التعفيس في غابة السرافيس

01-05-2008

التعفيس في غابة السرافيس

ركاب السرفيس متنوعون، عينات لأغلب شرائح المجتمع وعلى الأرجح معظمهم ينتمي للطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل، أما البقية فمن فئات مجتمعية أخرى؛ فتاة تخشى على نفسها من تحرشات سائقي التكاسي ظناً منها أن السرفيس يوفر لها الحد الأدنى من الحماية، بعض الركاب ميسور الحال من أصحاب اليد المغلولة، يستقل السرفيس لتوفير بعض النقود. 
في أغلب الأحيان يصعد الصاعدون قبل نزول النازلين ليبدأ العراك والتدفيش على المقاعد الشاغرة، وبعد امتلاء المقاعد الأساسية والإضافية يقرفص البقية فوق الدولاب للاستمتاع بهذه الرحلة المملوءة بالتعتير.
أحياناً يقوم الركاب بتبديل أماكنهم إما للجلوس أمام صديق أو للاقتراب من الباب أو أحياناً للابتعاد عنه.
إذا نزل واحد من الركاب، وأراد بعض الركاب الجدد الصعود، فأولوية الجلوس على المقاعد التي أصبحت فارغة للمقرفصين حسب شطارتهم.
كما يتسابق المراهقون والشباب وأصحاب جهلة الأربعين والخمسين للجلوس على الكرسي المحاذي للباب... والمعاكس.. بنية مساعدة الجنس اللطيف في فتح الباب ليسترق النظر إليها من الأمام والخلف.
أحياناً يطلب السائق من الركاب النزول والصعود إلى سرفيس آخر: يتم هذا بعد تنسيق واتفاق بين السائقين إما بالإشارات أو حسب اتفاقيات مسبقة.

إيصال النقود للسائق وإعادة الباقي للراكب يتم بالتسلسل بمساعدة الركاب.
بالنسبة للتسعيرة بعض السرافيس بـ3 أو4 أو5 ليرات سورية ولكن مهما كانت التسعيرة فعليك أن تدفع 5 ليرات دون أن تأمل بإعادة الليرات المتبقية وإذا دفع أحدهم للسائق 1000 أو 500 فهذا يعني أنه يتنصل من المحاسبة حسب اعتقاد السائق الذي يبدأ بتسميع وتلطيش الزبون، وأحيانا يعتبر نفسه أنه أذكى من الراكب فيقوم بصرف النقود من صديق دربه وجاره أي السرفيس الآخر. المودة والحب وتبادل الفراطة لا تلغي روح المنافسة بين السرافيس التي تركض إلى الزبون المنتظر بسرعات جنونية حتى تكاد تدهس الراكب، هذا الرالي لا يخلو من الشتائم المتبادلة من باب المزاح والنكتة وعلى مسمع الزبائن.
أرضيات السرافيس المصنوعة من الموكيت مصممة خصيصاً لبلع القطع النقدية وخاصة من فئة الـ25 حيث تقع القطعة في أحد الثقوب العميقة والتي يستحيل إخراجها إلا من قبل مخترعها.
أما الراكب الذي يصعد دون أن يحاسب لأي سبب من الأسباب فغضب اللـه سينزل عليه وعلى الراكب الجالس وراء «الشوفير» مباشرة، لكونه هو الجابي المسؤول عن جمع النقود، فيبدأ السائق بالصراخ (مين ما حاسب ورا) يتخلل ذلك بعض الشتائم والمسبات.

(لوين طالع) سؤال يوجهه صاحب القرار الأول والأخير السائق الذي قرر أنه لن يكمل رحلته إلى آخر الخط «مابتوفي معو»..... في هذه اللحظة وبعد ساعات من الانتظار سواء في البرد القارس أو في الحر الشديد تبدأ المعاناة مرة ثانية، ليأتي صاحب قرار جديد ويتغمدك برحمته....

هروباً من عيون الأهل وبعيداً عن ثرثرات الأقارب والأصدقاء لا يجد العاشقان الشابان مكاناً أكثر أماناً يجمعهما من السرفيس وحصراً في إحدى زاويتي المقعد الأخير ليبدأا بالهمس وتبادل الحديث والنظرات ومسك الأيدي، متجاهلين كل من حولهم فالحب أعمى وفي مرات كثيرة لا يقصدان وجهة معينة فيستقلان سرفيساً على أحد الخطوط المسلية ذهابا وإيابا ولعدة مرات.
رحلة مملوءة بالتعب والإرهاق ولكن البدائل معدومة وخاصة أن أصحاب الدخل المحدود المعتادين على هذه الوسيلة غير قادرين على تبديلها بأخرى أكثر راحة (كل شي سعره معه) آخرون يجدون متعة وتسلية في ركوب السرفيس وخصوصاً المراهقين وطلاب الجامعات والمدارس، فهي الوسيلة التي تجمع الأصدقاء بعد عناء يوم دراسي لتبدأ مسلسلات النكت والضحك.

دارين صالح

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...