السلفيون و«25 يناير»: مدٌّ وجزر

01-02-2014

السلفيون و«25 يناير»: مدٌّ وجزر

بقميص اسود وفوقه سترة بدلة، ظهر نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي على غير عادته بالجلباب الابيض يوم الرابع عشر من كانون الثاني ليدلي بصوته على الدستور المعدل في اول استحقاق انتخابي بعد «ثورة 30 من يونيو».
ربما يلخص هذا المشهد وضع «حزب النور» السلفي بعد وصول «الاخوان المسلمين» الى الحكم، وسقوط نظامهم بعد سنة واحدة، ومحاولات السلفيين توفيق اوضاعهم وسط حياة سياسية واجتماعية تغيرت كثيرا بعدما فشل الاسلام السياسي في اول اختبار سياسي له.
بعد نجاح «ثورة 25 يناير»، وخروج جميع مشايخ السلفيين الى ميادين الاعتصامات والتظاهرات - بعدما اقتصر نشاطهم في عهد حسني مبارك على الدعوة الدينية في الجوامع - اكتشفت قيادات الجبهة السلفية المتمركزة في الاسكندرية ان اللحظة التي انتظروها اقتربت بالفعل، وأنه ليس هناك من يقدر على معارضة مشاركتهم في الحياة السياسية. وكانت البداية بتأسيس اول حزب سياسي سلفي في مصر تحت اسم «حزب النور».
وشكّل تأسيس «حزب النور» الخطوة الأولى لمشاركة السياسيين في الحياة السياسية، ليدخل بعدها معركة الاستفتاء على الاعلان الدستوري في آذار العام 2011، فحشد كل قواعده عبر مشاركة جميع مشاهير المشايخ، الى أن اكتشفوا قوتهم التصويتية الضخمة التي لم تتعارض مع الكتلة التصويتية لجماعة الاخوان بعد الفوز في «غزوة الصناديق» كما اطلق عليها الشيخ محمد حسين يعقوب قائلا في مؤتمر عقد في مدينة امبابة بعد اعلان نتيجة الاستفتاء «الدين هيدخل في كل حاجة، مش دي الديموقراطية بتاعتكم؟ الشعب قال نعم للدين، واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا».
دخول التيار السلفي في الحياة السياسية لم يتوقف عند «حزب النور»، إذ تم تأسيس حزبين آخرين بعد استفتاء آذار العام 2011، تحت اسم «حزب البناء والتنمية» و«حزب الاصالة»، لكن مجلس شورى الدعوة السلفية اكد ان «حزب النور» هو الذراع السياسي الوحيد له، وان الرؤية السياسية تتضمن التمسك بالشريعة الإسلامية بفهم سلف الأمة مع العمل بكل الممكن، وبيان حكم الشرع في ما تعجز عنه.
ربما تكون مكاسب «حزب النور» من «ثورة 25 يناير» قد توقفت مع انتهاء العام الاول للثورة، ليجبر على الخسارة في معارك لم يكن ينوي ان يخوضها، وكان في مقدمتها معركة انتخابات الرئاسة بالرغم من اعلان السلفيين عدم المشاركة بمرشح، والاكتفاء بتأييد احد المرشحين (عبد المنعم ابو الفتوح) بعد اغلاق باب الترشح.
لكن ازمة ترشح حازم صلاح ابو اسماعيل واعتصامه امام وزارة الدفاع في حي العباسية كان له ضرر كبير على المسيرة السياسية لـ«حزب النور»، ولكن مع بداية مرحلة الاعادة بين مرشح «الاخوان» ومرشح فلول «الحزب الوطني» احمد شفيق استعاد السلفيون توازنهم السياسي بعد تأييدهم الواضح لمحمد مرسي.
بعد وصول احد اعضاء التيار الاسلام السياسي إلى رأس هرم السلطة، لم يجد «حزب النور» أمامه سوى المشاركة في الفريق الرئاسي. البداية كانت برئيس الحزب واثنين من اللجنة العليا للحزب، ولكن هذه المشاركة لم تستمر طويلا بعدما شعر قيادات الحزب انها مشاركة كرتونية فقط، مع استمرار محاولات «الاخوان» في السيطرة على مفاتيح السلطة.
بدأت معركة السلفيين مع «الإخوان» من داخل مؤسسة الرئاسة، فانسحبوا من الفريق الرئاسي بعد ان اتهم «الإخوان» رئيس الحزب عماد عبد الغفور بانه شارك في جريمة فساد اداري.
الضربات الموجعة التي تعرض لها «حزب النور» لم تتوقف عند خسارة المشاركة في الفريق الرئاسي، إذ اشتعلت الخلافات الداخلية، على خلفية رفض عبد الغفور دعوات الاستقالة من رئاسة الحزب. وبعد مشادات طويلة، انتهى الأمر بانسحاب عبد الغفور ومؤيديه من الحزب ليؤسسوا حزباً آخر تحت اسم «حزب الوطن» بمشاركة حازم صلاح ابو اسماعيل العدو الاول لـ«حزب النور».
وفيما كان الرئيس الجديد لـ«حزب النور» يونس مخيون يواصل مساعيه للم شمل حزبه المشرذم، لقطع الطريق على «حزب الوطن»، جاءت «ثورة 30 يونيو». ولم تجد الهيئة العليا لـ«حزب النور» سوى الاعلان عن عدم المشاركة إلى جانب أي فريق، اقتناعا بان الحشد والحشد المضاد سيؤديان الى كارثة.
وبرغم ذلك، فقد شارك «حزب النور» في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه الفريق اول عبد الفتاح السيسي عزل محمد مرسي. وفيما نجح «حزب النور» خلال «العهد الجديد» في فرض بعض آرائه، ومن بينها وضع «فيتو» على تولي محمد البرادعي رئاسة الحكومة الانتقالية (واعتراضه على اسماء اخرى في التشكيل الوزاري)، فإن التطورات اللاحقة أظهرت الحزب في موقع ضعف، وقد تبدّى ذلك في عجزه عن فرض آرائه داخل «لجنة الخمسين» لتعديل الدستور، ففشل في عرقلة عمل اللجنة، واضطر في نهاية المطاف إلى تأييد الدستور الجديد.

مصطفى صلاح

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...