السياسة الخارجية الإيرانية: الأدوار والأهداف والاستراتيجيات

18-01-2007

السياسة الخارجية الإيرانية: الأدوار والأهداف والاستراتيجيات

الجمل:    لا يوجد اتفاق واضح في الأدب السياسي المعاصر، لتعريف جامع مانع لمفهوم السياسية الخارجية، ولكن عموماً هناك توافق عام بأن الدلالة المفهومية الاصطلاحية له تتمثل في وصف الدكتور حامد ربيع للسياسة الخارجية باعتبارها تمثل (جميع صور النشاط الخارجي) حتى لو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية، فنشاط الجماعة لوجود حضاري أو التعبيرات الذاتية لصور فردية للحركة الخارجية تنطوي وتندرج تحت الباب الواسع الذي نطلق عليه اسم السياسة الخارجية. وطبقاً لهذا التعريف نجد أن السياسة الخارجية تنصرف إلى النشاط الخارجي أو الحركة الخارجية للدولة أو غيرها من الوحدات.
ولاحقاً برز المزيد من التعريفات لمفهوم السياسة الخارجية، ومن أبرزها تعريف سيبور أستاذ العلوم السياسية الذي ينظر للسياسة الخارجية باعتبارها المرادف لأهداف الدولة الخارجية. ويعرّف سيبوري السياسة الخارجية باعتبارها (مجموع الأهداف والارتباطات التي تحاول الدولة بواسطتها، من خلال السلطات المحددة دستورياً، أن تتعامل مع الدول الأجنبية ومشكلات البيئة الدولية، باستعمال النفوذ والقوة بل والعنف في بعض الأحيان).
العلاقات العربية الإيرانية، قديمة قدم التاريخ، إضافة إلى أنها تمثل حالة نموذجية تضمنت كل أنواع التفاعلات والمعاملات الدولية.
• وفقاً لمنظور التعاون الدولي: سادت فترات انفتاح عربي- إيراني أدت إلى الكثير من التفاعلات والتداخلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية بين العرب والإيرانيين.
• وفقاً لمنظور الصراع الدولي: سادت فترات توتر عربي إيراني، أدت إلى الكثير من الحرب والصراعات والقطيعة بين العرب والإيرانيين في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية.
حالياً، تنصرف السياسة الخارجية الإيرانية إلى تنفيذ برنامج يتضمن بعداً رئيسياً يتميز بالعمومية والشمولية على النحو الذي يجعل من الصعب على دوائر صنع واتخاذ القرار الإيراني السيطرة علية. ويتضمن هذا البعد أربعة جوانب:
- الجانب الأول- التوجهات: وتتراوح توجهات السياسية الخارجية بين ثلاثة حالات هي: الانعزال، أو التدخل، أو عدم الانحياز.
فقد ظلت السياسة الخارجية الإيرانية في فترة حكم الشاه تجمع بين الانعزال والتدخل، فهي انعزالية إزاء قضايا المنطقة الرئيسية مثل القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه تدخلية بسبب تعاونها مع السياسة الخارجية الأمريكية في الأجندة المتعلقة بمنطقة الخليج، أما في الفترة التي أعقبت قيام الثورة الإسلامية، فقد تخلت السياسة الخارجية الإيرانية عن حالة الانعزال، وأصبحت تعتمد التدخل الإيجابي في قضايا المنطقة على النحو الذي انخرطت فيه إيران في التأييد المطلق للحقوق العربية والوقوف ضد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية السافرة ضد شعوب المنطقة، كذلك ظلت الحكومات الإيرانية المتعاقبة في ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقدم دعماً سخياً لحركات المقاومة العربية.
- الجانب الثاني- الأدوار: يرتبط الدور بطبيعة مكانة الدولة ضمن النسق الذي توجد ضمنه، وبالنسبة لإيران، فقد كانت في فترة حكم الشاه تقوم بدور الـ(تابع) للسياسة الخارجية الأمريكية وأيضاً بدور الـ(وكيل) لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، انتهى دورا الوكيل والتابع اللذان كانت تقوم إيران بهما، وأصبحت الدولة الإيرانية تتبنى دور المدافع عن العقيدة، الناشط المستقل عن الأحلاف العالمية، وقاعدة للثورة الإسلامية العالمية، وهذه الأدوار الأربعة تمتزج مع بعضها ضمن مشكلة نموذج سيناريو السياسة الخارجية الإيرانية الذي ظل سارياً خلال الخمسة وعشرين عاماً التي أعقبت سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية.
- الجانب الثالث- الأهداف: يقصد بالأهداف مجموعة الغايات التي تعكس المصالح الأساسية، وبالنسبة لإيران، تتمثل أهداف سياستها الخارجية في التفضيلات والأوضاع السياسية الإقليمية والدولية التي تسعى إيران لتحقيقها في المستقبل. وحالياً نجد أن أهداف السياسة الخارجية الإيرانية لم تعد حصراً داخل إيران، بل أصبحت تتجاوز الحدود الإيرانية إلى العديد من مناطق العالم الأخرى.
* في شرق آسيا: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تركز على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع الدول الآسيوية.
* في شرق أوروبا: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تركز على التعاون الوثيق مع روسيا وبلدان آسيا الوسطى.
* في الشرق الأوسط: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تركز على التحالف والتعاون مع الدول والقوى السياسية غير المرتبطة بأمريكا وإسرائيل، إضافة إلى تميز السياسة الإيرانية إزاء بلدان الشرق الأوسط بالبعد الاجتماعي الديني بسبب وجود الأغلبيات والأقليات الشيعية في عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط، وهي أقليات وأغلبيات يتميز وجودها بالعراقة التاريخية، وبالتالي فإن هذه المجتمعات الشيعية تمثل اللحمة والعروة الوثقى التي تربط بين المجتمعات العربية والإيرانية.
* في أمريكا وغرب أوروبا: لا تخضع الأهداف الإيرانية لأي ثوابت بل تنتهج موقفاً براغماتياً يجمع بين الرغبة في التعاون إذا كان ذلك ممكناً، والتحدي برأس مرفوع إذا كان التعاون غير ممكن. وأكدت السياسة الخارجية الإيرانية على هذا الأمر في الفترة السابقة، خاصة في المسائل المتعلقة بأزمة البرنامج النووي الإيراني.
* في أمريكا اللاتينية والوسطى: وتحاول السياسة الخارجية الإيرانية بناء التعاون مع دول هذه المنطقة بتركيز على الدول غير المرتبطة بأمريكا، مثل فنزويلا وكوبا..
- الجانب الرابع- الاستراتيجيات: يقصد باستراتيجيات السياسة الخارجية الحسابات الشاملة للدولة للعلاقة بين الأهداف المحددة والوسائل المتاحة والمستخدمة لتحقيق تلك الأهداف. وبالنسبة لاستراتيجيات السياسة الخارجية الإيرانية، يمكن القول: إن هذه الاستراتيجيات يشوبها الكثير من التعقيد بسبب التداخلات والتفاعلات المعقدة في علاقة إيران المتدهورة مع أمريكا والغرب من جهة، وعلاقاتها المتطورة مع بعض دول المنطقة العربية (مثل سوريا والسودان وليبيا واليمن)، وأيضاً القوى السياسية وحركات المقاومة العربية مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
وحالياً يتعرض أداء السياسة الخارجية الإيرانية في العراق للانتقادات بواسطة بعض الدول العربية، التي ترى أن دعم إيران لميليشيا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، فيلق بدر التابع لعبد العزيز الحكيم، هو دعم تم توظيفه طائفياً بشكل نتج عنه حدوث الكثير من المذابح، إضافة إلى الدور السلبي لحركتي الصدر والحكيم في مقاومة أمريكا، ودعمهما لعدم التعاون والحوار مع سوريا وإيران فيما يتعلق بملف الأزمة العراقية، وهو أمر تتحمل إيران الكثير من المسؤولية عنه إما بسبب تقصيرها في الضغط على هذه الحركات أو ربما بسبب تعمدها عدم إشراك سوريا في أزمة الملف العراقي بما يتيح لإيران الانفراد بإدارة الأزمة العراقية إقليمياً بشكل يجعلها تستخدم الملف العراقي كورقة ضغط إيرانية في مواجهة أمريكا، على أساس أن خيار هجوم أمريكا وإسرائيل على إيران معناه انفجار حدوث المواجهة في العراق بين القوات الأمريكية وحلفائها من جهة وقوات جيش المهدي وفيلق بدر من الجهة الأخرى، أما خيار عدم هجوم أمريكا أو إسرائيل ضد إيران، فيترتب عليه عدم حدوث هذه المواجهة، وبالتالي يستمر الوضع القائم في العراق وهو الأمر الذي تفضله أمريكا.
وأخيراً نقول: إن السياسة الخارجية الإيرانية، ماتزال متخلفة عن قوة الدولة الإيرانية، وتوضيحاً لهذه الحقيقة نقول: الدولة –أي دولة- عادة يكون لها ستة عناصر قوة، هي:
القوة الاقتصادية- القوة العسكرية- القوة الاجتماعية، القوة التكنولوجية، القوة السياسية، القوة القومية.
وبالنسبة لإيران فهي تمثل في منطقة الشرق الأوسط قوة اقتصادية، وقوة عسكرية، وقوة اجتماعية، وقوة تكنولوجية.
أما على أساس اعتبارات القوة القومية والسياسية فتعتبر دولة ضعيفة وذلك بسبب تخلف نظامها السياسي الذي يعتمد على المرجعيات الدينية، وتكوينها القومي الذي مازال عاجزاً عن نقل الثقافة الإيرانية إلى خارج الحدود.
وضعف السياسة الخارجية الإيرانية أصبح أكثر وضوحاً في هذه الأيام بسبب ضعف إدراك دوائر صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الإيرانية لحجم التهديد والخطر الداهم الذي يواجه إيران بسبب عمليات الحشد العسكري الأمريكي والتآمر الإسرائيلي الهادف لضرب إيران في القريب العاجل.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...