الإنسان العربي الجديد

15-07-2006

الإنسان العربي الجديد

1

الجمل: في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد العربية وهي تنطلق من واقع التخلف، بعد أن تركت أحداث كثيرة بصماتها عليها، وأدت إلى اهتزاز القيم والمفاهيم والمبادئ وتأثيرها على المجتمع والإنسان الذي صار يعاني من الضياع، وربما الفساد أيضاً.. وهذا ما جعل أنفسنا تعاني من التمزق والقلق والدوار، وتنطلق للبحث عن منفذ وسبيل للخلاص منها.
وترانا نتساءل.. من أين نبدأ.. وما هي أهدافنا.. وكيف نعمل لتحقيقها؟

2

في كل مرحلة معينة توجد أمور تعطى الأولوية على غيرها، وتكون بعض الأمور رئيسية، وبعضها الآخر ثانوياً، دون أن تصبح صاحبة الأهمية القصوى دائماً.

3

وننطلق من بعض الحقائق والمسلمات التي قد تلتقي الآراء حولها. ورداً على تساؤلنا.. من أين نبدأ؟ نجد أن الجواب هو: إن نقطة البدء في هذه المرحلة.. هي الإنسان. إننا نبدأ من الإنسان، وبالإنسان، ولأجل الإنسان نفسه.
وإذا كنا قد أعطينا حق الأولوية للبدء بالإنسان، فلا نهمل دور العوامل التالية، التي ربما تكون أكثر أهمية في مراحل أخرى.

4

وإنما نرى أن في هذه المرحلة التي تجتازها بلادنا، وكل بلاد في بداية نهضتها، وبين العوامل العديدة المتشابكة، لا بد من البدء بالإنسان. وإن الأهمية القصوى تعطى لبناء شخصية الإنسان العربي الجديد لأنه هو المحرك لهذه النهضة، والإمكانية التي يمكن أن يطالها تأثيرنا مباشرة، وأن شخصية الإنسان تجعل كل أمر تعالجه مثلها.

5

ولا سيما أن الاستعمار والاستبداد والتخلف والعادات والتقاليد البالية، وأسلوب التربية، الذي يجعل الفرد معتمداً على والديه وذويه طيلة عمره، لا تبني شخصية الإنسان المتكاملة المستقلة، بل تخلق شخصيات اتكالية وانفعالية ومتركزة على الذات بشدة، وقد تصبح بيئة ملائمة لانتشار الفساد والاستبداد والفوضى.
وأهم ما نحتاج إليه، هو الاهتمام الشديد ببناء شخصية الإنسان المتكاملة المستقلة ذات الأخلاق الصحيحة، لكي نستطيع أن نحقق ما نصبو إليه بها.

6

ونتجه إلى العوامل الأخرى، ومنها العوامل المادية، التي تشكل الأساس في كل بناء، حين تصبح في متناول يدنا.
وتتحد هذه العوامل، التي تتبادل التأثير والتأثر، جميعها في وحدة ديالكتيكية، تكون منطلقاً للسير نحو الهدف بسرعة.

7

إن مشكلتنا الأساسية، تتعلق بشخصية الإنسان وتصرفاته، أكثر من المبادئ أو المذاهب والتيارات التي يعتنقها، أو الواقع الذي يعيش فيه، مع أن العلاقة بينها وثيقة جداً.
وإذا أردنا، أن ننهض، نهتم ببناء شخصية الإنسان، وخصوصاً الجانب الأخلاقي منها، بناءً سليماً متطوراً، وفق مبادئ صالحة ترتكز عليها جميع جوانب الحياة فيها، لنتمكن من النهوض والتقدم نحو الأفضل.

8

وإن شخصية الإنسان هي نتاج تفاعل العوامل الطبيعية والاجتماعية والنفسية فيه، وتكاملها في وحدة تميزه عن الآخرين.
وكل نظرية، ومنظمة، وزعيم يهمل عملية بناء شخصية الإنسان وأخلاقه، في هذه المرحلة، يقع في الخطأ والإهمال، إلى حد يكاد يبلغ مستوى الخيانة.

9

ولكن كيف نعمل لتكوين شخصية هذا الإنسان، الذي نريده أن يكون أصيلاً راسخ الجذور، في أرضه وتراثه الجيد، بعد نقده نقداً علمياً وفنياً دقيقاً، ولكنه عصري وحديث النفس والوجه والملامح، يتمثل العلم والتكنولوجيا والفكر والأخلاق العصرية الفاضلة، وتتكامل عناصر شخصيته في وحدة متماسكة متينة، تمكنه من أن يحيا حياة منتجة سعيدة، وتجعل من مجتمعه مجتمعاً صالحاً سلمياً؟

10

إن النقد الصحيح هو أساس كل بناء صحيح، لأنه يزيل القديم المتهدم، ويكشف الأخطاء، ويهيئ المجال لإقامة البناء الجديد.

11

والنقد الذاتي الموضوعي، يمكن الأشخاص والمنظمات والشعب من معرفة أخطائهم بأنفسهم، وأن ينظروا إلى ذواتهم نظرة أكثر موضوعية، خالية من القصور أو الغرور، ويفتح المجال لبناء شخصية الإنسان الجديد.

12

ويكمل النقد بالإصلاح، الذي يعطي حلاً للأخطاء والعيوب والمشاكل التي يكشفها النقد، ويهدي إلى الطريق الصحيح.

13

كما أن بناء شخصية الأفراد، وتنظيمهم وفق نظرية يؤمنون بها، يجعلهم قوة فاعلة تؤثر في المجتمع، وتسير به في اتجاه معين له.

14
والطريق لتحقيق هدفنا هو: ممارسة التجاوب والنضال والثقافة التي تولد الوعي لدى الإنسان، وتدفعه إلى نقد واقعه ونفسه، والتخطيط لمهمته. ثم تصحيح أخطائه، والسير نحو الصواب والحق، وما يكسبه شخصية جيدة ذات أخلاق صالحة، تقود خطاه على طريق الحياة بحكمة.

15

والأخلاق التي نريدها لإنساننا تقوم على الإيمان بالحقيقة، والصدق في التعبير عنها، والاستقامة في العمل لممارستها. وتجلب الخير للمجتمع، والسعادة للفرد.

16

ولما كان الصراع هو جوهر التاريخ الإنساني، فقد يصبح هذا الصراع حاداً تناحرياً، وتتأزم الأمور، ولا تجد لها مخرجاً سوى أن يقضي أحد الأطراف على الأطراف الأخرى أو سلطتها. أو يكون سيرها مقبولاً وتتعاون معاً. وكان ذلك التعاون يعطي امتيازات لبعض الأطراف على حساب غيرها.. ثم يعي المستغلون هذا الظلم ويبدأ الصراع بالتصاعد حتى يبلغ ذروته. ولا تخف حدة الصراع ويسود التعاون، إلا إذا توفر العدل، وفق نظام معين، يجعل الإخاء يسود بين الناس، ويعد النفوس السليمة للمحبة. وهكذا يكون تاريخ الإنسان حلقات متداخلة من الصراع والتعاون معاً، والسعي لتحقيق العدالة والإخاء والمحبة.

17

إن الإنسان الذي يعيش في واقع متخلف أو فاسد، لا مفر له من الثورة عليه وتبديله، والسعي لتحقيق التحرر.. التحرر من الاستعمار والاستغلال والرجعية، ومن سيئات النفس.. ونقوم بإلقاء نظرة نقدية على واقعنا وأنفسنا وتراثنا، لكي نتخلص مما غرس من أخطاء فيها، ونأخذ بالصالح المفيد، الذي يتلاءم مع نهضتها وعصرنا ومبادئنا، لندخله في إطار نظرية صحيحة متكاملة، تحقق لنا الحرية الحقيقية، التي هي القدرة على ممارسة حياتنا، وتسيير أمورنا، على ضوء وعي القوانين الموضوعية والذاتية. ويكون التحرر هو ممارسة الحرية ضمن نظام يكفل تحققها بنسبة عالية. وتقوم الحرية على تفوير الحق، وتتطلب الواجب المقابل له، وتؤدي إلى تحمل المسؤولية، وبالتالي إلى تحقيق النظام الصالح لنا.

18

هذه الحرية يمارسها الشعب في نظام ديمقراطي، يجعل الشعب المصدر الوحيد لكل سلطة. ويتم اختيار المسؤولين فيه، بالانتخاب من القاعدة إلى القمة, وينتخب الشعب إدارة مركزية تتولى شؤونه ويحكم نفسه بنفسه ولأجل نفسه، في منظماته المختلفة.

19

ولكي يكون لكل ذلك مضمون واقعي عادل نحتاج إلى تطبيق نظام اشتراكي، يقوم على التخلص من الاستغلال، وجعل الثروة ملكية عامة للشعب بأسره.. ويعمل كل فرد فيه حسب مقدرته، ويأخذ حسب عمله. والأطفال والشيوخ والعجزة يأخذون ما يرضي حاجاتهم. ونتطلع إلى مرحلة تنهض فيها البلاد، وتنمو مع إمكانياتها، ويعمل كل فرد وفق مقدرته، ويأخذ ما يكفي حاجاته.

20

ونجد في كل مجتمع اشتراكي معاصر أسلوبين رئيسيين لتوزيع الإنتاج، الأسلوب الأول، حسب عمل الفرد فيه، ويتجلى في الأجر العادل الذي يتلقاه عن عمله.
وقد يستغل النظام الرأسمالي هذا الأسلوب، ليجني الأرباح، بواسطة فضل القيمة، الذي يسلبه من العمال بأساليبه الخاصة.
والأسلوب الثاني، حسب الحاجة، مثل الخدمات الطبية المؤممة، والتعليم، ومع تقدم الزمن يتزايد دور التوزيع حسب الحاجة، ليحقق نوعاً من العدالة الإنسانية، التي تعطينا حقوقاً متساوية من حيث المبدأ. ويتناقص دور التوزيع حسب العمل تدريجياً.

21

ولا بد من مراعاة الواقع الموضوعي والقومي لكل بلد تطبق فيه هذه الاشتراكية، لكي يكون هذا التطبيق ممكناً وخلاقاً.

22

وتكون القومية مرحلة ضرورية لتبني الأمة نفسها، وتحافظ على استقلالها وكيانها، وهي تسعى لتتحد مع الأمم الأخرى، وتحقق وحدة العالم كله.

23

ونسعى لتطبيق هذه المبادئ في كل قطر نوجد فيه، ونعمل لتوحيد أقطار الأمة الواحدة، في إطار الأسرة الإنسانية، التي تشكل دولها المتقاربة اتحادات فيما بينها. وتأمل أن تتحد يوماً ما في دولة عالمية واحدة، تحتفظ لكل أمة بمقوماتها الأساسية الأصيلة التي لا تتعارض ولا تتنافى مع الالتقاء بالأمم الأخرى.

24

الأمة جماعة ثابتة من الناس، تعيش في بيئة معينة، وتسعى لتوفير مقومات حياتها عليها، وتتولد لديها خصائص مشتركة، تتجلى في المصالح واللغة والعادات والتقاليد والعقائد والتاريخ والإرادة المشتركة.. وكل ما يجعلها تشكل كياناً متميزاً عن غيره إلى حد ما، يبرز في مرحلة مناسبة له.

25

والقومية هي وعي الأمة لذاتها، وشعورها بتميزها عن الأمم الأخرى، ونزوعها إلى تحقيق هذه الذات. وغالباً ما تكون مرحلة ضرورية في نهوض الأمم وتقدمها وسيرها إلى العالمية، إن لم يعقها التعصب القومي الأعمى عنه.

26

وفي هذه المرحلة التي تتفتح فيها القومية العربية، نريدها أن تحقق توحيد الأمة، وأن تنطلق على هذا الطريق، وعلى ضوء هذه المبادئ وهديها، لتحقق رسالتها.

27

وهكذا نعمل لبناء أنفسنا.. نصلحها ونهذبها وننميها من جميع جوانبها، لكي تصبح لنا شخصية متكاملة مستقلة. ونعمل لبناء منطقتنا والنهوض بها. ونشترك في العمل بناء وطننا (قطرنا) وتقدمه، وتوحيد أمتنا، ونسعى لتوحيد الأم المتقاربة، حتى نصل إلى توحيد العالم كله.

28

ويمهد هذا كله الطريق إلى السلام.. السلام كوسيلة دفاعية.
إن السلام هو خير السبل لتحقيق أهدافنا، ما دام اللجوء إليه ممكناً. وحين تفشل الوسائل السلمية المشروعة، وتنتهك حياة الناس ومصالحهم وكرامتهم، ويكون الدفاع عنها بشتى الوسائل مشروعاً، قد يصبح العنف والوسائل الثورية هي الحل الوحيد، وضرورة لا مفر منها.
كما أن السلام غاية توفر للمجتمع الوضع الذي يمكنه من أن يصبح مجتمعاً سليماً، وللفرد الانسجام الداخلي والرضا.

29

وشخصية الإنسان التي نريد بناءها تتبنى هذه المبادئ والأهداف، وتعمل لتحقيقها.

30

وتتجسد تلك المبادئ لدى الفرد فيه: الممارسة - الوعي - النقد - الإصلاح - الأخلاق.
وتقوم الأخلاق على: الحقيقة - الصدق - الاستقامة - الخير - السعادة.
وتكون في المجتمع على هيئة: صراع - تعاون - عدل - إخاء - محبة.
وتحقق النظام الصالح وفق ما يلي: حرية - حق - واجب - مسؤولية - نظام.
وتتجلى في العالم بالصيغة التالية: تحرر - ديمقراطية - اشتراكية - توحيد - سلام.

31

وهذه المبادئ ليست مرتبة تصاعدياً، وإنما هي متكاملة، وتربط بينها علاقة ديالكتيكية. والعمل لتحقيقها يسير جنباً إلى جنب، وإن كانت تعطى أولويات، تفرضها طبيعة كل مرحلة تجعل أدوارها تختلف باختلاف الظروف والمرحلة وإرادة الإنسان ومقدرته.

32

وعلى ضوء تلك المبادئ نعيد النظر في واقعنا ومفاهمينا وقيمنا ومثلنا العليا. ننقدها ونقيمها، ونأخذ بالصالح منها، لننطلق منه إلى تكوين نظرية متكاملة في جميع شؤون الحياة ومجالاتها.. وفي العلم والأب والفن واللغة والأخلاق والفلسفة.. أو غيرها. وتتمثلها شخصية الإنسان، وتسير على هداها، لتبدل واقعنا، وتسعى للوصول إلى واقع أفضل، يوفر لنا متطلبات الحياة السعيدة.

33

هكذا نبني عالماً جديداً يقوم فيه الإنسان الجديد، ذو الشخصية الراسخة الجذور والمعاصرة، بدوره في خدمة نفسه ومجتمعه وبلاده وأمته والإنسانية جمعاء.

34

ويمكن أن يتحقق ما نسعى إليه من خلال: (حركة ديمقراطية اشتراكية أخوية عربية). تندمج فيها جميع المنظمات والأفراد الذين يؤمنون بهذه المبادئ، ويعملون لتحقيقها، في إطار خطة يتفق عليها.

35

وفي هذه المرحلة يبدو أن أفضل حل لمشكلة فلسطين، هو إقامة دولة علمانية ديمقراطية اشتراكية، يسكن فيها العرب واليهود، دون اعتبار للجنس أو الدين، ويشترك الجميع في حكمها.
ولأن هذا الحل صعب، توضع حلول مرحلية، تسكن فيها كل فئة في مناطق معينة، ريثما يتم التوصل إلى تحقيق الحل الأول الأفضل، حسب صيغة يتفق عليها، وكما حدث في جنوب أفريقيا.

36

والطريق الأفضل لمعالجة الأمور في المناطق التي تسود الطائفية والعرقية بين شعوبها، هو إقامة دولة علمانية لها، تعتمد على الوعي لتوحيد تلك الشعوب في إطار واحد مقبول لديها. أو إقامة اتحادات لا مركزية بين المناطق المتجاورة، مع مراعاة الخصائص الأساسية لكل منها، ضمن إطار الدولة الواحدة، إذا تعذرت إقامة دولة مستقلة لكل منطقة فيها، ريما يتحقق الحل الأول، وتسير نحو الاتحادات الكبرى والعالمية.

37

والتوحيد الصحيح في الاتحاد أو الوحدة، لا يتم إلا بين كيانات قومية أو وطنية، ترغب فيه، وتتكامل معاً، ولا تزول خصائصها كلياً عند التوحيد، وإنما تحتفظ بالخصائص المميزة لكل منها، ولا تتعارض معه. لئلا يتحول إلى سيطرة وتسلط من طرف على آخر، ويصبح استبدادياً، وربما احتلالاً أو استعماراً مرفوضاً لديهم، ولا يحقق أهدافه الصحيحة.

38

أي أن يكون التوحيد بين كيانات متكاملة، ويحتفظ بالأمور المشتركة بينها، وبالخصائص الخاصة التي تتوافق معها، وكل ما هو جيد ومفيد لها.

39

والنظريات والأفكار والمبادئ يمكن أن تنتقل من مكان إلى آخر، ليستخدمها سكانه، وتطبق فيه، دون أن تصبح بضاعة مستوردة أو مسروقة، لو يحرصون على توافقها مع خصائص بيئتهم ومجتمعه ونفوسهم، واستقلال شخصياتهم أو كياناتهم، ومع الاحتفاظ بهويتها وخصائصها الأصلية، والاعتراف بها، وما يترتب عليها.


محفوظ أيوب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...