كيف تكون علاجات إطالة العمر متاحة للجميع؟

15-12-2017

كيف تكون علاجات إطالة العمر متاحة للجميع؟

يشير بحث أجري فيما يتعلق بالشيخوخة البيولوجية إلى أنه قد يأتي يوم على البشر يكونون خلاله قادرين على إطالة مرحلة الشباب لديهم وتأجيل الموت. وحالما يأتي ذلك الوقت، قد تغدو مسألة إطالة فترة مرحلة الشباب عالما خاصا بالأغنياء ما يزيد من حالة انعدام المساواة المدمِرة لعالم يفرق فعليا بين من يملك ومن لا يملك.


إن ذلك الفارق فيما يتعلق بامتداد العمر يظهر بوضوح كبير داخل الدول وفيما بينها. في الولايات المتحدة، نجد أن الفارق بين متوسط العمر المتوقع للولايات الأغنى والأفقر يبلغ قرابة 15 عاما، وهو الفارق نفسه الموجود في متوسط العمر المتوقع عند الولادة بين أحياء لندن. إن الفارق في مسألة امتداد العمر عالميا تُعد أكبر بكثير. بمعنى أن المواطن الياباني يُتوقع أن يحظى بقرابة 30 سنة حياة صحية عن نظيره السيراليوني. من المرجح أن تزيد تلك الفوارق إذا وصلت تقنيات فعالة لإطالة العمر إلى الأسواق.

سكان أوكيناوا يواظبون على نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية وصحي كما أنهم استهلكوا حوالي 15 % من السعرات الحرارية أقل من الأمريكي العادي عام 1971
إن القدرة على إبطاء الشيخوخة، والتي ثبتت فعليا في الحيوانات، من المرجح أنها قد أسهمت في إطالة العمر الاستثنائية لسكان أوكيناوا اليابانيون الذين يتمتعون بأعلى نسب من السكان المعمرين في العالم. وتمشيا مع الدراسات المتعلقة بأنواع أخرى، يبدو أن سكان أوكيناوا يواظبون على نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية مع تناول المواد الغذائية بشكل صحي. كما أن بعض سكان أوكيناوا الذين أجريت عليهم «دراسة المعمرين لأوكيناوا» استهلكوا في المتوسط حوالي 15 % من السعرات الحرارية أقل من الأمريكي العادي عام 1971.

ووفقا لأحد التقديرات، التي تم استخلاصها من دراسات أجريت على فئران، فإن تقييد السعرات الحرارية ربما ينتج عنه متوسط عمر متوقع يبلغ قرابة 100 عام أو أقصى عمر متوقع (أكثر من 160 عاما). إن البحوث التي أجريت على تقييد السعرات الحرارية واعدة بدرجة كافية والدليل جمعية تقييد السعرات الحرارية التي تم إنشاؤها في أمريكا لتقدم الدعم للأشخاص الذين يشاركون في حميات تقيد السعرات الحرارية بنسبة أكثر من 40%.

لكن من غير المرجح أن يكتسب اتباع نظام غذائي من هذا النوع متابعة واسعة. من غير المستغرب إذن أن تزدهر الأبحاث على الأدوية التي سيكون لها الآثار البيولوجية نفسها أو أكبر مثل التقييد الغذائي. لقد استثمرت شركات مثل جلاكسو سميثكلاين وجوجل مبالغ ضخمة للغاية في إجراء أبحاث على مسألة إبطاء الشيخوخة.

ووسط التقارير المثيرة عن هذه التطورات تظهر أقوى الاعتراضات (ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة) على استخدام هذه التقنيات، وهي أنها ستفاقِم أوجه عدم المساواة فيما يتعلق بإطالة العمر، وذلك على غرار التوزيعات القائمة للثروة.

حتى وإن كانت أدوية إطالة العمر رخيصة نسبيا، فمن المعقول الافتراض بأن الفقراء، الذين لديهم دخل أقل، يمكن أن ينفقوا المال على احتياجات أكثر إلحاحا. إن أي تدخل في مسألة إطالة العمر وإن كانت منافعه كبيرة ووقائية وطويلة الأمد، سيكون على الأرجح رائجا للجماعات الأكثر ثراء الذين لديهم فعليا حياة أطول وأكثر صحة.

بمعنى أن الحياة الصحية للأغنياء ستصبح أطول والحياة الصحية للفقراء ستظل على حالها. ويمكن أن يرسخ ذلك لمفهوم المجتمع ذي الشقين، لا تعاني خلاله الجماعات الأكثر فقرا فحسب، بل أيضا الشباب الأقصر عمرا والأكثر تعرضا للأمراض المرتبطة بالعمر. ويزعم عالم بيولوجيا الأخلاق جون هاريس بجامعة مانشستر أن هذه النتيجة غير العادلة هي المشكلة الأخلاقية الأكبر فيما يتعلق بتقنيات إطالة العمر.

ويرى بعض علماء الأخلاقيات البيولوجية أن هذا يبرر فرض الحظر على تقنيات إطالة العمر، أو الحد من أولوية إجراء الأبحاث وتصنيع العلاجات التي تهدف إلى إطالة العمر بشكل كبير. ولكن هذه الخطوة قاسية جدا. فإلى جانب المشاكل العملية فيما يتعلق بالحظر ومنع ظهور منتجات لا تخضع للقوانين، فإن الحظر له بعض العقبات الأخلاقية الواضحة.

أولا: إن حظر أدوية إطالة العمر سيكون أمرا مشكوكا به أخلاقيا أن يقلل منها. في حين أن حالات حظر أخرى مثل حظر المخدرات، تتعاظم من خلال الحد من أضرار المواد المحظورة، فإن فرض الحظر على مسألة إطالة العمر يهدف بوضوح لمنع بعض الأشخاص من أن يعيشوا ظروفا جيدة وأكثر راحة. وكما يشير هاريس، إن ذلك أشبه برفض علاج شخص مصاب بالسرطان بحجة أن منحه العلاج لن يكون عادلا لأولئك الذين لا أمل من علاجهم.

أما المشكلة الأخلاقية الثانية هي أن التدخلات من أجل إطالة العمر قد تستغل كعلاجات لمجموعة من الآثار الصحية. بمعنى أن البشر والرئيسيات الأخرى التي تظهر عليها علامات بطء الشيخوخة، تميل لأن يكون لديها أقل حالات إصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسرطان. ويتسبب ذلك في تعقيد مسألة الحظر بشكل أكبر: بمعنى أن حرمان هؤلاء من فرصة تلقي العلاجات لأن ذلك قد ينتج عنه زيادة في سنوات العمر الصحية لهم، يبدو أمرا مرفوضا.

إن حظر أدوية إطالة العمر خيار سيئ، لكن إذا كان تجنب عدم التكافؤ في فترات العمر الصحية يمثل أولوية، فما هي السياسات التي تحقق أفضل نتيجة لذلك الحظر؟ وهل هناك وسيلة لزيادة الرفاهية دون خلق اختلالات جذرية في إطالة العمر؟

إن علماء الأخلاق مثل كولين فاريلي من جامعة كوينز في أونتاريو وتوم ماكي بمركز القانون في جامعة جورج تاون كانت لهما آراء فيما يتعلق بتوفير أدوية إطالة العمر من قبل خدمات الصحة العامة. ويزعم العالمان أن ذلك الأمر سينتج عنه مجتمع أكثر مساواة.

إضافة إلى ذلك، فإنه يخلق حسا اقتصاديا تجاه منح الأولوية لمسألة إبطاء الشيخوخة، ومن ثم فإن مكافحة الأمراض المتعلقة بالعمر ستفضي إلى عدم إصابة الأشخاص بأمراض مكلِفة ماديا لفترات أكبر من حياتهم.

في سوازيلاند تكون الوفيات المبكرة مرتبطة بعوامل أخرى كمرض الإيدز. وإذا مات الأشخاص قبل أن يصابوا بالشيخوخة، فإن توفير الأدوية التي تبطئ الشيخوخة لن يقلل الفوارق
نتيجة لذلك، فإن أخصائيي الشيخوخة أمثال ستيوارت جاي أولشانسكي من جامعة إليونيس يرون أن تقنيات محاربة الشيخوخة ستقلل من العبء الاجتماعي للشيخوخة. إن إمكانية الحد من الأمراض المرتبطة بالعمر والحد من انعدام المساواة فيما يتعلق بإطالة العمر، يجعل التوفير العام لتلك العلاجات ذات أولوية قصوى في دول العالم المتقدم. لكن هل ستقدم تقنيات إطالة العمر فائدة مماثلة وتقلل من انعدام المساواة فيما يتعلق بإطالة العمر بين الدول الغنية والعالم النامي؟

في العديد من الحالات، لن يكون ذلك ممكنا. وذلك نظرا لأن تأثير أدوية إطالة العمر يعتمد على عوامل تساهم في الموت المبكر. في سوازيلاند على سبيل المثال، تكون الوفيات المبكرة مرتبطة بشكل عام بعوامل أخرى كمرض الإيدز. وإذا مات الأشخاص قبل أن يصابوا بالشيخوخة، فإن توفير الأدوية التي تبطئ الشيخوخة لن يقلل الفوارق.

على الجانب الآخر، وحتى داخل العالم النامي، فإن أساليب تجنب وعلاج الأمراض المرتبطة بالعمر تكون أكثر أهمية. في ذلك الصدد، يشير تقرير لمجلة «لانسيت» الطبية إلى أن عبء الأمراض في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، يكون مرتبطا بشكل متزايد بالعمر. ومع انخفاض معدل وفيات الرضع، فإن عدد الأحياء الذين يصبحون أكثر عرضة لأمراض تقدم العمر، يتنامى بشكل سريع.

ويعني ذلك أن الوصول إلى تدخلات تبطئ من الشيخوخة البيولوجية ستفيد الكثير من الأشخاص في العالم النامي. أما انعدام المساواة فيما يتعلق بإطالة العمر فيمكن تضييقه عن طريق تأجيل أو تقليص معدل الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر.

وفي حين أن الأولويات الصحية تختلف بين الدول، فإن مخاوف النظام الصحي التي تثيرها الشيخوخة الاجتماعية السريعة، يتم تشاركها على نحو متزايد. ويعني ذلك أن الدول الأغنى والأفقر يمكنها الاستفادة من تقنيات إبطاء الشيخوخة. إن حظر تلك التقنيات سيكون كارثيا حيث سيتم تفويت الفرصة للحد من الأمراض المرتبطة بالعمر وزيادة سنوات العمر الصحية في شتى أنحاء العالم.
المصدر: وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...