التشابه يطغى على المواقع الإلكترونية اللبنانية

03-01-2007

التشابه يطغى على المواقع الإلكترونية اللبنانية

يصعب على المتجوّل بين المواقع الإلكترونية للأحزاب اللبنانية أن يقاوم الانطباع القوي عن الانقسام السياسي الحاصل في البلد. وتضج تلك المواقع بالمواقف والآراء السياسية المتناقضة لأطراف الأزمة الراهنة في بلد الأرز. وترتسم في الذهن خلاصة سريعة: كما في السياسة اليومية، كذلك في المواقع الرقمية، الوجه الآخر للتناقض الحاد يتمثّل في التشابه القوي بين الأطراف المتناحرة، ما يشير الى شدّة الأزمة التي تضرب جذورها في عمق الثقافة السائدة. كما يُعطي الأمر تفسيراً، ولو جزئياً، للعقم الذي يُرافق محاولات التوصل الى حلول لها راهناً.

- يمكن اعتبار لجوء أطراف الأزمة الراهنة الى بث الآراء والمواقف السياسية على شاشات التلفزة اللبنانية؛ حقاً مشروعاً، إلا أن دخول التأزم السياسي على نسيج العمل الإعلامي المرئي-المسموع، وخصوصاً الأخبار المباشرة أو العاجلة، أضفى على ذلك العمل مفهوماً آخر. وبات الخبر يبتعد بشكل أو بآخر عن مفاهيم مثل الموضوعية أو الحيادية، التي اعتبرت طويلاً مسائل «بديهية» في الإعلام اللبناني، وبصرف النظر عن مدى الالتزام به فعلياً من الأقنية التلفزيونية.

وتسقط العناصر الأساسية في تقديم الخبر لمصلحة المواقف السياسية لكل حزب، التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بطريقة تقديم الأخبار والتحليلات على هذا الموقع أو ذاك.

وكررت المواقع الإلكترونية للأحزاب اللبنانية ذلك الملمح «المُنحاز». وأولت للخبر المُصاغ على هوى انتماءاتها حيزاً مهماً في أوقات «الشدّة»، والانقسامات الظاهرة. وتصبح زيارة هذه المواقع ضرورية للاطلاع على آخر الأخبار والتطورات والمواقف الحقيقية لهذا الفريق أو ذاك، خصوصاً مع صعوبة العثور على «مصادر محايدة» في خضم الأزمة الراهنة.

في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، قرّرت أحزاب المعارضة الاعتصام في شوارع وسط بيروت إلى حين سقوط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وباتت الجولة على المواقع الحزبية تُشبه التنقل بين ساحات الاعتصام الاحتجاجي والموقف الحكومي الرسمي.

تكفي جولة سريعة لنقل جو التجاذبات السياسية الى كومبيوترات المكاتب، إضافة الى شاشات الأجهزة المحمولة.

ومن المستطاع البدء بتلك الجولة انطلاقاً من أحدث المواقع الإلكترونية المتصلة بالأزمة: موقع حركة الرابع عشر من آذار. ويحظى الموقع بترويج إعلاني على شاشة تلفزيون «المستقبل» عبر خبر ينص: «لمعرفة المزيد من الأخبار زوروا موقع 14march.org». يرتدي هذا الموقع الأحدث، حلّة الأعياد المجيدة. ويعرض مختلف الأخبار على الساحة اللبنانية، مع التركيز على المقالات والأخبار المناهضة لحركة المعارضة. وكما يعمد الى إبراز الأخبار المُشكّكة بأهداف هذه التحركات، ويبث الإشارات المبطّنة إلى وجود اختلافات في الرأي بين أقطاب المعارضة.

وترتسم هوية الموقع وهدفه عبر زوايا مثل حملة «لن ننسى» وصور الشهداء «الحقيقة لأجل لبنان» وتقارير لجنة التحقيق الدولية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري «من أجل لبنان» وصور الرئيس الشهيد.

ويتميّز الموقع بإعطاء حيّز للمشاركة من خلال طرح استفتاءات على التصويت، فضلاً عن التوقيع على «عريضة المليون» المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية اميل لحود. يطلب الموقع من المشارك بالاستفتاء أن ينتظر وصول رسالة إلى بريده الإلكتروني، قبل احتساب صوته لمصلحة أحد خيارات الاستفتاء. أمّا التوقيع على «عريضة المليون»، فهو أكثر سهولة. ويُلاحظ ارتفاع عدد المصوتين على العريضة فور النقر على اختيار «وقّع». وتجدر الإشارة إلى إمكان معاودة التوقيع على «عريضة المليون» بمجرّد تغيير أي حرف من عنوان البريد الإلكتروني الذي يكتبه الداخل الى الموقع.

ويعني الأمر أن الموقع لم يهتم بتثبيت أداة تقنية تلاحظ أرقام الهوية الالكترونية للكومبيوتر الذي دخل الى الاستفتاء. ويتيح الأمر أن يصوت حاسوب وحيد بقدر ما يشاء من المرات!
وينقل موقع «التيار الوطني الحر» tayyar.org الذي ينطق بلسان أحد أبرز أحزاب المعارضة، الأخبار العاجلة بعد أن «يعالجها» بحيث تتوافق مع التطلعات السياسية لـ»التيار الوطني». وتتجدد الأخبار بما يتناسب مع تأزّم الوضع أو عدمه. والأرجح أن هذا الموقع الرقمي يُغطي، نسبياً، الغياب الموقت لتلفزيون مُخصص لذلك الحزب. فالمعلوم أن الكتل الحزبية الأساسية في لبنان تمتلك محطات تلفزة، وكذلك فإن «التيار الوطني» يعتزم إطلاق تلفزيونه الخاص في وقت قد لا يكون بعيداً.

وبذا، تتحول صفحة الاستقبال في موقع «التيار الوطني» إلى شاشة تنقل آخر الأخبار والأحداث، وإن بصور جامدة. ويعمد الموقع إلى بث الدعاية للمشاركة في تحركات وتظاهرات المعارضة. ويوفر أرشيفاً لأيام الاعتصام المستمر، ويُبرز فيه الأحداث المتعاقبة منذ بدء التحرك.

باقتضاب لا يخلو من الوضوح، يوجز الموقع عينه ما يحصل على مدار الساعة. وفي هذا المنحى، يتميز الموقع بأنه من المواقع القليلة التي تنهل الأخبار من مصادر مختلفة مثل التلفزيونات والصحف المحلية والعالمية، والأخبار العاجلة التي ترد على أي من الإذاعات.

ويترافق الحيز الواسع للأخبار العاجلة على موقع التيار، مع عرض لأبرز المقالات الواردة في الصحف اللبنانية، لا سيما تلك التي تتناول التحليلات السياسية للأوضاع الحالية، وإن وقعت في بعض الأحيان في فخ الانتقائية.

ويعمد الموقع الإلكتروني لـ «حزب الله» hizbollah.org، الحليف الأساسي للتيار الوطني الحر في قوى المعارضة، والمحرك الأبرز للمواقف والتحركات الصادرة عن هذه القوى، إلى نقل أخبار الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وإبراز مواقفه وغيره من قادة الحزب. ويُلقي الضوء على الأخبار التي تصب في مصلحة تحرك المعارضة بصورة حصرية. ويقصر أخبار «الطرف الآخر» على تلك التي تبرز الخلاف في وجهات النظر بين قادته.

كما يُركز الموقع على تقديم المواقف الإيرانية من أوضاع المنطقة في لبنان وفلسطين والعراق. وكذلك يعمل على إبراز مواقف أميركا من تحرك المعارضة في الشارع اللبناني، ودعمها الحكومة القائمة. وينسحب أسلوب عرض الأخبار وإن زادت شموليتها على موقع «تلفزيون المنار» manartv.com.lb التابع لـ «حزب الله» أيضاً.

- يختلف التعاطي مع الأحداث ونقل الأخبار من موقع إلى آخر. وتتقلص المتابعة إلى مجرد عرض للأخبار العاجلة في بعض المواقع، مع التركيز التام على مواقف الحزب ونشاطاته، بحيث تُنقل الأحداث الأساسية مقرونة بتحليل يستخلص منها ما يدعم فكر الحزب وتوجهاته. وتُلخّص الكلمات السابقة الملامح العامة لموقعي «تيار المردة» elmarada.com (وهو حزب مُعارض يقوده النائب سليمان فرنجية) و»الحزب الشيوعي اللبناني» lcparty.org.

وتغيب بعض الأحزاب عن شاشات الكومبيوتر. فلا تهتم بصنع مواقع الكترونية رسمية، مثل «حزب التوحيد اللبناني» و»الحزب الديموقراطي» وغيرهما.

وكذلك تغيب المتابعة الإخبارية السريعة عن الصفحات الإلكترونية للبعض؛ مثل «الحزب السوري القومي الاجتماعي» ssnp.net و»حركة أمل» (يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري) amal-mouvement. ويلتزم الموقعان بالطابع التعريفي للحزبين وقادتهما. ويبديان بعداً من مجرى الأحداث الراهنة وايقاعها المتسارع.

ويظهر تلكؤ مشابه، بصدد متابعة الأخبار وبثها، في مواقع قوى الموالاة أو ما يُعرف بقوى 14 آذار. فتختلف المساحة وأساليب التغطية، مع الالتزام التام بإبراز مواقف الحزب وتخصيص مساحة للقائد.

ومع انحسار عجلة وتيرة تدفق الأخبار، وجدت بعض مواقع الأحزاب في الركن المخصص للأخبار العاجلة المكان الأمثل لإبراز مواقفها من تحرك المعارضة. وعلى سبيل المثال، احتل تحقيق بعنوان «لبنان: مشكلة نظافة تهدد بأزمة بيئية وهوية الخيم تتوزع بين أحزاب لا تمثيل لها» حيزاً لافتاً بين «آخر أخبار» موقع «اليسار الديموقراطي» (تيار يقوده النائب الياس عطا الله) yassardimocrati.com . واستمر عرضه لما يقارب الأسبوع. ويبرز في الموقع الميل إلى ممارسة الانتقائية إعلامياً، على غرار كثير من المواقع الحزبية الأُخرى. ويتبع موقع «القوات اللبنانية» (ويقودها الدكتور سمير جعجع) Lebanese-forces.com الطريقة نفسها للتعبير عن موقفه من المعارضة. ويركز على دعوة مناصريه الى المشاركة بالتحركات الداعمة للحكومة.

ويُبرز الأخبار المتعلقة بالمحكمة الدولية التي قرر مجلس الأمن انشاءها، بالمشاركة مع الحكومة اللبنانية، للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ويعمد موقع «الحزب التقدمي الاشتراكي» psp.org.lb (يترأسه النائب وليد جنبلاط) الى إبراز المقالات المناهضة للمعارضة. ويبرز من تحرك المعارضة صورة اعتمدها تلفزيون «المستقبل» شريطاً مصوراً دعائياً في مواجهة تحركها، وتظهر أحد المتظاهرين متسلقاً عمود كهرباء، ينزع العلم اللبناني من العصا ويرميه على الأرض، ليضع مكانه علم «حزب الله». ويُلاحظ في الموقع بطؤه في تجديد الأحداث.

وينفرد الموقع عينه بتخصيص حيز لمناصريه لكتابة آراء ومقالات من دون توقيع في مواجهة مناصري المعارضة وتحركاتهم.

وتميل تلك الآراء الى إنكار حق المعارضة في الاعتصام في ساحتي الشهداء ورياض الصلح. ويرد في أحدها: «أيها المعتصمون: لو كنتم تعلمون أن المكان لا يريدكم لأنه مكان استقلال وحرية، ومكان حضارة ومستقبل، ومكان علم وتنوير. أيها المعتصمون مكانكم ليس هنا، ربما يكون أفضل في البوريفاج أو عنجر...».

وغابت عن الأحداث أحزاب أخرى، وعلى رغم «ثقلها» السياسي والقاعدة الشعبية التي تتمتع بها على أرض الواقع. فاختُصرت مواكبة التحرك الهادف إلى إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الموقع الإلكتروني لـ «تيار المستقبل» (الذي يقوده النائب سعد الدين الحريري) futuremouvement.com بصورة ثلاثية للرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد ورئيس الحكومة الحالية فؤاد السنيورة، تصل بينها كلمات كتبت بالانكليزية، وتنص: «لا تدعوهم يجرونكم إلى الحرب... لا تدعوهم يدمرون حلم الشهيد رفيق الحريري... بتدمير لبنان يريدون قتل شهدائنا مرة ثانية... لا تعطوهم الفرصة...».

- وحدهم الشهداء يشكلون قاسماً مشتركاً بين جميع مواقع الأحزاب اللبنانية، مع الإشارة إلى تركيز كل حزب على شهدائه وتغييب الآخرين. وبذا، تفتح الصفحة الرئيسية في موقع «القوات اللبنانية» على صدر جميع من استهدفتهم عمليات الاغتيال؛ فيما تركز بعض المواقع الأُخرى على عرض صور شهيدها الأبرز، كالشهيد جورج حاوي على موقعي الحزب الشيوعي اللبناني واليسار الديموقراطي. والأخير يبرز أيضاً الشهيد سمير قصير. واحتلت أخبار النائبين الشهيدين جبران تويني وبيار الجميل وذكراهما، حيزاً بارزاً ومتساوياً في التغطية على مواقع قوى 14 آذار و»التيار الوطني الحر»، دون غيره من مواقع قوى المعارضة.

ويسود الحداد موقع حزب «الكتائب اللبنانية» Lebanese-kataeb.com على الشهيد النائب بيار أمين الجميل، وهو نجل رئيس الحزب. وتقتصر أخبار الموقع على عرض نشاطات الحزب الذي يعاني الغياب السياسي للنائب الشهيد والذي اعتبر قطباً بارزاً، خصوصاً بين جمهور الشباب في ذلك الحزب. وفي المقابل، يحرص الموقع على الإضاءة على دور الرئيس الجميل في الخروج من الأزمة الراهنة.

فاطمة رضا

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...