حق الشعوب في الحرية والتنمية

19-04-2007

حق الشعوب في الحرية والتنمية

القمة العربية في الرياض لا تشكل استثناء عن القمم العربية التي سبقتها، بتغييبها لقضايا المواطنة، والمهمشين حقوقاً وفقراً وبطالة وأمية في بناء اجتماعي موروث بشكل تراكمي، تصادر فيه الديمقراطية، وتزداد مظاهر التحكم والاستغلال، ومرد هذا الغياب ليس عدم كفاية المعلومات والحقائق الرقمية، أو عدم الإحاطة بها من قبل القادة العرب (الذين نجحوا بنسبة 99,99 بالمئة)، بل الخشية من مواجهتها لأن ذلك سيعني الإقرار بالصورة القاتمة للواقع التنموي العربي، ووصول الخطط التنموية الرسمية العربية إلى أفق مسدود، وعجزها عن تقديم حلول للمشكلات التي تعصف بالمجتمعات العربية، خلافاً للوعود البراقة التي لطالما تغنت بالمشاريع التحديثية والمساواة ومكافحة الفقر والبطالة.
 إن استمرار غياب التنمية المستدامة بمفهومها الشامل عن جداول أعمال القمم العربية، والاكتفاء بذكرها في ديباجة القرارات التي لا تجد تطبيقاتها طريقها إلى النور، يفاقم من أزمة المجتمعات العربية بشكل غير مسبوق، فالتزايد السكاني مترافق مع استمرار احتكار الحكومات العربية لمحدودية تنوع مصادر الدخل القومي، وإشكالات القطاع العام التي لا تبدأ ولا تنتهي، وما بات يمثله غالباً من بطالة مقنعة، وضعف القطاع الخاص في غالبية البلدان العربية، بسبب اتجاهات نشاطه واستثماره غير الموجهة في المجالات المناسبة، وغير الموظفة بشكل سليم في الخطط التنموية على المستويين الوطني والقومي، وغير المشمولة بأنظمة حمائية عادلة قانونية ومتطورة في غالبية البلدان العربية تشجع القطاع الخاص على الاستثمار، ما سيزيد من حجم المعوقات الاقتصادية والتقنية والثقافية والاجتماعية بشكل عام، ويزيد من تفشي ظاهرة الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي.
 لغة الأرقام تدلل على أن (65) مليون عربي أميّون بشكل كامل، و(150) مليوناً بالحد الأدنى أميون بالتقانة الحديثة والمعلوماتية، و(80) مليونا يرزحون تحت مستوى خط الفقر العالمي، و (20) مليوناً لا يحصلون على الغذاء الكافي، و(100) مليون من سكان المناطق الريفية العربية لا تتوفر لهم مياه نقية، و(120) مليوناً لا يحصلون على كفايتهم من الرعاية الصحية، و (20%) من قوة العمل العربي تعاني من البطالة، و(3) ملايين يدخلون سوق العمل سنوياً، علماً أن سوق العمل العربية لا توفر أكثر من (900) ألف فرصة عمل سنوياً، ونسبة البطالة بين الفئات العمرية الشابة تتجاوز (27%)، والبطالة بين النساء تتجاوز (50%) ممن هن مؤهلات للدخول في سوق العمل. ولا يزيد الاستثمار في البحث والتطوير عن (0,5%) من الناتج القومي الإجمالي للدول العربية، أي أقل من ربع المتوسط العالمي، والعجز المائي العربي بلغ 30 مليار متر مكعب في عام 2000 يمثل الفجوة بين المصادر المتاحة من المياه، وبين الكمية التي تحتاجها دول العربية لأغراض الزراعة والتحديث والتنمية والتصنيع. ويتوقع أن يصل العجز إلى 282 مليار متر مكعب في عام ,2030 في ظل معدلات النمو السكاني المتسارعة التي يشهدها العالم العربي. ونمو الصادرات إذا ما استثنيا النفط أقل بـ (6%) من المعدلات العالمية، و(20%) من الأسر العربية تعيش على دخل أقل من دولارين يومياً، وتدهور أوضاع الفئات الوسطى في البلدان العربية بعملية هرس طبقي، أعوزتها وأخلت بوضعيتها الاقتصادية ودورها المجتمعي المتوازن الذي لعبته تاريخياً، وأكثر أبناء هذه الفئات اليوم في ظل الأوضاع الاقتصادية لبلدانهم بات يحكمهم عدم الإقبال على العمل الحر بسبب الخوف من المخاطرة والميل إلى الأعمال المستقرة. واستمرار تقديم الصراعات الداخلية العربية على حساب مواجهة التحديات الخارجية الهادفة للهيمنة على شعوب ودول المنطقة ومقدراتها. واستمرار قمع الحكومات العربية لتطلعات شعوبها، واستلاب الديمقراطية والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، قوّض أسس المواطنة والحكم الرشيد، وأضعف الحس الوطني.
 إن معالجة ما سبق يؤشر وبوضوح إلى وجود حاجة ماسة لكشف مظاهر القصور والاستغلال والسيطرة التي شوهت البناء المجتمعي في البلدان العربية، وتوضيح أسباب ذلك، ومعالجتها من خلال تحليل نقدي للمجتمعات العربية، خطوة على طريق مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في ظل المتغيرات الدولية الجديدة، بالأفق المفتوح لعصر المعلوماتية والثورات التكنولوجية السريعة والمتتالية، والتقانة والحداثة.
 ولا يفتقد الرؤساء والملوك العرب لإمكانية وضع حلول للمعضلات فمكافحة البطالة ممكن بإعطاء الأولوية للعمالة العربية في سوق العمل العربي، بدل خنقها بالانفتاح على العمالة الآسيوية، تأثراً بالخلافات السياسية بين أنظمة الحكم العربية، وهذا يشكل مدخلاً لإعادة تنظيم سوق العمل العربية، ويصب في خانة التكامل الاقتصادي العربي والتنمية القطرية والقومية. وإدماج قوة العمل العربية التي تعيش على هامش تقسيم العمل الرسمي في سياق التنمية الشاملة سيكون له أثره العميق في مسعى تحقيق التقدم والتنمية ومكافحة الفقر، ووضع خطة عربية متكاملة وبشكل منهجي لمواءمة المناهج التعليمية والتدريبية مع حاجات سوق العمل العربي، ومجاراة تطور السوق العالمية ضمن محددات الثورات التقنية والتكنولوجية والمعلوماتية، بتخصيص موازنات أكبر للبحث العلمي، وتحرير جزء من رؤوس الأموال العربية المجمدة في البنوك العالمية لصالح مشاريع استثمارية في البلدان العربية لخلق فرص عمل جديدة، كفيل باستيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب الذين يدخلون إلى سوق العمل العربي، وتحسين مستوى الإنتاجية في الاقتصاديات العربية كماً ونوعاً.
 لقد أشارت تقارير التنمية العربية إلى أنه إذا توافرت الإدارة السياسية فإن البلدان العربية يتوافر لها الموارد اللازمة للقضاء على الفقر المطلق في غضون جيل واحد، فالالتزام السياسي هو القيد المانع للتقدم وليس الموارد المالية. ومحاربة الفقر تحتاج إلى إدارة الاقتصاد الكلي ونمط النمو وكفاءة سوق العمل، وكذلك توفير شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة برامج الدعم المالي للفقراء، وينبغي تنسيق هذه البرامج لتجنب الهدر والتداخل وتقليل تسرب المنافع إلى غير الفقراء وخفض التكاليف الإدارية. وخلص التقارير إلى أن التنمية الإنسانية ضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام ومحاربة الفقر، كما أن تكوين مستقبل يسهم في بنائه جميع الناس هو حتمية أخلاقية، ولا بد أن يكون هدفاً استراتيجياً لجميع البلدان العربية وهي تلج القرن الحادي والعشرين.
 فأين جداول أعمال القمم العربية من كل ذلك، ومن حلم المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج بعالم عربي متكامل ومتحرر من الاستغلال، يتبوأ مكانة يعتد بها في عالم العولمة والحداثة والتحديث التكنولوجي والمعلوماتية، سبقته إليها دول في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا أقل ثروات وإمكانيات بكثير من تلك التي تمتلكها الدول العربية، لكنها عبرت إليه بتطوير منظوماتها الاجتماعية على نحو أكثر تحرراً من الموروث، وأرست أسس الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والشفافية والنزاهة. ولعل هذا يضع اليد على الجرح، حيث لا تنمية اقتصادية ولا تنمية مستدامة بدون تنمية سياسية حقيقية؛ وبدون ديمقراطية وحرية سياسية اندماج اقتصادي وهذا ما يفسر إسقاط القمم العربية لخطط التنمية المستدامة من جداول أعمالها وسقوطها هي تالياً.


عامر راشد

بالتعاون مع مجلة المال

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...