تأثير الرقص على السياسة والاقتصاد في مصر

06-07-2006

تأثير الرقص على السياسة والاقتصاد في مصر

عاد اسم وزير الخارجية الأميركي الأشهر في حقبة السبعينات من القرن الماضي هنري كيسينجر الى التداول على ألسنة راقصات مصر هذه الأيام، بعدما أعلنت الراقصة المعتزلة نجوى فؤاد أنها ستتبرع بالبدلة التي رقصت بها أمامه، للفائزة الأولى في مهرجان الرقص الشرقي السابع الذي يقام في فندق «مينا هاوس» تحت عنوان «أهلاً وسهلاً بكم في القاهرة هوليوود الشرق».

البدلة التي تبرعت بها نجوى أعادت الى أذهان الكثيرين ذكريات تلك الحقبة الشائكة في تاريخ مصر والدور الذي لعبته الراقصة الشهيرة في إنجاز ما تعذر على رجال السياسة فعله. وبعد الانتصار العربي تشرين الأول (أكتوبر) 1973 وتعثر المفاوضات المصرية - الإسرائيلية حول استعادة الجانب المصري ما تبقى من أرض سيناء المحتلة بالسلام، ودخول الولايات المتحدة كلاعب أساسي في تلك المفاوضات جاء وزير خارجيتها هنري كيسينجر إلى القاهرة في مطلع عام 1974 ليبحث مع الرئيس الراحل أنور السادات في إنهاء المعضلة العربية - الإسرائيلية. ولما كانت المحادثات انتهت في اليوم الأول، وكان على كيسنجر أن يأخذ نصيبه من الراحة والترويح في المساء، أشار السادات على وزير الخارجية المصرية آنذاك إسماعيل فهمي، بأن يقيم على شرف كيسنجر حفلة عشاء تحييها اشهر راقصة مصرية آنذاك نجوى فؤاد لتؤدي واحدة من وصلاتها الرسمية في خدمة الوطنية المصرية. ولبراعتها في أداء اكثر من وصلة رقص لم يستطع كيسنجر الحفاظ على وقاره وهيبته فتخلى عن ديبلوماسيته واندفع إلى خشبة المسرح ليرقص معها وهو يصرخ: «بيتوفل» أي رائع.

ولم تكن تلك هي المرة الأخيرة التي يحرص خلالها كيسنجر على مشاهدة نجوى فؤاد أثناء زياراته الى القاهرة. وتبعه في هذا الهوس والإعجاب بالرقص الشرقي الرئيس الأميركي جيمي كارتر.

« تحدثت نجوى فؤاد عن حقيقة الدور الذي لعبته في إنجاح قمة «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، وتحديداً عن علاقتها بهنري كيسنجر وجيمي كارتر. وقالت: «كيسنجر كان معجباً برقصي مثل آلاف المعجبين، لم تكن هناك علاقة بيننا ولا من يحزنون، وكل الحكايات التي روّجت عن علاقتي به لا تعدو كونها إشاعات سخيفة. فالحقيقة أنني ذات ليلة من عام 1974 فوجئت بوزارة الخارجية المصرية تبحث عني هنا وهناك. كنت أرقص في حفلة في الإسكندرية واتصلوا بي وطلبوا مني أن انهي رقصتي بسرعة وأعود قبل منتصف الليل إلى القاهرة... رقصت أمامه نحو ساعة ونصف الساعة، رقص معي وقال لي بلغة عربية لا يجيدها: «أنت فنانة عظيمة ورائعة... وبعد أشهر، وكنت ارقص في فندق «هيلتون» فوجئت به في الصالة مع خطيبته نانسي التي حضرت معه إلى القاهرة خصيصاً كي تراني. ولم أره من بعدها».

وأضافت: «أما الرئيس الأميركي جيمي كارتر فكان معجباً برقصي مثل هنري كيسنجر. ففي أثناء زيارته الى القاهرة مع زوجته روزالين طلب أن يمضي السهرة في المكان الذي ترقص فيه نجوى فؤاد وحددني أنا بالاسم، لأن كيسنجر حكى له عن رقصي كثيراً. وفي فندق «مينا هاوس»، رقصت أمام كارتر الذي صعد إلى خشبة المسرح وأمسك بيدي وقبلها».

الطريف أن محال شهيرة في وسط القاهرة فاجأت زوارها بعرض بدلات رقص تحمل اسم هنري كيسنجر وتقبل عليها الفتيات المقبلات على الزواج كنوع من المغازلة لزوج المستقبل.

يذكر أن الهدف من مهرجان الرقص الشرقي، وفق ما تؤكد المسؤولة عنه، الراقصة المعتزلة راقية حسن، هو تحسين سمعة الرقص الشرقي كفن له أصول وقواعد ومعجبون، بعد أن أضر عري الكليبات بهذا الفن بشدة. وتشير حسن إلى أن المهرجان شهد منافسة بين 800 راقصة من دول مختلفة بينها روسيا والصين واليابان والولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك والهند واليونان وسنغافورة وكوريا الجنوبية إلى جانب مصر. وتنافست الراقصات على درع من الذهب، وهو مجسّم لامرأة فرعونية ترقص.

وكرم المهرجان الراقصة الراحلة تحية كاريوكا ومنحها لقب هرم الرقص الشرقي، كما كرم نجوى فؤاد ومنحت لقب عروس الرقص الشرقي.

وتلفت راقية إلى حصول المهرجان في دورة هذا العام على الصفة الدولية واعتماده في قائمة مهرجانات الرقص العالمية، وتؤكد أن تلك الصفة هي بمثابة مكسب كبير للفن المصري وللسياحـة المصرية إذ من المتوقع أن يشهد المهرجــان في السنوات المقبلة إقبالاً كبيراً، من المهتميـــن بالرقص الشرقي، على القاهرة لمتابعة نشاطات المهرجان.

وأقيمت على هامش المهرجان ندوة بعنوان «قضية العري في الفيديو كليب» حرص حضورها على تأكيد براءة الرقص الشرقي مما يقدم من عري وإيحاءات في الفيديو كليب المنتشر على الفضائيات العربية. وشهدت نشاطات المهرجان واقعة طريفة بطلتها راقصة يابانية خلعت ملابسها أمام الجميع لارتداء بدلة الرقص وذلك بعدما انشغلت في حديث جانبي مع إحدى صديقاتها عند الصعود إلى خشبة المسرح، وعندما داهمها الوقت لم تجد بداً من خلع ملابسها امام الجميع بسرعة وارتداء البدلة وهو ما أثار استنكار جمهور الحضور.

كما شهدت نشاطات المهرجان استنكار العديد من نواب «الأخوان المسلمين» في مجلس الشعب المصري إقامة مثل تلك المهرجانات التي لا تتفق مع العادات الشرقية وطالبوا وزيري الثقافة والداخلية بإلغائه.

وبعيداً من المهرجان، شهدت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة أخيراً اغرب دعوى مقدمة من مروة هاني نور الدين (موظفة في المركز المصري لحقوق المؤلف) ضد كل من فاروق حسني وزير الثقافة والدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة «بصفتيهما» والناقد الفني علي أبو شادي رئيس الرقابة على المصنفات الفنية ومحمود عجمي مدير إدارة التفتيش الفني. تطالب فيها بإلزامهم متضامنين بالموافقة على إصدار ترخيص يسمح لها بمزاولة نشاط الرقص الشرقي في الحفلات العامة والنوادي والملاهي الليلية.

وقالت المدعية في دعواها إنها في غضون شهر شباط (فبراير) الماضي تقدمت بطلب إلى إدارة التفتيش الفني في وزارة الثقافة تطلب فيه الترخيص لها بمزاولة مهنة الرقص الشرقي، وأنها قدمت المستندات المطلوبة وسددت الرسوم المقررة، إلا أنها عند توجهها لاستلام الترخيص امتنع موظف الإدارة عن تسليمه لها من دون إبداء سبب لذلك. ولم تكن تلك هي الفتاة الوحيدة التي تطلب الأذن بالعمل كراقصة إذ أقامت 15 فتاة أخرى من حملة المؤهلات العليا في مصر في غضون الشهور الثمانية الماضية دعاوى قضائية عدة ضد كل من وزير الثقافة والمسؤولين عن الرقابة على المصنفات الفنية ومباحث الآداب، لرفضهم الموافقة على الترخيص لهن بمزاولة مهنة الرقص الشرقي في ملاهي القاهرة الكبرى، واتهمت الفتيات مباحث الآداب في وزارة الداخلية «بالتعسف والتعنت». الطريف أن إحداهن ستناقش قريباً رسالة دكتوراه في معهد الخدمة الاجتماعية، كما أن إحدى زميلاتها تخرجت في كلية الصيدلة، ولكنهن يرفضن العمل في مجالهن، بسبب ما يمثله عائد الرقص الشرقي اليومي من ربح كبير يقدر في المتوسط بـ 15 ألف جنيه مصري في اليوم الواحد للراقصة المبتدئة ويتضاعف المبلغ كثيراً ليصل في حال راقصة مثل دينا إلى 45 ألف جنيه في الفقرة الواحدة ومدتها ساعة أي ما يعادل عشرة أضعاف ما تتقاضاه كراتب دكتورة جامعية طوال حياتها.

وأثارت وافدات أجنبيات امتهنّ الرقص الشرقي في صالات الملاهي في القاهرة خلال السنوات الماضية قضايا كثيرة ما دفع وزير العمل المصري احمد العماوي قبل عامين إلى إصدار قرار بمنع الأجنبيات من مزاولة هذه المهنة، ما آثار غضب الراقصات اللاتي يقدر عددهن في مصر بـ 14 ألف راقصة يربحن وفق تقارير مصلحة الضرائب المصرية نحو 3 إلى 7 ملايين دولار في العام الواحد، ولذا لم يكن مستغرباً أن يرفضن هذا القرار فقامت راقصتان منهن بإحالة الأمر على القضاء للطعن بعدم شرعيته، واتجهت راقصة فرنسية الى وزير خارجية بلادها دومينيك دوفلبيان للتوسط لدى الحكومة المصرية للعودة عن هذا القرار.

كما تقدمت راقصة روسية تدعى نور أوتيتيانا بطعن أمام المحكمة في قرار الوزير الذي اعتبرته مخالفاً للقانون. وأشارت إلى أنها وزميلاتها يسهمن في توفير فرص عمل لآلاف المصريين لاسيما أن كل راقصة أجنبية لديها فرقة يعمل فيها نحو 40 شخصاً، وكل واحد منهم مسؤول عن أسرة تتكون في معدلها من أربعة أشخاص، وبالتالي سيتضرر من هذا القرار عشرات الأسر المصرية.

وأمام الضغوط الديبلوماسية التي مورست عدل الوزير عن قراره بدعوى حاجة السوق المصري إليهن.

 

 

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...