بعض من المنسي عن الشيخ راغب حرب

19-02-2019

بعض من المنسي عن الشيخ راغب حرب


في ذكرى اغتيال الشهيد الشيخ راغب حرب تقدمه كل من التنظيمان بصيغة تغلب عليها صورة " الشيخ المقاوم"..ومع أنهم يذكرون الكثير عنه في ادبياتهم لكن الصورة الغالبة هي " انه شيخ قاتل اسرائيل بسلاح الموقف فاغتاله المحتلون"

هذا جانب صحيح من حياة الشيخ لكنه ليس كل شيء ولا الجانب المفيد والفريد من حياته.
فرادته انه اهتم بالانسان بغض النظر عن قربه منه حزبيا او مذهبيا او فكريا. فمطلق انسان كان يمكن ان يكون صديقا له يخدمه ويحبه ولو حمل اشد الأفكار ابتعادا عن قناعات الشيخ.

و الشيخ أولا كان غير مغتر ولا متكبر بعمامته ولا راى نفسه صاحب وجاهة يجب على الناس التعامل معه على أنه مميز فقط لانه شيخ.
كان الشيخ يرى اللباس الديني اعلان " دروشة" وتميزا عنوانه " انا قد بعت الدنيا ولبست أقل الثياب بهرجة لأكون أفقر من أفقركم"

وكلما زادت شعبيته بين الوجهاء وأصحاب الحرف والمهن والمقتدرين كان يتواضع للفقراء ويتقرب من الايتام اكثر.
يومياته قراءة للعلم وتعلم بالعمل وموعظة الناس بخدمتهم لا بالخطابة فيهم فقط.

وكلما اشتد تعلقه الوجداني بدينه خاصة في المناسبات الدينية كان ينفتح على اصحاب الفكر المختلف أكثر فأكثر ويشفق عليهم لانهم برأيه محرومون من لذة العشق الروحي لله.

والشيخ حين يدعو كان يدعو لله بافعاله. ما قال صوموا وصلوا بل تلك بداهة المؤمن بل جعل من الصلاة متعة يتجمع بعدها الأحبة حوله للاستماع الى معانيها.
ولم يقل " الملحد كافر وحرض عليه ولا قال الشيوعي خطر فابتعدو عنه ولا قال المسيحي نجس فلا تقتربوا منه"
كان حبيب الشيوعيين والاكثر شعبية بين الملحدين لا لأنه يقبل افكارهم بل لانه تقبل اشخاصهم ولم يحكم عليهم بالعداء بل ظن بهم خيرا ورأى أن في كل منهم شر هو افكار تخالف الشريعة ولكنهم اصحاب خير فطري في خدمة الانسان.

لم يدعو عليهم في غيابهم بل دعى لهم بالهداية في حضورهم.
هو شيخ واحد لكنه جمع حوله الناس فقيرهم وغنيهم لا لوجاهة بل ليقنع الأغنياء بان الوجاهة هي في التكافل والعناية بالفقراء.

هذا شيخ واحد أسس مبرة ايتام وفي ظنه أنه يقدم منهاجا سيصبح ديدن كل رجل دين، فكم الف شيخ معا اسسوا مشروعا مماثلا بجهد شخصي؟

كان المربي لنفسه فتمثل به الناس دون أن ينتقدهم.
وكان لا يدعو الشباب الى العفة ويكثر من الزيجات بل يسبقهم اليها ويدعوهم للحوار ويمارسه ويدعوهم للتقوى ويستشعرونها في محبته للجميع.
اذا اتاه ضيف خدمه بنفسه لا بزوجه فلا يثقل على احد ولا يخجل بما لا يملك ويفخر بانه مستعد ان يفدي كل زائر بما يملك ولو لم يكن يعرف حاجته.

يهدى اليه مال فيهديه قبل خروج الزائر الى الفقراء .
قبل الغزو كان رهبان النبطية ومسيحي الكفور في خوف فطمأنهم بما لديه من امكانيات معنوية.

وبعد الغزو حين انقلب بعضهم فرحين بجيش الاحتلال نصحهم وحذرهم وأشفق عليهم من خيار الخيانة ولم يعمم فبقي يتواصل مع الوطنيين منهم.
في خياراته السياسية والدينية كان خمينيا وعضوا في تجمع علمائي محسوب على حزب الله لكنه لم يفرق ولم يعلن بتاتا موقفا يفرق الناس بل كان حركيا حزبيا في اَن.
ورغم خلافات المنافسة غير المعلنة على الزعامة الدينية بين فضل الله وشمس الدين بقي تلميذا للطرفين وهو لو عاش لكان اصبح استاذا لأتباعهما معا.

لم يسعى في زعامة، بل تواضعه جاء بها اليه.
لم يمارس فعل تحريك الغرائز بل خاطب العقل وحين كان يستثير في الناس الحمية ليقاوموا لم ينأى بنفسه او يساير ليحمي " مؤسسة" او رأيا عاما يواليه.
قال كلماته كما لو أنه خطيب في قرية محررة فحرر الانفس من الخوف قبل ان يحرر المقاومون الارض.
لم يأبه بما يرضي مصالحه بل اهتم بما يرضي الله.
لم يعبس بوجه امرأة لا تلبس حجابا بل احترم انسانيتها ودعى لها بالهداية.
ولم ينفر ولم ينفر من يزورونه من مخالفيه بل كان حبيب البعثيين والشيوعيين وكان بينهم وبين المؤمنين دماء واضطهاد وعدوان اذا كان المؤمنون ضعفاء.
اغلب وقته كان زائرا غير مزار.
لا ينتظر ان يكرمه الناس بل يكرمهم ويستمتع بالتواضع لهم.
جبروته ظهر من تواضعه وثقته بنفسه أملتها عليه قناعته انه على حق فما خاف نقاشا مع مخالف ولا هرب من صاحب فكر.
مات عظيما لانه في حياته كان انسانا ذو اهداف عظيمة هي بناء الانسان ثقافيا وعلميا واقتصاديا ثم بعدها فليقاوم.
ممارسته اليومية تعلن بوضوح كن خادما للناس لتكون شيعيا وكن خادما للناس لتكون عالما فقهيا وكن خادما للناس يكفيك الله شر الحديث عن عذاب القبر لاكتساب قلوب البسطاء.

هذا القديس فريد من نوعه كانسان وكرجل دين وعظمته ليس في شهادته بل في خياراته اليومية التي جعلت منه شهيدا عظيما.
اختار خدمة الانسان فكان شاعرا بعمله لا بكلماته شاعرا اعظم من الرومي وتقيا اكثر من النساك ومفكرا أعظم من التبريزي.

الشيخ المقاوم لم يطلق النار بل كلماته جعلت من المقاومة مهمة كل من تأثر به.
لم يحرص على هيبته الشخصية بل خلقها في انفس عارفيه وهو يمازحهم بتواضع.

تحريضه على المحتلين كان جزءا من كل وأساسه هو خلفيته في خدمة الناس فكيف يكون المرء حريصا على سعادة الانسان ولا يدعوه الى الحرية؟؟

كان عمله الاجتماعي ومخزونه الثقافي صنوان يتمثلان عملا لا كلاما فقط.

فرادة الشيخ راغب حرب انه في حياته لم يكن حزبيا حين يخدم الناس ولم يكن منحازا ولم يكن مهتما بمواقع تنظيمية.
على الأقل لم يكن لديه في تعامله اليومي مع الناس خلفية تقسم من يهتم بهم الى " هذا حزبي وهذا لا"
رمزيته كمقاوم مهمة لكن الاهم بكثير هو المنسي وهو انه كان باحثا عن اسعاد الانسان في دنياه ويومه قبل حثه على الموت في سبيل الحرية.

 

خضر عواركي : شبكة عربي اونلاين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...