أردوغان يعيش أضعف أيام فترة حكمه

07-09-2016

أردوغان يعيش أضعف أيام فترة حكمه

الجمل- ممتاز إيديل- ترجمة: محمد سلطان:

تعيش تركيا أياماً صعبة. يصعب التكهن عما سيحصل في الغد. وهذا بطبيعة الحال يجعل الناس ذوي طبع عنيف ومتشائم. والأهم من ذلك يضيعهم ويرميهم في متاهات المستقبل.

بات الوضع مختلفاً:
حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة منذ 15 عاماً وحتى اليوم زجّت بتركيا ضمن متاهة حالكة مخيفة ومعقدة. ونحن كعادتنا ننتظر دون أن نعلم إلى أين ستصل بنا هذه المرحلة وماذا ستطال وماذا ستسرق منا. حتى أنه كانت جميع الاحتمالات مبنية على التشاؤم والسوداوية. وبات الناس يجهزون أنفسهم لزمن "ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من ذلك".
ولكن الوضع الآن مختلف تماماً. بات حزب العدالة والتنمية يجهز نفسه أكثر منا لمرحلة "ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من ذلك".
تذكرون الرئيس رجب طيب أردوغان عندما كان يقول باستمرار: "إن البلد الذي ليست فيه معارضة, من الصعب أن تصبح فيه الحزب الحاكم". وعندما يقول ذلك لا يقوله عن دراية, بل استهزاءً بالمعارضة وتحريضها كي يضع بين يديه ما يريده من حجج.
رغم أن المعارضة ذهبت بإرادتها كما "الطفل البار المهذب" إلى القصر الجديد, وأعطوه الشرعية بزيارتهم. أساساً حتى الرئيس أردوغان لم يكن ينتظر ذلك, ولكن هذا الذي حصل, لو يستطيع لكان اعترض على قدومهم. ومع تأييد المعارضة ودعمها له بعد محاولة انقلاب 15 تموز, لم يبق لدى أردوغان أحداً ليتشاجر معه. قام المتحدث باسم البرلمان التركي إسماعيل كهرمان بالاستهزاء من تشي غيفارا.. ولكن ذلك أيضا لم يكف, حتى نشرت بسرعة صورة تذكارية لأردوغان التقطها أمام ضريح غيفارا ضمن زيارته لكوبا.
فلنعد إلى موضوع عنوان المقال. سابقاً كانت تركيا مقحمة في نفق متناقضات الأمور الداخلية فقط. ولكن الآن باتت ملطخة بمتناقضات الأمور الخارجية أيضاً. سوريا, العراق, روسيا, أميركا, حزب الاتحاد الديمقراطي, حزب العمال الكردستاني, وحدات الحماية الشعبية, داعش... كل ذلك أدى إلى تشتت الأفكار وضياعها.
يجب تحليل ذلك بشكل جيد وواضح.

ما هو الوضع؟
ساءت العلاقات "القوية جداً" بين أردوغان وقيادات حزب العدالة والتنمية. لم يعد الحزب يتحمله أكثر من ذلك بالرغم من جميع الأوصاف التي تقترن به من زعامة وقيادة ورئاسة. الكلام لا يخص جميع كوادر الحزب. ولكن هناك جزء مهم من قيادة الحزب باتت مستاءة منه. فهم على يقين أن الحرب "المصطنعة" التي شنها أردوغان على فتح الله كولن وعصابته غير مقنعة أبداً. أساساً هذا الصراع لن يؤثر عليهم إذا بقوا خارج دائرته. ولكن الموضوع هو أنه كيف سيبقي حزب العدالة والتنمية واقفاً على قدميه بعد الآن. مع استمرار توافد أخبار الضحايا ضمن صفوف الجيش التركي في الجنوب الغربي, أصبح الجميع على دراية أن حزب العمال الكردستاني أضعف كثيراً من هيبة حزب العدالة والتنمية الحاكم. بالمناسبة؛ لا يعلم أحد ماذا يفعل الجيش التركي في شمال سوريا التي رمى نفسه فيها وكأنه يرمي نفسه في المسبح بهدف الاستجمام. في البداية تصدر في الصحف الكبرى بأحرف كبيرة عناوين "نحن في الحرب" و"بدأت الحرب". ولكن هم بدورهم نسوا الموضوع بعد فترة. أي أنه علم فيما بعد أنه لا يوجد مهمة قتالية أو ما شابه في تلك المنطقة.
مازالت القضية الكردية تتصدر عناوين الصحف التركية. إذا غضت نظر تركيا عن تشكل الشريط الكردي في شمال سوريا, سوف تتفاقم مشاكل المنطقة. وإذا ما سمحت بذلك, سوف يتفاقم العنف والإرهاب ضد تركيا. وبالمناسبة, ستسوء العلاقات التركية الأميركية كثيراً. ومن ناحية أخرى, إذا أراد أردوغان الاستعاضة عنها بتحسين العلاقات مع الصين وروسيا, فإن ذلك سيؤدي إلى تخلخل كرسيه الرئاسي. وضمن هذا التوجه أتت زيارته إلى الصين.

انتهت مرحلة أردوغان:
إذا لاحظتم, أردوغان منذ مدة لم يعد يثير موضوع نظام "الحكم الرئاسي" في الرأي العام. لذلك هو على دراية أن شيئا كهذا ليس مناسبا أن يحصل في الوقت الراهن. في حال تغير الظروف الراهنة وتغير مسار أخبار الصحافة بشكل كبير, سيعاود أردوغان إثارة الموضوع. ولكن لن تعود السياسة التركية إلى هذه المرحلة أبداً بعد الآن.
لم يبق لأردوغان عمراً طويلاً لا في الرئاسة التركية ولا في سياستها. إنه يعاني من ضغوطات كبيرة في كلا الموضوعين. لم يعد أحد يريد بقاء أردوغان. الولايات المتحدة, السياسة الداخلية, الاتحاد الأوربي, البرلمان الأوربي, ودول الجوار وخصوصاً جيراننا, لا يريدونه بعد الآن. لم يبق لديه سوى سند داعم واحد وهو فئة شعبية تخضع له وتعبده بكل معنى الكلمة, والتي هو بدوره من اخترعها. وتتميز هذه الفئة بأنها لا تملك أدنى المعرفة في السياسة ولا بمستقبل البلاد. فهم يعيشون يومهم ويتصرفون على هذا الأساس. بالرغم من ذلك, فليس هذا هو ما يحتاجه أردوغان. ونزول هذه الفئة إلى الشوارع لتأييده لن يمنع إبعاده عن السياسة بشكل قسري.

فهم أنه لن يستطيع التخلص من جماعة كولن:
ربما اندهش البعض على إقالة افكان ألان من وزارة الداخلية وتعيين صويلي بدلاً منه. ولكن الموضوع الرئيسي أنه ماذا سيحصل بعد ذلك. قبيل ذهاب أردوغان إلى الصين تحدث إلى الصحفيين في مؤتمر صحفي عن أنه لا يوجد في جدول أعمالهم أي تغيرات ضمن كادر القيادة. ولكن عندما صرح هذا التصريح, كان وكأنه يلعب دور "بينوكيو".
في الفترة الأخيرة استطاع فتح الله كولن من إرباك أردوغان وأضعفه كثيراً في تركيا. في حين قام أردوغان من التخلص من أتباع كولن في سلك الجيش والشرطة والمعلمين والقضاة والموظفين, فلم يستطع التخلص من أتباعه القريبين منه والذين يسرحون حوله. بذلك بعث أردوغان رسالة إلى بنسلفانيا مفادها: "لم يزل الخطر بعد". ولهذا السبب تضج المدفعية الثقيلة لحزب العدالة والتنمية بهذا التخبط وهذا الاستياء من أردوغان.
أنا على ثقة أنه توجد طائرة خاصة تركن بالقرب من قصره.
يعلم أردوغان أنه لم يعد يمتلك قوته السابقة. ولهذا السبب أصابه الارتباك هو وعائلته.
يحاول وزير الخارجية التركي بن علي يلدرم تسوية الموضوع السوري وتصليح ما خرّبه سلفه أحمد داوود أوغلو. ولكن في نهاية المطاف سيصطدم مع رئيس الوزراء داوود أوغلو لا محال. أساساً أردوغان لا يريد التأني أبداً في إبعاد يلدرم عن مهامه قبل وقوع الكارثة. ولكن قوانين الصراع السياسي لا تسمح بذلك حالياً. كما أنه لا يريد إبعاد رئيس وزراء ,حديث التعين, عن مهامه لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى زعزعة وشق فئته الداعمة له. فمخاوفه تصب في هذا الصدد.
بالنظر من الخارج يرى المرء أنه يمتلك القوة لدرجة أنه استطاع دعوة القضاة إلى القصر الرئاسي لافتتاح العام القضائي الجديد وهم جالسون عند قدميه. ولكن مشكلته الأعظم هي مع العالم الخارجي. ولأنه انغرس في مستنقع الأحداث السورية حتى ركبه. ولأنه من المستحيل التخلص من هذا المستنقع حالياً. وهو يعرف أنه في حال بقاءه في هذا المستنقع, فسوف يبتلعه دون رحمة.

سيختار طريق العنف مجدداً:
شخصيته التي لانت بعض الشيء بعد محاولة الانقلاب, ستعود لتصدح بشكل أوقح. ولكنه مضطر لذلك. لأنه لم يتخلص من موضوع جماعة كولن. والظاهر أنه لن يستطيع أبداً التخلص منه.
أردوغان يعيش أضعف أيام مسيرته السياسية في حين يظن البعض أنه يعيش أقوى فتراتها. إنه يعلم أنه ستحصل أشياء لن يتوقعها. هو من خلق حزب العدالة والتنمية, وهو من رفعه إلى مكانة مرموقة. والآن نفس الحزب يلعب لعبة خبيثة للانقلاب عليه.
إذا تساءلتم عن سبب صمت مؤسسي حزب العدالة والتنمية عما يجري الآن, ستجدون الجواب المقنع عن ارتباك أردوغان.
كما يقول المثل الشعبي: "كبر الفجل في هيبته".
كتبت منذ خمسة سنوات مقال بعنوان: "هذه بروفات الحرب الداخلية". وعند استجوابي ضمن قضية ملف "أوضا تي في", سألني القضاة التابعون للجماعة عن قصدي بهذا المقال. فكان جوابي حينئذ بمثابة التحريض على العنف والكراهية بحسب رأيهم. وهذا الجواب بات على لسان الجميع الآن. "حتى الفئران تغادر السفينة... لا أفهم ماذا ينظر بعد من هم ليسوا فئراناً".

(ممتاز إيديل – موقع: أوضا تي في)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...