حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (13)
التقدم في المعرفة يسبق , احياناً كثيرة , التقدم في العمر .. غبر يّلا أحسّت أنها تقدمت معرفياً , فذهبت إلى المرآة , لترى هل في رأسها شعرات بيضاء , و أنها تقدمت في العمر , كما تقدمت في المعرفة ؟
( هذا الانسان الذي حاورته , زرع في نفسها اشياء معرفية , لم تكن جاهلة بها تماماً , و لم تكن واعية لها تماماً , فاختصر , في كلامه عن الرومانسية , مسافة ما . لكنه لم يختصر أي مسافة في عمرها , فلماذا يمتلكها إحساس بانها كبرت ؟
ابتسم والدها , انداش تكاتتش , و قال :
- أنت , يا صغيرتي , لا تزالين صغيرة في نظري , من ناحية العمر , التقدم المعرفي يسبق, في الزمن , التقدم في السن , فقد يبلغ الإنسان , في النضوج الفكري , مرحلة متقدمة , لا يمثلها في العمر نفس التقدم , غير أن الزمن يجري , و معه تجري الاعمار , فلا يبقى اي منا , في النقطة التي هو فيها , إلا اذا تجمد الزمن , و هذا محال , فالكتلة الزمنية سائلة ابداً , و نحن نكبر دون أن ندري أننا نكبر , و هذا من حسنات النسيان , , النسيان تعلّم , فتعلّمي النسيان من هذه الناحية .
عانقت غبريلا والدها انداش و قالت :
- كم أنا سعيدة بما أسمع ؟ حسبت نفسي كبرت , و الشعر خان , على غفلة مني , فخالطه البياض على استحياء .
قال انداش :
- أنت كبرت طبعاً , فالحاضر غير موجود , لأنه يصير في نفس اللحظة ماضياً , ,و مع الماضي الذي كان , يأتي المستقبل الذي سيكون , و نحن البشر ندفع هذا المستقبل , ليكون وراءنا , بعد أن كان أمامنا , دون وعي منا .. أننا , في ذواتنا , نقول : متى يأتي الغد متى يأتي الأسبوع الذي فيه سنفعل هذا الشيء او ذاك ؟ متى يأتي عيد الميلاد او رأس السنة ؟ مع أن اليوم , و الأسبوع ,وعيد الميلاد و رأس السنة , كل ذلك يقربنا من نهايتنا , فماذا تستنتجين من هذا ؟ الركض وراء هذه النهاية , دون أن ندري , و من الخير ألا ندري , أننا نفعل ذلك .. أيهم على حق في قوله : ( لنستمتع بيومنا , ففي الغد لا نعرف ما يحل بنا ) و هذا يعني أن أيهم قرأ رباعيات الخيام , الذي يرى الغد في الغيب , و الحاضر وحده ملكنا .. هل استمتعت مع أيهم في حاضرك , الذي هو اليوم ؟
- كنا نترقب صعودك إلينا.
- و أنا تأخرت في هذا الصعود عمداً.
- كنت تدري أننا لم نكن نصلي ؟
- ( لجمع الحجارة وقت , و لتفريقها وقت آخر ) هكذا تقول التوراة.
- أيهم لم يتحدث عن الحجارة و جمعها و تفريغها .. تحدث عن الرومانسية!
- هذا بعد أن فرغ من الفعل الرومانسي !
- و هل ما يجري بين الرجل و المرأة فعل رومانسي ؟
- إنه , يا صغيرتي , قمة الرومانسية !
- و أنت تعيشها الآن ؟
- يا ليتها دامت.. حتى لا نقع في الاكتئاب .. لأجلك قمت بتضحية صغيرة : أوقفت الهجر و عدت إلى أمك مارغريت !
- وا لأخريات , اللواتي في كيد , حيث عيادتك ؟
- الرجل يستوعب أكثر من امرأة , و يهري اكثر من امرأة !
-هذا في الشرق .. و يبدو أن هذا من تأثير أيهم , الرجل الشرقي بامتياز !
- أين هو الآن ؟ سأهتف إليه كي يأتي , أم لا تريدين أن يأتي ؟ بلى!
تريدين , و أنا أعرف .. أعدي لنا شيئاً مع الكأس .. أسرعي !
جاء أيهم بعد قليل , كان خجلاً على نحو ما , يأمل ألا تكون غبريلا قد ندمت , ألا تكون فد اشتكت , ألا يكون الأب غاضباَ مما فعلا , أن تمر فعلة الاغتصاب بسلام , أن تطوى سيرتها مؤقتاً , أن يكون هذا الأب متسامحاً , لسبب بسيط : هو أنه أب , ذكر يغار من ذكر , خلافاً لأم , التي تسعد بسعادة ابنتها , أنثى تريد للأنثى ما تريد لنفسها , هذا مفهوم و مألوف . غير المفهوم و المألوف أن أنداش الأب , رحب بأيهم ترحبياً حاراً و غمز بعينه و قال:
-كلانا دفع الجزية , أنت الذي فوق , و أنا الذي تحت .. التضحية لا بد منها أحياناً , و قد ضحيت لأجل هناءة صغيرتي غبريلا .. فعلتها , و ها هي مارغريت راضية , مشرقة, مبتسمة , بعد أن تدوّشت بماء فاتر .. خذها نصيحة مني : حتى في عز الشتاء تدوّش بماء بارد , هذا ينعش , فإذا لم يكن الماء بارداَ فليكن فاتراً .. هل انعشك الماء الفاتر , كما انعشني الماء البارد ؟ لا تتظاهر بأن ما أقوله من الطلاسم و أنه من الصعب فهمه .. أنت فهمت, و أنا مثلك على شيء من فهم .. لنشرب بصحة الجميع!
قالت السيدة مارغريت :
-إنني سعيدة اليوم , و كي تكتمل سعادتي , اسمحوا لي أن أشرب قليلاً من البالانكا المعتقة !
قال الدكتور أنداش
- لك أن تشربي, بعد اليوم , ما تشائين من البلانكا , سواء كانت معتقة , أو مقطرة حديثاً , و ساخنة !
قالت غبريلا :
- لا تكن ماجناً كعادتك يا أبي , فأنت لم تشرب بعد , و أيهم قد لا يحب المجون , و يتأذى !
قال الدكتور أنداش :
لكي يلعب والدك يا غبريلا دوره باتقان , عليه أن يكون ماجناً, نديماً على الشراب , و أن ينتشي , و حتى يسكر .. ماذا يقول شاعركم الماجن يا أيهم ؟ فقد تغزل بالخمرة , و بالغلمان أيضاً!
صاحت مارغريت :
- يوزش ماريو ! ( يا يسوع ابن مريم ) خمرة و سكر و غلمان ؟ علي أن أصلي فوراً , لغفران خطاياكم , و خفايا ذلك الشاعر الماجن !
رد أنداش :
- غبريلا صلت فوق , نيابة عنا جميعاً .. لنشرب و ننظم الحوار بيننا بالدور , من هو يا أيهم , شاعركم الماجن هذا ؟
- ( الشعراء غاوون , في كل وادٍ يهيمون ) هذا قول كريم , و تأسيساً عليه فان شعراء الصعاليك , و الشعراء المجانين , كثيرون عندنا , و أنت , يا عزيزي , تسأل عن شاعر بعينه , فبماذا أجيب ؟
- أنا أسأل عن شاعر يشبه الكاتب الإنكليزي أوسكار وايلد , هواه مع الغلمان..
- إذن هو ابو نواس , الذي عاش زمن الخليفة هارون الرشيد , و من بعده ابنه الخليفة المأمون , و عوقب كثيراً فلم يرتدع , و هو القائل عن الخمرة : ( إذا مسّها حجر , مسته سراء ) و : ( لا خير في اللذات من دونها سّتر!) ان
الشعر لايترجم , ولا ادري اذا كنت قد وفقت في نقل المعاني !
- وما الفرق بينه وبين عمر الخيام ؟
- كلاهما كان يدعو الى النهل من المسرات , دون ان يشرك بالله , غير ان أبا نواس كان أخبث واكثر فجوراً , وقد تستمر بفجوره تارة , وجاهر تارة اخرى , انه لواطي مثل أوسكار وايلد واكثر , وصاحب القول الشهير :( دع عنك لومي فإن اللوم اغراء / وداوني باللتي كانت هي الداء ) واعذروني اذا لم تكن لدي من المفردات ,باللغة المجرية , كي اشرح لكم كل ذلك !
قال الدكتور انداش :
- المهم , في كل هذا , انه كان يعشق الغلمان , ويحض على شرب الخمرة , ويزيّن كل ذلك للناس... وهذا لايعيبه في شيء , لأن لدينا , في المجر وأوروبا , من يهوى الغلمان , والكحوليين , وصار للشاذين جنسياً المقاهي والنوادي وهم يتظاهرون في الشوارع ,مطالبين بالترخيص لهم , وسيحصلون على هذا الترخيص , رضينا أم غضبنا .. في صحة الشاذين جنسياً !
صاح الثلاثة : مارغريت وغبريلا وأيهم :
- نحن لانشرب هذا النخب الكريه !
ضحك الدكتور أنداش وقال :
- هذا لأنكم جبناء , منافقون , تعرفون ما أعرف , وتتسترون على ما تعرفون , فلماذا ؟ أنا أقول لكم: كي لاتقروا بالإثم الذي تمارسونه , مع أنه لا إثم , لأننا جميعاً بشر, وجميعنا نتكتم , حرصاً منا على الظهور بمظهر الأتقياء , وزمن النقاء مضى , إننا ملوثون , من الرأس إلى القدم , فعلام نكران هذه الحقيقة !؟ إن الأشياء , في العلن, تكون صحية وفي الخفاء ينغل فيها الدود ... ستقولون : الستر أفضل ! وأنا معكم, لكن ماذا لو تسترت العاهرات العلنيات , ولم يخضعن للكشف الطبي ؟
عندئذ ينشرن الأمراض , من الزهري الى السفلس الى الإيدز ... ما أقوله يخدش الحياء وما هو الحياء ؟ السكوت على مايجري في المجتمع ؟ لا هذا ليس بالحياء , الحياء الا نأتي بعمل نخجل منه , ألا نعتدي والعدوان إثم , أيهم , مثلاً , يرفض المنكر , إلا أنه يمارسه , وأنا كذلك , وأنتم أيضاً, وهذا نفاق ! علينا أن نرفع الصوت ضد الفساد , وضد فقدان الحرية الشخصية , والحرية في إطار الضرورة , ضد فقدان الديمقراطية , وضد الظلم النازل بالناس , وضد الفقر , وضد فحش الأثرياء اللصوص , وضد كل أنواع الأوبئة المتفشية في المجتمع الطبقي ,وضد المسكوت عنه , والمألوف الجدير بالاختراق, لا لاعتياد عليه ... لقد أطلت , اعذروني , إلا أن كل ما قلته سينشر في الصحف , إذا قبلت الصحف , وهي لن تقبل , لأنها ملك فريسي هذا الزمان , لذلك وجدت من المناسب أن أضمنه كتاباً , أعمل على إنجازه في أقرب وقت .
السيدة مارغريت , التي أخذت جرعات صغيرة من البالنكا المعتقة , استطاعت المحافظة على صحوها , كما اوصاها الدكتور أنداش , دون أن تفهم مما قاله شيئاً , لانشغالها مبررات لأزمتها :» يوزنش ماير , !) وغبريلا التي دهشت لمرافعة والدها , كأنه أمام القضاء الاجتماعي , ذاكرة , في وقت واحد , عناده , ونضاله حين كان في الجامعة , ودخوله السجن بضع مرات , قبل ان يتزوج أمها , وبعد زواجه وهجره الكاثوليكي , حيث راحت أمها تزمه , تسخر منه , مطلقة عليه لقب خالع الاسنان » تشفياً ... وأيهم الذي كان على اطلاع واسع , لم تكن المرافعة غريبة عليه , إلا أنه لم يسمع مثلها , بجرأتها , حرارتها , تركيزها , عرضها المتسلسل ,نقلاتها المفاجئة , نصرتها للعدالة , تسميتها للامور بأسمائها , حججها الدافعة , ثورتها على المسكوت عنه , وعلى المألوف الذي ينبغي اختراقه , ومعرفته إن هناك شاعراً عربياً ماجناً , لواطياً , يزين الخمرة والفحشاء للناس , دون أن يردعه شيء , ودون أن يتذكر اسمه , هو أنداش , الذي سأل عن الفارق بين أبي نواس وعمر الخيام , فأجابه ايهم :» كلاهما كان يحض على نهل الملذات !)
- هذا جيد ,قال
أضاف :
- اقتربي يا أم مارغريت , تعالي إلى جانبي , لأننا , الآن ,سنكون شهوداً على خطوبة غبريلا إلى أيهم , وقد فكرت بالهدية الملائمة بهذه المناسبة السعيدة , فوجدت ما قلته بتطويل , ومكاشفة حتى العظم , هي الهدية اللائقة , ومعها هذه الهدية الرمزية : خاتما الخطوبة ! أنت , يا مارغريت ضعي الخاتم في أصبع أيهم , وأنا أضع الخاتم الاخر في إصبع صغيرتي غبريلا .
بكت السيدة مارغريت , من غير أن يعرف أحد , هل بكاؤها سببه البانكاالمصنفة ) أم التأثر من جراء خطوبة ابنتها .. أما أنداش الآب فقد قبل الخطيبين , وقال مسروراً :
- هيا , ليقبل أحدكما الاخر , ومن الفم , دون حياء , هذا الذي بودي , لو كان الحياء جسداً , أن أرميه في نهر تيسا , أثناء فيضانه العكر , غير المبارك لأنه مألوف !
صفّق الاربعة , ومن جديد تبادلوا القبلات , والأنخاب , وهتف انداش الى المطعم لاحضار الطعام , وبعد تناوله استأذن , ليذهب الى عيادته , ودخلت السيدة مارغريت غرفتها لتنام , وصعد ايهم وغبريلا الى فوق , لقضاء يوم مستعار من شهر العسل !
في الليل اقوم ابحث عن حبيبتي , جميلة بين النساء حبيبتي , عنقها من الابنوس , واصابعها من اغصان الارز , ارز الرب الذي في جبل صنين ... وانت يا غبريلا , تشبهين حبيبة سليمان الحكيم , الذي من اجلها كان نشيد الاناشيد , وقد اعتمدت على ذاكرتي , في اقتطاف كلمات من هذا النشيد , ليست هي , كما وردت في النص , وانما مدانية لها تقريباً .
تنهدت غبريلا , اخذت كف ايهم بين كفيها , كانتا حارتين كفيها , والألق في المقلتين , وميض برق في مدلهم الليل , يشع كنيزك , ومثله ينطفىء , لأنه شرارة في الاعالي , تصعد الى فوق , حيث الأمنية رجوة , والرجوة ابتهال بين ارض وسماء , يغلفه صمت, هو سيد الكلام , والكلام على الحب يقتل الحب , او يسلمه الى برودة العدم !
عيناها قالتا أدّتا, وعينا أيهم تلقتا وبين المؤدي والمتلقي سكون غابة منسية والغابة, في مهابتها والجلال , ناقوس دير عند الغروب , يعزف مارش الوداع للنهار , والسمفونية التاسعة لبيتهوفن , حيث ينداح المدى في اللامدى , ويبقى مدعى الشوق , مدعى شوق لارتواء له .
قالت غبريلا :
- أنت يا أيهم , يا حبيبي , من علمني لغة الصمت ... لماذا الكلام والصمت كلام ؟ آه لو يكف الناس عن الكلام !
قال ايهم : - زئير العاصفة , فوق الموج المصطخب , صمت أيضاً ... اننا , الآن , نرتشف هذا الصمت , نسمع ناقوس الدير , وزمجرة العاصفة , في آن ... اطبقي عينيك واعطني فمك , وبذلك يكون الصمت كلاماً .
اغمضت عينيها , اعطته فمها , غابا في الصمت الذي هو صمت حقيقي هذه المرة , وعندما اختلجت بين ذراعيه , قال أيهم :
- بيتهوفن يباركنا , لأن هذه هي افتتاحية سمفونيته التاسعة ,لكننا لن نتجاوز الافتتاحية , بل سنبقى على سلكها الفضي , حتى لاتتأذى مفاتيح البيانو الذي يعزف عليه ....الصمت للغيبوبة وبعد الغيبوبة تأتي الافاقة , الاتريدين ان تفيقي ؟
-لا !
- غروب ايضاً في العينين اللتين في بحرهما يمضي شراعنا الى اللامنتهى ؟
- غروب , وغروب , وغروب !
- انما انت ذئبة !
- فكن انت ذئباً , وبذلك نتعادل !
- وماذا نبقي الى الغد ؟
- ملعون الغد ....الآن !
وطاوعها ايهم في غروب جديد , لكنه قال :
- كفى ! الليالي الحمر آتية , وفيها ستنحل اوصالنا معاً , سنكون عاريين مثل آدم وحواء , قبل ورقة التوت , هذا العري المثير , يهيجني كما الثور في الحلبة , وكما مصارع الثور في رواية »الشمس تشرق دائماً ) .... اننا بعد ان نغتسل , ونهدأ , سنتكلم .... - والصمت ؟
- في البدء كانت الكلمة .
- في البدء كان الفعل .
- وها قد فعلنا ....فلنشرب القهوة , وندخن , ونتكلم بهدوء , حول مرافعة والدك , الذي قال :» انها افضل هدية عندي في يوم خطوبتكما ) ومعها هذان الخاتمان ....انه رائع هذا الوالد رائع بشكل عصي على الوصف .
تحدثا وهما يتناولان القهوة , كانت مثيرة غبريلا , مثيرة عارية وكاسية , وكانت تفضل العري على الكساء , فقال ايهم في نفسه:» هل هذا من الحرمان ام من الشبق ؟ غبريلا شبقة الى درجة مروعة , وعلي ان اروض هذا الشبق فيها يوماً بعد يوم ....ظهري يحترق , اصابعها التي بينها نار حرقت ظهري وستحرق صدري , وكل جسدي , لكن لظاك في جسمي , وثاري في فمي ) فيا ايتها المجرية الصغيرة ,بالأمس تقاسمنا مراهقة , وغداً ,وبعد غد , او بعده , سأجعلك تقتسمين الألم ,والرهق , وتتلظين على حرارة الشمس التي »لاتغيب في بلادي ) الشمس الحارقة , المحرقة , التي تكويك كياً , مادام الكي اخر الدواء لفاتنة مثلك !)
سألت غبريلا :
- بماذا تفكر يا ايهم ؟
- فيك .
- هذا طبيعي !
- ولكن ليس بالشكل الذي تتصورين
- بأي شكل اذن ؟
- بالقيامة والدينونة !
- طوبى لانقياء القلوب , لأن لهم ملكوت السموات .
- والدك تحدث عن انقياء القلوب بلغة اخرى , لغة الواقع الذي يتمرغون في ترابه!
- وتريد ان تكون مثله ؟
- كنت قبله وبعده في آن !
- حين يكون الرجل غير مخصي , ينظر الى فخذ المرأة العاري غير نظرة والدي!
- هناك , في الدنيا , غير فخذ المرأة العاري , وغير صدرها المكشوف ....والدك يرى , بعينين ترزان ناراً ونوراً , مأساة البشر خارج اطار الشبق الذي هو نزوة عابرة , وارغب ان تتعلمي منه , كيف تضعين هذه المأساة الموضع اللائق , الذي لاينبع من النهر بل من القلب ,وعندئذ سأتعلم , بدوري , كيف احبك اكثر وبعد وقفة :
- انني لست مبشراً , او واعظاً ,اوقارئاً في فنجان , او مشعوذاً , وكذلك لست مناضلاً , وهب نفسه للنضال , انما انا صاحب وجدان , ارى الى الفخذ المورد العاري , كفخذك هذا , لايفوتني , في الوقت نفسه , ان ارى الى الفخذ الأصفر الناحل , من عوز وجوع , ان ارى الى الاجساد المعروقة , بارزة عظام الصدر , من بؤس وشقاء ,وقد كنت افكر -حين سألتني بماذا تفكر - في الفارق ,بين نظرة والدك الصائبة لحياة البشر , وبين نظرتك الغبية العمياء , انني احبك ياغبريلا بعمق , واحب العدالة الاجتماعية بعمق مماثل , وفي مصارحتك أستعير قول سقراط :» انت صديقي , ولكنني صديق الحقيقة بقدر أكبر ) للإغتلام وقت , ولكسبت هذا الاغتلام وقت آخر ,وأنت , منفرط حب , او فرط شبق تخلطين بين الجنس واللاجنس , بين السرير وبين شارع البؤساء , بين ان تكوني بين ذراعي , وبين أن يكون ذراعك مع ذراعي , في الحدب علي الذين تقطع أذرعتهم من ظلم !
تعرت غبريلا وقالت :
-جوابي هو هذا !
صفعها أيهم بقوة وقال :
- وجوابي هو هذا !
قالت من بين دموعها :
- تضربني ؟ تضربني أيها الشرقي المتوحش ؟
صاح بها :
-انا لااحمل دونية الشرق تجاه الغرب , كلاهما فيه الطيب والخبيث , لكنك , أنت , تحملين فوقية الغرب على الشرق , وانا أرفض هذا, أرفضه بكل نبض في شراييني وكي اثبت ان قولي فعل , اخرجي من هذا البيت عارية ,وبالقوة , وارتدي ثيابك على العتبة الخارجية !
- انت وحش !
- ....
- انت همجي !
-....
انت حقير !
أغلق الباب وراءها وقال في نفسه :
- أنا الآن أستريح !
اضاف :
- كم هو رائع ان يستريح الضمير وأن يسكت عواء الشهوة !
/يتبع/
حنا مينة
المصدر: الثورة
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (12)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (11)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (10)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (9)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (8)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (7)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (6)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (5)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (4)
حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (3)
إضافة تعليق جديد