أزمة التدفئة تدفع اللبنانيين إلى قطع الأشجار

29-01-2008

أزمة التدفئة تدفع اللبنانيين إلى قطع الأشجار

تنتهي موجة صقيع لتبدأ أخرى. ومن موجة إلى موجة يقضي الصقيع ما ادخره الجبليون في لبنان من حطب ومازوت لمواجهة برد الشتاء، لتبدأ فصول جديدة من معاناة تعتبر العنوان الأبرز للأزمتين الاقتصادية والمعيشية القائمتين في لبنان،يجمعون مخلفات الصنوبر للتدفئة ولا سيما في الجبال. ذلك أن متطلبات التدفئة تظل من الأولويات التي تسبق أحياناً موجبات ومتطلبات أخرى، فكل شيء يمكن الاستغناء عنه أو إخضاعه لعملية تقنين موجعة إلا التدفئة، ولعل المثل العربي القديم «النار فاكهة الشتاء» يقارب بدقة هذه المسألة.
يستغرب المواطن سعيد أبو فخر الدين أن يصل سعر «برميل المازوت إلى مستوى الحد الأدنى للأجور»، ويقول: «إن معدل استهلاك البيت الواحد من المازوت مع التقنين واعتماد مدفأة واحدة يصل إلى خمسة براميل، ولذلك لم يتمكن أحد من ملء الخزانات على أسطح المنازل، ومعظم الناس يشتري المازوت بالتقتير وبعضهم يشتري ليترات قليلة، لأن استخدام «الوجاق» يقتصر على فترات التقنين في التيار الكهربائي، وحلت مكانه مدفأة الكهرباء».
وتكمن المشكلة في أن أسعار الحطب ومخلفات الصنوبر الناجمة عن التقليم وبقايا الأكواز وكِسر حبات الصنوبر الصلبة ترتفع تلقائياً إلى مستوى سعر المازوت، حتى أن مخلفات الصنوبر أصبح مردودها المالي أكثر من الحبوب البيضاء، أي من الانتاج، بعدما استعاض المواطنون عن المازوت بحطب الصنوبر الناجم عن عمليات التقليم ومخلفات عمليات الكسر والفرز، التي تستخدم في مواقد الحطب التي استعادها الأهالي بديلاً عن مدافىء المازوت، وأعادوا صيانتها لتتصدر قاعات الاستقبال في المنازل.
غير أن الإقبال على مخلفات الصنوبر، لم يحل المشكلة، حتى بدا الأمر كمن «يستجير بالرمضاء بالنار» فتزايدُ الطلب على كسر الصنوبر الصلبة والأكواز والحطب، زاد في الأسعار إلى مستويات غير معهودة من قبل، ولكنها تظل أقل كلفة من المازوت، فسعر الطن الواحد من حطب الصنوبر لم يكن يتعدى في الظروف العادية الستين دولاراً في حين وصل سعره مؤخراً إلى مئة وخمسين دولاراً، وكانت نسبة أهالي المتن الأعلى الذين يعتمدون الحطب العام الماضي نحو أربعين بالمئة لتتعدى هذه السنة الثمانين بالمئة. يقول نزيه زين الدين إن «سعر الطن الواحد من أكواز الصنوبر الفارغة لم يكن يتعدى الثلاثين دولاراً، فيما تجاوز الآن المئة دولار»، ويلفت إلى أن «الأمر نفسه طاول كسر الحبوب السوداء التي كانت تباع بنحو أربعين دولاراً للطن الواحد، فيما قارب سعرها اليوم المئة وخمسين دولارا»، ويؤكد زين الدين أن «حطب السنديان بات من العملة الصعبة والطن الواحد يباع بسعر يتراوح بين 200 و250 دولارا»، ولفت إلى أن «استخدام حطب السنديان يقتصر على الأثرياء الذين يعتمدونه لمواقد القصور والفيلات»، وأشار إلى أن «حاجة البيت الواحد مع الاقتصاد والتوفير هي بحدود أربعة أطنان من الصنوبر والكسر والأكواز أو إلى نحو طنين ونصف الطن من حطب السنديان الذي لا يمكن أن نطاله بسبب ارتفاع أسعاره».
إلا أن المواطنين في غالبيتهم، غير قادرين على تأمين حطب الصنوبر ومخلفات الإنتاج والمازوت. ويشير مزيد زيتوني من رأس المتن إلى أنه يؤمن «مستلزات التدفئة من بقايا أغصان الصنوبر في الأحراج»، ولفت إلى أن «ما كان يبقى في أحراج الصنوبر من أغصان دقيقة، أصبح من الصعب العثور عليه في هذه الأيام».
أما المزارع سمير شمعون فأشار إلى أن «كسر الصنوبر والأكواز والحطب الناجم عن التقليم أصبحت تضاهي الانتاج»، ولفت إلى أن «ما تنتجه شجرة صنوبر واحدة من الحب الأبيض بات أقل مردودا وربحا من حطب الصنوبر ومخلفات عمليات الكسر والفرز»، واعتبر شمعون أن «هذا الأمر يساعدنا على تجاوز تبعات مشكلة تصريف الانتاج مع استمرار المنافسة وإغراق الأسواق المحلية بالصنوبر التركي والصيني».
ويرى الباحث البيئي الدكتور عمر الحلبي أن «لهذه الأزمة حسنات برغم الوجع الذي يطاول الناس». ورأى أن «الإقبال على مخلفات الغابة الصنوبرية لتأمين الحطب، يساهم في إيجاد حل لمشكلة الحرائق، لأن هذه المخلفات تعتبر وقود الحرائق الأول»، ولفت إلى أنه «قبل عقود طويلة كانت مساحات الأحراج أكبر وكانت الحرائق شبه معدومة بسبب أن المواطنين كانوا يعتمدون على مخلفات الغابة لتأمين حطب المواقد الحجرية التي كانت تتصدر بيوت الفلاحين»، وأشار إلى أن «أوراق الصنوبر الإبرية كان يتم جمعها لمواقد الصاج».
وفي معظم الأحوال، ثمة أزمة حقيقية تطاول الناس، لكن الحطب بات أقل كلفة خصوصاً إذا ما لجأ المواطن إلى تأمينه من الغابات والأراضي المشاع يوماً بيوم، وهذه هي حال النسبة الأكبر من المواطنين، لكن البعض منهم لم يتوانَ عن قطع أشجار صنوبر معمرة، وقد رُصدت بعض الأشجار المعمرة المقطوعة منذ أسابيع قليلة، أي في ذروة موجة الصقيع، ما يعني أن قصور الدولة عن معالجة هذه المشكلة واقتصار الأمر على «دعم» المازوت الأحمر لم يلغِ تبعات المعاناة المستمرة. وتقول ليلى ضو ان «سعر برميل المازوت غير المدعوم وصل إلى 270 ألف ليرة فيما سعر البرميل المدعوم يتراوح ما بين 235 و 240 ألف ليرة»، ورأت أن «المشكلة مستمرة بدعم أو بدون دعم». ومن المتوقع مع اشتداد برودة الطقس ووصول العواصف الثلجية المرتقبة أن تكون ثمة معاناة لا يمكن للمواطن العادي تحمل تبعاتها، خصوصاً أن ما تم ادخاره من حطب ومازوت استهلك خلال موجة الصقيع الأخيرة.

أنور عقل ضو

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...