شباب سوريون ومسؤولون سابقون يبحثون عن فرصة "عمل"

20-04-2007

شباب سوريون ومسؤولون سابقون يبحثون عن فرصة "عمل"

الجمل ـ أُبيّ حسن : لم تخف رويدا (طالبة في قسم الإعلام), قلقها من المستقبل الذي اختزلته بقولها:"ليبحثوا لنا عن وطن" قاصدة شباب وشابات سورية, ثم تردف بأسى: "مو معقول, الواحد منا مابقى يسترجي يحلم يشتري بيت!؟". تكمل الحديث زميلتها قائلة: "أختي موظفة وخطيبها موظف, ورواتب الاثنين يادوب ييجوا أجار بيت ومصروفو!".
لم ينحصر القلق في هذا الجانب  برويدا وزميلتها, فكثر هم الشباب الذين شكوا لنا  قلقهم الناجم من جرّاء ارتفاع العقارات, مفضفضين لنا عن همومهم في ما يخصّ مشكلة السكن. وكان اللافت أنهم جميعاً لا يثقون بالحكومة ووعودها, لا بل أن أحمد (مهندس كهرباء, موظف في إحدى الدوائر الرسمية, عمره 32 سنة, ما يزال عازباً, وصاحب محل في "حي تشرين") بات يخاف من وعود الحكومة التي عادة ماتكون أفعالها على أرض الواقع عكس أماني ورغبات المواطن حسب رأيه. وعندما أفدته أن الحكومة وعدت بإيجاد حل للسكن في سورية خلال العشر سنوات القادمة, ضحك بمرارة, قائلاً: "أكون قد بلغت الثانية والأربعين!, تروح الحكومة تتزوج عني".
من جهته, لم يتوان إبراهيم (خريج حقوق) عن القول: "إن في سوريا أكثر من مليون عراقي في سورية, ومن الطبيعي أن ترتفع أسعار العقارات. أنا لا أقول إن العراقيين هم السبب.. احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة , وقبله استبداد صدام, هو السبب, لكن ما ذنب المواطن السوري, وأغلبه من سن الشباب حتى يدفع فاتورة الاحتلال من حساب مستقبل شبابه في ما يخصّ أبسط مقومات الحياة ألا وهو السكن؟", ويضيف قائلاً: "ألا يكفينا أنه في سوريا أكثر من مليون عاطل عن العمل حسب الإحصاءات الرسمية؟", ومن نافل القول إن أغلبهم من الشباب.
انتهى عقد أجار منزل, كان يقطنه أحد الزملاء في بلدة صحنايا, ويفيدني ذلك الزميل, أنه بقي طوال شهرين يبحث عن منزل يأويه هو وأسرته دون جدوى, وبعد جهد جهيد انتقل إلى منزل أحد أصدقائه الذي انتقل بدوره إلى منزل جديد خاص به. ويقول الزميل: "بالتأكيد, سعر الإيجار ليس رحيماً, لكن ماذا نفعل؟ بصراحة العراقيين احتلوا البلد!, أقول هذا رغم تعاطفي معهم وشعوري بمعاناتهم".
وفي ما يخصّ الوجود العراقي في سوريا, ذكر لي أحد الأطباء, أنه كان ثمة إعلان لافتاً للانتباه نشرته جريدة الدليل, وينطوي الإعلان على إن أسرة عراقية تريد مدرساً لمادة الرياضيات عراقي الجنسية حصراً, إلى أن يتساءل محدثي: "ألا يكفي أنهم يعيشون بين ظهرانينا, لهم مالنا وعلينا أكثر ما عليهم, وبعد ذلك أقرأ هكذا إعلان!؟", يردف: "بصدق شعرت بأني أهان".
أحد الكتّاب السوريين المعتبرين قال: "ثمة أمر لا يمكننا تجاهله بالنسبة لوجود العراقيين بمثل هذه النسبة المرتفعة, فمما لاشك به أن هذا الوجود قد أثر سلباً على البنية التحتية التي بالكاد تفي احتياجات السوريين!", وعندما طلبت منه أن يشرح لي مراده, أردف بالقول: " خذ مثلاً  المدارس نموذجاً, ستجد أن أغلب قاعات مدارسنا تضم قرابة الأربعين طالباً في المرحلة الابتدائية والمفترض أن يكون فيها ثلاثين طالباً كحد أعلى!, ويجلس كل ثلاثة طلاب في مقعد, تصور كيف ستغدو الحال في ظل عدم بناء مدارس جديدة تستوعب أعداد التلامذة الوافدين من الاخوة العراقيين؟!", ثم يكمل بالقول: " لا تنس أن الوجود العراقي ليس مؤقتاً, على الأقل في المدى المنظور؟, و طبعاً بإمكان أياً منّا أن يتخيّل كيف سيكون المشهد إذا أسقطنا الأثر نفسه على الطاقة الكهربائية والمائية وحتى الغذائية, ونتساءل بعد عن أسباب الغلاء في كل شيء؟!".
 احتج مثقف سوري آخر بقوله: "أنا, وغيري من المواطنين السوريين, ندفع ثمن هذه المدارس, وتلك المستشفيات الحكومية من دمائنا, من الضرائب التي تأخذها منا الحكومة, ترى هل سيدفع العراقي ضريبة؟ لا أعتقد, خاصة أنه لا يدفع شيئاً جرّاء دخوله المشفى, وحال دخوله مشفى خاص يدفع نصف تكلفة العلاج", ثم يردف بعد لحظة صمت: "أعتقد أن وضع غالبيتهم من الناحية المادية أفضل من غالبية الشعب السوري!, نريد قليلاً من العدالة في هذا الجانب!".
وأنا أتحرى عن أسعار العقارات في صحنايا, سألت عن سعر منزل كنت أقطنه  صيف 2000, وقد كان سعره سنتذاك أربعمائة ألف ليرة سورية, فوجئت أن ثمنه الآن صار مليونين ونصف, علماً أن مساحته لا تتجاوز الثمانين متراً!.
كانت أغلبية الآراء متفقة على التضامن مع المحنة التي يعيشها العراقيون, وفي الوقت ذاته كانت متفقة على أن وجود العراقيين سبب مهم في ارتفاع الأسعار. ومن المفيد التساؤل هنا (خاصة أن أولي الأمر أعلنوا عن رائحة مساعدات) عن مصير المنح والمساعدات التي ستصل إلى الدول التي تستضيف عراقيين ومنها سورية بالتأكيد, ترى هل ستنظر الجهة المخوّلة باستلام  هذه المنح في حال الشباب السوري الباحث عن مأوى على رقعة الوطن؟ أم أنها ستبقى مجهولة الصرف كالعادة؟.
وان كنّا نتفق مع غالبية من استطلعنا رأيهم حول سبب ارتفاع الأسعار بشكل عام و العقارات بشكل خاص غير انه من الإجحاف تحميل وزر الغلاء للتواجد العراقي فقط, إذ ثمة عملية تبييض أموال, على عهدة الواشين, تتم في البلاد أبطالها عدد من المسؤولين السابقين والمنتفعين من التجار وسواهم, وبافتراض أن أسهل طريقة لتبييض أموال الصف الثاني والثالث من "المسؤولين" هي المتاجرة بالعقارات كونها لا تحتاج إلى عناء السفر إلى أرمينيا أو أذربيجان بغية الحصول على شهادة دكتوراه, فقد ساهموا بشكل أو بآخر في ارتفاع الأسعار, يشاطرهم في ذلك رجال أعمال سعوديين يدفعون مبالغ طائلة ثمن عقارات تبدو للوهلة الأولى عبئاً لصاحبها, كما فعل رجل أعمال سعودي عندما دفع مبلغاً فاحشاً لقاء عقار وضيع في قضاء مدينة جبلة السورية, مما كان له أثره في ارتفاع العقارات المحيطة به!. والأمر ذاته يمارسه التجار الذين وفدوا من حلب إلى مدينة طرطوس (مثلاً), وإلا ما معنى أن يصل ثمن المتر في وسط المشبكة في طرطوس إلى ما يقارب نصف المليون ليرة سورية بسبب من اكتساح تجار حلب للمدينة ودفعهم مبالغ مرتفعة ثمناً للعقار؟!. على عهدة أحد تجار المدينة المذكورة أن المحل الذي ثمنه مليوناً يدفع فيه التاجر الحلبي أربعة ملايين!., وهذا ما تؤكده حال الشاب صفوان الذي بقي يكدّ ويعمل بغية توفير ثمن محل في ذات المدينة, وما إن توفر معه المبلغ بمعونة من قروض استلفها من المصارف حتى كان ذات المحل الذي يرغب شراءه قد صار بالملايين (لم يذكر لنا الرقم).
تحصيل حاصل, كانت الآراء كلها مجتمعة على التضامن مع الإخوة العراقيين, لكنها في الوقت ذاته لم تخف رغبتها في أن يعامل المقيم العراقي كالمواطن السوري من حيث الواجبات, لاسيما الضرائب وما شابه.
وفيما يخصّ مسألة تبييض الأموال, حال صدق الواشون والعارفون, نقترح على الحكومة العتيدة أن تنشئ نادياً أو رابطة للمسؤولين السابقين يقضون فيه ما تبقى لهم من عمر يتبادلون فيه ذكرياتهم الحلوة حول مدى "كفاحهم" و"خدمتهم" لوطنهم و"تفانيهم" في راحة وسعادة مواطنيهم عوضاً عن تركهم يعيثون فساداً في قطاع هام كالقطاع السكني, إذ يكفي بلدنا من البلاء أن عدد العاطلين فيها عن العمل فاق المليون شخصاً, وبالتأكيد هم من سن الشباب وليسوا "مسؤولين سابقين" يبحثون عن عمل.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...