهم لهذا الكاتب، فما كان يضحكه ليس بالضرورة يضحكهم، والقيم التي تعلمها بإطلاق أصبحت اليوم مشروطة «فزمن اليوم فرض قيمه واخلاقه الجديدة.. التي لم ينتبه إليها الكاتب»!! ‏

هذه المشكلة ـ النص ـ يعود ويؤكدها مدير المسرح القومي الفنان نضال سيجري، فيذكر أنه من بين قراءة خمسة وعشرين نصاً يستطيع اختيار نص واحد. ومع ذلك فإن النص المختار يشتغل عليه طويلاً كمخرج وممثل.. إذاً كيف يتم اختيار نص دون خوف؟ ‏

نضال سيجري يقول: قبل العرض الأول ادعو مجموعة من الأطفال لحضور عرض «الجنرال» لأخذ ملاحظاتهم التي يبدونها قبل العروض الأولى..!!ما يلفت إليه سيجري يقول: أحاول أن «أصعد» لمستوى ذهن الطفل، لأنني اعتقد أن خياله وذكاءه يفوقني، هذا الطفل الذي استسهل أكثر منا الشغل والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة اليوم والمشكلة لدينا أن أطفالنا في العالم العربي لايزالون يعاملون ككومبارس..! وفكرة نقاش العمل المسرحي قبل عرضه على الخشبة أكثر من اشتغل عليها المخرج عدنان سلوم، الذي يقول في هذا المجال: منذ خمس سنوات بدأت الفكرة «الأطفال يصنعون مسرحهم» وذلك ليس للوصول لصناعة طفل فنان، بل تعليم الأطفال المسرح بطريقة علمية، بعد أن تشوه مصطلح «مسرح» لديهم، ورغم عثرات التجربة ـ يضيف سلوم ـ غيرأنها حققت نتائجها، إذا كان الأطفال إن تدخلوا وأبدوا ملاحظاتهم في عناصر العمل المسرحي: شخصيات، ديكور، الإضاءة، الحوار.. والأمر اليوم يحتاج لتطوير هذه التجربة، بتخصيص فسحة أوسع من الزمن والرعاية لتنضج.. ‏

أمر النص المسرحي للأطفال الذي يستسهله كتابنا، استصعبه لدرجة كبار الكتاب في العالم، والذي أقدم عليها مرة لم يعدها بعد أن وجد نفسه قد فشل في التجربة واعترف كما حصل مع: ماركيز، عزيز ينسين، لوركا، فهل يعترف كتابنا بأمر هذه الصعوبة ثم الإحساس بالمسؤولية بعد ذلك..؟! ‏

الكاتب أحمد اسماعيل يقترح للخروج من هذه الأزمة أن تكون الكتابة الجديدة معاصرة وتناسب خيال وعقل طفل اليوم، والعمل على بناء النص وفهم حقيقة المتلقي لهذا النص وتخليصه من الثرثرة والوعظ والحوار الفضفاض، وأن نأخذ بالاعتبار ايقاع الزمن والابتعاد عن الشخصيات النمطية واحادية الجانب، التي تفتقد للحيوية وأن يكون الخطاب هو خطاب الشخصيات وليس خطاب الكاتب. ‏

من جهته يقترح نضال سيجري، إجراء مسابقات سنوية لاختيار النصوص لمسرح الأطفال لكتاب شباب غير معروفين، مقابل مكافآت جيدة، تختارها لجان نزيهة وإجراء دورات للمخرجين الشباب، الذين لديهم الرغبة في الشغل لمسرح الطفل بأنواعه، أما الحل الأصعب برأي سيجري: فهو إيفاد البعثات القصيرة الأمد الى الدول التي لديها مسرح أطفال مزدهر، وثمة حل أسهل يجده في دعوة خبراء من هذه الدول عن طريق منظمات ثقافية كا «استاج» لإنعاش مسرح الأطفال في سورية، واخيراً الاهتمام الإعلامي بهذا النوع من الفنون.. مأمون الفرخ من جهته يوصي بمراقبة نشاط الفرق الخاصة والارتفاع بسوية عروضها.. وليس الاسترزاق وحسب..!! ‏

من التجارب اللافتة في مسيرة مسرح الأطفال في سورية، كانت تجربة الفنان زكي كورديللو في مسرح «خيال الظل» يقول كورديللو عن هذه التجربة، إنه لجأ إليها لأنها المكان الذي وجد فيه نفسه دون «منافسة» إضافة لأهمية مسرح كهذا وريادته، باعتباره أسس لبقية الفنون الأخرى، إذ يعتبر الأب الشرعي للسينما، كورديللو يقول: حاولت أن أبقيه مسرحاً، واشتغلت على تطويره، وإخراجه من المتحفية على صعيد الشكل والمضمون، ويضيف: كانت مبادرة فردية، ويقترح إنشاء دار خاصة بمسرح خيال الظل، ويضم فيه كل أنواع هذا الشكل الفني: المتحفي، للكبار والصغار، و... الورشات. 
 الإذاعي أحمد اسماعيل اسماعيل: أكد على أن الاهتمام بمسألة مسرح الطفل هي «مسألة وطن» ولابد هنا من العمل على التحفيز، وعلى كل الجهات المعنية أن تأخذ دورها: وزارات: التربية الثقافة الإعلام .. ومنظمة الطلائع، إذ ثمة تقصير لدى كل هذه الجهات في موضوع مسرح الطفل.. ولابد من انشاء هيئة عليا لمسرح الطفل..!! ‏

من التجارب اللافتة في هذا المجال أشير الى مسرح العرائس من خلال تجربة المخرج عدنان سلوم، ومهرجان ربيع مسرح الأطفال، الذي هو اليوم في دورته الرابعة، لكن المشكلة هنا، أن الأطفال الذين لهم «الحظ» في مشاهدة عروض هذا المهرجان هم الذين في المدن، تحديداً في بعض المدن السورية وكانت هذا العام «المدن المحظوظة» التالية: دمشق ، ريف دمشق:دوما، قطنا، داريا»، السويداء، درعا، حمص، حماه، اللاذقية، إدلب، حلب، الحسكة، فيما لم تنل بقية المحافظات والمدن السورية الأخرى مثل هذا «الحظ» أما الأرياف فأعتقد ومها تطور المهرجان وتوسع فهي لن تنال «حظوظاً» كهذه. ‏

البعض لفت ـ مع أن مدير المسارح والموسيقا بسام ديوب، ومدير المسرح القومي نضال سيجري لا أدري إن كانا التفتا لذلك ـ أقول: البعض لفت لإقامة مهرجانات مسرحية عربية ودولية لمسرح الأطفال على غرار مهرجان دمشق المسرحي، لتسد الفراغ المسرحي الطفلي في هذا المجال..!! ‏

أوضح بعض هؤلاء المسرحيين، أن مستوى الكتابة لمسرح الأطفال لم يتغير منذ ثلاثين سنة، كذلك بقيت التقنيات محدودة، إذ إن غالبية النصوص لا تحقق شرطها الإبداعي، وهي إما مقتبسة، أو معدة، أو هي من حكايات شعبية، كما أن معظم من كتب للأطفال هم من داخل العاملين في هذا المجال: مخرجون، ممثلون، مهندسو ديكور، وجميع نصوصهم كانت بذهنية من سويتهم وليست بسوية ذهنية الأطفال، هنا أشير لضرورة الخروج من هذه الدائرة المنغلقة على نفسها، واعطاء الفرص للكتاب القابعين في الظل لتقديم نتاجهم، ليس في مجال الكتابة لمسرح الأطفال وحسب، بل للكتابة في الفنون الإبداعية كافة: مسرح، سينما، دراما، زوايا صحفية، بعد أن ارتاحت تلك «المجموعات» و«الدوائر» على توزيع الغنائم واطمأنت»!! ‏

كما تشاهدون: الجميع من العاملين في حقل مسرح الأطفال يعرف المشكلة، وأيضاً يعرفون الحل، ومع ذلك لم تتوفر الإرادة منذ ثلاثين سنة والى اليوم للخروج منها.. بقي أن تسمع الجهات الرسمية. ‏

علي الراعي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...