السوريون زرعوا أوّل شجرة زيتون في العالم

12-12-2015

السوريون زرعوا أوّل شجرة زيتون في العالم

يعتلي نضال يوسف أعلى شجرة الزيتون ليقطف ثمارها، في طقس سنويّ اعتاده الأخير، هو ومعظم أهالي عفرين في محافظة حلب، حيث تنتشر أشجار الزيتون هناك بكثافة.
يوسف ليس مزارعاً، إنَّما هو صحافي ومدوّن سوري تربطه علاقة تراثيّة واجتماعيّة ــ إلى جانب عشرات آلاف السوريين ــ بهذه الشجرة التي تزرع في مختلف أنحاء البلاد، ويجتمع السوريون على قطافها منذ مطلع تشرين الأول وحتى نهاية تشرين الثاني، كلٌ حسب منطقته وطبيعتها المناخيّة.نضال معتلياً شجرة الزيتون
يقول يوسف: يوجد في عفرين وحدها قرابة 15 مليون شجرة زيتون، وتشهد مرحلة قطافها في المنطقة طقوساً اجتماعيّة مميّزة تعاقب على ممارستها الآباء والأجداد، إذ يتناول المشاركون في عمليّة القطاف طعامهم معاً بعد أن تجتمع الأُسر العاملة في الحقول المتجاورة، ثمّ يأتي عازف مزمار وطبال، لتبدأ حلقات الرقص والغناء. ويأخذ الطبال والعازف كمية من الزيتون مقابل جهدهم. وفي نهاية الموسم، يُقام يوم فرحٍ خاص بالأطفال يتوجّب فيه على صاحب الحقل أن يوزّع كمّيات من الزيتون عليهم كهدية.
وعلى الرغم من صعوبة قطافها، إلَّا أنَّ السوريين ماضون في زارعة هذه الشجرة، ولا يمرّ عام إلَّا ويزيد معه عدد الأشجار المغروسة على طول البلاد وعرضها، وهي تنمو وتكبر من دون أن يعترضها شيء باستثناء البرد، إذ ينصح الخبير العلمي لشجرة الزيتون سمير نصير بزراعتها في أراضٍ دافئة.
علاقة السوريين مع شجرة الزيتون عمرها ثمانية آلاف عام، عندما هجّن الإنسان السوري القديم أوّل شجرة زيتون في العالم، وتمّت زراعتها ضمن مملكة إيبلا. وقد أثبتت ذلك الاكتشافات الأثرية في المملكة المذكورة، بحسب نصير.
ويضيف نصير، المختص من جامعة مونبيلييه الفرنسية: يشير أرشيف العائلة المالكة وحاشيتها في ايبلا إلى أنّها كانت تمتلك 4000 جرة من زيت الزيتون، و 7000 جرة للشعب. وإذا حسبنا أنَّ كل جرة تتّسع لنحو 60 كيلوغراماً من الزيت، فإنَّ كميات الزيت المتداولة كانت كبيرة (700 طن)، أنتجت ممّا يزيد على 1465 هكتاراً من الأرض الزراعية. وتظهر أهميّة هذه المعلومات إذا علمنا أنَّ عدد سكان إيبلا، في ذلك الوقت، كان يقدّر بحوالي 20 ألف نسمة، ما يبيّن أنَّ صناعة زيت الزيتون كانت في مقدمة النشاط الاقتصادي للسكان.
سوريا التي هي الموطن الأصلي للزيتون، صدّرت هذه الشجرة إلى معظم بقاع الأرض. ووفق الإحصائيات العلميّة، هناك حوالي 100 صنف من الزيتون السوري، 16 صنفاً منه يعود إلى تدمر، وهي شجرة معمّرة يصل عمرها أحياناً إلى ألف عام، فيما يؤكّد نصير أنَّ قرية كفرتخاريم في ريف إدلب، تحتضن شجرة زيتون عمرها قرابة 1500 عام، وقد أكل من ثمارها كثر وهم يجهلون من زرعها.
وشجرة الزيتون تُعدّ رمزاً للسلام والأمان، فضلاً عن أنّها رمز العظمة والقوة والحكمة والنصر عند اليونانيين، بينما ينظر إليها السوريون على أنّها جزء من هويتهم. وفي ما يبدو، فإنَّ سنوات الحرب والأزمة الدائرة حول الهوية السورية، جعلتهم يتمسّكون أكثر بهذه الشجرة وبرمزيتها عند العرب واليونانيين، فهم بحاجة إلى الأمن والسلام، تماماً كحاجتهم إلى الحكمة والقوة والنصر.

بلال سليطين 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...