من الجنوب يصدر حكم التاريخ

24-07-2006

من الجنوب يصدر حكم التاريخ

أيها اللبنانيون، في حياة كل شعب لحظات حواسم، وتجارب فرائد، يتوقف فيها تاريخه، ليشهد حياة تتحدّى فتتجدد.. أو ليخط قصة يوجزها خبر كان..
ونحن في لبنان، نمرّ اليوم بواحدة من أخطر هذه التجارب.. وعلى أسلوب مواجهتها يتوقف ويتقرر المصير، فإما أن نكون شعباً مؤهلاً للبقاء، جديراً بالاستمرار، أو شعباً سقط في مستنقعات الوجود، ثم انسحق بين دواليب الزمن، وضاع كما تضيع موجات الصوت على صيوان الاذن الصماء.
أيها اللبنانيون،
إن الجنوب لفي خطر.. وهو اليوم المحك، ومنه يصدر حكم التاريخ قاطعاً لا يرحم، ولا يهادن ولا يتسكع..
ولا يخالنّ خائل، إذا سقط الجنوب، أن سياجاً من السحر يسوّر لبنان، او خيمة من الغيب تغطي عليه، او يد قدرة تقيه الأحداث.. وشواهد التاريخ شواهد على أمم بادت وأوطان زالت، وقوميات غدت كأساطير الاولين.
إن عضواً من وطنكم اليوم يمشي إليه البتر. إن جزءاً من تاريخكم، وهو الأعظم، يركض الى القبر. إن منارات صور وصيدون، وقانا وجزين، التي لا تقلّ عن جبيل وبعلبك وطرابلس وبيروت مهدّدة بالتعتيم..
إن أرض لبنان يرويها الليطاني، كما لا العاصي، ولا أي نهر آخر..
إن موجات الليطاني ترتجف فرقاً، وهي تتصور نفسها بين أقدام غزاة الرجس، بعدما كانت تغسل وجه السيد، وعمائم الابطال من رجال الدين الذين نازلوا الجزار وسائر الغزاة والجزارين على مرّ العصور.
أيها اللبنانيون،
هذا الجزء الكبير منكم، كوحدة لبنان، بيدكم وحدكم إنقاذه.
وعلاقاتكم المستقبلية بعضكم ببعض، كل علاقاتكم، مرتبطة بمواقفكم اليوم.
إن ساعة النفير تدقّ لتجميع وتجنيد سائر الطاقات والإمكانات المادية والمعنوية والخدمات لمجابهة هذا الخطر الذي يهبّ من الجنوب، ويهدّد كل لبنان..
ولا ريب أنكم إذا تقاعستم عن دخول الميدان من كل جوانبه ونواحيه وبسائر متطلباته ومقاصده ومراميه،
وإذا استمريتم في هدر طاقاتكم وإمكاناتكم، وصرفها في المعارك الجانبية،
وإذا بقيتم ترتضون الفوضى والارتجال، واللامبالاة والغياب، في علاقاتكم مع الزمن، فلسوف يأخذكم عدو كل شيء عنده بحساب.
أيها اللبنانيون،
المحنة التي يعانيها الجنوب اليوم، صورتها شعب يواجه عدواً مجهزاً بكل قدرة وطاقة، ومجرداً من كل حس إنساني، وغير ملتزم بأية قيمة حضارية، او مؤمن بأي خلق تواضع الناس على وصفه بالعظمة او السمو..
والإطار الواقعي لصورة اليوم، يسور أرضاً محروقة، ومنازل مهدمة او متصدعة، ودروباً تدب عليها أرتال وقوافل من المستضعفين والبائسين الضائعين.
لقد أغلقت المدارس، وتمزقت أنابيب الماء، وتقطعت اسلاك الكهرباء، وحصدت النار مزارع التبغ وسنابل القمح التي كانت تنتظر الحصاد.
أنتم أيها اللبنانيون، أناشدكم النجدة، للدفاع عن بقائكم أنتم..
وأناشد كل صحافي حرّ، وكل رجل فكر، وكل الخبراء والمهندسين والأطباء والمحامين، وسائر الجمعيات العاملة في الخدمات العامة، وكل المؤسسات الاجتماعية، والنقابات، والطلاب، وخصوصاً الأغنياء المثرين، وكل النساء والرجال القادرين، وكل الدول العربية، وكل الدول الصديقة، وسائر الشعوب التي عاشت تجارب النزوح، وسائر الأفراد الذين عاشوا مآسي التشرد واللجوء والحرمان، ان ينهضوا جميعاً لنصرة الجنوب، التي هي أكيدا، ومن دون اي ريب نصرة كل لبنان، لبنان شعلة الحق والعدالة والحرية والإنسانية، في كل هذا الشرق..
أيها اللبنانيون،
إجعلوا الجنوب، بالتفافكم من حوله، يشعر أنه ليس وحده في الغابة المسبعة، وعندها يعرف كيف يعانق الجنوبي جرحه، وأرضه وعنق بندقيته وعلم بلاده.
أيها اللبنانيون،
الكارثة تقترب، وبيدكم وحدكم ردها فلا تجعلوها تقع، وإنكم لفاعلون، إن شاء الله.
? هذا النداء وجّهه الإمام المغيّب السيد موسى الصدر في 20 أيار 1970 ويبدو أنه ما يزال صالحاً لهذا الزمن، بعد مرور ستة وثلاثين عاماً.

موسى الصدر 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...