معرض الكتاب الدولي في دمشق:بين أهمية الكتاب والإشكالات التنظيمية

18-08-2009

معرض الكتاب الدولي في دمشق:بين أهمية الكتاب والإشكالات التنظيمية

الدكتور علي العائدي مدير مكتبة الأسد مدير المعرض الدولي للكتاب سبق له نقل هذا المعرض إلى مدينة المعارض الجديدة على طريق المطار، حوالي 20 كم خارج مدينة دمشق. ثم عاد به منذ ثلاث سنوات إلى أرض المعرض القديم على ضفة نهر بردى لدورة واحدة, ولدورتين سابقتين كان في مكتبة الأسد. ثم عاد به عود على بدء، دون وجود قرار استراتيجي مبني على رؤية وأسباب واضحة، حتى وهو يبرر خطوته الأخيرة في صحيفة 'تشرين' السورية قبل يومين من افتتاح المعرض تحدث تحت عنوان 'أسباب نقل المعرض' بقوله: نظراً لوجود العديد من المشاركات المتزايدة والضخمة عن السنوات السابقة.. مؤكدا في موضع آخر أن المشاركات هذا العام وصلت للضعف عن العام الفائت.
حديث الدكتور العائدي كان مسهباً لصحيفة 'تشرين'، لكنه لفت انتباهي خلو المادة من الرقم الإحصائي، فلا يجوز لمدير المعرض وهو مدير لمكتبة الأسد أن يتحدث بلغة عمومية فحواها أن عدد المشاركات هذا العام بلغ ضعف العام الفائت. ففي كل المادة المنشورة لم نعرف عدد الدول المشاركة ولا عدد دور النشر المشاركة أيضاً. وبالتالي بقي حديث عموميات, كأن نقول هذه تظاهرة مهمة, دون أن نحدد وجه الأهمية في هذه التظاهرة مثلاً.
أقول هذا لأعود إلى الرقم الإحصائي والذي يعتبره الدكتور العائدي من أسرار الدولة التي يجب ألا يبوح بها للإعلاميين بشكل خاص,. لنقول أنه في الدورة 23 للمعرض الكتاب كان لدينا 22دولة مشاركة /13 دولة عربية و9 دول أجنبية /، شاركت من خلال 450 دار للنشر قدمت للقارئ 29 ألف عنوان. ورغم أن شروط المشاركة في المعرض اقتضت أن تكون المطبوعات حديثة أي تعود إلى تاريخ ما بين 2000 و2007 فقط، إلا أن الكتب الحديثة لم تتجاوز نسبتها بين المطبوعات 7 إلى '10 لغياب الرقم الإحصائي الدقيق.
فإذا تجاوزنا ذلك إلى الدورة 24 لمعرض الكتاب والتي تزامنت العام الماضي مع 'احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية ' نجد أن عدد دور النشر المشاركة قد ارتفع إلى 24 دولة بواقع 13 دولة عربية و11 دولة أجنبية، شاركت من خلال 375 دار نشر' أي بتراجع في عدد الدور المشاركة، لكن مع ازدياد عدد العناوين التي ضمها المعرض حيث وصلت إلى 35 ألف عنوان، ورغم إصرار إدارة المعرض على أن تكون '70 من الكتب المشاركة في المعرض حديثة العهد طباعياً، أي منذ عام 2004 إلى عام 2008 إلا أن هذه الكتب الحديثة لم تتجاوز نسبة مشاركتها النسبة السابقة للعام المنصرم.
الآن ينبئنا الدكتور العائدي أن المشاركات في هذه الدورة ال 25قد تضاعفت بينما نجد أن عدد الدول المشاركة قد تراجع إلى 20 دولة, هي 13 دولة عربية و7 دول أجنبية فقط. رغم أن المناخ السياسي الذي تمر به سوريا الآن يمكن أن يشجع على وجود مشاركات دولية أكثر من العام السابق مثلاً! فإذا انتقلنا إلى عدد دور النشر المشاركة في هذه الدورة نجد أنها بلغت 426 دار نشر أي أن الرقم أكبر من رقم الدورة 24 بقليل، لكنه أيضاً أقل من الرقم الذي أعلنه العائدي للمشاركات في الدورة 23 التي أشرنا إليها.
وإن كان يقصد المضاعفة بعدد العناوين التي بلغت هذا العام 40 ألف عنوان، فهي ليست بضعف العناوين التي شاركت في الدورة 24 والتي بلغت 35 ألف عنوان، أي أن هذه الزيادة الموجودة في عدد العناوين ليست بحجم المبالغة الإنشائية للدكتور العائدي الذي رأى أن المشاركات هذا العام وصلت للضعف عن العام السابق.
وإن كنت لا أقصد من هذه المماحكة مناقشة صوابية قرار النقل من عدمه، إلا أننا نأسف لغياب الرقم الإحصائي عن مؤسسة بأهمية مكتبة الأسد، ونشاط بأهمية معرض الكتاب الدولي السنوي الذي بدأ منذ عام 1984. وكنا نأمل أن يبلغ هذا المعرض في يوبيله الفضي ذروة ثقافية وتنظيمية لم يبلغها سابقاً, وأقصد بالرقم الإحصائي ليس ما ذكرناه سابقا بل يتعدى الأمر ذلك إلى أرقا م الكتب المباعة في كل دار نشر, وأكثر الكتب مبيعا في كل حقل من حقول المعرفة.
لكننا وبكل أسف نلاحظ أن إدارة المعرض التي زادت أيام دورته السابقة إلى 15 يوماً بمناسبة تزامنها كدورة مع احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية العام المنصرم. عادت به هذا العام إلى حجمه الطبيعي كعشرة أيام فقط، رغم إهداء الدورة الراهنة وكل نشاطاتها إلى احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، وهو الإجراء الذي يقود هذه التظاهرة الثقافية إلى حقل التسيس دون أن يوازي ذلك احتفاء حقيقي بالثقافة الفلسطينية، وبمدينة القدس, والسؤال الأهم: ماهي الهوية العقلانية والثقافية لمعرض الكتاب الدولي في دمشق؟.
الملاحظة الثانية تكمن في تراجع السوية التنظيمية للمعرض، حيث اعتدنا أن ينعم الدكتور العائدي علينا كإعلاميين بمؤتمر صحفي قبل افتتاح كل دورة من معرض الكتاب، لكنه هذا العام قرر أن يقودنا بالسر إلى الدورة الأخيرة, بلا إعلان أو دعاية، حتى أن البروشور لم يوزع إلا قبل يوم واحد من افتتاح المعرض. بينما البرنامج الثقافي الموازي لنشاطات المعرض وزع في يوم الافتتاح فقط. هل المسألة مجرد روتين وبيروقراطية متخلفة، أم أنها حسابات بين إدارة المعرض والجهة الراعية ممثلة بالدكتورة العطار؟!
نحن نعلم أن إدارة المعرض تتقاضى عن كل متر أربعة آلاف ليرة سورية، وبحسبة بسيطة نجد أن حصيلة هذا المعرض تبلغ بحدود 25 مليون ليرة سورية إن لم يكن أكثر، تذهب إلى خزينة الدولة إضافة لإعانة من وزارة الثقافة، لماذا لا يخصص جزء يسير منها للإعلان عن نشاطات هذا المعرض وفعالياته؟ لماذا لا تشجع دور النشر عبر تخفيض مقابل الإيجار الذي تدفعه لإدارة المعرض؟
وإذا تذكرنا وعود السيد العائدي بوجود باصات نقل مؤمنة إلى أرض مدينة المعارض ذهاباً وإياباً، فإن منظر أكثر من ثلاثة آلاف شخص خرجوا في الساعة العاشرة إلا ربع ليلاً و لم يجدوا إي باص ينقلهم, فساروا من مدينة المعارض إلى مفرق طريق المطار بانتظار أن تمنّ آليات النقل الخاص بنقلهم إلى دمشق, لم يكن مشهداً مشجعاً لتكرار الزيارة.
المسالة التنظيمية الأخرى تتعلق بعدم إدخال الكتب العربية المخزنة في مستودعات بعض المكتبات ودور النشر، واشتراط وصولها من المطار إلى أرض المعرض مباشرة، وأنا لن أناقش صوابية هذا القرار، لكن أن يتم خرقه في اللحظات الأخيرة لمصلحة دور معينة، وتمنع دور أخرى من تسويق مخازينها فهذه مشكلة غير عادلة وغير قانونية.
كذلك فوجئنا لدى السؤال عن بعض العناوين في مكتبة الأسد أنها غير موجودة في الإيداع، مع ذلك هي متوفرة في المعرض، مما يعني تهرب أصحاب الدار من أمثال دار 'الفكر' من شرط قانون الملكية الذي يفترض إيداع خمس نسخ من كل مطبوعة لدى مكتبة الأسد، علماً بأن السيد عدنان سالم صاحب الدار هو رئيس اتحاد الناشرين في سوريا.
المسألة الأخطر أن بعض الأجنحة المحجوزة باسم دور نشر معينة كدار 'إمام' طرابلس لبنان, أو دار 'قرطاج' مثلاً لم نجد فيها أي إصدار باسم الدار، فقد كانت تحتوي إصدارات دار الحافظ من كتب وسيديات موجهة للأطفال، علماً بأن هذه الدار الأخيرة قد حجزت جناحاً لها، كذلك الأمر مع دار 'بشير' المصرية, لم نجد بها إلا لملمة من عناوين متطرفة, فهل تكون مجرد لعبة أم أنها عملية تواطؤ لحجز مساحات أوسع؟!
أخيراً أقول ورغم كل هذه الملاحظات الأولية ، أن كل ذلك لا يقلل من أهمية معرض الكتاب، والذي اكتسى في هذه الدورة طابعاً حضارياً من خلال افتتاح الدكتورة نجاح العطار نائب السيد الرئيس له، حيث زارت كل الأجنحة واطلعت على كل الأنشطة المرافقة برفقة الجمهور. لكن المشهد الأهم كان في تجمع مئات الأشخاص أمام باب المعرض بانتظار لحظة الافتتاح، مئات الأشخاص غامروا بالذهاب كل تلك المسافة احتفاءً بمعرض الكتاب، وعكس التوقعات التي راهنت على ضعف الحضور، مئات الأشخاص كانوا يراهنون على أن ترتقي إدارة المعرض إلى سوية المعروض من الكتب، بصفتها سلعة ثقافية أولاً وأخيراً.

أنور بدر

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...