الوحدة الإسلامية بين الواقع والمثال

15-07-2006

الوحدة الإسلامية بين الواقع والمثال

 أود أن أثير التفكير حول طريقتين في أسلوب مواجهتنا لقضايانا العامة المتصلة بحركة الأهداف الكبيرة في حياتنا على أكثر من صعيد، سواء فيما نثيره من قضايا الوحدة على مستوى الطائفة أو الإقليم أو الأمة أو الحزب وما إلى ذلك، أو من قضايا المصير الأخرى المرتبطة بمواجهة التحديات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، فيما نواجهه من حركة الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي ضد المحاور الداخلية والإقليمية والدولية.
فهناك الطريقة المثالية: التي ترتبط بالهدف مباشرة بشكل عاطفي انفعالي، غارق في ضباب الأحلام الوردية التي يحلّق معها الإنسان في عالم من السحر السابح في الخيال..
وتتميز هذه الطريقة بالتفكير المطلق الذي يواجهه الهدف بالتبسيط الساذج لكل المشاكل التي تعترض عملية الحركة في طريق الوصول، وذلك باعتبارها مشاكل بسيطة يمكن للزمن أن يحلها، كما يمكن للأجواء الشعبية الحماسية أن تخفف الكثير منها، وذلك من خلال الضغوط القوية التي تضغط بها على القوى المعادية أو الأجواء السلبية. وهكذا يشعر السائرون في هذا الاتجاه بأن المشروع لا يواجه أية مشكلة، مما يجعل من كل علامات الاستفهام التي يثيرها الآخرون حول جدية المشروع وواقعيته لوناً من ألوان التشاؤم أو الانهزامية، أو الحالة العدوانية ضدهم... وربما يتحرك هؤلاء بطريقة اندفاعية حماسية من خلال الظروف القلقة التي تساعد على هذا التحرك في نطاق المرحلة.
وربما يصلون من خلال ذلك إلى نتائج كبيرة على مستوى المساحات الواسعة التي يقطعونها، والنتائج الإيجابية التي يحصلون عليها، والأهداف المرحلة التي يحققونها، فيغريهم ذلك بالاندفاع بشكل أكبر على اعتبار أن ذلك يمثل البرهان على نجاح الخطة وواقعية التجربة.. وقد يضيفون إلى ذلك: أن عوامل الخوف لم تنتج من حالة واقعية شاملة، بل كانت منطلقة من التربية التقليدية الهادئة التي عاشها هؤلاء الخائفون، فخيل إليهم أنها الطريقة الوحيدة للتحرك.. وإذا وقعوا في بعض المشاكل الصعبة أو واجهوا بعض الهزائم، فإنهم يملكون لها تفسيراً واحداً وهو الظروف الطارئة، والقوى الغاشمة التي لا يستطيعون مجابهتها الآن، ولكنهم يستطيعون مجابهتها غداً أو بعد غد.. أما كيف ذلك؟ فإنهم يجيبون: هذا ما يمكن أن نفكر به في المستقبل.. لأن القضية هي أن تظل القافلة تسير، وليس من المهم أن نفكر كيف تسير.
وقد نجد من خصائص هذه الطريقة العمل على إثارة الجماهير بالخطب الحماسية، والشعارات المثيرة والمهرجانات الصاخبة، مما يجعلها تصفق لبلاغة هذا الخطيب، وتهتف لحماس ذلك القائد، وهكذا تبقى القضية لديهم هدفاً يبحث عن طريق، ودوراً يبحث عن ساحة..
وهناك الطريقة الواقعية: التي تواجه الهدف بمنطق الواقع، فلكل ظاهرة أسبابها الكافية في الواقع، ولكل واقع ظروفه المحددة بالزمان والمكان والأشخاص، ولكل هدف وسائله ومراحله وآفاقه. ولذلك فإن الذين يفكرون بهذه الطريقة يعملون على دراسة المشروع من خلال معرفة الأرض التي يقوم عليها، والشروط التي ينبغي توفرها، والأشخاص الذين يتحركون معه في الداخل والخارج، والمشاكل التي تواجهه على جميع المستويات، ثم يرسمون الخطة على أساس ذلك، وتتقدم الخطة في بعض المراحل، وتسقط في البعض الآخر؛ فلا يسقطون أمام سقوطها، ولا يحاولون أن يحمِّلوا الآخرين مسؤولية السقوط، بل يعملون على دراسة أسباب الفشل في الواقع، ليعدّلوا الخطة ويطوروها ليصلوا بها إلى النتائج العملية في نهاية المطاف.
وتتميز هذه الطريقة بالتأكيد على التحليل الدقيق للأشياء وللأشخاص وللواقع، ومواجهة الأخطاء بشجاعة، والبعد عن أجواء الاستعراض وعن ذهنية التبسيط.. وعندما تفكر هذه الفئة الواقعية بالحماس فإنها تفكر به كجزء من الخطة، لا كحالة مزاجية طارئة. وهكذا يملك القائمون عليها وضوح الصورة وواقعية التفكير بعيداً عن كل أجواء الأحلام والسرعة والارتجال، وعن كل ألوان التفسير الغيبي للأشياء.. مما يوفر لهم الكثير من الوعي والصبر والهدوء في مواجهة المشاكل والتحديات، والشجاعة عند الوقوع في الأخطاء، للاعتراف بها، ومواجهتها بالمزيد من عمليات النقد والتصحيح.
هاتان هما الطريقتان اللتان تحكمان الواقع العملي للإنسان.. فأين نحن منهما الآن.. فيما نستهدفه من التفكير بالوحدة؟.
لعل الوحدة - في أكثر من موقع في حياتنا - هي أكبر من حلم في كل مجتمع يعاني من التجزئة، فيما يرى أو يشعر أن هناك حالة طارئة فرضتها في المواقع التي كان يجب أن تعيش فيها الوحدة..
وهكذا انطلقت عناصر التجزئة لتعيش كعقدة شعورية في الداخل في مواجهة الحلم الكبير.. وعاش إنساننا في هذه الساحة بين حركة العقدة التي تجره إلى الخصوصية لتسجنه في داخل ذاته، وانطلاقة الحكم الذي يرتفع به إلى الشمولية ليطير به إلى أجواء المطلق، وقد خلق ذلك لديه ارتباكاً بين ما هو الواقع وما هو الحلم، حتى إذا انتصر الحلم في وعيه مشى إليه بعيون مشدودة إلى السماء لا تبصر ما في الأرض من مشاكل وحواجز.. وكنا نرى الحلم في كل مرة يسقط صريعاً أمام ضغط الخصوصية في الواقع... فلماذا كان ذلك؟.
قد تكون المشكلة في أن الجانب العام الذي يمثل الحلم الكبير لم ينطلق في حياته كتجربة حيّة مستقلة بعيداً عن أجواء الخصوصية؛ بل تحوّل إلى شأن من شؤونها، حتى كاد أن يتحول إلى واجهة لها. ولذلك لم يعش الإنسان الشمولية إلاّ من خلال الخصوصية مما يجعل حماسه للخصوصية أكثر من حماسه للعمومية انطلاقاً من الحالة الشعورية التي تخلقها التجربة.
وقد تكون المشكلة أن الوحدة لا تنطلق من تصور فكري أو روحي للقاعدة التي ترتكز عليها بل تنطلق من حالة ذاتية للواقع الذي يحمل في داخله مشاكل التجزئة على مستوى الشخصيات المتعددة التي تتحرك في ساحاته لتخلق له المزيد من السلبيات العملية في الحاضر والمستقبل، مما يجعل الصورة التي يتطلع إليها صورة غائمة لا تغريه بالمزيد من الاندفاع، ولا تدفعه لتقديم الكثير من التنازلات الخاصة لحساب القضية العامة.
وهذا هو ما عشناه عندما انطلقت فكرة الوحدة الإقليمية في البلد الذي تتعدد فيه القوميات والطوائف، أو الوحدة العربية في المنطقة التي تنوعت فيها الأقاليم، أو الوحدة الإسلامية في الساحة التي تختلف فيها المذاهب.. فقد كانت حلماً في الروح يبحث عن الأفق الذي يتخلص فيه من مشاكل الواقع التجزيئي والتعددي، من خلال الفكرة الغائمة التي توحي بأن التعدد هو المشكلة، مما يجعل من الخلاص منه نهاية للمشكلة.. فيؤدي ذلك إلى الالتصاق بالوحدة على أساس أنها الحل، دون دراسة لعلاقة المشكلة بالتعدد في مواجهة مشاكل الوحدة. وقد يدفعنا ذلك إلى الابتعاد عن فهم الأسس الواقعية للمشكلة التي قد تكون خاضعة لمؤثرات ذاتية كافلة في حركة الواقع الداخلي - بعيداً عن قضية التعدد والوحدة - في طبيعة المسالة المطروحة على الساحة.
وقد نكتشف - في نهاية المطاف - أن الوحدة لم تكن حالة فكرية روحية عميقة، بل كانت حالة انفعالية عاطفية سريعة، بينما تكون التعددية أو التجزيئية تمثل عمق التجربة التي ارتبطت بها كل قضايا الإنسان اليومية، وكل علاقاته الاجتماعية، مما يُعَجِّل بهزيمة الوحدة - بشكل سريع - أمام عواملذ التجزئة كما لاحظناه في أكثر من عمل وحدوي سياسي انطلقت به الجماهير في صرخة راعدة واعدة، ولكنها تراجعت بشكل سريع ضاغط، لتكتشف أن الحلم الكبير لم يكن إلاّ كابوساً مرعباً فيما يتمخض به الواقع من مشاكل وأوضاع.
تلك هي بعض الأفكار التي حاولت أن أثيرها أمام الموضوع لنواجه المسألة بعد ذلك ببعض التفاصيل في عملية رصد للواقع.
لقد مرت فكرة الوحدة الإسلامية في حياة المسلمين بتاريخ طويل من الدعوات الإصلاحية التي انطلق بها المصلحون، فيما كانوا يثيرون به الأمة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الداعية إلى الوحدة، على أساس الاعتصام بحبل الله.. والالتقاء على رسالة الله، والبعد عن التنازع والاختلاف الذي يبعثر القوى ويضيع الطاقات، ولكن ذلك لم يغير من واقع التجزئة شيئاً، بالرغم من الحماس الذي تثيره الذي تثيره الخطابات الحماسية، والمواعظ الانفعالية في نفوس النّاس، فقد كان ذلك الجو يهدأ ويخف تدريجياً حتى يتبخر في الهواء ويرجع كل فريق إلى قواعده سالماً فلماذا حدث ذلك؟
ربما كان بعض السبب في أن الدعوة إلى الوحدة كانت رد فعل ولم تكن فعلاً، فيما كان يعيشه العاملون من الحالة المعقدة على المستوى النفسي والحياتي في واقع المسلمين، مما كان يؤدي إلى التنازع والتحاقد والتقاتل على أساس غير معقول، فيما كان يواجه به بعضهم البعض من أساليب التجريح والتنكيل بعيداً عن كل عقلانية أو موضوعية أو إيمانية، فيسقطون بذلك في ساحات الصراع تحت تأثير النتائج السلبية ليكونوا فريسة سهلة لكل لاعب ومحتل وغاصب.. وهكذا كان العاملون يواجهون ذلك كله بالثورة على الواقع، تماماً كما هي الحالة النفسية التي تريد أن تتخلص من المشكلة بأيِّ ثمن، وبشكل سريع.. ولهذا كان الحماس في أساليب الدعوة هو الطابع لكل هذا الخط..
وربما كانوا يواجهون الفشل في الدعوة بإلقاء اللوم على الشعب الجاهل المتخلف الذي لا يعي مشاكله الحقيقية، ولا يتطلّع إلى آفاق المستقبل بوعي. أو بتحميل الاستعمار مسؤولية ذلك كله على أساس سياسته المعروفة (فَرق تَسُد).. وربما كانوا يرتاحون لهذا التبرير الذي يوحي لهم بأنهم قد قاموا بواجبهم خير قيام.. ولكنهم اصطدموا بالجهل الشعبي من جهة وبالقوى الضاغطة من جهة أخرى.
وربما نلاحظ في هذا الاتجاه أن مثل هذا الأسلوب في الدعوة إلى الوحدة قد يخلق حالة تراجعية لدى الناس، عندما يلاحظون عدم جديتها، أو عدم واقعيتها، فيخافون من الضياع أمامها، فيرجعون إلى مواقعهم المذهبية بشغف واندفاع وخوف، تماماً كما يفعل الطفل الخائف من التهاويل الغامضة المحيطة به عندما يفزع بكل لهفته وخوفه إلى حضن أمه، مما يقوي الروح الانقسامية أكثر، ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
وقد وجدنا بعض الناس المتحمسين لمذهبيتهم الضيقة يتهمون العاملين في سبيل الوحدة الإسلامية بأنهم منحرفون عن خط المذهب لأنهم وحدويون، كما لو كانت الوحدة جريمة تعني المروق من الدين..
فما هي ملامح هذه الدعوة؟.. وما هي النقاط السلبية في أسلوبها العملي؟.. إننا نجد فيها ملامح الدعوة المثالية التي تحلّق في السماء ولا تتحرك في الأرض، لأن من أبسط القضايا التي يجب أن ندركها هي أن التاريخ المعقد الذي عاش المسلمون مشاكله الدامية وأساليبه المتخلفة ومواقعه القلقة.. لا يمكن أن تلغيه بخطبة بليغة أو حركةٍ سريعةٍ، لأن الرواسب التي يتركها في الأعماق من مشاعر وأفكار وتعقيدات تخلق حاجزاً نفسياً مقدساً ضد الفريق الآخر ينقل الصورة في منهج التفكير من موقع الاجتهاد في فهم العقيدة أو الشريعة - الذي يفسح المجال لاجتهاد آخر مخالف له، على أساس إمكان اختلاف وجهات النظر في فهم المسألة الواحدة - إلى موقع التأكيد على نفي الإسلام عن الفريق الآخر.. لأن الخصوصية تحاصر الشمولية، والجزئيات تطوِّق الكليات..
وبذلك يتحول المذهب إلى دين مميز، تماماً كالدين الذي يتميز من دين آخر، ويعود الارتباط بالشخصيات الإسلامية - سلباً أو إيجاباً - عنصراً من عناصر تحديد الشخصية الإسلامية فيمن هو المسلم أو فيمن هو غير المسلم..
فإذا التقيت بالواقع في الحاضر، فستجد أن الفرز المذهبي قد تحول إلى حالة طائفية تشبه الحالة العشائرية في أفكارها وعواطفها ومواقعها ومواقفها السياسية والاجتماعية والثقافية، وأصبح لهذه الحالة مصالحها الخاصة في مواجهة كل فريق للفريق الآخر.. ممّا جعل الشخصية الضيقة تتعمق أكثر في الانحراف عن خط الوحدة، فيما هي الامتيازات بعد أن كانت تتمحور فيما هي الأفكار والمقدسات.. وهكذا رأينا أن العلاقة بين الطوائف قد تحولت إلى ما يشبه العلاقة بين الدول فلكل منها منطقته الخاصة التي لا يجوز للآخرين التدخل في شؤونها أو الامتداد إليها ولكل منها أوضاعه الداخلية التي لا يجوز المساس بها من الفريق الآخر، وهكذا أصبح للساحة أحاسيسها الملتهبة التي يمكن أن تشعل الحريق لأول بادرة نزاع أو خلاف..
وتدخلت المحاور السياسية في الساحة، على المستوى الإقليمي أو الدولي مما جعل الجانب المذهبي يدخل في الحسابات السياسية كأداة من أدوات التفجير هنا، أو كوسيلة من وسائل الأضواء هناك، وذلك من خلال سياسة التخويف التي تتحول إلى لون من ألوان الخوف المتبادل الذي يثيره هذا المحور أو ذاك، لتكون النتيجة أن تتحرك الحالة السياسية لتفرز حالة مذهبية ويتطور الخلاف السياسي ليتحول إلى خلاف مذهبي.. دون أن تُعرف طبيعة العلاقة بين هذا وذاك، إلاّ من خلال الحساسيات الذاتية التي يحاول الكثيرون تحويلها إلى حساسيات طائفية.
هذه هي بعض ملامح الواقع الذي تحرك من التاريخ إلى الحاضر.. وتطور حتى أصبح صورة من صور تعليب الشخصية الإسلامية في داخل العلبة الطائفية، بحيث لا يشعر الإنسان معها أنه يتفاعل مع روح الإسلام فيها بقدر ما يتفاعل مع أحقاد الطائفة وحساسيتها. والسؤال كيف يمكن لنا أن نهمل ذلك كله أو نتناساه في حركة الوحدة الإسلامية؟. وهل يمكن أن نحقق خطوة واحدة إلى الأمام في مثل هذه الساحة؟.
قد لا يكون هذا هو كل الواقع، ولكننا نشعر أنه يمثل الساحة الكبيرة للساحة الإسلامية.. وبذلك يكون القفز عنه بمثابة القفز عن المشكلة الأساس، بالقفز عن مواجهة جذورها الحقيقية في الواقع، مما يجعل من المحاولة هروباً من المشكلة لا حلاً لها، وهذا هو الذي اعتبرناه لوناً من ألوان المثالية في تصور الحل للمشكلة.. وذلك بالاستغراق في الغيب في مواجهة الصعوبات والتعقيدات المطروحة على الساحة.. بتوجيه الأنظار إلى غيرة المسلمين على إسلامهم، وضرورة وحدتهم أمام عدوهم، وانتظار الظروف الملائمة، وبالاعتماد في الوصول إلى النتائج على عامل الزمن.
ولكن لم نسأل أنفسنا: هل الطائفية تحدد الأعداء من مقاييس الطائفة لا من مقاييس الدين؟ فإذا استطاع محور ما أن يتفق مع طائفة ما لتحقيق مصالحها في مواجهة الطائفة الأخرى فإنه يعتبر صديقاً لها وإن كان عدواً للأخرى، فأين يكون العدو الواحد؟.. وكيف نتصور الغيرة على الإسلام إذا كنت لا أعتبر المسلم الآخر مسلماً؟ وبالتالي فلا يكون اضطهاده منافياً للإسلام والدفاع عنه دفاعاً عن كرامة المسلم. وهل يمكن أن يحمل لنا الزمن إلاّ تأكيداً لمثل هذه الأجواء ما دامت المقدمات تتحرك في طريق تحقيق تلك النتائج؟.
هل هذا الذي نثيره يمثّل لوناً من ألوان التشاؤم؟.. إننا لا نريد ذلك، ولكننا نريد أن نتلمس الواقع بطريقة ميدانية.. فكيف يمكن أن نفكر؟ قد يكون من الخير لنا بأن أي عمل وحدوي لا بدَّ أن ينطلق من الاهتمام بالقاعدة التي ترتكز عليها الوحدة، لنعرف ما إذا كانت تتسع لخط الوحدة أو تضيق عنه. وقد لا يكون من الصعوبة أن نكتشف أن الإسلام هو تلك القاعدة.. ولكن كيف لنا أن نثير الاهتمام به لنعرف كيف يمكن أن تكون الوحدة حركة إيجابية في وجوده، وكيف تكون التعددية حركة سلبية في ذلك؟.
ربما كان المسلمون غير بعيدين عن الاهتمام بالإسلام.. ولكن بطريقة عاطفية، لأن الكثير منهم قد لا يجدون له معنى في حركة الحياة، بل كل ما هناك أنَّه يمثل حالة في وعي الذات، ولذا فإنه لا يتصل بالواقع في حركة فعل، بل يتصل بالذات في انطلاقة وجدان، ولهذا فقد تحول الاهتمام به إلى اهتمام بالصورة العبادية والأخلاقية الغائمة من جهة، والجانب البشري من جهة أخرى، وبذلك كانت قضية الوحدة تتعلق بالجانب الفردي من ناحية الفكرة وبالجانب الجماعي من ناحية الانتساب، مما يجعلنا نواجه التعددية خارج نطاق المشكلة الحياتية الفكرية والعملية فيما نختلف فيه، وبذلك لا يعني الفرز الطائفي شيئاً لنا في حركة الحياة من حولنا، لأن بإمكاننا أن نتمحور عند ذلك في أي محور سياسي أو اجتماعي آخر، دون أن يسيء ذلك إلى عملية الانتماء الفكري في طبيعة المضمون مما يجعلنا لا نتمنع من الاندماج العملي تحت أي صفة أخرى على مستوى الوطن أو الإقليم أو القومية أو أي شيء آخر، وبذلك تفقد صفة السنية أو الشيعية أي مضمون لها فيما يتصل بواقع الناس لأنها لا ترتبط بأي شيء خارج نطاق الذات.. وتبقى لأصحابها صفة النسب الطائفي المشترك في المسألة الإنسانية الاجتماعية(1).
ولعل هذا هو الذي جعل عملية اللقاء على أساس الإسلام لا تعني شيئاً للكثيرين، إلاّ بقدر ما يعنيه اللقاء تحت أية صفة أخرى تتصل بالظروف الموضوعية لحركة الشخصية أو لحركة الحياة كالإقليمية أو القومية أو الحزبية.. وبذلك قد تتقدم أية صفة أخرى على صفة الإسلام كإطار جامع تبعاً للأجواء السياسية التي تحيط بهذا البلد أو بذاك، فإذا كان النظام السياسي ينطلق من حالة وطنية أو قومية؛ كانت الوحدة الإسلامية مرتبطة بعلاقتها سلبياً أو إيجابياً بتلك الحالة، وإذا كان ينطلق من حالة طائفية على مستوى الدين فإن القضية تتخذ لها بعداً في المسألة السياسية لتجمع المسلمين في مواجهة غيرهم، أمّا إذا انطلق من حالة طائفية على مستوى المذهب فإن الوحدة تصبح مشكلة للطائفيين لأنها تتحول إلى عنصر يُضعِف من شخصية الطائفة وامتيازاتها في النظام الذي يتحرك على تلك الأسس الذاتية للمجتمع الطائفي.. وفي ضوء ذلك تتحول الحالة الإسلامية إلى حالة تابعة بدلاً من أن تكون حالة أصيلة، وبذلك تكون القضية المطروحة هي قضية تخدير الخلافات والابتعاد بها عن دائرة الضوء، بقدر ما تحتاجه في الحالات السياسية الأخرى في الأمة.
وربما كان هذا الفهم التقليدي للإسلام هو الذي جعل المسلمين يتجمدون في فهمهم للجانب الذي يختلفون فيه، فيما يمثله من مفهوم الالتزام والتقوى، فَيُخَيَّل إليهم أنّ التعصب هو الالتزام، وأنَّ الانغلاق هو التقوى، وأنَّ الابتعاد عن الفريق الآخر من المسلمين هو الإخلاص للخط الإسلامي الأصيل.. وفيما يستتبعه ذلك من فقدان العناصر المنفتحة التي تتيح لهم التفكير بالأشياء من الأفق الأوسع، فتراهم يتوقفون أمام كلمة هنا وحركة هناك، ويواجهون التاريخ بسلبياته وإيجابياته من خلال النوازع الذاتية الطائفية التي تجعل الارتباط بالشخصية التاريخية ارتباطاً بالذات، لا بالفكرة. ولذلك فإن الإخلاص لها - فيما يطلقونه عليها من نعوت أو فيما يمنحونه لها من أدوار - قد يتم في كثير من الحالات على حساب الفكرة. وبذلك استطاعت هذه الذهنية أن تخلق في الساحة تعقيدات كثيرة من خلال بعض السلبيات التي يثيرها هذا الفريق ضد اسم معين، ليقابله فريق آخر باسم آخر.. وهكذا ينسى الجميع الدين والمصير والمستقبل من أجل الكلمات التي تصنع الإثارة في النفس - ولكن دون مضمون - على مستوى وعي القضية التي يدافعون عنها أو يحملونها، فهم ليسوا مستعدين للمناقشة أو للحوار أو للبحث عن خلفية الموقف أو الكلمة أو الشخص.. لأن القصة هي قصة الحريق الداخلي الذي يعمل من أجل إشعال الحريق في الساحة كلها للتنفيس عن عقدةٍ هنا، ولمعالجة وضع ذاتي هناك، وتلك هي قصة الآفاق الضيقة التي تستغرق في الجزئيات فتنسى القضايا الكلية معها في عملية غيبوبة وخدر واسترخاء.
تلك هي بعض الأفكار والتأملات حول الواقع المشكلة.. والفهم.. والمسار.. فماذا عن الحل وكيف نبحث عن الخطوات العملية للوصول إلى النتائج الإيجابية المطلوبة؟.
قد يكون من الأفضل لنا أن نفكر بالجوانب الواقعية التي يمكن أن تحيط بفكرة الحل.. فنلاحظ أنَّ هناك آفاقاً ثلاثة للوحدة من خلال تنوع آفاق المشكلة.. فنحن نجد في الداخل حواجز نفسية ذات حالة عاطفية سلبية، ومشاكل فكرية في نطاق تفاصيل المفاهيم الإسلامية العامة وجزئيات الأحكام الشرعية، ومشاكل سياسية في نطاق الواقع الطائفي الذي يعمل على فرز المواقع السياسية تبعاً للطابع المتنوع، مما يجعل للوحدة طابعاً عاطفياً وفكرياً وسياسياً.. ومن الطبيعي أن تختلف وسائل المعالجة وأدواتها وساحاتها وأشخاصها تبعاً لاختلاف أجواء الوحدة مشكلة وحلاً. ففي الجانب الأول (النفسي أو العاطفي) نلاحظ التاريخ المعقَّد الذي أحاط بالعلاقات العامة والخاصة بين المسلمين وما عاش فيه من أحداث دامية، واضطرابات وخصومات، وما أفرزه من تباعد بينهم بالمستوى الذي جعل لكل فريق منهم مجتمعاً خاصاً يتميز بخصوصيته المذهبية، ويعمل على إقامة الحواجز أمام أيِّ تقارب نفسي بين أفراد المذاهب المتنوعة، حتى خيل لكل واحد منهم أنه يملك الإسلام كله دون أن يملك الآخرون منه أي شيء، مما يوحي بأنَّ هناك مجتمعين مختلفين لا يلتقيان على شيء.. حتى أصبح هذا الجو الذي يركز على مواطن اللقاء يحمل بعض الطرافة في العرض، فنسمع حديثاً يقول: إننا نختلف في الإله من خلال اختلافنا في بعض صفاته، وفي النبي من خلال اختلاف الاجتهاد في بعض خصوصياته.. وفي القرآن وفي الآخرة.. بحيث تكون مواطن الخلاف أساساً للفرز بدلاً من أن تكون مواطن اللقاء أساساً للوحدة.
إنَّ من الممكن أن نثير الحديث عن ذلك بطريقة عاطفية شعبية تتحدث عن الوحدة في الخط العام كهدف كبير، وتركز على واقعيتها من خلال التأكيد على نقاط اللقاء التي يلتقي عليها المسلمون في محاولة لتبسيط الفكرة وتسهيلها على الجمهور بالأسلوب الذي يأخذ من مفردات الحياة اليومية التي يلتقي فيها الناس على المسلمات التي توحدهم دون أن يفسحوا المجال للخلافات الجزئية أن تهزم هذه الوحدة أو تسيء إليها، ويأخذ من مفردات اختلاف الاجتهادات في المذهب الواحد الأساس النفسي الذي يوحي بأن ذلك لم يسيء إلى وحدة أتباع المذهب الواحد، بل اعتبرها أشياء طبيعية لا تمنع من المشاعر الحميمة التي يحس بها تجاه الآخرين في نطاق المذهب.. الأمر الذي يؤدي إلى اعتبار وحدة العقيدة الإسلامية في خطوطها العامة ووحدة الخط التشريعي العام في قواعده ومصادره أساساً للوحدة الروحية التي تفتح قلب المسلم للمسلم في أفراحه وأحزانه وهمومه ومشاكله، من خلال أخوّة الإيمان التي جعلها الله عقداً بين المؤمنين في الجانب الإيجابي للعلاقة، كلما اعتبر المسلم الذي لا يعيش همّ أخيه المسلم خارجاً عن المجتمع من الأساس، ممّا يوحي بأن الحالة الشعورية تمثل عمقاً إسلامياً في شخصية المسلم، بحيث إن الإسلام قد أكدها في القرآن عند ذكر ما كان يحدث بين المسلمين من خلاف أو ما يمكن أن يحدث بينهم، فلم يلغ العلاقة بل عمل على رسم المنهج الذي يرجع إليه المختلفون في حل خلافاتهم، وذلك بالرجوع إلى الله ورسوله، في الكتاب والسنة، ليحكما فيما شجر بينهم.. وليكون ذلك هو القاعدة التي يتفق عليها الجميع دون اعتراض(2).
وإذا كان الجانب العاطفي هو الذي نريد معالجته في قضية الوحدة من أجل إزالة الحواجز النفسية التي تحول بين المسلمين وبين اللقاء على أرض واحدة، فلا بدّ لنا أن نكتشف كل عوامل الإثارة الروحية والفكرية والعاطفية التي يمكن أن تثير أفكار الجماهير وأرواحها وعواطفها بطريقة واقعية مدروسة.. وأن تُمنح الأمة القاعدة التي تنطلق منها الوحدة.. وتُعرَّف كيف يمكن للوحدة أن تعيش في نطاق التنوع.. ليكون ذلك إغناءً للتجربة لا إسقاطاً لها كما يفعل البعض في عملية الإثارة المضادة.
ونعتقد أن اللقاءات العامة والخاصة بين القيادات والفعاليات وبقية أفراد الأمة من المذاهب المختلفة(3) يمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في تذويب الجليد، وتوضيح الصورة وإزالة الغموض، وتقريب وجهات النظر وتأليف القلوب. كما يمكن أن تساهم في ذلك علاقات الزواج المتبادلة التي تصنع قرابة النسب إلى جانب الإسلام(4).. وقد نستطيع الوصول إلى بعض النتائج الإيجابية في العمل على القضاء على المجتمعات المذهبية المنفصلة على مستوى القرى والمناطق والمحلات، حتى لا يكون لدينا مجتمع شيعي مغلق في مقابل مجتمع سني مغلق، بل نصل إلى المجتمع المفتوح المتفاعل الذي تمتزج فيه التجربة الإسلامية فيما يتحمل من عناصر اللقاء والخلاف معاً على أساس فكري أو اجتماعي أو سياسي.
وربما كان من الضروري للمحافظة على هذا الهدف الكبير.. أن نفتح للأمة آفاق الشعور بالهدف الكبير الذي ينتظرها في حاضرها ومستقبلها من أجل قضاياها المصيرية على أكثر من صعيد، وأن نعمل على تعميق روح التقوى والالتزام بعيداً عن كل أوضاع العصبية والانغلاق. وقد نكتشف أساليب أخرى في الوصول إلى تحطيم الحواجز النفسية بين المسلمين، لأننا لم نقصد الحصر فيما ذكرناه، بل كنا نستهدف تقديم النماذج التي توحي بالفكرة.
وفي الجانب الثاني - وهو الجانب الفكري - قد نلتقي بالفوضى الفكرية التي يعيشها المفكرون المسلمون في تقويم أفكار بعضهم البعض، كنتيجة لأجواء الجدل التقليدي المتخلف الذي لم يكن يبحث عن الحقيقة فيما يمارسه من أساليب، بل كان يبحث عن تسجيل النقاط السلبية ضد هذا الفريق أو ذاك، بعيداً عن النقاط الإيجابية. فليست القضية عندنا أن نبحث عن الواقع الفكري الإسلامي لهذا المفهوم أو ذاك، بل القضية عندنا أن نكتشف نقاط الضعف فيما يعتقده الفريق الآخر. لنثبت سقوطه.. فإذا لم نصل إلى نتيجة من خلال الحجج المقنعة فإننا نعمل على الوصول إليها من خلال التلفيقات التي نمنحها صفة الحجة وإن لم تكن كذلك. ومن خلال ذلك لم يكن النقل دقيقاً فيما ينقله كل فريق عن الآخر، ولم تكن الدراسة بالمستوى العلمي الموضوعي فيما يناقش بعضهم بعضاً في فهم المضمون ونقد السند ودراسة الأجواء. فقد يكفي أن نجد نصاً يدين الفريق الآخر لنكتشف فيه أساس الضلال، وربما كان المصدر غير أمين عنده، أو لم يكن قطعياً في قناعاته. لأن المصادر لم تمثل في أكثرها - فيما عدا القرآن - الحقيقة المعصومة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فقد درج المؤلفون في الروايات أن يخلطوا الغث بالسمين، وقد يحمل بعضهم رأياً شخصياً فينسبه الآخرون إلى المذهب كله لأن صاحب الكتاب ينتمي إلى هذا المذهب، دون الالتفات إلى أن الناس الذين قد يتفقون معه في صفة المذهب قد لا يتفقون معه في هذا الرأي، وقد لا يكون محل اعتمادهم بالأساس.
ولكن العقلية الجدلية لا تلتفت إلى ذلك ولا تحاول التدقيق فيما ينفع الخصم، بل كل ما عندها أن تدقق فيما ينفع فريقها، ولذلك يبقى الحوار من بعيد.. فيكون ذلك أقرب إلى الابتعاد عن الوصول إلى نتيجة حاسمة في صحة الفكرة وفسادها.
إن علينا في هذا المجال - كعلماء وكمفكرين - أن نبحث عن أسس الخلاف والوفاق من خلال البحث عن المصادر الأصلية التي يمكن أن يعتمدها الفريقان أو الفرقاء في قبول رأي أو رفضه، لنصل من خلال ذلك إلى القاعدة الموحدة التي يمكن أن تحكم أصول التقويم للمصادر في سندها ودلالتها كما يقول الأصوليون، ثم نبحث في المصادر التي نختلف عليها لنعرف ما هي أسس اعتماد هذا الفريق عليها دون ذاك.. ولندقق في مدى اعتماده عليها من ناحية المبدأ والتفاصيل، لئلا نقع في الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون من نسبة قول إلى شخص لم يقله، أو نقل فكر عن شخصٍ لم يلتزم به. وهكذا نرتكز في المسألة على أساس الموضوعية في النقد والتقويم والاقتناع، بعيداً عن الفكرة المسبقة التي تسبق الدليل وتفرض نفسها عليه، تماماً كما هو الحال فيما نعالجه من خلافات ومواقف فكرية إزاء الأفكار التي لا تتصل بالجانب العقيدي من حياتنا، بل تتصل بالجوانب العلمية النظرية والعملية في تفكيرنا، فنعالج المسألة الكلامية فيما نختلف فيه من تفاصيل العقيدة فلسفياً، كما نعالج أي قضية فلسفية أخرى لا تتصل بالانتماء المذهبي. كما نناقش أي حكم شرعي من موقع البحث العلمي الذي تناقش فيه الأحكام القانونية لمبادئ أخرى أو أديان أخرى مما لا يرتبط بالجانب العاطفي من شخصيتنا الفكرية(5)، ثم نبدأ بالدراسات المقارنة على أكثر من صعيد من أجل عرض كل الأفكار المتفق عليها أو المختلف فيها... من أجل الوقوف أمامها وقفة نقد وتأمل واجتهاد لنختار الأفضل من حيث دليلُه الشرعيُّ، فقد يختار الشيعي رأياً سنياً في المسألة الفقهية أو الكلامية، وقد يختار السني رأياً شيعياً في ذلك لأن البحث الموضوعي يلغي الخصوصية من أجواء البحث، وربما حمل الواقع القانوني في بعض بلداننا الإسلامية بعض التجارب الإيجابية في هذا المجال.
وسيقودنا ذلك إلى اكتشاف الحقيقية العلمية الواقعية، وهي أن مواطن الوفاق بين المسلمين تصل إلى نسبة ثمانين بالمئة، لأن اختلاف الاجتهاد لدى الشيعة الآن، ولدى السنة في الماضي، قد استطاع أن يحمل إلينا تنوعاً في الآراء لدى الفريقين بحيث لا ترى رأياً في الفقه الشيعي إلاّ وترى ما يقابله في الفقه السني، والعكس صحيح أيضاً..
وقد عاشت جامعاتنا العلمية في النجف وقم والأزهر هذه التجربة في الدراسات المقارنة من ناحية المبدأ.. وننتظر أن تتطور إلى الأفضل في المستقبل القريب، لنصل من خلال ذلك إلى الوحدة الفكرية على أكثر من صعيد.
وربما كنا نحتاج إلى التأكيد على تأصيل المفاهيم العامة لبعض القضايا المهمة، كما في مسألة التوحيد والشرك والكفر والإيمان.. التي قد يكثر الحديث عنها لدى المسلمين فيما قد يتهم بعضهم بعضاً بالشرك تارة أو بالفكر أخرى، وبالمروق عن الدين ثالثة. وهكذا من خلال ما يحمله من آراء حول مفهوم الكفر والشرك، أو فيما يعتقده لدى الآخرين من ذلك. دون إفساح المجال لهم ليوضحوا فكرتهم وليناقشوا فكرة الفريق الآخر(6). إن مناقشة ذلك بموضوعية وفكر تجعلنا نلتقي على المقياس الصحيح لما هو الكفر والشرك. وقد نصل بذلك إلى قناعة إسلامية بأن كثيراً مما نعتبره كفراً لا يمثل الدقة في تطبيق هذا المفهوم على الواقع، كما قد يكون بعض ما يعتبره الناس إيماناً لا يمثل خط الإيمان بدقة وعمق وتحليل.
وقد يكون من الخير لنا أن نشير إلى ضرورة التوفر على دراسة الأسلوب القرآني في الحوار ومواجهة الفكرة المضادة، ومتابعة الفكرة الموافقة، لنستطيع من خلال ذلك أن نتقي الله فيما نختلف فيه كما نتقي الله فيما نلتقي عليه. فإن ذلك يبعدنا عن أساليب المهاترات الكلامية والمزايدات الفكرية الحماسية، ويقربنا إلى الفكر والعلم والحياد الفكري في مواجهة كل الأفكار والآراء.
وقد ينبغي لنا أن نلفت الأنظار إلى أن مثل هذه الساحة الفكرية تحتاج إلى شجاعة في مناقشة الأفكار، وفي اتخاذ القرار المنسجم مع نتائج المناقشة كما تفرض على المتحاورين فيه أن لا يقفوا في دائرة الضوء الاستعراضي الذي يغري بالمزايدات، ويبعث على التعصب، بل لا بدَّ لهم أن يواجهوا المسائل بالفكر الهادئ والعقل المتزن والعاطفة العاقلة، وأن لا يستعجلوا الوصول إلى النتائج لأن ذلك قد يؤدي إلى السطحية والارتجال في معالجة القضايا التي تقع محلاً للبحث والمناقشة. ولعل من البدهي أن تبقى الساحة مفتوحة للعلماء وأصحاب الفكر بعيداً عن مواقع العامة من الناس الذين لا يستطيعون أن يأخذوا بأسباب العلم، بل يتحركون دائماً على أساس الإثارة العاطفية.
وفي الجانب الثالث.. وهو الجانب السياسي من الوحدة، نلتقي بالواقع الطائفي في الحقل السياسي الذي يحوّل كل طائفة من المسلمين إلى كيان مستقل في قضاياها وفي مصالحها وفي حركة الحاضر والمستقبل، حتى أصبح لنا في ساحتنا اللبنانية قضايا شيعية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون الشيعة، وقضايا سنية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون السنة. فاعتبر الجنوب في وقت ما، قضية شيعية، كما اعتبرت قضية إقليم الخروب وطرابلس مثلاً قضية سنية.. بحيث يشعر كل فريق بأن علاقته بقضية الفريق الآخر ليست قضية ذاتية، بل هي قضية خارجية تحكمها الظروف السياسية، أو المجاملات الاجتماعية، وما إلى ذلك...
وقد لا يكون الأمر بهذه الدقة بشكل شامل، ولكن الظاهرة تتحرك في هذا الاتجاه. وربما كان لطبيعة النظام اللبناني الطائفي الأثر الكبير في ذلك، عندما ربط الانتماء الطائفي، الأمر الذي دفعهم دفعاً إلى الارتماء في أحضان التجربة الطائفية التي تعمل على تأكيد التجربة وتعميقها في داخل الذات في حركة الفكر والشعور وفي نطاق واقع العلاقات. وقد استطاعت اللعبة السياسية التي خططت لها المارونية السياسية أن تثير حالة خوف وخوف مضاد في النطاق الإسلامي الداخلي فيما كانت تثيره في إمكانية أن تأخذ هذه الطائفة دور تلك الطائفة، وبالعكس، لتخلق في داخلهم حساسيات مذهبية، في مستوى العقدة المستحكمة التي تتحول بالتالي إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تفجر الساحة كلما أريد لها أن تنفجر بالحقد والعداء والبغضاء. وما زالت اللعبة تتحرك في كل اتجاه، وعلى أكثر من صعيد.
هذا في الواقع اللبناني.. أما في الواقع الذي يعيشه المسلمون خارج لبنان فليست هناك حالة سياسية معقدة بين المسلمين على أساس مذهبي فيما تعنيه الامتيازات والمصالح، بل كل ما هناك أن في هذا البلد أو ذاك حكماً معيناً ضاغطاً على شعبه، من دون فرق بين أهل مذهب ومذهب، ولكن قد تكون هناك أكثرية تخضع لاضطهاد كنتيجة لمعارضتها للحكم، وقد تكون هناك أقلية معارضة مضطهدة.. وربما يتخذ ذلك وضعاً طائفياً سلبياً عندما يختلف الحكم في صفته الطائفية عن فئات المعارضة في صفتها الطائفية، ممّا قد يوحي بوجود مشكلة طائفية سياسية في الساحة.
وقد يحدث لبعض الأوضاع السياسية المتنوعة التي قد تؤدي إلى بعض حالات الصراع أن تؤدي إلى تحريك الأجواء الطائفية انطلاقاً من العلاقات التي تحكم هذا النظام بطائفة معينة في ظل نظام آخر فيما يختلف فيه الناس في مذاهبهم، ممّا قد يخلق معارضة في داخل هذا البلد لمصلحة النظام في البلد الآخر.. وتكون النتيجة أن يقع المعارضون تحت تأثير الاضطهاد، أو يشعر الحاكمون بأن هذه الطائفة أو تلك لا تحمل الانتماء الإيجابي لبلدها فتصبح موضع شك أو اضطهاد. وهكذا تنتهي القضية إلى تصوير القضية كما لو كانت حالة طائفية فيما تسنه الطائفية السياسية من مضمون، لا سيما إذا كان هذا النظام يتحمس لمذهب معين، ويحمل همّ الدعوة إليه، ولو كان من ناحية رسمية سياسية، ويرفض المذهب الآخر، فيختلط جانب من العقدة المذهبية بالعقدة السياسية، لتتحول المسألة عنده إلى كارثة المذهب كوسيلة لحرب النظام الذي يتبناه أو يعطف عليه.
وقد نلاحظ أن بعض المحاور الدولية والإقليمية تعمل على الاستفادة من بعض تلك السلبيات في تحويل الصراع إلى صراع طائفي. لتضع القضية السياسية في نطاق الصراع المذهبي، لتستطيع تحريك الساحة مذهبياً فيما يمكن أن يخلقه من عناصر الإثارة الطائفية، في الوقت الذي نعلم فيه جميعاً، أن موضوع السنة والشيعة بمدلوله الفقهي والبشري لا دخل له في ذلك، بل كل ما في الأمر أن هناك صراعاً دولياً وإقليمياً يتحرك في الساحة من منطلقات سياسية بعيدة كل البعد عن هذه الأضواء(7).
والآن.. كيف يمكن مواجهة هذا الطابع السياسي للخلاف بين المسلمين(8). إننا نلاحظ في هذا المجال في الحالة اللبنانية المتميزة بحركة الطائفية السياسية على مستوى النظام أن الاختلاف المذهبي بين المسلمين لم يستطع أن يحقق لأية طائفة إسلامية الحقوق الذاتية التي تضمن لها حرية الحركة على صعيد الواقع السياسي في القضايا المصيرية، بحيث تملك حرية اتخاذ القرار ولو على مستوى المشاركة، فلا يزال موقع رئاسة الوزراء ورئاسة المجلس تابعاً - في كثير من حالاته - للموقع الذي يمثله رئيس الجمهورية الذي هو مصون غير مسؤول في الوقت الذي يمسك فيه أكثر الصلاحيات الحقيقية بيده. وإذا كانت بعض الطوائف الإسلامية تملك بعض المواقع بطريقة تختلف عما تملكه طائفة أخرى، فإن ذلك لا يعني وجود قوة حقيقية لهذه أو تلك على مستوى القرار.. وهكذا نجد أن الواقع الطائفي لم يستطع أن يتحول إلى حالة تعطي القوة لأحد، إلاّ في نطاق الزهو الاستعراضي الفارغ الذي لا يمثل شيئاً في ساحة الواقع.
ولهذا فإننا قد نجد في هذا الواقع السياسي الذي يعيشه المسلمون فرصة للتأمل والتفكير في ضرورة توحيد الموقف، أو محاولة تقريبه من أجل قضايا مشتركة، أو مشاريع موحدة لمواجهة الهيمنة الضاغطة، بموقف حاسم ينطلق من وعي قضية المسلمين كقضية إنسانية فيما تعيشه قضايا الإنسان من مواقع الحرية والكرامة والعنفوان.. من دون أن نثير الموضوع بطريقة طائفية معقدة..
وقد لا يكون من الواقعي أن نطلق الآن إلى المسلمين إلغاء خصوصياتهم المذهبية في ظل هذا الواقع الطائفي المتجذر في أعماق حركة الواقع السياسي.. لأن ذلك يمثل طرحاً مثالياً على مستوى المرحلة - على الأقل - فيما تفرضه من وجود زعامات ومواقع قوة ومصالح وعلاقات وتحالفات داخلية وخارجية، مما لا يمكن المطالبة بإلغائها دفعة واحدة، لأنه لا يمكن إلغاؤها دفعة واحدة.
ولكننا نثير في الجو إيجاد حالة وحدوية من خلال القضايا المصيرية التي يعيشها المسلمون على مستوى ما يمثله الوجود الإسلامي في مقابل الوجود الآخر، سواء فيما يتحرك على مستوى الداخل أو فيما يتحرك على مستوى الخارج من قضايا المسلمين في المنطقة وفي العالم، وذلك بمحاولة ربط هذه القضايا بالمبادئ والقيم الإسلامية السياسية والاجتماعية في الحياة لتتحول هذه الحالة الوحدوية إلى حالة إسلامية عميقة في وجدان كل مسلم، ليكون ذلك أساساً للبحث في المواضيع الواقعية المختلف عليها، بعيداً عن الحواجز النفسية، لأن وحدة الموقف السياسي في بعض المواقع عندما تمتزج بالحالة الإيمانية الوجدانية الملتزمة بخط الإسلام في أجواء التقوى سوف تسهّل الكثير من الحلول للمشاكل العالقة في الساحة(9).
إننا نعتقد أن مثل هذا الاتجاه في مواجهة التشنج السياسي الطائفي في داخل المجتمع الإسلامي يمكن أن يحقق لنا خطوة متقدمة في سبيل الوحدة، لأننا سنكتشف أن هناك أكثر من أرض صلبة نقف عليها في مواقعنا الإسلامية، وأن ما نختلف فيه يمثل حالة طبيعية واقعية.
وفي المجال الإسلامي العربي العام، يمكن لنا أن نلتقي بالطروحات الوحدوية الإسلامية التي تتحرك في الساحة لنقويها ولنتفاعل معها، ولنعمل على اكتشاف الجوانب الإيجابية فيها، ومعالجة الجوانب السلبية بالكثير من الدراسة للقضايا المثارة على الأرض في ميدان الصراع بطريقة ميدانية تحاول أن تفصل بين ما هو المحور الإقليمي أو الدولي المرتبط بالمواقع الاستراتيجية للصراع في العالم، وما هو الخط الإسلامي الذي تتحرك فيه المصلحة الإسلامية العليا. فقد نرى أن كثيراً من المواقع التي تمنحها الصفة الإسلامية في الصراع ليست كذلك سواء أعطيناها سمة شيعية أو سنية. وقد نلمح في الساحة استغلالاً لذلك الحساب أعداء الإسلام والمسلمين.
إننا نؤكد على ملاحقة التجارب الوحدوية في العمل الفكري والسياسي والاجتماعي على مستوى الساحة السياسية، وعلى الاستفادة من الإيجابيات كنافذة تطل على المواقع المشرقة من مواقع الأمل، والاستفادة من السلبيات في معرفة الأخطاء الواقعية في مجال الساحة لنتفاداها ولنفكر معها بأن الفشل في ألف تجربة لا يعني فشل الفكرة أو سقوط المشروع، فقد يكون من الضروري أن نفكر بالتجربة الواحدة بعد الألف، لأن ذلك هو خيارنا الوحيد في بقاء الإسلام حياً متحركاً في الساحة كفكر وكشريعة، وكمنهج حياة وكأمة طليعية تحمل رسالة التغيير للعالم من أجل الحضارة الفريدة التي تتآخى فيها الروح والمادة، والعلم والإيمان.. ويمتزج فيها الغيب بالواقع، والعبادة بالسياسة والفرد بالمجتمع..
إنه الإسلام الذي نحمله من موقع الإشراق الذي ينفتح على الحياة بكل عمقه وامتداده ليجعل الحياة تتحرك في إشراقة الروح المتحركة في نطاق الواقع.
ولنتذكر دائماً أنه لا معنى للتفكير بوحدة إسلامية على مستوى العاطفة والفكر والشريعة والسياسة بدون إسلام.. لأن الصفة التي نحملها في كلمة الإسلام ليست مجرد واجهة تشير إلى المجموعة البشرية العددية التي نمثلها، بل هي كيان متكامل في الفكر والروح والعمل فيما يمثله من قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.
ليبقى لنا من الإسلام المضمون، لا الشكل، والصورة لا الإطار، وبذلك يمكننا التحرك من أجل معالجة المشاكل التي تحكم واقع المسلمين. ويمكننا أن نلتقي مع الآخرين من غير المسلمين، ونتعايش معهم من مواقع الانفتاح المنطلق من الفكر والروح، لا من مواقع الانغلاق القائم على التعصب والبغضاء.
أطلقوا الإسلام في الهواء الطلق ليتنفس في دائرة الضوء، ولا تحبسوه في العلبة الطائفية المظلمة فإنكم بذلك تحررون أنفسكم وواقعكم وحاضركم ومستقبلكم من كل أغلال الآخرين. لنكن الفكر الذي يصرخ ويوحي ويحاور في ساحات الإنسان، ولا نكون الطبل الذي يرن ويدوي في الفضاء، ولكنه لا يحمل لنا إلاّ الدّوي والرنين من دون معنى.. ولا حياة.. ولنكن الواقع الذي لا يبتعد عن مواقع السمو، لا الخيال الذي يحلق بعيداً في الفضاء في متاهات أوهام الأحلام.


محمد حسين فضل الله

                                                                                                                   من مختارات الجمل

الهوامش:
(1) ربما كنت أحتاج أن أوضح الصورة بطريقة أكثر جلاء، إننا نلاحظ المسلمين لا يعيشون الصفة الإسلامية كفكر في حياتهم. لأنهم عندما جعلوا الإسلام يعيش في زاوية ضيقة أمكن لهم أن يرتبطوا باي فكر حتى ولو كان يواجه الإسلام وجهاً لوجه. ولهذا نحن نتكلم فكراً لا نتكلم سياسة على مستوى الشارع. ولهذا نرجو ألا نتعقد من الأمثلة.
فيمكن للمسلم أن يبقى مسلماً وأن يكون شيوعياً على مستوى فكري. عندنا لا مانع من ذلك. يمكن له أن يكون مسلماً وأن يكون وجودياً على مستوى فكري. لماذا؟ لأن الإسلام ليس حركة فيما هو الفكر وفيما هو الحياة وإنما هو حركة فيما هو الذات وفيما هو الانتماء البشري الذي لا يخضع لأي مضمون فيما هو الفكر.
(2) أن ننطلق من وحدة المذهب وتعدد الاجتهادات، لنؤكد على إمكان وحدة الدين مع اختلاف المذاهب، حتى ننطلق من هذا إلى اعتبار أن الحالة الشعورية التي يعيشها أتباع المذهب الواحد مع اختلاف الاجتهادات؛ يمكن أيضاً أن تساهم في خلق حالة شعورية إسلامية مع اختلاف المذهب.
(3) مما تجعل العوائل في المذهب تستطيع أن تكتشف أن الصورة التي كانت تحملها من خلال البعد، تختلف كثيراً عن الصورة الواقعية التي استطاعت أن تعيشها على الأرض، عندما هيأت لها العلاقات هذا الجانب. لأنه من الممكن للإنسان في حالات البعد الطائفي أن يتصور أن الآخرين يجاملون أو أن الآخرين ممن يعتبرون التقية شيئاً مبرئاً، ولكن إذا نفذت إلى الداخل وإلى الواقع وأصبحت العلاقات علاقات عائلية طبيعية تستطع من خلالها أن تقتحم المجتمع من خلال علاقاتك، عند ذلك تستطيع أن تكتشف أن القضية هل هي مجاملة فيما يحاول الآخرون أن يوحوه أو أنها قضية حقيقية.
(4) ولو بالطرق الرسمية الاستعراضية، لأن القضية هنا ليست قضية العمق في المعالجة وإنما هي قضية الحالة الشعورية التي نريد أن نثيرها في الأمة.
(5) أن ندرس خلافاتنا الفكرية الإسلامية في تفاصيل العقيدة وفي الشريعة وفي التاريخ تماماً كما ندرس تاريخ الرومان وقوانين الرومان، وكما ندرس الجانب الفكري للفلسفة اليونانية أو لأي فلسفة أخرى. هناك ندرس تلك الأفكار من موقع يلتصق بالفكر فقط ولا يلتصق بالذات، وبهذا نستطيع أن نكون موضوعيين أمام الناس. ومشكلتنا أننا نواجه خلافاتنا الفكرية من موقع الذات لا من موقع الفكر، وعندما تفرض الذات نفسها على الفكر، فإن الفكر لا يستطيع أن يتحرك بحرية عند ذلك من الناحية الذاتية أو من الناحية العملية.
(6) لأن المفاهيم الغائمة لا تخلق إلاّ حالة غائمة وتتيح المجال لكل الطامحين الطامعين في خلخلة الموقف وفي انتهاز الفرص أن يلعبوا عليها من خلال تقديس الأخطاء ومن خلال تقديس المواقف المنحرفة.
(7) من خلال المعنى المصطلح، أن هناك استحقاقات سياسية لكثير من القضايا والمشاكل الملتهبة في الساحة يراد ترتيب الساحة من خلالها لتتوصل إلى النتائج التي تدخل في حساب هذا المحور الدولي أو ذاك. ولكن يعرفون أن السياسة بمفهومها المجرد لا تحرك عواطف الجماهير بقدر ما تحركهم عناصر الطائفة الذي تتكفل به الأحاسيس الطائفية.
(8) قد نلاحظ الصعوبة في بحث هذا الموضوع لأنه يتصل بكل الواقع السياسي الذي نعيش فيه وبكل اللعبة السياسية التي تتحرك على أكثر من صعيد لا في بلدنا ولا في منطقتنا ولكن في العالم كله. لهذا لن نستطيع أن يُبسط المشكلة ليدخل في الحلول البسيطة التي تحاول أن تلغي المشكلة بجرة قلم. لكننا نحب أن نثير الفكر نحو ذلك لنفكر أكثر ولتتابع اللعبة. نحاول أن نفكر في الحل من خلال المفردات التي نكتشفها في تجاربنا المختلفة أو من خلال المفردات التي تستقبلنا فيما نستقبل من تطورات على الأرض أو فيما نستطيعه من اكتشاف كثير من خلفيات اللعبة التي ربما كنا ضحيتها دون أن نفهم طبيعتها. إننا كما قلنا في البداية أن نثير الفكر نحو هذه المسألة ولا نريد أن نعالجها بطريقة شاملة.
(9) مثلاً يمكن أن تعتبر الآن القضية الفلسطينية شيئاً نجتمع عليه كمسلمين من خلال القيم الإسلامية التي نرتبط بها. يمكن أن نجعل قضية مواجهة الاستعمار ورفض خططه السياسية والاقتصادية والعسكرية أساساً للقاء كمسلمين، لا أن الإسلام لا يمكن أن يقبل من خلال المفهوم الحقيقي لما هي الحرية والعزة لدى المسلم، أن يقبل أية حالة استعمارية. وهكذا نستطيع أن نبحث عن القضايا المصيرية التي تمس وجودنا بالذات والتي تنبع جذورها من المبادئ الإسلامية الأصيلة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...