الخريطة السلفية اللبنانية والجنوح نحو العنف تحت مسميات الجهاد

09-06-2007

الخريطة السلفية اللبنانية والجنوح نحو العنف تحت مسميات الجهاد

لم يأت انشاء تنظيم «فتح الاسلام» الذي اعلن رئيسه شاكر العبسي ولادته في مخيم نهر البارد في 26/11/2006 وسط صخب اعلامي لافت من الفراغ, وتجمع الآراء في طرابلس على انه احد تجليات جنوح التيارات السلفية نحو العنف تحت مسميات الجهاد في سبيل الله وفق عناوين تخلى عنها تنظيم «الأخوان المسلمين» لمؤسسه حسن البنا في كل من مصر وسوريا بعدما قبض على الهواء سنين طويلة, ولم يحصد سوى الرياح العاتية التي أودت بكوادره وشبابه الى منصات الاعدام.
تقوم فكرة «السلفية المجاهدة» والتي تنفصل تماماً عن «السلفية الدعوية» على «تكفير الطواغيت وانزال شرع الله في الأرض لتكون كلمة الله هي العليا» وتبني هذه المجموعات ثقافتها على نقيض فكرة اعتبار الجهاد في الاسلام هو فريضة غائية او فرض كفاية بمعنى تبسيطي اذا قام احد بالجهاد في سبيل الله تسقط الفريضة عن كل الناس وتشير ادبيات هذه المجموعات الى ان الجهاد هو «فريضة عين» وهي واجبة على كل مسلم كالصلاة والصوم والزكاة, ووفق ادبيات السلفية المجاهدة فإن الجهاد حالياً هو فرض على كل مسلم في العالم طالما ان هنالك شبر أرض واحد يحتله المشركون والكفرة وبعض الغلاة منه يدعون لتحرير الأندلس واستعادة امجاد «الخلافة الاسلامية على الأرض».
في مطلق الاحوال فإن أصول الفكر السلفي يعتمد أساساً على التثقيف الديني ورعاية النخبة الاسلامية لتكون متبصرة بأمور الدين الأمر الذي يلقى رواجاً عند الطبقات الفقيرة في أحياء طرابلس وقرى الضنية والمنية وعكار, ذلك ان السلفية بشكل عام تلقى رواجاً سريعاً كونها ثقافة بسيطة وتطرح الأفكار والبرامج الاسلامية ببساطة فتدعو الناس للعودة الى نهج «السلف الصالح» نسبة الى النبي محمد ولاصحابه, وتنظيمياً تبدو الأمور معقدة كونها غير محددة المعالم فلا تملك برنامجاً سياسياً واضحاً ولا ترتبط بمرجعية محددة ولا رأس يجمعها فبالتالي لكل مجموعة شيخها ويستند في الفتاوى التي يصدرها الى احكام الرسول ونهج الصحابة. وضمن السياق اياه تبدو واضحة بانه في الامكان ان تطرح السلفية نفسها كفكر ديني معتدل خال من الشوائب العنفية التي تضرب في لبنان وخارجه صورتها بالصميم الى أن انفلات المجموعات وفق تقديراتها جعلها بعيدة عن الوسطية في الفكر الديني.
تفيد سلسلة معلومات بأن مظاهر السلفية في طرابلس بدأت مع الشيخ سالم الشهال منذ العام 1946 حيث أسس مع مجموعة من تلامذته في مساجد طرابلس حركة «شباب محمد» وبايعوه «أمير الجماعة» وتفيد معلومات أخرى بان الشيخ سالم الشهال كان على خلاف عقائدي مع قادة تنظيم الأخوان المسلمين الذين اتخذوا من طرابلس قاعدة لنشر افكارهم, فهو لم يوافق على أفكار سيد قطب القائمة على تكفير المجتمعات واضافة «حاكمية الله» بما يتناقض برأيه كلياً مع طاعة «ولي الأمر» كمرجعية وهذا التناقض الفكري ذهب به الى مفتي السعودية عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومن ثم ارسل ولده «داعي الاسلام الشهال» مع عدد من ابناء طرابلس الى معاهد «المدينة المنورة» لتلقي الشريعة الاسلامية على الطريقة السلفية. ولم تتمدد حركة الشيخ الشهال على حساب تنظيم «الاخوان المسلمين» والذي تحول فيما بعد الى «الجماعة الاسلامية», بل لبست حركته لبوس الجمعيات الخيرية والتربوية وذهبت نحو الاساليب المرتبطة بنشر تعاليم الاسلام والقرآن الكريم في الاحياء الفقيرة والقرى البعيدة. وبالرغم من تغيير اسمها من «شباب محمد» الى «الجماعة مسلمون» في تشابه واضح مع تسمية تنظيم الاخوان «الجماعة الاسلامية» إلا انها اسهمت في انتشار الفكر السلفي واعتماد اولوية التثقيف السياسي والديني ولعله من الضروري الاشارة الى ان الحركات السلفية حتى العام 1976 اتخذت موقفاً معتدلاً من النظام السياسي في لبنان واقتصرت على النصح والارشاد وكان الصراع يدور بينها وبين الجماعة الاسلامية على استقطاب الساحة الاسلامية وتجلى ذلك في ترشيح الشيخ سالم الشهال في وجه مرشح الجماعة الاسلامية محمد علي الضناوي.
مع اندلاع الحرب الاهلية انشأت الحركة السلفية تنظيماً مسلحاً أسمته «نواة الجيش الاسلامي» تعبيراً عن النفوذ السعودي ضمن تصنيفات ميليشيات الحرب الاهلية كما انشأت الجماعة الاسلامية «جند الله» وكانت الساحة اللبنانية قد دخلت تجاذبات اقليمية حادة ما بين عوامل أبرزها الصراع الفلسطيني ­ السوري والذي جعل مجمل الحركات الاسلامية تدور في الفلك الفلسطيني على خلفية العداء للنظام العلماني في سوريا فعليه توحدت الحركات الأصولية الاسلامية في لبنان ضمن لقاء واحد تحت مسمى حركة التوحيد الاسلامي التي انشأها الشيخ سعيد شعبان من ثلاثة فصائل أساسية مدعوماً من منظمة التحرير الاسلامية التي سعت الى ان يكون لها موطئ قدم في لبنان بعد اجتياح 1982..
ويلاحظ هنا ان الحركة السلفية انكفأت الى العمل الدعوي فقط, ويعود السبب وفق تقديرات جنوح الشيخ شعبان صوب الثورة الايرانية نتيجة العلاقات الوطيدة التي نسجها مع النظام الايراني بعد خروج ياسر عرفات من طرابلس بعد حرب دموية لم ترحم المدنيين في عاصمة الشمال, واذا كان الشيخ شعبان قد وجد في ايران يومذاك سنداً في وجه السوريين فإن الحركة السلفية اتجهت صوب الجانب العالمي من الجهاد المقدس حيث توافرت معلومات بأن نجل الشيخ سالم «داعي الاسلام الشهال» قد غادر المملكة السعودية الى امارة الشارقة في العام 1983 بعد خلافات مع نظام المملكة وتأييده للسلفية المجاهدة التي قادها اسامة بن لادن, وفي الوقت ذاته كان حسن سعيد الشهال صهر الشيخ سالم قد نسج علاقات وطيدة مع «مؤسسة الحرمين» التابعة للنظام السعودي واسس في خطوة منفصلة عن خيار عمه جمعية «الإيمان والعدل والاحسان» ومعهد «الدعوة والارشاد». واذا أمكن تسمية حركة حسن الشهال بالانشقاق الاول في الحركة السلفية الا انه تبعه داعي الاسلام الشهال الذي التحق بالمعارضة السعودية في الخارج المتمثلة بحركة اسامة بن لادن وايمن الظواهري والتي شكلت الانضمام الاول بين التيار القطبي (نسبة الى سيد قطب) وما بين السلفية الجهادية (اسامة بن لادن) التي انطلقت صوب نصرة الاسلام والمسلمين في مختلف بقاع الارض والمتمثلة ايضاً بحركة سعد الفقيه المعارض السعودي الذي مكث فترة في بريطانيا موجهاً انتقادات حادة الى العائلة المالكة. وعليه فإن الشيخ داعي الاسلام الشهال, لم يجد ملاذاً آمناً في حينها الا في امارة الشارقة كون علاقته مع السوريين كانت رديئة واسس بعد عودته الى لبنان معهد الهداية للدروس الاسلامية في طرابلس وعكار. هناك من يقول بان مرحلة القتال في افغانستان ومن ثم غياب الاتحاد السوفياتي وفقدان التوازن على المستوى العالمي كلها شكلت مرحلة ذهبية لانتقال الحركة السلفية في لبنان كما في العالم من مرحلة الدعوة والارشاد بمسميات اخرى الى مرحلة الجهاد الفعلي والتمرد على السلطة بما في ذلك المملكة العربية السعودية المنبت الطبيعي لأصولها الفكرية ولكن هناك عوامل داخلية اخرى خارج تحديات الحرب الدائرة قي الوقت الراهن بينها و بين سلسلة تنظيمات ابرزها بأن مفكري الحركة السلفية اتخذوا موقفاً جافاً من امتزاج الظواهري­بن لادن ضمن حركة جهادية واحدة تتمرد على «أولي الأمر» الذي عادة يكون السلطة وفق أدبيات الفكر السلفي. حتى ان بعض اصحاب الرأي جاهروا في طرابلس بأن حركة فتح الاسلام لا تعتبر حركة سلفية تنظيمية بل تتخذ الشكل السلفي فقط على اعتبار ان الاسلام يحرم شرعياً التفجير الانتحاري تحت اي حجة كانت.
وعليه لا بد من الاشارة الى تعدد المدارس السلفية وانعكاساتها على لبنان مثل السلفية الكويتية وشيخها طارق العيسى, وهو مرجع ديني بارز في الكويت, دخل على خط الساحة السلفية اللبنانية عن طريق الشيخ صفوان الزعبي الذي انشق بدوره عن الشيخ حسن الشهال واسس وقف التراث الاسلامي في منطقة ابي سمراء.
ولم تكن القضية الفلسطينية بعيدة بتأثيراتها عن الساحة السلفية خصوصاً مع احتضان المخيمات الفلسطينية حركات السلفية الجهادية بنتيجة عدة عوامل خصوصاً بعد ملاحقة أتباع الشيخ داعي الاسلام الشهال واتهامه بالترويج للتشدد والكفر واغلاق مؤسساته كافة ما اوجد طبيعياً قاعدة ثابتة. ولعل الاطار التنظيمي الاول للسلفية على الساحة الفلسطينية كان «عصبة النور» التي اسسها هشام الشريدي في مخيم عين الحلوة في الجنوب والذي بدأ دعوته بتكفير الفصائل الفلسطينية الاخرى الذي بدوره اغتيل في العام 1991. حيث تولى أحمد عبد الكريم السعدي او «أبو محجن» قيادة التنظيم حيث اعلن الامارة وغير في اسمها من «عصبة النور» الى «عصبة الانصار» بعدما عمد الى تشكيل خلايا في كل مخيمات لبنان وتحديداً في الشمال ودفع في اتجاه اغتيال رئيس جمعية المشاريع الشيخ نزار الحلبي (الاحباش) حيث كرس زعامته على الحركة السلفية جراء هذا الاغتيال نتيجة التكفير المتبادل بين السلفيين والاحباش, ومن ثم خاضت مجموعاته المسلحة مواجهة عسكرية مفتوحة مع الجيش اللبناني في 2/1/2001 اسفرت عن مقتل اغلب مجموعة الضنية واعتقال البقية أما من نجا من هذه المواجهة فالتحق بتنظيم صغير اسسه غاندي السحمراني €ابو رامز الطرابلسي€ وهو من مدينة طرابلس اسماه جند الشام. وتشير المعلومات الى أن السعدي انتقل الى العمل في الساحة العراقية مع ابو مصعب الزرقاوي مما افضى الى اتفاق مع السحمراني على اخلاء ساحة عين الحلوة لمجموعة الضنية في عين الحلوة تحت مسمى «جند الشام» لصرف النظر عن عمليات «عصبة الانصار» في تنظيم انتقال المجاهدين الى العراق, خصوصاً وأنه شعر بتوجس من انكشاف ظهره في منطقة عمل حزب الله بعد المواجهة المفتوحة التي يخوضها مع شيعة العراق انطلاقاً من فتاوى الزرقاوي بتحليل «دم المرتدين الشيعة وتكفيرهم».
وخلاصة القول ان صفة العنف التي دخلت على الحركة السلفية تبدو اكبر من حجمها في طرابلس طالما دخلت عليها عوامل التناقضات الداخلية الى جانب العوامل السياسية المتشابكة في الداخل اللبناني, ومن ثم عوامل تشابك المصالح الاقليمية وامتدادات دول الخليج صوب مساحات اسلامية نحو نشر الدعوة الاصلية عن طريق سلف محمد, وبالتالي فإن ما خلفته تجربة فتح الاسلام في فتح جبهة عسكرية في شمال لبنان لتحرير مقدسات المسلمين يتجاوز مجموعة من المتمردين ارادوا القتال لمجرد القتال.


مصباح العلي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...