الشراكة الأمنية والتغلغل المخابراتي في الدول العربية

22-02-2007

الشراكة الأمنية والتغلغل المخابراتي في الدول العربية

الجمل:   تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المسارح الرئيسية في حروب المخابرات الإقليمية والدولية، ومن المعروف أن حروب المخابرات تتميز بالكثير من الخصائص والسمات، فهي على الصعيد الميداني تركز على جمع المعلومات الاستراتيجية والتكتيكية والتعبوية، بما يغطي مجالات: الاقتصاد، السياسة، المجتمع، التكنولوجيا، الأمن، والقدرات العسكرية.
شكلت اتفاقية كامب ديفيد، والاتصالات الأردنية- الإسرائيلية، واتفاقية السلام الأردنية- الإسرائيلية، والعلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع مصر، الأردن، تونس، المغرب، وموريتانيا، وجيوش المتعاملين مع إسرائيل في لبنان، الأساس الذي استندت إليه إسرائيل في القيام بعملية تغلغل مخابراتي كبير في المنطقة العربية.
الاختراق والتغلغل الاستخباري الإسرائيلي، كان يتم على محورين، هما:
• محور وظيفي: وذلك عن طريق تجنيد العملاء، وتوطيد العلاقات مع الزعماء السياسيين (كما في حالة قوى 14 آذار)، ويتميز هذا المحور بأنه يقوم على أساس اعتبارات العلاقات الثنائية بين إسرائيل والطرف صاحب العلاقة معها.
• محور مؤسساتي: وذلك عن طريق جعل التعامل مع إسرائيل يستند إلى بعد مؤسساتي، بحيث يصبح واجباً إلزامياً تفرضه الاتفاقيات الدولية، ومن أمثلة ذلك اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، الاتفاق الاستراتيجي العسكري- الأمني الثلاثي الذي ضم تركيا، الأردن، وإسرائيل، واتفاقية السلام الأردنية- الإسرائيلية، وبدرجة أقل تأتي اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
خلال الفترة التي تمتد من لحظة غزو واحتلال العراق، وحتى جولة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأخير، حدث تغير نوعي كبير في طبيعة العلاقة بين الجانب الإسرائيلي- الأمريكي، وجانب الأطراف العربية المرتبطة معه.
أدت عملية الضغوط الأمريكية، والتدخل الدولي، والإرهاب الإسرائيلية إلى حركة استقطاب واسعة، أدى حراكها السياسي إلى فرز مجموعة دول وقوى المعتدلين العرب، بحيث تشكل كياناً سياسياً إقليمياً قائماً بذاته، يقوم بدور تكميلي مساعد للمشروع الإسرائيلي- الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
إسرائيل لا تهمها السياسية، بل يهمها الأمن والمخابرات، وعلى هذا النسق جاءت جولة كوندوليزا رايس الأخيرة التي بدأت بالسياسة وانتهت بالأمن والمخابرات، فبعد أن التقت رايس بالزعماء السياسيين لدول المعتدلين العرب، قامت بإنجاز هدفها الرئيسي، والذي تمثل في عقد اجتماع لرؤساء أجهزة مخابرات: مصر، الأردن، السعودية، والإمارات، وبالإضافة لكوندوليزا رايس، فقد كان الاجتماع تحت إشراف العاهل الأردني الملك عبدالله، والأمير بندر بن سلطان، مسؤول مجلس الأمن الوطني السعودي.
إن تخصيص وإفراد اجتماع لرؤساء أجهزة المخابرات، يتضمن الكثير من المضامين والدلالات، ومن أبرزها:
• على الصعيد الاستراتيجي:
- إضفاء الطابع الكلي المؤسساتي لتعاون أجهزة مخابرات دول المعتدلين العرب مع جهاز الموساد الإسرائيلي، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
- إبراز الإشراف الدولي لعلاقات هذه الأجهزة العربية مع رصيفاتها الإسرائيلية والأمريكية، وذلك على أساس أن الاجتماع قد تم بحضور أمريكي، ورعاية ملكية أردنية.
• على الصعيد التكتيكي:
- تمهيد الرأي العام العربي لكي يقبل بعملية التطبيع مع إسرائيل، ويتضح ذلك من الطابع العلني السافر الذي تم به الإعلان عن عقد هذا الاجتماع، والذي يأتي ضمن سلسلة التحركات الإسرائيلية- الأمريكية لاختراق المخابرات العربية، وهي سلسلة بدأت باجتماع العقبة في الصيف الماضي، والذي حضرته كل الأطراف التي اشتركت في الاجتماع الأخير تقريباً.
- جعل أجهزة مخابرات بعض الدول العربية تعمل بالوكالة وكـ(بروكسي) ينوب عن الموساد الإسرائيلي في تجميع المعلومات عن القوى السياسية الرافضة والمقاومة لإسرائيل، وأيضاً عن الدول العربية الرافضة لمشروع الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.
- توظيف أجهزة مخابرات دول المعتدلين العرب في شن المزيد من العمليات السرية ضد الكيانات السياسية التي لا يتماشى وجودها مع المشرع الإسرائيلي.
وعموماً نقول: سوف تشهد الفترة القادمة المزيد من الوقائع والأحداث، التي سوف تكشف بجلاء ووضوح تورط أجهزة مخابرات ال معتدلين العرب بفعل علاقة (الشراكة) الأمنية الجديدة، وهي شراكة لم تعد تتم سراً كما كان يحدث في الماضي، بل أخذت طابعاً علنياً سافراً مستفزاً.
كذلك سوف تشهد المزيد من الخلافات بين زعماء دول المعتدلين العرب ورجال مخابراتهم، لأن الإسرائيليين لن يقتنعوا ويكتفوا باتفاقيات التعاون هذه، بل سوف يعمل الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تحويل هذه الأجهزة إلى فروع إقليمية، تقوم بتجميع المعلومات عن (القادة والزعماء المعتدلين العرب) نفسهم، بحيث تكون كل أسرارهم العامة والخاصة في حوزة الموساد الإسرائيلي.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...