“عروبة” و”إسلام” في زمن آل سعود !!

08-09-2017

“عروبة” و”إسلام” في زمن آل سعود !!

هذه محاولة متواضعة منا لفض الاشتباك القديم الجديد بين العروبة والإسلام، كمصطلحين أو سياستين، هي محاولة تأتي“عروبة” و”إسلام” في زمن آل سعود !! في زمن اختلطت فيه القضايا، زمن تسيد فيه آل سعود المشهد سواء عبر الإرهاب باسم الإسلام “داعش والقاعدة” وأخواتهما ممن يرعاهم ويمولهم آل سعود أو باسم العروبة المدجنة، تلك التي يتبناها الملك القادم “محمد بن سلمان” ولي العهد الحالي، لمقاتلة إيران لأنها “فارسية !!” وتهاجم بلاد العروبة، كما يدعي في سوريا والعراق ولبنان، بديلاً عن مقاتلة “إسرائيل” التي أصبحت حليفة تحت الغطاء الأميركي!! هذا زمن اختلت فيه المعايير والقيم والسياسات وأضحى من يتبع في سياساته (واشنطن وتل أبيب) هو المدافع عن “العروبة”، ومن يقاتل المقاومة ويحاصرها مدافعاً عن “الإسلام”، ولم يكتف الاثنان بهذا الخلط بل ذهبوا بعيداً لجعل “العروبة” تعادي “الإسلام”، ولجعل الأخير ينبذ الأولى في جدلية من العبث والخلط تحتاج إلي وقفة، خاصة أن هذا الخلط رغم قدمه، إلا أنه اليوم يتجدد ليس بالجدل الفكري والسياسي، بل بالدم، وهو ما يحتاج إلى تحرير وإعادة ضبط للمصطلحات والمفاهيم خروجاً من ذلك برد قاطع يقرر أنه لا تعارض ولا خصومة بين الإسلام والعروبة، إن حسنت النوايا أو تطهرت المواقف من دنس العمالة لواشنطن وتل أبيب.

بداية دعونا نؤكد أن الناظر للخريطة الفكرية والسياسية التي يمر بها الوطن العربي الملتهب بالحروب، يلحظ بروز بعض المتغيرات الجديدة، وتصاعد دورها في تحويل هذا الوطن عن رسالته وأهدافه الثابتة بشأن التقدم والوحدة، والمدقق في الخريطة الفكرية – على وجه الخصوص – يلحظ أن بعض المتغيرات الجديدة ليست سوى تعبير رمزي معاصر عن أصول عميقة من الصراعات والعلاقات المتشابكة بين قضايا جذورها تضرب في القدم، من هذه القضايا التي لاتزال تثير الكُتَّاب والمفكرين العرب في العقد الثانى من الثمانينيات: قضية العلاقة بين “العروبة والإسلام”، ولو أن القضية قصرت نفسها ونتائجها على حدود “العمل الفكري” لما احتاج الأمر عناء مناقشتها من جديد، ولكنها تجاوزت حدود الفكر لتفرض نفسها بأشكال سياسية مختلفة على حركة الوطن العربي في علاقته بدول العالم الإسلامي غير العربية، وكانت أخطر انعكاسات هذه العلاقة هي الحروب والصراعات الدامية التي تغذيها وترعاها الأسرة الحاكمة في السعودية ومن لف لفها من مشيخيات الخليج، وإذا ما حررنا القضية – كما يقول علماء اللغة – فإن علاقة العروبة بالإسلام لايزال ينظر إليها اليوم وسط طبقة السياسيين والمفكرين عبر مستويات ثلاثة من الرؤية:

مستوى أول: حيث نجد من يرفض مفهوم “القومية العربية” و”العروبة” تماماً بل ويرفض مفهوم الوحدة العربية ويقع داخل هذا الإطار أغلب الداعين أو المنظرين إلى الأصولية عن طريق ما يسمى بـ “الجهاد المسلح”.

مستوى ثان: من يرفض بالمقابل الانتماء الإسلامي ويرى في الإنتماء العربي الأساس، والإسلام مجرد “دين روحاني” وأنه أحد العوامل المساعدة في تحقيق الانتماء العربي، وليس هو أساس الإنتماء.

مستوى ثالث: يتجاوز أصحاب الرؤيتين السابقتين ويحاول أصحابه التوفيق الحضاري بينهما ويبحثون بجدية عن الأساس التوحيدي بين العروبة والإسلام وأصحاب هذا الاتجاه يمتدون تاريخياً من جمال الدين الأفغانى وتلامذته وصولاً إلى زماننا هذا. وما يهمنا في هذا المقام هو أن نركز على المستوى الثالث للرؤية، لأن أصحاب المستويين السابقين، في تقديرنا كانوا ولايزالون هم سبب البلاء الذي استشرى في الأمة، وهم سر نكباتها المتتالية، وخاصة آل سعود ومن صار في ركابهم، أو على منوالهم في خلق العداء بين مفهومين ووصفين لا يستقيم عقلاً ومصلحة وواقعاً أن يحارب أحدهما الآخر.

إن الحقائق على الأرض كما التاريخ، تؤكد أن الأصوب هو الاتجاه التوحيدي بين قيّم العروبة وقيم الإسلام، ونحن ممن يرى أن هذا الاتجاه التوحيدي هو الأقرب إلي العقل والظروف الموضوعية التي يمر بها العالم الإسلامي وهذه الرؤية تركز على علاقات التفاعل، دون تجاهل لدوائر الصدام الطبيعى أو المصطنع منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وداخل هذا الاتجاه نجد العديد من المفكرين منذ بداية القرن التاسع وحتى اليوم، وكان جمال الدين الأفغاني أكثرهم إدراكاً لخطورة هذه المسألة مع نهاية الدولة العثمانية ومع نهاية القرن التاسع عشر حين استشعر أنها ستكون مثاراً للجدل وفُرقة المسلمين فنبه الخليفة العثماني إلى ضرورة أن تكون “العربية” هي لسان العرب والمسلمين تمهيداً لوحدة العروبة والإسلام، واستشهد الأفغاني بالتاريخ فكان يرى أن كل من دان بالإسلام أو رضي بدفع الجزية عند الفتح العربي قد سارع عن طيب خاطر وارتياح عظيم إلى التعريب “جمال الدين الأفغاني: العربية لسان الإسلام والمسلمين – مجلة حوار العدد الثانى – صيف 1986 (فيينا) ص 162 – 163”.

والسبب في ذلك أن وفود العرب “إلى البلاد المفتوحة” حملت معها أخلاقاً فاضلة ظهرت أفضليتها بأجلى المظاهر، مثل الأنفة من الكذب، والوفاء بالعهد، ومطلق العدل، وكمال الحرية والمساواة الحقيقية بين الملك والسوقة، وإغاثة الملهوف، والكرم والشجاعة وباقي الفضائل، من الهيئات المتوسطة بين الخلال الناقصة”.

ويرى الأفغاني أن انتشار اللسان العربي، فيما عدا بلادهم (شبه الجزيرة) – ليس للفاتحين أدنى دخل فيه، ولا اتخذوا له أسباباً ووسائل بل إن ما وجد في اللسان العربي من الآداب الباهرة والحكم والأمثال والمواعظ، ذلك هو الذي أحله من الانتشار هذا المحل”.

ثم يؤكد الأفغاني رؤيته قائلاً: إن “لكل دين لساناً، ولسان دين الإسلام العربية، ولكل لسان آداب ومن هذه الآداب تحصل ملكة الأخلاق، وعلى حفظها تتكون العصبية، ولقد أهمل الأتراك أمراً عظيماً وحكمة نافعة – قالها السلطان محمد الفاتح، وأحب أن يعمل بها السلطان سليم – وهي قبول اللسان العربي لسان الدولة ” (المصدر السابق).

هذا وقد يلاحظ أنه رغم خطر الإرهاب “الداعشي والقاعدي” اليوم، فإن وجود التحدي الصهيوني كان عاملاً هاماً في القضية إذ نلاحظ هنا على سبيل المثال خفوت الحماس الشعبي العربي للعلاقات مع الدول الإسلامية عندما تغيرت مواقف تلك الدول من فلسطين “وفقاً لما قاله المفكر الراحل منح الصلح في كتابه المهم: الإسلام وحركة التحرر العربي: المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1973- ص12″، وكانت الفترة منذ الخمسينيات وحتى نهايات السبعينيات فترة اختبار تاريخي لعامل هام في علاقة العروبة بالإسلام وعلاقة الحركة العربية بالحركة الإسلامية، وهو عامل “التحدي الصهيوني” وهو ما دفع أحد المفكرين المهمومين بالقضية إلى أن يرصد هذا العامل ويرى أنه من أهم جوانب الاتفاق بين الحركتين حيث يرى أن أهم وجوه الاتفاق بين الحركتين الإسلامية والعربية يتأتى من الجانب الوظيفي التوحيدي والتحريري لهما “طارق البشري : بين الإسلام والعروبة : مجلة حوار – العدد الثانى – ص26” فكلتاهما تقود إلى الوحدة وكلتاهما تقود إلى فلسطين والقدس والتوجه التوحيدي واحد، فهو يختلف في السعة وليس في الاتجاه، كما أن التوجه التحريري متماثل في الخصوم والأنصار، ويرد الاتفاق بين الحركتين أيضاً من الإحتواء الإسلامي للعروبة من حيث الأغلبية السكانية الغالبة، ومن حيث الهيمنة الحضارية والفكرية والتاريخية، هيمنة دامت حتى القرن التاسع عشر، فلا نكاد نميز بين ما يعتبر فكراً وحضارة إسلامية وبين ما يعتبر منها “عربياً ” إلا من حيث عموم الأولى وخصوص الثانية.

نخلص إذن بشأن علاقة الإسلام بالعروبة، إلى أن العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة مركبة فكما أن الإسلام لا يمكن تصوره دون الأصل العربي حيث إن الإسلام هو دعوة عقائدية تقوم على مبدأ مفهوم الإقناع من خلال الاتصال، ووثيقته القرآن الذي دُوِّن باللغة العربية، وحيث اللغة في العملية الاتصالية ليست مجرد رمز وتعبيرات لفظية: إنها مفاهيم وأدب للتعامل ومنطق لتطويع الإرادة المعنوية، كذلك فإن العروبة أحد عناصرها الإسلام: إن المجتمع العربي قد يضم ويحتضن أقليات غير مسلمة ولكن يجب أن ينظر إليه على أنه بلورة تاريخية لمجموعة من القيم من تكاملها خلال الأجيال المتعاقبة والتراكمات المختلفة تكونت الحضارة الإسلامية. إذ العلاقة بين الإسلام والعروبة لها دوائر ثلاث كل منها مستقلة عن الأخرى رغم تقاطعها مع تلك الدوائر الأخرى: العروبة، الإسلام، الحضارة الإسلامية.

إن التوحيد العروبي والإسلامي هو – من وجهة نظرنا – هو الأقرب إلى روح التاريخ الإسلامي ولطبيعة التحديات الجديدة التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها تحدي الإرهاب باسم الدين وليس باسم حماية العروبة من الدول الخارجية وتحدي الوجود الصهيوني والتطبيع معه، وكل هذه التحديات ترعاها العديد من النظم في منطقتنا، وتأتي السعودية وبعض مشيخيات الخليج في مقدمتها في تحالف وثيق مع واشنطن “ترامب” وتل أبيب”نتنياهو”. وكشف هذا الزيف للعداء المصطنع بين العروبة والإسلام، هو البداية الصحيحة للانتصار على تلك التحديات، والله أعلم!! .

رفعت سيد أحمد - الميادين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...