الرسائل المتعددة للضربات الإسرائيلية

08-05-2013

الرسائل المتعددة للضربات الإسرائيلية

الجمل- ڤكتور كوتسيڤ- ترجمة: د. مالك سلمان:

تركت سلسلة من الضربات الإسرائيلية في سوريا في الأيام القليلة الأخيرة أسئلة أكثر مما أعطت إجابات, على الرغم من كافة التسريبات والتوقعات التي رافقتها. والأسئلة الأكثر أهمية هي إن كانت هذه الضربات مدخلاً لحرب أوسع في الشرق الأدنى أم لا, وما هو الإطار الزمني لاندلاع مثل هذا العنف.
في الوقت الراهن, لا يبدو أن مواجهة عسكرية أكبر على وشك أن تقع, على الرغم من التقارير التي تفيد بأن سوريا وجهت صواريخَها نحو إسرائيل (بعد الإعلان أن الضربات هي بمثابة "إعلان حرب") وأن المجال الجوي اليهودي قد نصب صواريخ اعتراضية وأغلق مجاله الشمالي في وجه الطائرات المدنية. ولتعزيز هذه الرسالة, توجهَ رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الصين مساء الأحد, بعد استشارات مطولة مع المسؤولين.
ولكن, وعلى الرغم من كل التوقعات, لم يتم تأكيد الكثير من المعلومات حول الغارات والتي يبدو أنها وقعت مساء الجمعة وصبيحة الأحد. وفي الحقيقة, تم التعتيم على الجولة الأولى من قبَل جميع الأطراف لمدة يوم واحد, حيث تسربت بعد ذلك إلى الصحفيين عن طريق المسؤولين الأمريكيين.
يُعتقد أن الهجمات استهدفت مخازن صواريخ أرض-أرض زعم المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون المجهولون, الذين ينقل عنهم الإعلام العالمي, أنها كانت معدَة للنقل إلى المنظمة اللبنانية المتطرفة "حزب الله". ولكن هناك خلاف حول إن كانت هذه الصواريخ إيرانية من طراز "فاتح-110", أم صواريخ سورية الصنع من نوع "سكود-دي", أم الاثنين معاً. كما تم ذكر أسلحة أخرى, مثل الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للطائرات والسفن الحربية, كأهداف محتملة للغارة, كما يعتقد أن ضربة مماثلة تم توجيهها في شهر كانون الثاني/يناير قد استهدفت بطاريات صاروخية روسية من نوع "إس إيه-17".
وفوق ذلك, يقال إن إسرائيل قد اختبرت صاروخ أرض-جو جديداً ("سبايس-2000"), وأنها شنت الغارات من "وضعية الثبات" من المجال الجوي اللبناني. وقد قال المحللون إن الهدف من ذلك كان حماية الطائرات الإسرائيلية من الدفاعات الجوية السورية وتوجيه رسالة إلى إيران حول القدرات الإسرائيلية.
من بين الأسئلة الأهم التي لم تتم الإجابة عنها هو السؤال حول العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه العملية. إذ تقول مدرسة في التفكير إن الهجمات كانت رسالة أمريكية وجهتها الطائرات الإسرائيلية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بخصوص الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية ضد المتمردين. من المستحيل ضرب الأسلحة الكيماوية نفسها دون تسرب كميات ضخمة من المواد السامة في البيئة, كما يقول أصحاب هذا الرأي, ولهذا السبب استهدف الإسرائيليون كمية كبيرة من صواريخ النظام السوري – وهي الحاملة الرئيسية للغازات السامة.
إضافة إلى ذلك, من المحتمل – كما زعم المحلل الإسرائيلي المخضرم زفي بارئيل في صحيفة "هاآريتز" اليومية – "أن يكون هناك اتفاق غير معلن بين روسيا والولايات المتحدة حول الخطوط الحمر المتعلقة بالتدخل في سوريا: طالما أن أمريكا لا تزود المتمردين السوريين بالسلاح, فإن روسيا لن تستعرضَ دعمَها العسكري للنظام." ويشير رد الفعل الروسي البطيء على الضربات إلى أنه في حال استخدم الرئيس باراك أوباما القوة الجوية السورية الإسرائيلية لضرب الأسد على يده لتجنب مواجهة كبرى, فقد أعطت المحاولة ثمارَها.
في كافة الأحوال, ولأسباب معقدة منها الإجماع الدولي على أن إسرائيل لا تتمتع– على العكس من الولايات المتحدة - ﺑ "مسؤولية حماية" المتمردين السوريين, فقد كانت هذه حالة تخلق فيها الضربة الإسرائيلية ردوداً أقل في الشرق الأوسط من ضربة أمريكية, وربما يكون ذلك قد لاءَمَ أجندة أوباما. فتبعاً لتقرير حديث في "نيويورك تايمز", كان خطاب أوباما حول "الخط الأحمر" السنة الماضية خطأً غيرَ مدروس, ومن المحتمل أنه حاول إصلاح الخطأ في محاولة لردع الأسد عن اجتياز خطوط حمراء أخرى بأهدأ طريقة ممكنة.
هناك مؤشرات عديدة على أن الهجوم كان مخططاً بعناية منذ وقت طويل, ويقول البعض إن الولايات المتحدة قد شاركت في التخطيط. فتبعاً لتقرير نشرته "رويترز" الشهر الماضي, كان الاعتذار الإسرائيلي لتركيا في شهر آذار, والذي قامت الولايات المتحدة بالتنسيق له, كان من أجل هذه الضربة بالذات, بما أن الإسرائيليين والأتراك كانوا قد اختلفوا حول سوريا ولبنان في مناسبات عديدة في الماضي.
كما أن توقيت التدريبات الإسرائيلية "المفاجئة" في الشمال, والتي بدأت قبل أيام من الهجمات, يشير إلى التخطيط المسبق والمحكم للغارات, كما يشير إلى ذلك حديث "حزب الله" حول حرب يمكن أن تنشبَ في الأسابيع الستة القادمة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين الذين تبادلوا الزيارات فيما بينهم, والدعم الذي أعلنه البيت الأبيض لحق إسرائيل "في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية شعبها", من الصعب علينا أن نصدقَ أن أوباما قد تفاجأ من العملية.
ولكن من جهة أخرى, يعتقد بعض المحللين أن الضربات الإسرائيلية سوف تضغط على البيت الأبيض للتورط في سوريا ضد رغبة أوباما. وهذا ما قاله تقريباً السيناتور الأمريكي جون مَكين لمحطة "فوكس نيوز" يوم الأحد.
وقد عبر عن ذلك مدير تحرير "فورين بوليسي ماغازين", بلاك هاونشيل, بفصاحة ووضوح في تحليل نُشر يوم السبت:
"سوف يسأل المطالبون بالتدخل: إذا كانت الدفاعات الجوية السورية قوية إلى هذه الدرجة, كما يقول المسؤولون الأمريكيون, كيف تمكنت إسرائيل من خرقها بهذه السهولة؟ وبالطبع, إن إقامة منطقة حظر جوي مهمة أكثر صعوبة وخطورة من شن غارة جوية, ولكن من المتوقع ألا يكون هذا التمييز واضحاً في أذهان البعض."
من غير المرجح أن ترغب إسرائيل في جر الولايات المتحدة إلى النزاع السوري, لأن ذلك سيشتت الاهتمام الأمريكي بإيران, وكما قالت الشركة الاستخباراتية المؤثرة "ستراتفور" في بداية هذا العام, من شأن ذلك أن يخدم المصالح الإيرانية إلى درجة معينة. ولكن في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الشهر القادم, يمكن للتصرف الإسرائيلي القاسي ضد الحليف العربي الأهم لإيران أن يؤثرَ على السياسة الإيرانية الداخلية ويجبرَ القادة الإيرانيين على تقديم التنازلات في جولات المفاوضات النووية القادمة.
يقول هذا الرأي إن الدوافع الكامنة وراء ذلك هي اعتبارات جيو-استراتيجية: فإذا خسرَ نظام أية الله سوريا, فسوف يشعر بالحاجة إلى ردع نووي لحماية نفسه من السقوط عبر الدعم الخارجي.
في حال فشل المفاوضات النووية مع إيران, والتي من المتوقع أن تجري بعد الانتخابات, فإن معظم المحللين يعتقدون أن الولايات المتحدة ستجد نفسَها مرغمة على مهاجمة الجمهورية الإسلامية. بما أنه من الصعب الزعم إن إسرائيل حاولت استجرارَ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران من خلال ضرباتها المتتالية على سوريا, لا بد أن إمكانية حدوث ذلك قد خطرت على بال صناع القرار الإسرائيلي الذين فوضوا هذه العملية.
هناك آراء مقنعة, مع وجود أدلة ظرفية فقط حتى الآن, حول مصداقية القصة الإسرائيلية الأمريكية عن عملية النقل التي كانت وشيكة للصواريخ إلى "حزب الله". ومن بين هذه الآراء أن الأسد مَدين لحزب الله لإرسال مجموعة كبيرة من مقاتليه للقتال إلى جانبه وأنه يرغب في حماية هذه الصواريخ من ضربات أمريكية محتملة في المستقبل. وقد قدم المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن-يشاي تفاصيلَ أكثر في تحليله الأخير. ومن المقلق أن بعض هذه الآراء لا تزال مقنعة, حيث تقول إن محاولات نقل الصواريخ والضربات المحدودة سوف تستمر في المستقبل.
بشكل عام, تبقى التساؤلات أكثر من الإجابات فيما يتعلق بهذه الغارات – فمثلاً, هل ستساعد أم تضر موقف المتمردين السوريين – كما أن التكتم الرسمي الكبير يجعل من الصعب الفصل بين الحقيقة والخيال. فمع أنه ليست هناك مصلحة للأسد أو إسرائيل في اندلاع حرب أكبر في هذه المرحلة, إلا أن المفاجآت ممكنة, وسوف يتطلب تقييم ما يحصل الآن وقتاً طويلاً.

تُرجم عن ("إيشا تايمز", 6 أيار/مايو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...