مثقفون من سوريا ولبنان : ما بعد الحرب أمامنا احتفالات بالجنون

19-08-2006

مثقفون من سوريا ولبنان : ما بعد الحرب أمامنا احتفالات بالجنون

كيف يقرأ المثقفون السوريون واللبنانيون يوميات العدوان على لبنان, ومن اي زاوية ينظرون الى خيار المقاومة وخيار «الشرق الاوسط الجديد».؟

€ الروائي فواز حداد قال: ليس في مشروع الشرق الأوسط الجديد من جدة, فقد عُرض وجرى تسويقه من قبل تحت مسميات مختلفة ومتقاربة. إنه شعار يتكرر كل فترة من الزمن, وسواء ضاق أم اتسع, كبر أم صغر, أميركياً كان أم إسرائيلياً أو خليطاً منهما, فهو ينحو إلى وضع المنطقة كلها تحت الوصاية الأميركية ­ الإسرائيلية. وللتمهيد له, لم يوفروا فرصة لتدمير عملية السلام في فلسطين, وتغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والإثنية في العراق والمنطقة, والممانعة في إعادة الجولان إلى سوريا. يتم هذا تحت لواء الدعوة إلى الديمقراطية, بينما على الأرض, لم يعترفوا بفوز «حماس» في الانتخابات, وأخذوا بمعاقبة الشعب الفلسطيني على اختياراته, وحالياً معاقبة الشعب اللبناني على دعمه للمقاومة.
لا تبدو الدعوات الغربية غير مفهومة فحسب, وإنما كريهة ووقحة, عندما تعمل على هذا النحو من التناقض والبذاءة والانتهازية؛ شعارات إنسانية ترافقها أعمال في منتهى العسف والعنف المفرط, مع الاستهتار البالغ بأبسط الحقوق الإنسانية. مظاهر تبدي بجلاء اللازمة اللصيقة والمقيتة باستعمار منحط ومتغطرس.
لم يترك الأميركيون والإسرائيليون خياراً آخر للعرب سوى المقاومة, وإلا عليهم الرضوخ الكامل لمطالب تعجيزية, لا تقل عن الركوع الكامل؛ والمؤسف أنها تتعالى مع أصوات عربية تتنكر للمقاومة باتهامات تساير الطروحات الغربية التحديثية, مُفسرة فعل المقاومة على أنه إرهاب, وكأن الغرب لم يقاوم الفاشية والنازية, ويخوض حرباً باردة طوال عقود ضد الشيوعية. على أن الغرب نفسه عندما يختص الأمر بالعرب يصبح انتقائياً, ويخون مبادئه, وهي مبادئ أثبتت كذبها بشأن الشعوب الصغيرة.
يقدم حزب الله مثالاً مشرفاً للمقاومة, وبالدقة مثالياً, سواء في تصديه للعدو, أو في عقلانيته, كذلك في أساليبه السياسية وقدراته القتالية العالية, مع إيمان عميق نقي وعظيم يرفد نضاله ضد الظلم والاضطهاد. ولقد برهن مراراً على تفوقه الأخلاقي على عدو عنصري يؤيده عالم يصح أن نشك في أخلاقياته, عالم يعتمد النفاق والرياء والخسة, وينتهج عقلانية فاسدة. وهذا ما يجعلنا نؤمن بأن الحضارة ليست مضادة للأكاذيب, وليست دائماً على حق, وهي المؤهلة لأن تكون الأكثر تضليلاً, عندما يتعلق الأمر بمصالحها.
بعد خروج الإنجليز من مصر أطلق عبد الناصر شعاره المشهور: ارفع رأسك يا أخي لقد انتهى عهد الاستعمار. اليوم, ومن دون أن نبالغ, يطلق السيد حسن نصر الله شعاراً مماثلاً يزيح عنا ما كاد يبدو وكأن الهزيمة قدر العرب الأبدي, ويبشرنا بسقوط الغطرسة الإسرائيلية.
وما ينبغي قوله وتأكيده بالنسبة الى ما يدعى بالشرق الأوسط الجديد: إن ما جعلته المقاومة مستحيلاً, لا ينبغي أن تجعله السياسة ممكناً.
€ الفنان سليم صبري قال: منذ زمن بعيد ونحن نحلم بوطن عربي جديد, وكل الجهود التي بذلناها كانت تصب في إطار هذا الحلم, الوطن العربي الجديد سوف يجدّد كل الشرق أوسط, الشرق أوسط الجديد ليس هو ذلك الذي تريده الإدارة الأميركية, بل هو ذلك الوطن العربي الذي حلمنا به, وطن موحّد, قوي, يشكل حاضنة لأكبر كتلة على وجه الأرض, سواء أتعلق الأمر بالقوة البشرية, أم بالموارد الطبيعية, أم بالإنسان القادر على التأقلم والذي يحمل مبادئ إنسانية وأخلاقية عالية وينتمي إلى تاريخ عريق متعدد المشارب والحضارات, وأعتقد أن سبب الهجوم والعدوان على الوطن العربي هو إدراك العالم لهذه القوة الكامنة فيه, فعلى مر التاريخ كانت القوى المجاورة تحاول صنع نفسها عن طريق تدمير القوة العربية, ولا أستغرب من بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية أن يخاف من الوطن العربي, ويحاول تفتيته إلى كيانات صغيرة, هذا أذكى ما في السياسة الأميركية إدراكها لقوة العرب, لكن المشكلة أنهم ينجحون بالتدمير, لكننا لا ننجح في البناء.
لو أن الدول العربية ليس لها إمكانات سوى الاعتقاد بعدالة القضية, وهذا الاعتقاد دفعهم إلى إعلان واحد مضاد لإسرائيل: وقف الحرب على لبنان, أو إعلان الحرب عليها من قبل الدول العربية مجتمعة, هذا الإعلان كان سوف يهز الولايات المتحدة, فكيف لو كان لدينا جيش وإمكانات حقيقية؟
€ السيناريست نجيب نصير قال: ليست القضية هنا انتباهاً وحذراً بعد اكتشاف المكتشف ومعرفة المعروف, فلا الشرق الأوسط الجديد أحجية وحزرناها, ولا سايكس بيكو ولا وعد بلفور كانا كذلك, وما زلنا مع خيار المقاومة بكل الأشكال, مع أننا لم نعرف ولا نعرف ولن نعرف اين تصب جهود مقاومتنا, ها نحن ندافع عن سايكس بيكو بأسناننا, ولا أدري عن مفاعيل يالطا, ومخططات بريجنسكي او غيرها الى اين وصلت, شرق اوسط جديد؟! أوليس هذا الشعار مرفوعا منذ كتاب€مشروع شيمون بيريز قبل عقد ونيف؟ أم هو من عقابيل القاعدة و11 ايلول €سبتمبر€؟ ولكن اين هو هذا الشرق الاوسط الجديد, ما هي خريطته ومفاعيله... الله الوكيل انني لا اعرف... فقط اسمع به ولا أدري ما هو... ولكني متيقن من ان به شيئاً من صورة العراق الحالية: دماء ثم دماء وبعدها دماء, ومتيقن من شيء ثان هو ان هذا الشرق الاوسط الجديد, هو بديل عن سايكس بيكو المتآكل اي ان مسافة أخرى تبعدنا عن الاكتمال القومي, لنعود الى ما قبل الصفر السايكس بيكو, فإذا اضفنا اليه الفوضى الخلاقة بطوائفها ومذاهبها وتعامل ما قبل الدول معها فـ€... يا عين€.
القضية واضحة تماما, ولا تحتاج الى فكرة المقاومة بمعناها العربي المجرب, فقط ان نفعل ما كنا قد اعلنا ما يجب فعله من حداثة ودولة وانتاج, وطبعاً هذا يستتبع بداهة التوقف عن الفساد والنهب والاستبداد. فقط ان ننفذ مشروعنا الوجودي الذي نجحت كل بلاد الارض بتنفيذه الا نحن, مع توافر كل معطيات النهوض من الافكار حتى الموارد ومع هذا لما نزل قاعدين, ننظر الى الخلف علّنا نلحظ طريقا اكثر دموية لدخول الجنة, نبحث في التراث عن تعريف لنا, نبحث في التاريخ عن لحظة سبق تافه, والعالم يمشي غير مبال فيما اذا اخترعنا الامبيق او حررنا الاندلس من ربقة المتخلفين الاسبان, القضية واضحة وضوح الشمس.
ان نقاوم؟ وهل من خيار آخر؟ لا أعتقد طالما اردنا ان نحافظ على احترامنا لذاتنا.
€ محمد أحمد النابلسي قال: جاءت الحرب في ظل سلطة مركزية ضعيفة, ينطبق عليها تماما تعريف الدولة المنتخبة. وسلطة الانتخابات تكون عادة عاجزة عن مواجهة الطوارئ, وعن تقنين ردود الفعل والتعامل مع الوضعيات الصعبة.
صحيح ان هذه السلطة تتمتع بدعم مالي وسياسي فاعل, إلا انه غير كاف لمساعدتها على القيام بدورها الوظيفي في مثل هذه الحالات.
لذلك, فإن لبنان من حيث المبدأ, يعيش حالة من غياب السلطة منذ بداية هذه الحرب, وفي حال عدم اتفاق الاطراف كافة على التبني الموقت لهذه السلطة فإننا نتوقع حصول سباق اقليمي ودولي لملء فراغ هذه السلطة, بحجة الحؤول دون اندلاع حرب اهلية.
وبمعنى ادق نتوقع معاودة مظاهر الامن الذاتي لدى الجماعات اللبنانية, والتسابق لإرسال قوات لحفظ النظام, تحديدا بين كل من فرنسا وأميركا وسوريا, ايضا السعودية التي بدأت تتحرك نحو المواجهات المباشرة.
€ صقر أبو فخر قال: الامر مرهون بنتائج هذه المواجهة, فإذا انتصرت المقاومة, فإن السياسة الداخلية في لبنان ستتغير باتجاه محدد. اما اذا تمكنت اسرائيل من توجيه ضربة الى المقاومة فأيضا هذا الامر سيغير في اتجاهات السياسة الداخلية.
في جميع الاحوال, لا اعتقد ان الوضع الداخلي اللبناني سيتجه نحو مزيد من الوحدة... انا اتوقع ان تبدأ معركة سياسية شرسة في السياسة اللبنانية الداخلية بعد هذه المواجهة. لماذا؟ لأن كل طرف من الاطراف اللبنانية يريد ان يعيد حساباته وأولوياته بناء على هذه المواجهة. هناك مَنْ يتمنى هزيمة المقاومة لكي يخطف السياسة اللبنانية الى الموقع الاميركي. وهناك مَنْ يسعى الى انتصار او تحقيق انجازات للمقاومة كي لا ينجرف لبنان الى مثل تلك المواقع. وهذه صورة من صور الواقع اللبناني المعروف.
€ جيروم شاهين قال: اذا لم تتوسع الحرب التي تشنها اميركا وإسرائيل على لبنان لتصبح حربا عسكرية اقليمية €علماً ان هذه الحرب وفي اكثر من وجه من وجوهها هي حرب اقليمية من بوابة لبنان€, ولا اظن ان اميركا ستغامر الآن لتدخل في حرب عسكرية اقليمية, بعد ما حدث ويحدث في العراق وفلسطين.
اذا لم تتوسع هذه الحرب, فإن لبنان بمقاومته البطلة, وجميع ابنائه, يسجل صفحة مشرفة في تاريخه الحديث وفي تاريخ الامة العربية, في صراعها مع الصهاينة ومع اسرائيل بالمقاومة, ويفضح همجية السياسة الاميركية ­ الصهيونية الاسرائيلية, بتكذيب اسطورة التفوق العسكري للجيش الاسرائيلي الذي لا يهزم. هذا على الرغم من الآثار المدمرة الكبيرة جدا لهذه الحرب على اكثر من صعيد.
المهم ان نبقى على وحدتنا الوطنية, وعلى صمودنا, فبوحدتنا الوطنية نحن قادرون على ان نعيد لبنان على جميع الصعد, احسن مما كان وأقوى مما كان. هذه ليست احلاما, او تمنيات, هذه خلاصات استنتجها من قلب المعركة القائمة بجميع وجوهها ومن قلب المأساة, ومن قلب الصمود والتصدي والمقاومة.
€ انطوان مسرة قال: المطلوب من اللبنانيين اليوم اقفال الساحة. نحن عشنا الحرب, وأولادنا عاشوها, وأحفادنا اليوم يعيشونها ايضا. نحن لدينا وطن ولسنا كالفلسطينيين, وطن له كيان وحدود وغير مسلوب كفلسطين. لذلك فإن استمرار الحروب على بلدنا هو استمرار لاعقلاني, وليس له اي مبرر مهما كان حجم القضايا والحجج التي يحكى عنها.
لقد دخلنا دائما في حروب من اجل الآخرين, وهذه الحرب اليوم كانت حربا من اجل الآخرين ايضا... هي حرب ايرانية ­ سورية عبر «حماس» في فلسطين, وعبر «حزب الله» في لبنان بغية تأسيس قوة اقليمية غير الوجود العربي.
لقد امتلك اللبنانيون درجة عالية من الوعي, وأثبتوا في هذه المحنة الكبيرة تضامنا وطنيا مهماً, في حين ان «حزب الله» وضعهم امام خيار تعجيزي ومستحيل... «إما «حزب الله» وإما اسرائيل», واللبنانيون قالوا لا هذا ولا ذاك, بل الدولة اللبنانية.
في هذه المرحلة نرى ان هناك افتعالا لنزاع داخلي ­ اهلي ­ وقد جرّب البعض مرات عديدة افتعال مثل هذا النزاع عقب مقتل الرئيس رفيق الحريري, وقد شهدنا بعض هذه التجارب في 5 شباط €فبراير€ الاسود, حيث كانت العملية مدروسة لإحداث فتنة بين اللبنانيين. لكن مناعة الشعب اللبناني كانت عالية, اساليب افتعال الحرب الاهلية اصبحت مكشوفة.
وأود هنا ان اشير الى مسألة اصطناع «العناصر غير المنضبطة» فهذه العناصر هي منضبطة برأيي, وتتلقى اوامرها من اسيادها الخارجين, ويجب ان لا نخدع بهذه التسمية... وأعتقد ان «حزب الله» كان واعيا جدا لهذا الموضوع, وهو متيقظ للمحاولات التي تسعى الى اغراقه في صراع داخلي هو لا يريده.
€ نصري الصايغ قال: لبنان غداً... ليس لبنان الأمس.
كيف يكون؟
إما سيولد كما يليق بالمقاومة, او, يعرج كما كان, كما يليق بالتنازل, كما اعتاد الكثير, على ممارسة سياسة الضعف.
ما اتمناه, أن يولد لبنان في السياسة, بدءا من انتصاره, وقوته, وشجاعته, وثروة ايمانه, وفائق عزمه, ونبل بشره.
ما اتمناه, أن يتخلص لبنان, من لغة الأخذ, ومنطق المحاصصة, ليبدأ بلغة العطاء للوطن, كما اعطت المقاومة حتى الشهادة.
ما اتمناه, ان يتعلم العرب العروبة من لبنان, كشقيق قوي لفلسطين. أن يصبح لبنان مركز العروبة النضالية, في وجه عروبة التخلي, والكذب, والميوعة, وعروبة الانظمة والاستبداد.
ما اتمناه, أن يكون اللبنانيون جميعا, لبنانيين, بصيغة الانتماء الوطني والقومي, وليس وفق الصياغات الطائفية السافلة.
ما اتمناه, أن يتعلم اللبنانيون, أن قوة لبنان بمقاومته, وليس بضعفه, وبتنازع طوائفه, وتآكل مؤسساته.
لبنان غداً, يجب ان يكون هكذا, وإلا فأمامنا احتفالات بالجنون.


 
تهامة الجندي ـ غادة علي كلش

المصدر : الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...