الكتاب المصريون يسخرون من الرقابة المصرية

28-06-2006

الكتاب المصريون يسخرون من الرقابة المصرية

منع مؤخراً فيلم شيفرة دافنشي في القاهرة بطلب من الكنيسة، بعد أن كانت الرواية قد بيعت نسخها بكميات كبيرة. هذا المنع الذي حجب الرواية ايضا، اثار سخط المثقفين المصريين، على كل أنواع المصادرة، واعتبروها استخفافا بالعقول. الناشر بشار شبارو يقول: إن منع الفيلم كان سبباً في تزايد بيع نسخ الرواية والترويج لها على عكس ما يتصور الرقيب، فهل ما تزال المصادرة مبررة؟


«سأخبرك بشيء، كلما تعمقت في هذه القصة أحسست أنه علي المضي أكثر، لقد خلق دان براون عالما غنيا بالتفاصيل المدهشة، التي لم أتمكن من الاكتفاء منها، سيد براون أنا أكثر المعجبين بك»، هذه الكلمات لروبرت كريس مؤلف رواية «الرهينة»، يضعها دان براون على الغلاف الخلفي لروايته الشهيرة المثيرة للجدل «شيفرة دافنشي»، في طبعتها العربية الصادرة عن «الدار العربية للعلوم»، لكن يبدو أن أعضاء البرلمان المصري لم يقرأوا هذه الكلمات، وهم يصدرون بالإجماع قرارا بمنع ومصادرة رواية وفيلم «شيفرة دافنشي» الأسبوع قبل الماضي، في واحدة من المرات القليلة التي يجمعون فيها على شيء، وكأن هذا الفيلم سوف يهدد الأمن القومي للبلاد.

ومن مفارقات هذا المشهد لو أن أي عضو في البرلمان قرر أن يسير قليلا ـ بعد موافقته على المصادرة ـ كان سيجد الرواية لدى الباعة الذين يفترشون الأرض وفي المكتبات الكبرى، وسيجد الفيلم أيضا لدى باعة الأفلام الذين يقفون أمام دور العرض، وفي الميادين والساحات. كما أن أعضاء مجلس الشعب بمقدورهم أن يحضروا العرض الخاص للفيلم الذي كان مقررا ان تقيمه نقابة الصحافيين.

السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ثقافة الخوف.. أليس من حق الناس ان يشاهدوا ويقرأوا، ثم يطرحوا رأيهم الذي نحترمه أيا كان من دون وصاية يفرضها قرار المنع والمصادرة، الذي يكرر سيناريو أصبح مضحكا في رأي عدد كبير من الكتاب والمثقفين المصريين سألتهم «الشرق الأوسط» عن رأيهم. فالرواية والفيلم موجودان لدى الباعة السريين والشرعيين، كما أنهما موجودان على شبكة الانترنت، ويمكن لأي شخص الحصول عليهما دون مجهود يذكر.

إبراهيم أصلان: قرار خائب واصحابه يعيشون خارج الزمان

في ظن الروائي إبراهيم أصلان أن الأمر مضحك تماما، ويضيف »هؤلاء أناس خارج الزمان، والمصادرة ليس لها أي جدوى، وتدل على قدر كبير من الغفلة، وتجاهل لأدوار حقيقية يجب أن يقوم المعنيون بها».

ويضيف أصلان «لا أعتقد أن مجلس الشعب يصدر قراراته على ضوء معايير واضحة سواء في مصادرة «شيفرة دافنشي» أو غيرها من الأمور، وكلنا نعرف أنهم يظنون أن فعلتهم هذه فيها إرضاء للأقباط في مصر، خصوصا أن الأجواء متوترة قليلا. لكن الذي حدث أننا قرأنا الرواية وهي موجودة في السوق منذ فترة طويلة، فضلا عن أي مصادرة باتت مسألة شكلية ونوعا من تسجيل المواقف الخائبة. وفي وجود أنواع مختلفة من الميديا أصبح تسجيل مثل هذه المواقف غير فعال بالمرة.

ويتساءل أصلان: ما الذي سيحدث لو أننا أدنا الكتاب وقرأناه، وما المانع في أن ندين فيلما ونشاهده.

الحكومة ـ حسبما يقول ـ لا تعرف أننا على درجة من الرشد فتفرض علينا الوصاية.

يوسف القعيد: أزمة نظام يمارس معايير مزدوجة في التعامل مع الحرية

الروائي يوسف القعيد يصف الأمر بأنه «تهريج». الرواية موجودة في مصر منذ عام2004، ويقول: »أنا متأكد أنها باعت في معرضي الكتاب عامي 2004، و2005 أكثر من 4000 نسخة، وهي تباع الآن في وسط البلد، والفيلم الذي يقولون أنه ممنوع موجود ورأيته، وسوف يعرض في نقابة الصحافيين، معتبرا أن الحكومة تعاملت مع الموضوع على طريقة النعامة التي تضع رأسها في الرمال».

ويضيف القعيد: «المنع فكرة هزلية. فدار النشر التي أصدرت الرواية في بيروت تستطيع أن تسدد لها الثمن بـ«الفيزا كارت» على الانترنت وتصلك الرواية في 24 ساعة»، واصفا أعضاء البرلمان بأنهم لا يعرفون أن الزمان تغير. ويعتبر القعيد أن تعامل الدولة مع مبدأ الحرية هو تعامل مزدوج، من ناحية تدعو إلى حرية اقتصادية، ومن ناحية أخرى تقوم بالتضييق ثقافيا واجتماعيا، من أجل الحفاظ على كراسيها.

وقال القعيد «أحد النواب قال انهم يصادرون الرواية والفيلم من اجل الحفاظ على الوحدة الوطنية، وهو قول عجيب. فالإسلام لديه رؤية للمسيح تتناقض مع «شيفرة دافنشي»، وإذا كنا نعتبر أميركا مقياسا لنا في الحرية ـ والكلام للقعيد ـ فلنفعل مثلها، فقد سمحت بعرض الفيلم ونشر الرواية، وسمحت في المقابل بنشر 200 كتاب للرد وتفنيد ما جاء فيها.

المستفيد الوحيد من عملية المنع في رأي القعيد هم باعة الكتب الذين كانوا يبيعون النسخة بـ 70 جنيها، وارتفع ثمنها بعد المنع إلى 200 جنيه.

فاروق عبد القادر: اعتبارات السياسة شيء والثقافة شيء آخر

يقول الناقد فاروق عبد القادر انه ضد مبدأ المصادرة على الإطلاق واصفا القرار بمنع الفيلم بالعبث والحماقة، ويقول «هذا الموقف يرجع لتردد النظام تجاه الدين. فالنظام رخو ولا يأخذ موقفا حاسما، وهو يزايد مع المزايدين، وأصحاب الاتجاهات الدينية». ويدلل عبد القادر على هذا بموقف وزير الثقافة حين حدثت أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر».

في البداية أخذ الوزير الموقف المتردد حتى أمسكت النار بملابسه في مجلس الشعب، ولحرصه على ألا يفارق مقعده قال انه يرفض المصادرة، لكن بعدها بقليل حين حدثت أزمة الروايات الثلاث، وحتى لا يتعرض لغضبة الجماعات الدينية قام بمصادرة الروايات. ويعتبر عبد القادر أن اعتبارات السياسة هي التي تملي على وزير الثقافة أن يتخذ قراراته لا شيئا آخر، وغالبا ما يكون القرار الذي يتخذه خاطئا. عبد القادر يطالب بأن نضع في الاعتبار اختلاف وجهات النظر والثقافات، كما أن «شيفرة دافنشي» ليست أول رواية تتناول المسيح على هذا النحو، فهناك «الإغواء الأخير» لنيكوس كازانتزاكيس، والتي قال فيها إن المسيح تزوج مريم المجدلية. ويختتم عبد القادر بقوله «عمليا لا توجد مصادرة، فالحكومة تعلن القرار فقط، أما الفيلم والرواية فلدى الجميع».

إدوار الخراط: لا مصادرة للإبداع تحت أي مبرر

الناقد والروائي إدوار الخراط يعتقد أن قرارات المصادرة لا مجال لها في عالم الفضائيات والاتصالات المفتوحة، والانترنت والإذاعات غير المقيدة، فضلا عن أن قرار الحظر مرفوض لأنه ليس هناك موقف صحيح تجاه عمل فني إلا الحوار والنقد العقلاني المدروس ووجود الرأي الآخر. وهذه القرارات في اعتقاده من مخلفات عصور مضت. ويرى الخراط أنه يجب على المثقفين الوقوف ضد قرارات المصادرة والأساليب البوليسية.

محمود قاسم: مدبجو المصادرة اعتمدوا على أحكام سماعية

ما حدث مع الجزء الثاني من فيلم «ماتريكس» يشبه كثيرا ما يحدث مع فيلم «شيفرة دافنشي»، هكذا يقول الناقد السينمائي محمود قاسم. فيلم «ماتريكس» صودر دون ان يشاهده أحد، وحين أجيز بعد ذلك لم يبق في دور السينما اكثر من أسبوع لأنه لم يعجب الجماهير. وهو نفس ما سيحدث مع «شيفرة دافنشي» فكل الذين شاهدوه قالوا انه ليس ممتعا، ولو تركته الحكومة كان سيظل فترة قليلة فقط. وهو نفس ما حدث مع فيلم «آلام المسيح» حيث أثيرت حوله ضجة وحين عرض لم يجد إقبالا يذكر.

ويقول «أراهن أن أحدا من الذين اجمعوا على المنع لم يشاهدوا الفيلم أو يقرأوا الرواية».

وهو يشبه هذا بما حدث مع رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية»، التي هاجم الجميع مؤلفها دون أن يقرأوها، وما حدث مع الرسوم المسيئة للرسول، التي كانت منشورة قبلها بستة أشهر، وحين لفت أحدهم الانتباه إليها قامت الدنيا ولم تقعد، مع أن أحدا لم يرها.

«هذه ثقافة القطيع» هكذا يسميها قاسم، الناس يصدقون ما يقال لهم دون أن يروا شيئا حتى لو كان هؤلاء الناس هم صفوة المجتمع وقادته ونوابه.

ويضيف قاسم، قديما كانت الحكومة تسمي نفسها علمانية، أما الآن فهي تخاف من التيار الديني، وتزايد عليه، وتغازله. وزير الثقافة أكثر وزير وجهت له أسئلة، لكنه في النهاية يصادر الكتب مرة، ومرة يجعل رئيس الهيئة كبش فداء، ومرة ثالثة يقيل علي أبو شادي بسبب أزمة الروايات الثلاث ثم يعطيه بعدها بسنة منصبا كبيرا. هو دائما يمسك العصا من المنتصف. منذ عامين صدرت عن إحدى المؤسسات الحكومية رواية ل د. هـ. لورانس بعنوان «الرجل الذي عاد» وهي تحكي عن أن المسيح عاد مرة أخرى وتزوج، ويقع في أخطاء بشرية، ولم ينتبه إليها أحد.

وهذا ليس ببعيد عما جاء في رواية دافنشي. ويختم قاسم بقوله «في حين تحاول الحكومة أن تثبت أنها مؤمنة، يقوم الشباب بتنزيل الفيلم والرواية من الانترنت، أو شرائهما من فوق أرصفة وسط القاهرة، إنها قمة الفكاهة».


بشار شبارو: مُنع فيلم «شيفرة دافنشي» فزاد الإقبال على الرواية

رواية جديدة لدان براون بالعربية تصدر قريباً

> في اتصال لـ «الشرق الأوسط» مع ناشر رواية «شيفرة دافنشي» بشار شبارو، صاحب «الدار العربية للعلوم» أكد أن منع الفيلم ومصادرته في أكثر من بلد عربي منها مصر ولبنان، زاد إقبال القراء على الرواية، وارتفع الطلب على اقتنائها. وقال بشار شبارو أنه غير صحيح على الإطلاق ان الرواية كانت مسموحة في مصر، ومنعت مؤخراً مع الفيلم، فقد منعت بعد ستة أشهر فقط، من صدورها. وهي موجودة حالياً بالعربية على موقع «أمازون» الشهير، لمن يريد أن يشتريها.

واعتبر الناشر ان عمليات المنع التي تعرضت لها الرواية في لبنان والكويت ومصر وفي الأردن حيث سمح بها هناك، ثم منعت ثم سمح بها مرة أخرى، فتح شهية القراء ليس على «شيفرة دافنشي» فقط وإنما على روايات دان براون الأربع التي ترجمتها الدار إلى العربية، مبشراً القراء بأن اتفاقاً وقعته الدار لترجمة رواية خامسة للمؤلف لم يضع لها دان براون عنواناً بعد، ستبصر النور قريباً.

واقر بشار شبارو ان مبيعات الرواية ستبلغ حوالي 40 ألف نسخة تقريباً مع نهاية العام الحالي، بطبعتها العربية، رغم التضييق الذي يمارس عليها. وعلى اي حال ـ والكلام لبشار شبارو ـ فإن دان براون بمجرد ان عرف بمنع روايته في دول عربية قال: شكراً للرقابة.

 

محمد أبو زيد

المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...