عالم بلا خصوصية

11-09-2016

عالم بلا خصوصية

الجمل ـ رشاد أنور كامل: ينتاب العالم الفيسبوكي ذعر بأن مارك زوكربرغ المؤسس والمدير التنفذي لفيسبوك سوف يتيح معلوماتهم للعلن ، وان حتى ما حذفوه سيعيده ويتيحه، وان صورهم وتعليقاتهم وتأوهاتهم سوف تتاح لمن يشاء، والمطلوب هو ان تؤكد على خصوصيتك ببيان تقول فيه لمارك... انا لا أقبل ... وإلا ...
وبالتأكيد هذا ليس صحيح ..هو بالأساس ، باع كل معلوماتنا مرارا وتكرارا، وإلا من أين أتت ملياراته الني تجاوزت الستين ؟!
أتفهم ذعر البعض من أن يتصوروا ان خصوصيتهم على فيسبوك ستنتهك ، وأتفهم حرص البعض على ان لا يكون لهم حساب على الفيس او غير الفيس ، واتفهم رغبة البعض في استخدام حسابات بأسماء وصور وهمية ندعوها في عالم التقانة "الآفاتار" أو البديل ..
ويسألني البعض بحكم عملي عن أفضل الطرق لحماية خصوصيتهم ، فأجيب : أجعلوها عامة.. هذا مافعلته أجيال الشباب التي شبت مع بزوغ عالم التقانة وخاصة الانترنت، وتجاوزوا رعبكم ، واتقنوا لعبة المستقبل ، المستقبل الذي لا خصوصية فيه ، إنما شفافية ...
ماهي الخصوصية اساساً، هل تعتقد انها مجموعة من الصور لك وللعائلة ، او لك بالحمام مثلاً ، او محادثات جنسية قمت بها مع عاهرة على الفضاء الالكتروني، او مجموعة من تلصصاتك على الاخرين ، أم خصوصية عملك ، وما تبحث عنه، وارقامك في البنوك ، ووضعك الصحي، أم رسائلك ، وبريدك الالكتروني وغير الالكتروني .. وهل الخصوصية عند الجميع متاشبهة لنحميها بشكل جماعي ...
الخصوصية في بعض التعريفات هي قدرة الفرد أو مجموعة من الافراد على عزل المعلومات الخاصة بهم عن أي مجموعة او افراد او حتى حكومات بما فيها حكوماتهم .
والخصوصية أمر شائك ، ومعظم من يتعامل به من الأفراد غير المختصين يخافون على خصوصية تعاملاتهم على الانترنت ، ولكن المختصين يخافون من اختراق الخصوصية من ما نسميهم حاصدي معلوماتنا .
نولد ، فتبدأ عملية حصاد معلوماتنا ، وربما حتى قبل ان نولد ، هناك معلومات عنا ، على الأقل طبية ..
شهادة الميلاد هي أول الوثائق التي نسلمها طوعاً للحكومة ، دون معرفتنا ان هذه الشهادة فيها الكثيرمن المعلومات التي ستعتبر طيلة حياتنا من أهم خصوصياتنا، وأهم مافيها ، متى ولدنا وأين. وهي معلومات ان تسربت تعتبر خطيرة لانها احد اهم الأسئلة التعريفية التي يسألها أي تعامل بنكي هاتفي او على الانترنت ، ويعتبر الكشف عنها خطير جداً .
حديثاً اصبح اخذ البصمات لأصابع الجنين وطبعات قدميه، وصورة عن قزحية عينه ، وعينة من دمه ، والتي من الممكن أن تشكل اساساً لتحليل حمضة النووي من الإجراءات الروتينية ، وندعوا هذه المسوحات ، الدلائل الحيوية عن الانسان ، وهي دامغة ، وخاصة به ، وتسريبها اخطر بكثير من تسريب صورة له أولها في ملهى ليلي مثلاً ...
لنستمر بما قدمناه من معلومات للكثير من الجهات ، الحكومية وغير الحكومية ، فقط لنتذكر كم نعطي من المعلومات لشركات الاتصالات لنحصل على خط هاتف ، ونعطيهم بصمتنا ايضاً .. هل سأل أحدكم يوماً ماهي سياسة الخصوصية عندهم، وماهو مستوى الأمان المتبع لحماية معلوماتنا من ان لا ينسخها مهندس شاب في أي شركة اتصالات ويبيعها لمن يرغب .
الخصوصية التي سلمناها طوعا لحكوماتنا ، ولا سلطة لنا عليها ، ولا قانون على الأقل سوريا يحمينا من إعادة استخدامها وبشكل لا يرضينا من قبل الجهات التي حصدتها منا او تلك التي اشترتها او استحوذت عليها .
ان الخصوصية وحماية الخصوصية من اعقد الدراسات والتشريعات عالمياً والى الان ، ومن اعقد الأمور في التطبيق .
فقضايا مثل الخصوصية والأمن القومي ، وأين يقف حق الدولة في مراقبتك، وان راقبتك فمن له الحق في الوصول الى ملفاتك، وكيف تحمى هذه الملفات.
وقضايا مثل الخصوصية والسرية الصرفية في مقابل الشفافية والمسائلة ومكافحة الفساد ، بالإضافة الى مستوى امن المنظومة المعلوماتية في تلك المصارف أمام هجمات القراصنة المعلوماتيين، هي من اكثر الأمور تكلفة حول العالم.
والملف الشائك اليوم في مجال حماية الخصوصة هي الملف الطبي للفرد ، أين يحفظ وخاصة ان معظم الدول اصبح لديها نظام الملف الطبي الواحد الرقمي، أي انه سيحوي كل زيارة لك الى الطبيب وكل وعكة صحية، وكل علة وراثية فيك ، وهل سيؤثر ذلك مثلاً ان تم تسريبه على حصولك على تأمين طبي أو حتى وظيفة ، وصولاً الى أنه من الممكن أن يؤثر على قبولك كشريك حياة ان كان في عائلتك امراض غير قابلة للشفاء او مس من جنون مثلاً ... هل تتصورون تسريب مثل هذه المعلومات ماتداعياته .... كارثية .
قريبا دخلنا مجال الخصوصية الجينية ، أي تعريف الشخص وامراضه المتوقعة وشخصيته واخلاقه من دراسة الجين (الحمض النووي الريبي الخاص به) وهل سنقبل مثلاً تعيين مسؤول في منصب ، جيناته تدل على انه عصابي، أو اقل ذكاء من اقرانه، او انه عدائي ... وصولا الى ان في عائلته خط من الجنون ، قد يصيبه ، إن لم يكن أساسا أصابه .. وانا شخصيا ادعي اني رأيت في حياتي الكثير منهم في مناصب مهمة !!
ولا اريد أن اخيفكم ، بأنكم منتهكون تماما ، ولكن مع الأسف ، حواسبكم كلها فيروسات كامنة تراقبكم ، وتستمع اليكم، وتسجل ما تشاهدوه على الانترنت، وتسجل مكالماتكم ، وانتم طوعاً سجلتم في البريد الالكتروني المجاني ، هل سألتم لما هو مجاني، ويقدم كل تلك الخدمات ...
واليوم اضافوا ميزة بأن أعطوا كل شخص مساحة تخزين على الانترنت السحابي كما يسموه ، يعادل قرص مدمج ثمنه على الأقل 100 دولار ، هل سأل احدكم لما يعطونا هدية بمئة دولار لنرفع ملفات حواسبنا كما هي اليها ؟
هواتفنا ذكية جدا ، ذكية في الواقع اكثر من اللازم ، ومؤخرا اقرت فيسبوك انها تستمع لمحادثاتنا عبر هواتفنا وعبر ميكرفونات حواسبنا بحجة انها تريد تنميط اطباعنا ، لتقدم لنا أجوبة اسرع لاسئلتنا على الانترنت .
لن اتحدث عن ما تغعله غوغل ، لأنه غير بشري في الواقع ..
تغلق حاسبك يراقبونك من الموبايل ، تغلق الموبايل ، يراقبونك من مشترياتك ببطاقات البنوك المصرفية والائتمانية . تتذاكى ولا تستخدم البطاقات البنكية ولا الحواسب ولا الهواتف ، يراقبونك من كاميرات الشوارع ، والمولات ، ويراقبون اولادك ، واهلك، واصدقائك ، ويبنون ملفك عبرهم هم ...
أي عملياً لا خصوصية من الان ولاحقا لنا ..
ما نستطيع فعلا ان نفعله ، وبالتأكيد هو ليس تهديد مارك زوكربرك مخترع فيسبوك، نستطيع ان ندعم الجهاز التشريعي الحقوقي في بلادنا والذي يجب ان يحمي خصوصيتنا بقوانين وتشريعات، كما يحمي املاكنا .. وحياتنا ، ويحولنا من رعية تحت قوانين اذعان نعطي معلوماتنا لأي موظف صغير أو كبير إلى أصحاب حق في الخصوصية أو على الأقل الحق في حمايتها ..
اما فيما يتعلق بقضايا ادعائنا للعفة ، فهذا اظنه انتهى مع جيلنا نحن .. فالجيل الجديد يعلم أنه لن يستطيع ادعاء العفة الكاذبة في عصر الشفافية
العصر القادم اجمل ، فالشفافية ، راحة للنفس ، وربما ضابط أخلاقي يصل الى مصاف الملائكة المفترض انهم على كتفينا يسجلون ..
فلنطلب حماية الخصوصية ... لا حماية الأقنعة



إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...