«قوس قزح سوريا الثاني»: الرقص بديلاً من الحرب!

01-11-2016

«قوس قزح سوريا الثاني»: الرقص بديلاً من الحرب!

لا تزال «غابريلا عبد المسيح رشو» ترقد في غرفة العناية المشددة بمستشفى المواساة، بعد تعرّضها للإصابة بصاروخ تمّ إطلاقه على «دار الأوبرا» في الحادي عشر من الشهر المنصرم، حيث تعرّضت الراقصة السورية هي ورفاقها من فرقة «بارمايا للفلكلور السرياني» لإصابات متفاوتة، منعت الفرقة الآتية من مدينة القامشلي من تقديم حفلها المُنتظَر في مهرجان «قوس قزح سوريا الثاني». أعضاء الفرقة السريانية الجرحى اكتفوا بالصعود إلى خشبة «مسرح الدراما» وتقديم التحيّة لجمهور لم يبخل عليهم بالتصفيق والهتاف، مدارياً دموعه عن الناجين من الحادث الدموي.
«بارمايا» التي تأسست عام 2004 بإدارة مدرّبتها رمثة اسكندر شمعون، كان مقرراً لها أن تقدم في برنامجها لوحات من الرقص الشعبي الحلقي على نحو: «خا بنيسان، الخكا الثقيلة، شيخاني، تولاما، بازنايي، كوباري، بيدا». دبكات تعبّر عن أعياد الميلاد ومراسيم الزواج السريانية القديمة، بمصاحبة آلاتها الضاربة في القدم من «زُرنة وطبل وعود» إذ تعتمد هذه الرقصات على المراسم المؤداة فيها أو الأغنية التي تقوم الرقصة عليها، والتي تأتي هنا كوريث لفنون الميثيولوجيا المتعاقبة من سومرية وفينيقية وأكادية وكلدانية وبابلية وآشورية وآرامية، تمتد بجذورها التاريخية إلى أكثر من خمسة آلاف عام.
الحضور المتجدد
 المهرجان الذي أنتجته «وزارة الثقافة» وثب خطوته الثانية بعد ضغط ميزانيته التي بلغت هذا العام ( ثلاثة ملايين وستمائة ألف ليرة سورية ـ ما يعادل سبعة آلاف دولار$) معظمها ذهب كأجور لإقامة الفرق والإطعام والتنقلات الداخلية لأكثر من مئتين وخمسة وعشرين مشاركاً ومشاركة، حيث استطاعت هذه التظاهرة أن تبلور حضوراً متجدداً لفرق شعبية راقصة، جاءت إلى عاصمة بلادها من عفرين وحلب والقامشلي والسويداء واللاذقية؛ متحديةً صعوبات ومخاطر تشهدها طرق السفر الداخلية بين المدن السورية.
من أوغاريت على الساحل السوري استمد المهرجان شرعيته من أول نوتة موسيقية في حياة البشرية، مروراً بمملكة )»اري» على شط الفرات شرقاً، مستنداً إلى أقدم مدوّنة مؤرِّخة للموسيقى تعود إلى عصر البرونز (2900 ق.م) وصولاً لمكتشفات موقع مدينة (كركميش) ـ «جرابلس حالياً» والتي عُثر فيها على منحوتة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد (تمثّل عازف عود وعازف مُجوِز وراقصة).
هكذا حضرت «الدبكات العربية» في اليوم الأول من «قوس قزح» بتنوعها وفقاً لتنوع البيئة السورية بين ساحل وداخل وسهل وجبل مروراً بالأرياف والمدن والبادية، مجسّدةً الموضوع الشعبي كالعرس والجنازة والحصاد وقطاف القطن والزيتون، ليظهر في هذا النوع من الرقص أنواع عديدة منها: (الدبكة الغربية، اللوحة اللاذقانية، النسوانية، الطبيلة، البداوية، الدندشية، النشلة، الهولية، الحنة الحورانية، الكرجة، الميجة والسحجة، الطق أزلي الحلبية، البزرية الحموية، الماني الديرنجية، الشمس القلمونية والدراجة الرقاوية). رقصات متوازنة يختلف بعضها عن بعض بخطواتها وسرعات نقلات أرجل «الدبيكة» على الأرض؛ لتشكل الخطوة هنا ما يشبه ميزاناً إيقاعياً، تنوط الحركة على أساسه بضغط يختلف من مكان لآخر على امتداد الأقاليم السورية.
الموسيقى الشعبية
 فرقة «التخت الشرقي» رافقت هي الأخرى هذه الرقصات بقيادة المايسترو نزيه أسعد الذي أعاد توزيع مقطوعات تراثية بعد دراسة وبحث مضنيين في المُعجم الموسيقي الشعبي، مصدّراً الآلات الفولكلورية من جديد في جسم فرقته الموسيقية، جنباً إلى جنب مع الأداء الصوتي لكل من: (سردار شريف، معاذ يوسف، سهير صالح، يزن أبو شاش، نهى عيسى، عبد الوهاب الفراتي). مغنون أعادوا الحنجرة كأقدم آلة بشرية برفقة الربابة والطبل والناي، مجسدين عراقة الجمل اللحنية بمشاركة (فرقة سورية للمسرح الراقص) بإدارة مدرّبها نورس برو التي أدت بدورها لوحات متنوعة من تراث البلاد.
اليوم الثاني من المهرجان كان الجمهور على موعد مع فرقـة (غورتسي) الفنية للجمعية الخيرية الشركسية التي تأسست سنة 1948، ناقلةً عبر أكثر من نصف قرن عراقة الرقصة الشركسية بحركاتها الحيوية وإيماءاتها وموسيقاها المبهجة وثيابها المزركشة، مبرزةً لمحات من الفروسية ومشاعر الفخر والكبرياء في رقصة (القافا) في حين عبّرت رقصة (ثبارفه) عن أسطورة النساء الأمازونيات المحاربات في التراث الشركسي، وإتقان فنون القتال وركوب الخيل، في حين صوّرت رقصة (أبزاخ ودج) لقاء الشباب والفتيات للتعارف والزواج، أما رقصة (يسلاميه) فجسدت بحركاتها السريعة ورشاقة راقصاتها محاكاة الطيور وخفق أجنحتها، على النقيض من رقصة (شحه مافه) التي تناولت معاني الرجولة والقوة والشموخ.
الرقصات الأرمنية كانت حاضرة أيضاً بأداء فرقة (ميغري) وبإدارة من (أذاد سفريان) التي تابعت تدريب الفرقة منذ تأسيسها عام 2001. لوحات متنوعة قدمتها هذه الفرقة مستقية فقراتها من أصل طوطمي كرقصة شجرة البخور، ورقصة شجرة المشمش، إضافةً لرقصة (ماخوخابري) الحزينة عن ذكرى الإبادة الجماعية. رقصة (السيوف) لمؤلفها خاتشادوريان أنهت مشهداً كثيفاً من التراث الراقص لبلاد آرارات، ليكون ختام المهرجان مع فرقة (آشتي) للفولكلور الكردي التي قدم راقصوها أداءً لافتاً برفقة صوت المغنية خناف سعيد، راسمةً ما يشبه عناقاً ثقافياً بين عيد النوروز وطقوس الحداد الشركسي، والشهيد الأرمني، ورأس السنة الآشورية (أوكيتو). عناق يبدو اليوم أكثر حضوراً في تعدديته وغناه الصوتي والحركي بعد قرابة ست سنوات من اقتتال جعل من الرقص جسداً جماعياً في مواجهة الحرب.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...