دور ثقافي انقاذي لرجال الدين

20-06-2006

دور ثقافي انقاذي لرجال الدين

رجال الدين المسلمون هم في مقدم الجهات الثقافية المدعوة لمواجهة فكرية في هذه المرحلة الصعبة، فلا مجال للتهوين من شأن جماعات التكفير والقتل في العالمين العربي والإسلامي، وأن ننسب جرائمهم إلى التهميش وانسداد أفق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأن صعود هذه الجماعات وصورتها كممثل وحيد و«شرعي» للحضارة العربية والإسلامية، هما فضيحة أكثر مما هما ظلم يلحق بهذه الحضارة من أبناء يدّعون الوفاء لها وإحياءها.

ولن يكون مفيداً دفن الرأس في الرمل أو الاتكال على الغير لمواجهة في أفغانستان والعراق وبعض باكستان وتحت الأرض في غير بلد عربي وإسلامي. نتكل على أوروبا والولايات المتحدة ونشتمهما في الوقت عينه، فلا يعرف أحد ما نريد، بل لا نجهر بحيرتنا وكسلنا، وتمنياتنا بأن يكون التكفيريون وأفعالهم المخجلة سحابة صيف أو رياح خماسين لا بد من أن تهدأ.

وفي المرحلة الرمادية تتراجع أجواء الحياة لمصلحة ضباب الموت، ويحل الغياب محل الحضور، وتترك أسئلة العصر مكانها لاسترجاع مسائل ماضوية تنفخ فيها القداسة حتى تسدّ الأفق، فإذا حاولنا الإمساك بها لا نجد سوى قبض ريح.

في المرحلة الرمادية يتحمل المسؤولية رجال الدين أكثر من المثقفين العصريين، ومأساة رجال الدين الإسلامي في أيامنا الحاضرة تتجلى في مسؤولياتهم الصعبة التي تستدعي دعمهم والمحافظة على أجواء آمنة تسمح لهم بحرية القول، لأنهم يتعرضون لضغوط تبلغ حدّ التهديد من جماعات تنسب إلى نفسها وحدها تفسير الدين، وهنا نتذكر أن الجماعات الجهادية في مصر قتلت وزير الأوقاف الدكتور الشيخ محمد حسين الذهبي قبل أن تقتل الكاتب فرج فودة، وأن بدعة الإمارة تعطي من يتولاها سلطة على أتباعه غير محدودة، وهذا الانصياع الأعمى لم تشهده البيئات الإسلامية عبر التاريخ.

لرجال الدين اليوم دور يفوق دور الحكومات والمثقفين العصريين ومنظمات المجتمع المدني، فهم أصحاب العلاقة مباشرة، ومن خلال علمهم بالأصول والفقه والحديث والنص يدركون جيداً مدى الإساءات التي ترتكبها جماعات الإسلام السياسي والعسكري بحق الدين، وأن الصدام سيحصل بالدرجة الأولى معهم، ولن تستطيع جماعات التكفير أن تكون «ممثلاً شرعياً ووحيداً» للإسلام من دون أن تلغي حضور رجال الدين المسلمين وتحطم مواقعهم أو تلحقهم بها كأتباع يبررون ما لا يمكن تبريره من جرائم. ولا ننسى أن معظم المسيطرين على الجماعات الجهادية هم شيوعيون ستالينيون سابــقون أو بعثيون صــداميون أو ناشــطون في تيار مصـــطنع يسمى «قومي – إسلامي» ويأخذ من طرفي التحــالف أســوأ ما فيهما لا أحسنه، ويعتبر أبو مصعب الزرقاوي تجديداً لأرنســتو تشي غيفارا.

ومن باب العلم لا من باب المقارنة نتذكر رجال دين معلومين ومجهولين في أوروبا العصور الوسطى واجهوا تحجّر الكنيسة المتحالفة مع الإقطاع، واستطاعوا بجهدهم واستشهاد بعضهم أن يمهدوا الطريق للاجتماع المدني الذي أعلن عن نفسه في الثورة الفرنسية ومهّد لعقلانية أعطت الإنسان حضارة حديثة يستفيد منها في أربع جهات المعمورة، عقلانية لم تحد من التدين بل طهرته من المصالح المادية ليبقى علاقة روحية تقع في صلب تكوين الإنسان واحتياجاته العميقة.

رجال الدين المسلمون هم في مقدم المدافعين عن الإسلام اليوم أمام هجمة الجرائم التي تلبس لبوس الدين وتجفف روحانيته وتنفر العالم وتهشم الصورة الزاهية للحضارة العربية الإسلامية. وإذ يدافع رجال الدين هؤلاء عن الإسلام فهم يضعون في قفص الاتهام جماعات خطفته وأساءت إليه لتسويق أفكارها السياسية والعسكرية تسويقاً مقدساً.

ولكن، كيف يدافع رجال الدين المسلمون عن الإسلام؟

سؤال يتطلب إجابة منهم كأفراد ومؤسسات، وفي انتظار الإجابة وفعلها كم يتعذب ملايين المسلمين المؤمنين وهم يرون مقدساتهم يعبث بها العابثون بسبب الجهل إذا حسنت النيات وبنية العدوان إذا ساءت.


محمد علي فرحات    

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...