العراق: النظام الصحي يئن أمام الميزانية و"داعش"

15-12-2015

العراق: النظام الصحي يئن أمام الميزانية و"داعش"

خلال الصيف الماضي، أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حملة على الفساد وسوء الإدارة رداً على احتجاجات بسبب تداعي الخدمات العامة. لكن على الرغم من مرور أربعة أشهر على بدايتها لا توجد علامة تُذكر على التحسّن في أحد القطاعات الرئيسية وهو قطاع الرعاية الصحية.
ومع توالي هروب العراقيين بأعداد أكبر من بطش تنظيم "داعش"، أصبحت أعداد النازحين المتزايدة في البلاد عبئاً على الخدمات العامّة التي نُكبت بالحروب والعقوبات والبيروقراطية على مدى عقود متوالية.
وتُكافح الحكومة التي تُركّز جهدها على محاربة المتشدّدين من أجل توفير الخدمات التي خرج العراقيون للمطالبة بها في احتجاجات عامة.طبيب يُقدّم الرعاية الصحيّة لطفل نازح من بطش "داعش" إلى بغداد. (رويترز)
ويبدو هذا التداعي في أوضح صوره في نظام الرعاية الصحية الذي كان يُعتبر في وقت من الأوقات من أفضل الأنظمة في الشرق الأوسط.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن نظام الصحة العامة ومرافق الصرف في العراق تتهاوى.
وأصبح الوضع صعباً جداً حتى أن آلاف العراقيين الذين اضطروا للهروب من محافظة الأنبار في غرب البلاد اختاروا التغاضي عن النظام الحكومي وطلب الرعاية الطبية من مؤسسات غير حكومية مثل منظمة اسمها "داري".
تتّخذ هذه المنظمة من مبنى سكني متواضع مقراً لها في حي كرادة مريم في العاصمة العراقية بغداد وهي تُعالج نحو 50 مريضاً يومياً أغلبهم من الأطفال والمسنين.
وقال رئيس منظمة "داري" علاء عبد السادة إن منظمته وفّرت منذ بداية العام مساعدات غذائية لأكثر من 15 ألف أسرة وسجّلت 8400 مريض غيرهم في عيادتها الطبية المجانية.
وقال عبد السادة إن منظمته تُدير الموارد أفضل من الحكومة التي نكبت بالخلافات السياسية.
من ناحية أخرى، يُواجه رئيس الوزراء العبادي مقاومة من أعضاء البرلمان المشاكسين، الأمر الذي يعني أن عليه تحقيق توافق سياسي قبل أن يتمكّن من مواصلة السير في أي إصلاحات في الوقت الذي تزداد فيه أزمة الرعاية الصحية تدهوراً.
وتعتمد منظمة "داري" على المتطوعين. ويقول عبد السادة إن جميع العاملين فيها من المهن الطبية الذين يتجاوز عددهم 100 لا يتقاضون أجراً.
ويضيف عبد السادة: "نستطيع معالجة 100 مريض بألف دولار. وهذا صعب على وزارة الصحة أو أي مستشفى حكومي."
وتعتمد "داري" في جانب من مواردها على التبرّعات والإمدادات التي تُقدّمها شركات الأدوية وتصنيع المواد الغذائية.
وقال عبد السادة إن الحكومة دعت المنظمات غير الحكومية للمساعدة في سدّ العجز في الخدمات العامة الناجم عن إجراءات التقشّف الجديدة التي اتخذتها الدولة، لكنه أضاف أن المؤسسات الحكومية تُعرقل عمل المنظمات المماثلة لمنظمته في كثير من الأحيان بدلاً من مساعدتها على أداء مهامها.
وأوضح أنه بدلاً من الإشراف على المنظمات لمنع الفساد والسرقة، فإن الدولة تستخدم الوضع الأمني لتقييد أنشطتها.
وقال رئيس دائرة المنظمات غير الحكومية في الحكومة العراقية علي مكي إن مكتبه يُكثّف الجهود لتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية لا سيما تلك التي توفر خدمات الإغاثة والرعاية الصحية.
وتأسست منظمة "داري" في العام 2013 لتشجيع التبرّع بالدم بعد التفجيرات في العاصمة. وأصبحت تُدير الآن عيادة متنقّلة تزور محافظة عراقية كل أسبوع تقريباً ولعبت دوراً كبيراً في مكافحة أسوأ تفشّ لوباء الكوليرا في العراق منذ سنوات.

عقود المعاناة
 وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة رفاق الأعرجي أن المنظمات غير الحكومية ساعدت في تخفيف حدة الضغوط.
وأضاف أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة في العام 1990 بعد اجتياح العراق للكويت وما أعقب ذلك من حروب وعنف هي المسؤولة عن سوء حالة نظام الرعاية الصحية.
وأدت الحرب مع "داعش" إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي عن ديارهم.  ومع انخفاض ايرادات صادرات النفط وارتفاع النفقات المصاحبة للحرب على التنظيم بدأت الحكومة تعجز عن مساعدة المحتاجين.
وقال خليل ابراهيم (60 عاما) الذي يعول أسرة من عشرة أفراد: "جئنا من محافظة الأنبار كأسرة نازحة بسبب القتال هناك. جئنا هنا لأن وضعنا المالي ضعيف. فليس لدي عمل."
وتفجّر الغضب من نقص الكهرباء والمياه والوظائف، فخرج العراقيون في تظاهرات احتجاج خلال الصيف في بغداد وكثير من مدن الجنوب، ما دفع العبادي لإعلان الحرب على الفساد. وفي الوقت نفسه أرغم انخفاض أسعار النفط الحكومة على خفض الانفاق.
ويبدو الحال مروّعاً في المستشفيات الحكومية.
وقالت ربة بيت اسمها أميرة عبد المحسن (50 عاما) في أحد المستشفيات العامة: "جئت لمستشفى حكومي لأني لا أستطيع دفع التكلفة المرتفعة للأطباء الخصوصيين. لكن المشكلة أن علي الحصول على الدواء من صيدلية خاصة لأنه في العادة غير متوفر هنا."
ومستشفى اليرموك في غرب بغداد من هذه المستشفيات ويتنقّل المرضى فيه في طرقات تتناثر فيها أعقاب السجائر.
وقال قاسم الكناني (68 عاماً) مشيراً إلى قطة تأكل بقايا طعام تحت السرير الذي يرقد عليه: "دخلت المستشفى قبل يومين وأنا أعاني من فشل كلوي لكن حالتي تتدهور بسبب نقص العلاج."
وأضاف: "شوف المهزلة. أنا نائم على مرتبة ملوّثة ببقع الدم رائحتها نتنة. أُحسّ وكأني نائم في حديقة حيوان".


 (رويترز)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...