العقل السوري الغائب

10-05-2008

العقل السوري الغائب

قبل عام أو أكثر نشرت الصحف السورية خبرا  هاما مفاده أن البعثات الأثرية العاملة في سورية عثرت في أحد مواقع التنقيب في  الصحراء السورية  قريبا من تدمر على  بقايا هيكل عظمي تؤكد التحاليل بأنه الانسان الأول الذي وجد على سطح المعمورة،مايعني أنه سوري حتى العظم، وماينفي في الوقت عينه أن الانسان الأول وجد في أفريقيا كما كان متداولا.كما أفادت أن خصائص هذا الانسان (السوري)أنه كان نحيل البنية أي أنه كان إنسانا يُعمل عقله في مواجهة التحديات والمخاطر التي كان يواجهها في تلك الحقبة وهو ماتؤكده آثاره اللاحقة والحضارات التي بناها واحدة تلو الأخرى فوق هذه البقعة الجغرافية المميزة.
تذكرت هذا الخبر وأنا أراقب حال وأحوال الناس اليوم في ظل غول الغلاء الذي طغى على البلاد ومازال يطغي يوما إثر يوم وساعة تلو الأخرى.الغلاء الذي تحول إلى حديث الناس وهمهم غير المنقطع، وبات شغل الباعة والتجار ليس البيع فقط بل إعادة تسعير السلع بشكل شبه يومي ومايلحق هذا الاجراء من مشاجرات ساعية مع المستهلكين.
صحيح أن موجة الغلاء هذه والتي يصح أن نسميها تسونامي حقيقية تغمر كل دول العالم وتهدد مصير الانسانية بشكل جدي لم يسبق له مثيل، لكن الحديث عنها في بلادنا يجب أن يتم على أساس أن لدينا معطيات وحقائق تختلف عن كل دول العالم. أولها أن بلادنا خيّرة والحمد لله وأن المشكلة تكمن حقيقة في كيفية توزيع هذه الخيرات.ومنذ عشرات السنين وحتى اليوم ونحن نشبع تصريحات من الحكومة أكثر مما يشبع البعض لقمة الخبز كفافه اليومي.وإن صدقنا أن النوايا الحكومية سليمة وأن الحكومة العصماء لاتأل جهدا إلا وتبذله في محاولة حماية المواطن والمستهلك الضعيف. إلا أن مانراه على أرض الواقع ينسف تماما كل ماتقدم لأن ارتفاع الأسعار مستمر والسلع التي ترتفع تصاب بلوثة العناد ولاتنخفض أمام المستهلك حتى لو انخفض سعرها الأساسي.كما أن الحديث عن رفع الرواتب بات فزاعة مزروعة داخل كل مواطن ، لأن  تحقيق رفع الرواتب يعني أن غلاء جديدا سيسبق قبض الراتب ويمتصه ويمتص أبيه عن بكرة أبيه قبل أن يشم رائحة جيب المواطن. مع الاشارة إلى أن عددا لايستهان به من المواطنين السوريين(كأحوالنا) ليسوا موظفين لافي القطاع العام ولا الخاص وليس لديهم لاأرض ولاسقف ولادخل ثابت أو غير ثابت ولم يستفيدوا يوما أو سيستفيدون لاحقا من أي راتب أو أي رفع للراتب، والحقيقة الظالمة الوحيدة أنهم سيدفعون الثمن الأكبر من هذا الوحش المسمى غلاء.
أضف إلى كل ماتقدم ، وكي لانحمل الحكومة دوما وزر كل مصائب الكون، أعتقد أننا بتنا بحاجة ماسة إلى مكاشفة سورية حقيقية فيما يخص سلوكياتنا الحياتية والمعيشية.فالمواطن السوري بالعموم هو مواطن أكول، يعشق التخزين سواء في خزائنه أو في كرشه.يأكل أكثر مما يحتاج ويعمل أقل مما هو مطلوب.وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه بات مختلفا كليا عن جده الأكبر المواطن السوري الأول النحيل الذي عثر على بقاياه العظمية كما أشرنا أعلاه.الاختلاف الأهم لايتوقف عند شكله، بل يطال بنيته الفكرية، أي أنه لايعمل العقل ومايعمل لديه فقط  معدته وماتحتها.وعند هذه النقطة المطلوب إعادة هيكلة البنية الفكرية لهذا المواطن كي يغير من سلوكياته ورؤيته للحياة، فيبتدىء جديا بالتفكير بكيفية مواجهته للظروف الصعبة ااراهنة والتي تبدو أنها ستكون أكثر صعوبة وبكثير كثير مع الأيام القادمة.وأولى هذه الخطوات أن يشد الحزام بقوة و يتخلى عن بعض الشكليات والبروظات والعقد النفسية التي تحكم حياته الاجتماعية ويتأقلم مع الواقع وذلك بالاكتفاء بالضروريات وتخفيف النفقات وبذل نشاط أكبر في سبيل انتاج أوفر.أما أهم الخطوات التدبيرية المطلوبة هي الحد من النسل والاكتفاء بطفلين لاأكثر وإن لم يرتدع فقد يكون فرض قوانين صارمة هو المطلوب في هذا المضمار والقانون الصيني أنموذجا يمكن الاستعانة به والتلويح به إن لم يبادر المواطن من نفسه إلى هذا التقنين النسلي.
أعلم أن كل هذا الكلام لن يؤثر، ولم يؤثر كل الكلام الذي قيل قبله، الأمر الوحيد الذي أتمنى أن يؤثر ويصدقه الناس هو أن الغلاء ليس غولا كما أسلفت، لأن الغول واحد من المستحيلات الخرافية، والغلاء ليس خرافة، بل حقيقة مرعبة  ومفزعة للغاية ، أولها فاقة وآخرها فناء.فهل نبتدىء جديا بإعمال عقلنا في مواجهة المستقبل الأصعب أم نختار التحول السريع إلى هياكل عظمية تعثر عليها إحدى البعثات الأثرية بعد عشرات السنوات لتكتشف كم كنا سلبيين وتنابل في هذه الحقبة. 
لكم الاختيار ..

كوليت بهنا

المصدر: جهينة

 


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...