كتاب أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي

07-10-2007

كتاب أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي

يحاول الكاتب الدكتور محمد بن موسى باباعمي في كتابه (أصول البرمجة الزمنية في الفكر الاسلامي» الصادر عن دار صفحات في دمشق عام 2007) توضيح فكرة البرمجة الزمنية ، ويرى أنها تمثل نقطة الالتقاء بين عناصر الحضارة الثلاثة الدين أو القيم، والزمن والانسان، بحيث تعطي الشكل والحركية لمعادلة الحضارة بعيداً من تعقيدات التعريف ومن الاختلاف في العناصر والمسميات.

ويؤكد بأن الحضارة تتحول الى مدنية في حال استبدال الدين والقيم بأفكار وطروحات فلسفية، وتتغير معادلة الحضارة لتصبح مجموعة من الافكار اضافة الى الزمن والانسان، ويذهب البعض الى تعريف عناصر الحضارة بثلاثية جديدة هي: الانسان والكون والحياة من خلال التحليل القرآني. وفي هذا السياق عرّف الشيخ البوطي الحضارة بأنها : ثمرة التفاعل بين العناصر المذكورة.

ينطلق الباحث ليثبت في فصول الكتاب المختلفة بأن للبرمجة الزمنية أصولاً وجذوراً دينية وثقافية وحضارية، وليست مجرد عادات شكلية أو تصرفات ظاهرية، وعمل جاهداً في التنقيب عن تلك الأصول وإبرازها من خلال الفكر الإسلامي مقارناً إياها بما توصل اليه الفكر الغربي في هذا المجال . وقد اعتمد على النصوص الثابتة من قرآن وسنة، وبالحقائق العلمية، فضلاً عن استعانته بالمفاهيم التراثية لهذه النصوص، وبالتفسيرات المختلفة لتلك الحقائق ، وأرجع الحكم الفصل في النهاية الى نص واحد هو: القرآن الكريم. «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي».

وقد أوضح الكاتب مسلمات عدة في سياق عرضه قيام الحضارة الانسانية ومن تلك المسلمات:

اولاً: ان النظام سمة جميع المخلوقات، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية.

ثانياً: سنن الكون تجرى على جميع الخلائق، من دون استثناء ومنها السنن المرتبطة بالزمن.

ثالثاً : الزمن عبارة عن وعاء للعمل الصالح والطالح في آن معاً.

رابعاً : الله رحيم بعباده لا يحمّلهم مالا يطيقون.

خامساً : مما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة نعمة الزمن.

وفي تحليله عناصر الحضارة وتداخلها، يرى الباحث أن الانسان في كل حضارة يقرر أن آماله أكثر من أعماله وأنه لا ينجز في حياته القصيرة إلا قدراً يسيراً مما يأمله ويرجوه، فضلاً عن ذلك توجد مجتمعات وأمم أكثر استثماراً للزمن من غيرها، وهي التي تمكنت من تأسيس حضارات كبرى في التاريخ، وتبعاً لذلك فإن التفوق في كل الميادين وعلى جميع المستويات مرهون باستغلال الوقت، ومرتبط به ارتباط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج.

وتختلف المفاهيم المرتبطة بالزمن بين ثقافة وأخرى، وبين فرد وآخر، وبين مجتمع وآخر، ومن هذه المفاهيم: العبادة والعمل، وهذه المفاهيم تتأثر سلباً أوإيجاباً تأثراً مباشراً بثقافة الغالب على حساب المغلوب. ويرى الباحث بأن تلك المفاهيم غامضة وغير مؤصلة؛ بل متضاربة ومتناقضة في البلاد الاسلامية المعاصرة وهي في مرحلة ضعفها.

كما يؤكد الباحث على نقطة رئيسة مفادها «عدم وجود اهتمام كبير بالبرمجة الزمنية في الجامعات العربية والاسلامية على حد سواء» الامر الذي يوهم بأن مفهـومي الزمن والبرمجة غير متأصلين في الفكر الإسلامي؛ في مقابل ذلك قام الغرب بتطويـر علومه في شكل كمي ونوعي، وتم ابتكار مناهج وتقنيات متطورة تعنى بصورة رئيس بالبرمجة الزمنية.

لكن الباحث يشير في الوقت نفسه الى أن المتابع للدراسات المنشورة في الغرب او في الشرق حول الزمن، لا تضع في الحسبان العبادات اليومية، ولا تبحث عن العلاقة بينها وبين البرمجة الزمنية، بل وتلغيها غالباً من قائمة الاعمال المبرمجة؛ إلا ما شذ منها؛ وهو نادر جداً.

ويثبت الباحث أنه بمقدور العلوم الإسلامية أن تكون سنداً وقاعدة للبرمجة الزمنية، غير انه تم اختزال العلوم الى إطارها النظري فقط، وتم استبعاد جانب كبير منها عن الحياة اليومية للمسلم لظروف تاريخية وفكرية معينة.

لقد قام الباحث بحاولات جادة لصوغ تعاريف محددة للمصطلحات الاساسية لبحثه ، فقام بتعريف الزمن والبرمجة والاصول، وفرق بين البرمجة الزمنية التي لها صلة كليَّة كعلم ادارة الوقت، وجزئية كعلم للساعة البيولوجية، واعتمد في ذلك على مراجع عربية مختلفة وعلى دراسات جامعية، ووصل الى نتائج مهمة في المقدمة منها:

1- استطاع القيام بمقارنة جادة بين الفكر الغربي الذي يستند الى الازمنة المهيمنة، والفكر الاسلامي الذي ينبني على زمن اسماه «الزمن الصَّبغة»

2- قام بتبسيط الغايات والاهداف في الفكرين الغربي والاسلامي، حيث تمثل الغايات عمق المعتقد، في حين تهتم الاهداف بالتقنية.

3- استطاع الباحث تحليل الأولويات باعتبارهامن أبرز الاصول التقنية في البرمجة الزمنية، فاهتدى الى مقترحات من خلال فقه الاولويات والعقيدة وأصول الفقه.

4- لقد وضع الباحث شواهد كثيرة ومتشعبة من المصدرين الاساسيين للفكر الاسلامي : القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

وتبقى الاشارة الى أن الباحث استطاع أن يأتي بجديد في ساحة المعرفة الحضارية الآخذة بالتطور، والاهم من ذلك أنه لم يخرج في فصول بحثه المختلفة عن تتبع الأدلة والمصادر الشرعية بدقة وامانة متناهية، فالبحث جدير بالقراءة والاقتناء.

نبيل محمود السهلي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...