الإخوة كارامازوف: بقلم عصام داري

03-02-2007

الإخوة كارامازوف: بقلم عصام داري

لا توجد كلمات قادرة على وصف الوضع العربي المحزن والبائس الذي وصلنا إليه.. ولا نظن أن خيال الكتّاب والسياسيين، وحتى أعداء العرب، كان سيشطح إلى الحد الذي يصوّر هذا الوضع العربي الدامي كما هو عليه اليوم.

دعونا نعترف، من دون خجل ولا مواربة، أن العرب يعيشون عصرهم الأسود، وأن التاريخ سيسجل لهم هذا الانقسام الحاد والتشرذم غير المسبوق، والخصام المستحكم والمتحكّم بالنفوس إلى درجة قطع خطوط العودة، ونسف جسور الحوار. ‏

لم يبلغ خيال الكاتب الروسي الشهير تيودور دويستوفسكي في روايته «الإخوة كارامازوف» حد ّتصوّر ما يحصل بين «الإخوة الأعداء»! على امتداد الساحة العربية، ولو عاش حتى يومنا هذا لتعجب أيّما عجب من تقاتل الإخوة وشقاق الأشقاء وإهدار دم الأهل والأحبة. ‏

نحزن ونحن نرى الدم العربي يُسفح من بغداد إلى غزة والضفة وبيروت، ويزداد حزننا ونحن نتابع ما يجري خلف الكواليس العربية من إسهامات مباشرة وغير مباشرة في زيادة تأزيم الأوضاع العربية التي لا تحتاج إلى مزيد من التوتر والاحتقان والانفجار. ‏

يذكّرنا هذا المشهد العربي المرعب بممالك الطوائف في الاندلس في القرن الخامس عشر، وليعذرنا المواطن العربي إذ نعود إلى إحدى أبرز النقاط السوداء في تاريخنا، فالوضع اليوم لم يعد يحتمل الاختباء وراء عبارات منمّقة، وجمل دبلوماسية، وتعليقات تسويفية وتبريرية لما هو واقع، ولما هو حاصل، فالمجاملات تتحول إلى خناجر مسمومة تسهم في اغتيال الحلم العربي والأمل في الخروج من محنة طالت واستطالت حتى كادت «لا تفرج». ‏

فالعراقيون يُقتلون بأيد العراقيين والإرهابيين والأميركيين والبريطانيين في وقت يتحتم عليهم التنبّه إلى مخاطر الاقتتال «الأخوي»! ومخاطر الاحتلال ومخططاته المعروفة لتقسيم البلاد، وها هو أحد منظّري «المحافظين الجدد» جون بولتون يعترف صراحةً بأن عراقاً موحداً ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. ‏

والفلسطينيون يقتلون بأيدٍ فلسطينية، بغض النظر عن البادئ والمسبّب، وبعيداً عن الأهداف الكامنة وراء هذا الاقتتال... أكان من أجل مكاسب سلطوية أم دفاعاً عن أيديولوجيات وأفكار يؤمن بها هذا الفريق أو ذاك.. في حين تستغل إسرائيل هذه الفوضى الدموية، لتواصل إجرامها وإرهابها ضد الفلسطينيين أجمعين وفي مقدمتهم طرفا الصراع، ويستمر الغرب المتحضّر في حربه المعلنة ضد الشعب الفلسطيني بالحصار والتجويع لتركيع حماس ونسف ديمقراطية لم تأتِ على هوى دعاة الدفاع عن الديمقراطية. ‏

وفي لبنان يستقوي فريق السلطة على الأغلبية اللبنانية الحقيقية، بالأميركي والفرنسي، في وقت يعرب فيه الإسرائيلي عن قلقه على هذا الفريق، وكأن المطلوب شطب الأغلبية الشعبية لمصلحة فريق لم يخف يوماً ولاءاته للخارج ، ولم يخف عداءه للعروبة وللمقاومة ولسورية. ‏

وعلى الرغم من مخاطر هذه الأوضاع ومأساويتها، فإن الأخطر لم يعد اليوم هو الصمت العربي الذي كان الشارع العربي يشتكي منه، بل تورط بعض العرب في كل ما يجري، ربما كان انسياقاً وراء مقولة ساقطة مفادها: «إذا جاءت العاصفة فاحنِ رأسك لها» أو «العين لا تقاوم المخرز» وغير ذلك، وربما من أجل الحفاظ على الكراسي والمناصب والسلطة ظناً من هذا الفريق العربي أو ذاك أن الانصياع لأوامر و«تمنيات» البيت الأبيض يُبقي الرؤوس على الأكتاف والكراسي للجالسين عليها!. ‏

يتناسى هؤلاء أن مَنْ يحمي الرؤوس والكراسي هي الشعوب الملتفة حول قياداتها، وليس الأجنبي الذي يؤلّب بعض الحكام على الشعوب وعلى الأمة، ويدفعهم للمغامرة المطلقة ولوضع كل أوراقهم في السلة الأميركية حتى لو جاءت جميع سياساتهم ومواقفهم معاديةً بالمطلق أيضا لطموحات شعبهم وتطلعات الشارع العربي. ‏

وضع مأسوي بحق، لنعترف جميعاً بذلك، ولنعمل من أجل تجاوزه ووضع ميثاق عربي مقدس يحرّم الدم العربي، والاقتتال العربي ـ العربي ولنترفّع عن الصغائر والامتيازات الخاصة ونواجه ـ لا أن نتحالف ـ مع مَنْ يعمل على نشر الفوضى والدمار وتغذية النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والدعوات التقسيمية، فلربما تكون فرصة النجاة متاحةً حتى الآن قبل وقوع الكارثة، متمنين ألا يعيد التاريخ نفسه ويعود صوت الأميرة عائشة وهي تؤنب ابنها أبا عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة بلوعة وأسى: «لا تبك كالنساء مُلْكاً لم تستطع ان تحافظ عليه كالرجال». ‏

الوضع مأسوي.. محزن.. مخجل حقاً والمعالجة بأيدينا.. فهل نحزم أمرنا، ونعمل من أجل الأمة ووجودها اليوم وليس غداً؟! ‏

عصام داري

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...