من يحمي باديتنا وسكانها وحيواناتها البرية

21-02-2008

من يحمي باديتنا وسكانها وحيواناتها البرية

تعد ظاهرة التصحر من اكثر مظاهر الاختلالات البيئية التي تعبر عن تدهور مكونات الغطاء النباتي في البادية والمناطق الجافة، وتشير الدراسات الى تداخل عدة عوامل في انتاج هذه الظاهرة.

ومن اسبابها تبدل الظروف المناخية ولكن السبب الحقيقي لنشوء ظاهرة التصحر هو النشاط الانساني، فالدراسات اكدت ان تدهور الغطاء النباتي وتراجعه في بعض المناطق الجافة بما فيها البادية ليس سببه قلة الامطار والتي لم يطرأ عليها تغير حاسم وانما بسبب الاساءة في استغلال اراضي البادية وتدهورها ما اضعف قدرتها على الاستفادة من الامطار، فماحدث من تدهور للغطاء النباتي انقص من كفاءة التربة على امتصاص المياه ،كما ادى ذلك الى نقص في المادة العضوية المتاحة للتربة ومن الموئل المناسب لحياة الاحياء الدقيقة المساهمة في بناء وتركيبة التربة. ‏

ويضاف الى ذلك الرعي الجائر للمواشي، حيث ادى الى زوال معظم الغطاء النباتي في البادية، كما ان الزراعة المكثفة للشعير في بعض الاحيان واجتثاث وقطع النباتات الحراجية والعلفية للحصول على الحطب قد اسهما بدورهما في انكماش الغطاء النباتي، ومن الاسباب ايضاً التعرية الريحية والمائية. ‏

في دراسة اعدها المركز العربي رأت الدراسة ان 30% من اراضي المراعي وصلت الى الى حالة مدمرة تماماً و55% منها فقيرة وصلت الى درجة متوسطة من التدهور ولاتتجاوز نسبة المراعي الجيدة 15% كما تبين الدراسة ان تدهور الاراضي في البادية السورية هو تدهور فيزيائي ـ كيميائي في معظمه، اضافة الى النشاطات البشرية وازالة الملايين من الشجيرات من مختلف الاعمار والمقاسات لاغراض الطهو والتدفئة، والمشكلة الحقيقية التي تظهر هي الرعي الجائر والمبكر. ‏

ومن المشكلات الاساسية التي جعلت البادية السورية تصبح جرداء وخالية من اي نبات خاصة من الشجيرات الرعوية والمعمرة، الانجراف الريحي حيث يشكل الانجراف الريحي في مناطق نشاطه مشكلات خطرة فهناك ضياع كبير للمادة العضوية والعناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات. ‏

اما الانجراف المائي فقد ادى هذا النوع من الانجراف الى تدهور مساحات واسعة من الاراضي الجيدة ويظهر بشكل اوسع في الاراضي الهضابية والجبلية وهو الاقل شدة في البادية، وان كان الاوسع انتشاراً، ومن اهم اسباب الانجراف المائي الافراط في استغلال الاراضي والزراعة على المنحدرات غير الملائمة وزوال الغطاء النباتي العشبي والمعمر والرعي الجائر والزراعة والممارسات الزراعية الخاطئة. ‏

وبالنسبة للكثبان الرملية يختلف نظامها حسب عوامل عديدة منها العوامل المناخية كالحرارة والجفاف والرياح، الامر الذي يؤدي الى انعدام او ندرة النباتات وازدياد انجراف الرمال وتحركها وظهورها، كما ان الرعي الجائر وقطع وازالة النباتات والشجيرات والاشجار وسوء استعمال مصادر المياه ادت الى الوصول الى امكانية تشكل ونمو الكثبان الرملية. ‏

هناك عوامل عديدة ادت الى تدهور الغطاء النباتي ومنها فلاحة اجزاء من اراضي البادية، ومشاعية مناطق الرعي وعدم ارتباط المنتجين الرعويين بمناطق معينة بموجب صيغة تنظيمية محددة ونظم تسري على الجميع تجعل العلاقة بين الحائز الرعوي ومنطقة الرعي مؤقتة وضعيفة لاتدفعه الى الحرص على مواردها والعمل على تطويرها وزيادة مواردها في الامدين الاجل والعاجل، اضافة الى ان ضعف انتاجية المراعي وانخفاض حمولتها الرعوية بسبب الرعي الجائر والمستمر وغير المنتظم عرض المناطق الخصبة الواعدة منها الى تدهور سريع وتدني القيمة لما هو متبق منها. كذلك عدم مراعاة دورة حياة النبات في تنظيم الدخول الى المرعى، حيث لاتترك لهذه النباتات فرصة تكوين وحدات تكاثرية تتكفل استمرار وجودها في هذا المرعى ما يقلل تدريجياً من كثافة وجودها لتصل الى مرحلة تصبح معها مهددة بالانقراض كما ان عدم توفر التسهيلات المعيشية اليومية ولاسيما المشتقات النفطية والكهرباء بشكل مستمر يؤدي الى اعتماد السكان المحليين على الاخشاب كمصدر للوقود، ومن اجل ذلك تقتلع مئات الالاف من الشجيرات الرعوية والنباتات المعمرة لطهو الطعام والتدفئة، ويضاف الى ذلك دخول الاليات بشكل مكثف وخاصة الثقيلة منها مثل صهاريج المياه والجرارات وحفارات الابار وغيرها، وهذا يقود الى ندرة الكفاءات المتخصصة في ادارة المراعي الطبيعية وصيانتها وتنظيم استثمارها، وعدم تنفيذ او وضع برامج بحوث طويلة الامد تتعلق بدراسة امكانية ادخال او اكثار نباتات رعوية ذات طاقة خلاقة، على مستوى ظروف البادية، فلا يكفي الاعتماد فقط على نباتات عالية الاستساغة الرعوية وانما البحث عن انواع نباتية متكيفة فيزيولوجياً مع الظروف المناخية وذات استساغات متفاوتة سيساهم في تنمية البادية والمحافظة على تكامل العناصر الحياتية فيها. ‏

ومن العوامل المهمة ايضاً عدم مراعاة الجانب الاجتماعي في تنفيذ اكثر المشاريع والخطط التنموية، ويقصد من ذلك الغاء قوانين العشائر وعدم ايجاد صيغة تنظيمية بديلة تكون متوافقة مع الواقع الفكري والاجتماعي للسكان المحليين، وتجاهل تطوير الطرق اليدوية في تصنيع المنتجات البدوية، وعدم مراعاة رغبة السكان المحليين في خطط التنمية ولاسيما فيما يتعلق باستزراع الانواع النباتية الرعوية حيث تتشكل لدى السكان المحليين معرفة بالانواع الرعوية المستساغة نتيجة للممارسة اليومية،وعدم توفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للسكان بشكل كاف اضافة الى عدم توفر الخدمات الاخرى كالهاتف والبريد والخدمات الثقافية والارشادية. ‏

باختصار يمكن القول ان اسباب تدهور اراضي المراعي في المناطق الجافة والبادية في سورية: الزيادة السكانية وتدمير الغطاء النباتي الطبيعي عن طريق تحويل الاراضي الى نمط الزراعات الجافة والرعي المبكر والجائر وقطع واقتلاع الشجيرات الرعوية لاغراض الوقود والطهو المنزلي وزيادة الضغوط البشرية حول الابار ومناهل المياه لذلك يأتي القرار الذي اتخذته الجهات المعنية بمنع فلاحة البادية والتشدد في تطبيقه مهماً جداً ويحمل في طياته وعياً بيئياً وريعية اقتصادية، اضافة الى التشدد في تطبيق قانون منع الصيد، وتنفيذ العديد من المشاريع التنموية واقامة العديد من السدود السطحية والترابية في البادية والتي اصبحت تشكل مورداً مهماً لمياه الشرب للقطعان ولكنها في الوقت نفسه تعتبر بؤراً لتمركز تلك القطعان، حيث تمارس ضغطاً شديداً على التنوع الحيوي، لذلك من الضروري مراعاة الجانب الاجتماعي في تنفيذ المشاريع والخطط التنموية والقصد توفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للسكان المحليين بشكل كاف بالاضافة الى الخدمات الاخرى كالهاتف والبريد والخدمات الثقافية والارشادية، وتنظيم دخول الاليات وخاصة الثقيلة وتفعيل الوعي البيئي لدى اصحاب القرار للتشدد في تطبيق التشريعات الخاصة بحماية البادية، وصيانة وحماية الموارد الرعوية واقامة المحميات الطبيعية وتنظيم استثمارها وتطوير واستثمار المراعي بما يشمل انتاج البذور والشتول الرعوية في المناطق الجافة. ‏

سناء يعقوب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...