الأزمة السياسية الباكستانية ورهانات اللوبي الإسرائيلي
الجمل: تزايدت ضغوط الأزمة السياسية الباكستانية، وتقول التقارير الصادرة خلال اليومين الماضيين بأن الأزمة السياسية الباكستانية قد دخلت طوراً جديداً بما أصبح يهدد واقع الاستقرار السياسي الباكستاني المضطرب بالأساس: فما هي مكونات الأزمة الباكستانية وطبيعة ضغوطها الاقتصادية والسياسية إضافة إلى تداعياتها الماثلة والمؤجلة؟
* واقع الأزمة الباكستانية الراهن: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات بأن حزب «حركة قومي المتحدة» قد قرر الانسحاب من الائتلاف الحاكم والتحول إلى جانب المعارضة، وتشير المعطيات إلى أن تداعيات انسحاب حزب حركة قومي المتحدة سوف تترتب عليه التداعيات الآتية:
- التأثير سلباً على موقف الحكومة الباكستانية داخل البرلمان، وذلك لأن عدم تصويت نواب الحزب إلى جانب الحكومة هو أمر معناه عدم قدرة الحكومة على تمرير القرارات والتشريعات.
- دفع الحكومة الباكستانية في اتجاه الانهيار، وذلك لأن انسحاب الحزب معناه عدم تمتع الحكومة الباكستانية بالأغلبية في البرلمان.
- الإضرار بسمعة ومصداقية الحكومة في أوساط الرأي العام الباكستاني.
هذا وإضافة لذلك تقول المعلومات أيضاً بأن مفاعيل ضغوط الأزمة السياسية الباكستانية يمكن أن تدفع باتجاه الآتي:
• أن يسعى حزب الشعب الحاكم إلى البحث عن شريك جديد داخل البرلمان، وهو أمر يستلزم قيام حزب الشعب بتقديم المزيد من التنازلات المؤلمة.
• أن يقوم رئيس الوزراء الباكستاني جيلاني بتقديم استقالته بما يدفع بعض الأطراف المعارضة الأخرى إلى عقد صفقة ائتلافية مع الحزب الحاكم بشرط أن يتولوا منصب رئيس الوزراء.
• أن يقوم البرلمان الباكستاني بالتصويت بأغلبية لجهة حجب الثقة من الحكومة بما يؤدي إلى عقد جولة انتخابات مبكرة.
تحدثت المعلومات عن أسباب انسحاب حزب حركة قومي المتحدة من الائتلاف الحاكم قائلة بأن حزب حركة قومي المتحدة قد ظل أكثر ارتباطاً بجمعية علماء الإسلام الشديدة الارتباط بحركة طالبان، وأضافت المعلومات بأن حزب جمعية علماء الإسلام كان ضمن الائتلاف الحاكم جنباً إلى جنب مع حزب حركة قومي المتحدة وحزب الشعب الباكستاني، ولكن، بسبب قيام رئيس الوزراء الباكستاني جيلاني باستهداف أحد رموز الحزب فقد قرر حزب جمعية علماء الإسلام الانسحاب من جانب الائتلاف والتحول لجانب المعارضة.
* تحليل طبيعة الأزمة الباكستانية: الضغوط والمخاطر
يبدو المشهد السياسي الباكستاني في شكل كتلة سياسية متزايدة السخونة وبتفكيك وتحليل مكونات هذه الكتلة نلاحظ الآتي:
• المكون الاقتصادي: يعاني الاقتصاد الباكستاني من حالات ضعف هيكلي وظيفي وذلك بسبب تراكم عجز الميزانية وتزايد معدلات البطالة، إضافة إلى تزايد معدلات التضخم وارتفاعات الأسعار.
• المكون الاجتماعي: توجد في باكستان العديد من المكونات الإثنية ذات الخصوصيات العرقية-الدينية المرتفعة الشدة، ومن أبرزها ثلاثة مكونات هي: قبائل البنجاب وتقطن في نصف باكستان الجنوبي، وقبائل الباشتون وتقطن في الجزء الشمالي، إضافة إلى قبائل البالوشي وتقطن في الجزء الغربي، وتتميز جميع هذه القبائل بالنزعة الدينية السلفية الإسلامية المرتفعة الشدة.
• المكون السياسي: يقوم النظام السياسي الباكستاني على التعددية السياسية ومبدأ فصل السلطات، وبرغم ذلك، فقد أدى مبدأ فصل السلطات إلى المزيد من التشدد وانعدام المرونة في التعامل بين أجهزة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث أصبح كل واحد من مثلث (البرلمان-مجلس الوزراء-المحكمة العليا) يشكل دولة قائدة بحد ذاتها.
• المكون المؤسساتي: بسبب التطورات العسكرية الجارية في منطقة الجوار الإقليمي الباكستاني، وتحديداً: ملف حرب أفغانستان وملف أزمة كشمير إضافة إلى ملف الصراع المسلح داخل باكستان نفسها، فقد أصبح كل من المؤسسة العسكرية الباكستانية (الجيش) والمؤسسة الأمنية الباكستانية (جهاز المخابرات) دولة داخل دولة، ويتصرف بشكل منعزل عن القيادة السياسية الباكستانية.
ظل النظام السياسي الباكستاني يتمتع بقدرة ومن التماسك النسبي لفترة طويلة من الوقت برغم الخلافات والانقلابات وعلى وجه الخصوص انقلاب الجنرال ضياء الحق وانقلاب الجنرال مشرّف، ولكن، وخلال الأعوام الماضية برزت المشاكل الآتية:
• مشكلة التعاون الباكستاني-الأمريكي في ملف حرب أفغانستان والتي أدت إلى تحول قبائل الباشتون إلى المعارضة الجماعية ضد سلطة إسلام آباد.
• مشكلة أزمة كشمير أدت إلى تزايد وجود الحركات المسلحة الأصولية الإسلامية الكشميرية الموالية لباكستان.
• مشكلة نجاح حركة طالبان الأفغانية في تعزيز نفوذها بما أدى نشوء حركة طالبان الباكستانية الأولى ضمن قبائل الباشتون والثانية ضمن قبائل البنجاب.
• مشكلة تمركز الجماعات والعناصر المسلحة الإسلامية المتطرفة التي سبق وأن خاضت القتال في الحرب الأفغانية الأولى والثانية والثالثة.
هذا، وتقول التقارير والمعلومات بأن الأداء الاقتصادي الباكستاني لم يعد يتميز بالقدرة على تقديم الدعم اللازم لجهود الدولة الباكستانية بما أدى إلى دفع إسلام آباد لجهة اللجوء إلى المساعدات والمعونات الأمريكي والغربية، ولاحقاً فقد أدت كارثة الفيضانات الأخيرة إلى جعل باكستان تعيش في واحدة من أسوأ أيام تاريخها السياسي المعاصر.
* ابرز التوقعات المحتملة: باكستان إلى أين؟
بحسب المعطيات الجارية، فإن ترسيمات مسارات المستقبل الباكستاني أصبحت أكثر تعقيداً وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• مسار الدعم الأمريكي: توجد خلافات أمريكية-أمريكية إزاء ضرورة دعم وإنقاذ باكستان، وفي هذا الخصوص ترى جماعات اللوبي الإسرائيلي ضرورة عدم تقديم الدعم لباكستان، ودفع باكستان نحو الانهيار والتفكك لجهة القضاء على قدراتها النووية طالما أن باكستان هي بلد إسلامي وإضافة لذلك تراهن جماعات اللوبي الإسرائيلي على التحالف الأمريكي-الهندي باعتباره الأكثر مصداقية لجهة دعم النفوذ الأمريكي في منطقة جنوب آسيا، أما الجماعات الأخرى فترى ضرورة السعي من أجل دعم باكستان ومنعها من الانهيار، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بسياسة خارجية أمريكية تقوم على دبلوماسية الاحتفاظ بالعلاقات التحالفية مع الهند وباكستان، وهو أمر درجت عليه الدبلوماسية الأمريكية خلال السنوات الماضية.
• مسار الأزمة: يعتمد هذا المسار على حدوث عاملين، الأول هو انقطاع الدعم الأمريكي-الغربي والثاني هو تزايد المعارضة الداخلية ذات الطابع السياسي وذات الطابع الإسلامي المتطرف، وذلك وصولاً إلى تزايد الصراعات السياسية والصراعات المسلحة، بما يؤدي إلى ضعف وتفكيك الجيش الباكستاني، وعندها سوف لن يكون أمام باكستان سوى الدخول في نفق الحرب الأهلية.
حتى الآن لا يوجد طرف باكستاني يتمتع بالقوة النافذة لجهة حسم مستقبل السلطة، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن شعبية الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرّف قد تزايدت. وحالياً، يترافق صعود نجم برويز مشرّف مع صعود نجم الزعيم السياسي الباكستاني نوار شريف، وبرغم ذلك فإن مشرّف هو الأقرب لجهة الصعود وذلك بسبب تأييد ودعم المؤسسة العسكرية إضافة إلى تأييد ودعم الولايات المتحدة الأمريكية له. ومن المتوقع في حال انهيار الحكومة الحالية والدعوة لعقد جولة انتخابات عامة برلمانية مبكرة فإن مشرّف سوف يطرح نفسه كمنافس جديد، فهل يا ترى سوف يتضمن السيناريو الباكستاني القادم عودة الجنرال مشرّف، أم أنه سوف يتضمن سيناريو اتساع نطاق الصراع الداخلي المسلح مع احتمالات الدخول في نفق الصوملة، خاصة وأن زعماء الإمارات الإسلامية الموجودة في الحدود الشمالية مع أفغانستان أعدوا العدة لإعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية في هذه المناطق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد