أوباما يعلنها حرباً على المصارف

22-01-2010

أوباما يعلنها حرباً على المصارف

كانت تصريحات باراك أوباما، أمس، عن الإجراءات التي اتَّخذ قراراً صارماً بتطبيقها، في مواجهة المصارف الأميركية والعالمية العاملة في الولايات المتحدة، لافتةً على نحو خاص.
فقد أعلن الرئيس الأميركي أنه مستعد لخوض مواجهة مع المصارف إذا أرادت الأخيرة ذلك، وأنه لن يسمح بعودة الممارسة الانتهازية التي اتّبعتها مرة ثانية. قال: «بصراحة، لا يمكن بعد الآن أن تعتمد المصارف على ودائع العامّة، فإذا ربحت كانت المنفعة للمساهمين، وإذا خسرت يتحمّل التّبعة دافعو الضرائب».
وجّه أوباما هجومه المركّز على المصارف الكبرى التي كسرت مفهوم «غلاس ستيغل» (Glas Steagal) «القديم، وعادت لتمزج بين المصارف التجارية والمصارف الاستثمارية». وهاجم مباشرة صناديق التحوّط وصناديق الاستثمار الخاصة الطويلة الأمد التي مثّلت «حلفاً» غير معلن مع المصارف الكبرى. فهذه المصارف وفّرت لها اقتراضاً مفرطاً بلغ حدود 20 ضعفاً على الرأسمال في بعض الأحيان.
حلفٌ وصل، برأي الرئيس الديموقراطي، إلى حد تملّك المصارف لبعض هذه الصناديق أو إنشائها داخلياً على حساب عناصر المخاطرة الداخلية لها. وارتفعت بذلك نسبة الخطر اليومي (VAR) الذي يحدد الحد الأقصى للخسارة في يوم ما.
وليس من باب الصدفة أن يأتي إعلان أوباما عن الإجراءات الجديدة في اليوم نفسه الذي أعلن فيه مصرف «غولدمان ساكس» أرباحه للربع الأخير من عام 2009 بنسبة 8.5 دولارات للسهم الواحد، مع أن التوقّع كان 5.4 دولارات للسهم فقط.
كان ممكناً أن يكون هذا الخبر عن المصرف الأميركي إيجابياً لولا إعلانه أن 80% من أرباحه هي من المضاربة و12% فقط من إدارة الأصول وفقط 8% من العمليات المصرفية التقليدية التي يجب أن تكون هي عصب عمل المصارف.
ارتبطت هذه المعلومات مع إعلان أوباما حربه على المصارف لأنه، بنصيحة الخبراء، لا يريد مستقبلاً يهدّد فيه القطاع المصرفي المجتمع الأميركي بأكمله، ويمثّل خطرَ «الانهيار الشامل» الذي وصل إليه العام الماضي، مع اندلاع الأزمة الماليّة العالميّة.
والواضح، في رأي المطّلعين على خلفيّات تصرّف أوباما، أن صراعاً خفيّاً يدور في كواليس البيت الأبيض والدوائر الحكومية بين جناحين، أحدهما فيه وزير الخزانة، تيموثي غايثنر ورئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي. وبات واضحاً أنّ هذين السياسيّين الاقتصاديّين ينتميان إلى المعسكر المتحالف مع السوق الماليّة، «وول ستريت». وهما يتعرّضان أيضاً لحملة قاسية مع رؤساء المصارف الكبرى من الكونغرس الأميركي، بسبب إنقاذهما مجموعة التأمين العملاقة (AIG).
ففي الأسبوع الماضي واجهت لجنة الشؤون المالية رؤساء المصارف بقساوة واتهمتهم علناً بأنّ مصارفهم كانت تبيع مشتقات مالية لزبائنها وتأخذ مراكز (ماليّة) على أساسها عكس مصلحة الزبائن وبمعرفة المعلومات عن مراكزهم لجني أرباح.
أما الجناح الآخر الذي أقنع أوباما بالمواجهة، فيترأسه الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي (قبل تولّي آلان غرينسبان الذي يعدّ المسؤول الأول عمّا وصلت إليه الأوضاع)، بول فولكر، مع بعض الشيوخ والنواب الرئيسيين.
وكان واضحاً تبني أوباما وجهة نظر هذا الفريق عندما وجّه في كلمته الشكر إلى فولكر «الرجل الطويل ورائي»، كما سمّاه، وشدد على أنه سيعتمد على توصياته التي يمكن تلخيصها بالآتي:
* لن يُسمح بعد الآن للمصارف، التي تأخذ ودائع من العامّة، بالمضاربة في الأسواق المالية باستخدام مختلف الأدوات والمشتقّات الماليّة (Proprietary Trading).
* لن يُسمح بعد الآن لهذه المصارف الإيداعية بأن تتملّك صناديق تحوّط (Hedge Funds)، أو صناديق استثمار طويلة المدى (Private Equity Funds)، ويجب تحديد مدى إقراضها للصناديق الخارجية.
* حتى لا تقع الولايات المتحدة في فخ المصارف الكبرى مرة أخرى، يجب ألّا تتعدّى نسبة «الودائع المضمونة» في أي مصرف حاجز 10% من مجموع ودائع القطاع المصرفي كي لا يكون هناك مصرف كبير إلى درجة يؤدي انهياره إلى زعزعة أسس الاقتصاد والمجتمع (Too Big To Fail).
الواضح أن أوباما بهذه الإجراءات يعود ليثبت قيادة الولايات المتحدة للنظام المصرفي العالمي والعودة مجدداً إلى قانون «غلاس ـــــ ستيغل» الذي أقرّ بفصل المصارف التجارية عن المصارف الاستثمارية، بحيث تبقى الميزانية العامة للمصارف تعكس الإيداع والتسليف، بينما تبقى العمليات الاستثمارية والمضاربة خارج الميزانية.
في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، الذي حالفته رئيسة الوزراء البريطانيّة مارغريت تاتشر، تسلّلت المصارف الاستثمارية مجدداً إلى العمليات التجارية. وبدلاً من أن يضبط العمل المصرفي التقليدي الصيرفة الاستثماريّة، أفسد الأخير الأول وجعله خارج الضوابط التي أقرّتها معاهدتا «بازل ـــــ1» و«بازل ـــــ 2». وأصبح باستطاعة المصارف التجارية تملّك مثيلتها الاستثمارية، أو العكس، بهدف التحايل على النسب المالية التي أقرّتها المعاهدات المالية الدولية.
لا بد من التذكير هنا بأنّ المصرفين الأميركيين اللذين أطلق انهيارهما الأزمة الماليّة إطلاقاً مباشراً في النصف الثاني من العام الماضي، «Bear Sterns» و«Lehman Brothers»، كانا يرزحان تحت دين يوازي 33 ضعف نسبة رأسمالهما. وهذه النسبة ليست غريبة عن المصارف الأخرى كـ«Morgan Stanley»، التي وصلت إلى شفير الانهيار مع مثيلاتها لولا التدخل الفدرالي.
وما مارسته المصارف، لم تتأخر عنه معظم الدول أيضاً. فاليونان في وضع صعب في ظلّ علامات استفهام كبرى على الوفاء بديونها خلال العام الجاري، وتتبعها بعض الدول المجاورة كالبرتغال وإسبانيا وإيرلندا. فقط لبنان هو المعجزة...

حسن خليل

المصدر: الأخبار


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...