السيسي يطرد الكلابَ البرية

26-08-2013

السيسي يطرد الكلابَ البرية

الجمل- م. ك. بادراكومار- ترجمة: د. مالك سلمان:

أعلن إيڤ ييغو, عمدة مونتيرو- فول- يون في الضاحية الجنوبية الشرقية في باريس, يوم الإثنين أن مالكي الكلاب في بلدته الذين لا يتمتعون بأي إحساس بالواجب المدني سيتم تصويرهم بواسطة كاميرات تلفزيونية مغلقة إن لم يجمعوا خراءَ كلابهم من الأماكن العامة, وسوف يتعرض المخالفون لغرامة قدرها 35 يورو (46 دولاراً أمريكياً).
قارن الموسيو ييغو مالكي الكلاب غير المسؤولين بمخالفي إشارات المرور الذين يشكلون خطراً على السلامة العامة. ويمكن تطبيق هذه المقارنة على سوريا. وفي الحقيقة, في الوقت الذي كان يتحدث فيه العمدة إلى "وكالة الأنباء الفرنسية", نقلت الوكالة نفسها أخباراً عن اجتماع سيعقد في منتصف الأسبوع القادم, بعيداً عن الأضواء في مدينة تبعد 468.7 كم إلى الشمال من باريس – الهيغ.
هناك آمال باحتمال وجود خطة عمل بخصوص سوريا.

مدينة الكلاب البرية البيزنطية
تبعاً لوكالة الأنباء الفرنسية (إيه إف بي), تم التخطيط للاجتماع المقرر بين مسؤولين رفيعين أمريكيين وروس في الهيغ في الاجتماع الذي عقد في 9 آب/أغسطس في واشنطن ضمن صيغة "2+2" لوزيري الخارجية والدفاع في كلا البلدين.
ويندي شيرمان, مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية, ستقود الفريق الأمريكي الذي يضم – وهذا ملفت للانتباه – السفير الأمريكي إلى سوريا روبرت فورد, الذي عينه الرئيس أوباما مؤخراً مبعوثاً إلى القاهرة. كما سيشارك في الاجتماع لخضر الابراهيمي, مبعوث الأمم المتحدة/الجامعة العربية إلى سوريا.
الهدف المعلن من اجتماع الهيغ هو مناقشة التحضير مؤتمر السلام الدولي المؤجل حول سوريا, المسمى "جنيف2", الذي يهدف إلى جمع النظام السوري وحلفائه مع المعارضة.
لم تعلن موسكو بعد مستواها التمثيلي في اجتماع الهيغ. وسوف تحرص موسكو على إيضاح أن علاقتها عادية مع واشنطن على الرغم من الخلاف القائم حول قضية المسرب, العميل السابق في "سي آي إيه", إدوارد سنودن وإلغاء الرئيس باراك أوباما لاجتماعه "الثنائي" الذي كان مقرراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر القادم.
ومن ناحية أخرى, يمكن لوجود فورد في اجتماع الهيغ أن يكون مزعجاً بعض الشيء, بالنظر إلى سجله الدبلوماسي الإشكالي في العراق وسوريا بعد أن خلفَ وراءَه أكواماً من خراء الكلاب؛ لكن موسكو ستركز على فكرة في غاية الأهمية وهي أن مثل هذه الشخصيات هي أفضل من يحمل المكنسة ويقوم بالتنظيف بما أنها تعرف أكثر من أي أحد آخر من أين تأتي روائح الخراء.
كما أن هناك أموراً كثيرة تسير لصالح تنظيف خراء محادثات السلام السوري. فعلى سبيل المثال, تجد الكلاب البرية في سوريا نفسها في وضع صعب, وبشكل متزايد. فالجنرال عبد الفتاح السيسي, رجل مصر القوي, يكره الكلابَ كثيراً وقد أمرَ الكلابَ السورية بمغادرة القاهرة.
والسيسي مصمم على السير في نهج المسيو ييغو وتركيب كاميرات المراقبة على طول ضفاف نهر النيل, والجزء الأفضل في هذا كله هو أنه على الرغم أنه رجل فقير, إلا أن مشروعَه مموَل ذاتياً 100%, بما أنه يتلقى التمويل الضخم من قبل نفس المشايخ الأثرياء الذين كانت تنتمي إليهم الكلاب السورية منذ وقت قصير فقط.
فهؤلاء المشايخ قلقون بشكل متزايد من أن تحملَ الرياحُ الرائحة الكريهة من مصرَ إلى قصورهم نفسها وتلوثَ بيئتهم الصحراوية الجميلة بحيث لن تستطيعَ كافة عطور الجزيرة العربية إزالة هذه الرائحة.
لقد قرر السيسي الآن إخراج الدكتاتور الأسبق حسني مبارك من تقاعده, وهو معروف بمهاراته الأسطورية في إدارة تنظيف الخراء في الشرق الأوسط, إضافة إلى أن مشايخ الخليج يثقون فيه.
على كل حال, قرأت الكلاب البرية السورية العلائمَ المشؤومة لانزعاج السيسي بسرعة كبيرة وفرت من القاهرة إلى اسطنبول, حيث استغلت الخلافَ القائمَ بين تركيا ومصر.
لكنها لن تكون بمأمن لوقت طويل في اسطنبول وذلك لأنها مدينة بيزنطية قديمة تحوي كلاباً برية أخرى. فسلالة الكلاب السورية من النوع الضعيف والرقيق نسبياً, لكن الكلاب القادمة من كردستان وأماكن أخرى من بلاد ما بين النهرين سلوقية دموية, ويُشاع أن بعضها آكلٌ للكلاب.
وأيضاً هناك تلميحات عديدة بأنها مسألة وقت فقط قبل أن يسيرَ السيدُ التركي على خطى السيسي ويقررَ التخلصَ من كافة الكلاب التي تتدفق إلى الأناضول من المناطق المجاورة وتلوث بيئته الجميلة أيضاً.

سقوط مأساوي, لكنه تطهيري
هذا بحاجة إلى شيء من التوضيح. اتصلَ رئيس الوزراء التركي رجب إيردوغان ببوتين قبل أسبوعين ورتب موعداً للقائهما على هامش قمة مجموعة العشرين في مطلع الشهر القادم في سان بطرسبورغ من أجل حديث "رجل إلى رجل" حول سوريا.
وإيردوغان, بما أنه سياسي موهوب, يفهم أنه خسرَ اللعبة حول سوريا, بينما يمسك بوتين بمعظم الأوراق, بما فيها "الورقة الكردية" المخيفة.
وسط العلائم المتزايدة لنشوء كيان كردي في شمال سوريا وعلى طول الحدود التركية وخطوط كردستان العراق, اقترحت موسكو بوجه لاعب بوكر إمكانية تمثيل الأكراد السوريين بشكل مستقل في محادثات "جنيف2".
وسرعان ما التقط إيردوغان الرسالة. فقد كان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القطري ومحمد مرسي المصري شريكيه الحميمين في المشروع السوري. لكن كليهما أصبح خارج السلطة الآن – الأول تنازل عن العرش, والثاني تم خلعه.
ومن جهة أخرى, يجد الانقلابُ المصري إيردوغان بمثابة الرجل الغريب على لوح الشطرنج الإقليمي, بينما قررت السعودية وحلفاؤها في "مجلس التعاون الخليجي", والعراق, وسوريا, وإسرائيل, وحتى إيران, التعامل مع القيادة العسكرية في القاهرة.
والصورة الأسوأ من هذا كله هي أن أوباما يتجاهل إيردوغان في هذه الأيام. فقد هوى إيردوغان من القمة كمثل أعلى للشرق الأوسط, وقد كان سقوطه "سقوطاً شيكسبيرياً" – مأساوي, لكنه تطهيري.
يعرف إيردوغان تمام المعرفة أن أوباما سيكون مشغولاً بمصر لبقية فترته الرئاسية في البيت الأبيض, مما يعني أن الولايات المتحدة مرغمة على انفكاك افتراضي من المشروع السوري. وعلى كل حال, ليس هذا الوقت الأمثل للضغط من أجل "تغيير النظام" في الشرق الأوسط.
باختصار, يفهم إيردوغان جيداً أن موسكو تدرك أن الرياح قد تغيرت في سوريا.
إن الحملة الدعائية القوية التي أطلقتها موسكو بخصوص إمكانية تثبيت القاعدة لأقدامها في سوريا قد تركت أثراً كبيراً في الوعي الغربي, وفي هذه الأثناء يحقق بشار الأسد إنجازات هامة في الميدان ويتجه, أكثر من أي وقت مضى, إلى إمكانية إعادة انتخابه رئيساً لسوريا في انتخابات سنة 2014.
 

نُذُر الشر الوشيك
ببساطة شديدة, عادت روسيا ما بعد المرحلة السوفييتية بقوة إلى لوح شطرنج الشرق الأوسط. وفي الحقيقة, بدأت تحدث أشياء غريبة في كافة أنحاء المنطقة.
قال ممثل ‘المجلس الوطني السوري’ في اسطنبول, خالد خوجا, بمرارة في مقابلة مع صحيفة "هورييت" التركية في نهاية الأسبوع:
"تم تقييد حركة المعارضة السورية في مصر [من قبل الحكام الجدد] وأخذت شخصيات المعارضة بمغادرة البلاد. نقوم الآن بنقل مقر ‘الائتلاف الوطني السوري’ من مصر إلى تركيا.
سياسياً, أصبح بشار الأسد مثلاً أعلى للدكتاتوريين العرب. فما يمثله الأسد والشبيحة [رجال مسلحون في لباس مدني يدعمون الأسد] في سوريا هو ما يمثله [الجنرال عبد الفتاح] السيسي وبلطجيته [مجموعات مسلحة] في مصر."
هناك قناعة بين الدكتاتوريين العرب بإمكانية إيقاف ‘الربيع العربي’. ومن بينهم حكام السعودية والأردن والإمارات المتحدة, وكلها في مجموعة "أصدقاء سوريا". وكلها دعمت السيسي.
بعد حصار دام تسعة أشهر, استولت قوات المعارضة على المطار بالقرب من حلب ووجدت صواريخَ سعودية تم إرسالها إلى النظام. الإمارات المتحدة عضو في "مجموعة أصدقاء سوريا, لكن دبي أصبحت البنك المركزي للنظام السوري. فبينما يجب على أعضاء "أصدقاء سوريا" دعم المعارضة, إلا أنهم يميلون الآن إلى حماية النظام.
من غير المفاجىء أن ترحيب موسكو ﺑ "الدولة العميقة" المصرية التي تنتمي إلى عهد مبارك والتعاطف الواضح الذي تظهره الآن مع القيادة العسكرية في مصر, بالإضافة إلى كرهها التاريخي الشديد للإخوان الإسلامويين, تساهم بتقريب روسيا والسعودية حول القضايا الحيوية التي تؤثر على مستقبل ‘الربيع العربي’.
بالنظر إلى الوراء, يظهر من مبادرة الملك عبد الله بإرسال زعيم جواسيسه, الأمير بندر, للقاء بوتين الشهر الماضي أن السعوديين يشعرون بوجود قواسم مشتركة في سوريا اليوم على المستوى الإقليمي مع موسكو, قواسم ومصالح مشتركة لا تشعر بوجودها مع أي قوة كبرى أخرى, بما في ذلك الولايات المتحدة.
تفيد كافة التقارير أن بوتين وبندر حافظا على مسافة ظاهرية بينهما وقاما بدراسة بعضهما البعض بحذر, ولكن في واقع الأمر تحدثا لمدة أربع ساعات متواصلة في مقر إقامة الرئيس الزعيم الروسي.
كانت سوريا, وربما لا تزال, نقطة خلاف بين السعودية وروسيا, لكن بوتين وعبد الله براغماتيان بامتياز, وكما فال ماوتسي تونغ في إحدى المرات, "الخلافات بين الأصدقاء تعزز الصداقة".
وإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية مختلفة, يمكننا القول إن قرارَ السيسي بطرد أعضاء "المجلس الوطني السوري" من القاهرة لم يكن ممكناً دون إيماءة من السعودية وغمزة, ومن غير المحتمل ألا يكون بندر قد ضرب على وتر حساس لدى بوتين. إذ يٌعتبَر ئيس المجلس, أحمد الجربا, – في نهاية المطاف – رجلَ السعودية.
كان بمقدور ممثل "المجلس الوطني السوري" الخجا أن يكررَ كلمات يوليوس قيصر في مسرحية وليم شكسبير:
زوجتي كالبورينا تمنعني من الخروج من البيت؛
حلمت أنها رأت تمثالي,
الذي يشبه نافورة ضخمة,
يسبح في الدماء؛ والرومانَ الشبقين
يبتسمون, ويغسلون أيديهم فيها:
وترى في ذلك إنذارات, ونذرَ
الشر الوشيك؛ وعلى ركبتيها جثت
وتوسلتني أن ألازمَ البيت اليوم.



http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-01-200813.html

تُرجم عن ("إيشا تايمز", 20 آب/أغسطس 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...