العلويون من سوريا إلى ألبانيا

02-09-2006

العلويون من سوريا إلى ألبانيا

 خلال إجازة الصيف وجدت في واجهة إحدى المكتبات الرئيسة في اللاذقية الترجمة العربية لكتاب "العلويين" الذي كان قد ألفه ونشره الباحث الفرنسي د. ألان نيميه في 1987م. ومع أن الكتاب منشور في بيروت عن مؤسسة معنية بالتراث العلوي (مؤسسة البلاغ) إلا أن وجوده في اللاذقية يعني فيما يعنيه أنه يحظى بالرضى لما فيه.

ويلاحظ هنا أن الأمر يتعلق بموضوع تقل فيه الكتابات الجادة وتكثر فيه التقولات الكثيرة، إذ أنه يتعلق بطائفة مهمة من حيث الحجم الديموغرافي (حوالي مليونين) والانتشار المكاني والوضع الاجتماعي والسياسي في سوريا المعاصرة.

  ومع ذلك فقد كان من الملفت للنظر أن نترك هذا المجال للباحثين الأجانب لكي يبحثوا فيه بحرية ونترك لأنفسنا دور التعريب والتعليق في الهوامش على بعض "أخطاء" أو "آراء" أولئك الكتاب الأجانب. وفي هذا الإطار فقد تولى أحد أبناء الطائفة في اللاذقية (أحمد علي رجب) الذي يبدو أنه من العارفين بأمور الطائفة، مهمة المراجعة أو التعليق على بعض ما في الأصل الفرنسي من آراء.

ومع أن أحمد علي رجب يمتدح كتاب نيميه باعتباره "دراسة جادة" (ص 94) إلا أنه يسمح لنفسه بالتدخل في بعض المواضيع توضيحاً لأمر أو تعليقاً على رأي، كما أنه يعترف "للأمانة العلمية" أنه حذف "بعض الفصول والفقرات" التي تتعلق بالجانب السياسي، وبالتحديد ما طرأ على الطائفة بعد وصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا خلال 1963م.

  ويوضح د. نيميه في مقدمة كتابه أن الطائفة كانت تعرف حتى مطلع القرن العشرين بـ "النصيرية" ومركزها بـ "جبل النصيرية"، وأن الانتداب الفرنسي هو من عمّم الاسم الجديد (العلويون) عندما أسس في أيلول 1920م "دولة العلويين" وأصبح جبلهم يسمى "جبل العلويين". ويعترف أحمد علي رجب في تعليقه أن أبناء الطائفة آثروا الاسم الجديد لأن "الاسم الأول على اعتزازهم به اتخذ طريقاً للطعن في عقيدتهم". ومع أ ن الاسم القديم ينسب إلى محمد بن نصير (توفي 873م) الذي يعتبروه باب الإمام العاشر (علي الهادي) إلا أن رجب يوضح أنه في التراث العلوي يغلب استخدام "الطريقة الجنبلاوية" نسبة إلى عبد الله بن محمد الجنبلاوي (850-900م) أستاذ الحسين بن حمدان الخصيبي (875-958م) تلميذ وخليفة ابن نصير، كما تسمى أيضاً "الفرقة الشعيبية" نسبة إلى لقب ابن نصير (أبو شعيب) و"الفرقة النميرية" نسبة إلى ابن نصير النميري الذي كان ينتسب إلى بني نمير" (ص 18).

  وفيما يتعلق بعقيدة الطائفة أو ما يميزها عن غيرها يتحفظ رجب على ما يورده د.نيميه بأنها تقدس الإمام علي بن أبي طالب وتقدمه على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على اعتبار أنه يجسد الحق الأزلي، ويؤكد على أن العلويين "يؤمنون كما نصّ القرآن في آية المباهلة بأن علي هو نفس محمد (وأنفسنا وأنفسكم) وكما ورد في الحديث النبوي "علي مني بمنزلة رأسي من بدني" (ص 35).

ومع أن المؤلف لم يشر إلى أي امتداد للطائفة في الجوار إلا أنه يمكن القول أنه لدينا هلال علوي واسع يمتد من جبال العلويين عبر لواء الاسكندرون إلى تركيا ومروراً ببلغاريا ومكدونيا إلى ألبانيا.

وعلى حين أن حلقة لواء الاسكندرون التي تربط بين سوريا وتركيا تمثل ترابطاً بينهما بحكم التداخل السكاني فإن امتداد الهلال العلوي في الدول المذكورة يتلون نتيجة للظروف المحلية هنا وهناك، ولكن يبقى الجامع الرئيس واضحاً: تقديس الإمام علي وتعظيم الأئمة من آل البيت والتأكيد على أولوية القيم السلوكية على الشعائر الدينية والانفتاح على الديانات الأخرى.. إلخ.

  ففيما يتعلق بتركيا، حيث يشتهرون أيضا باسم البكتاشيين، لدينا تباين كبير في عددهم (10-20 مليون) ولكن لدينا اتفاق حول بروز وجودهم بعد إلغاء السلطنة العثمانية (التي كانت تحاول تسنينهم) وإعلان الجمهورية في 1922م، حيث يعتبرون لذلك من الدعائم الاجتماعية للعلمانية التي تحفظ لهم استقلاليتهم عن المسلمين السنة.

وفيما يتعلق ببلغاريا، حيث يشتهرون هناك أيضاً باسم العلويين Aliani ويتمركزون في شرق تركيا( في اسبيرغ و رازغراد وسيليسترا الخ)، يلاحظ أنه في السنوات الأخيرة لدينا انبعاثاً واضحاً لهم في بلغاريا بعد سقوط النظام الشيوعي هناك في 1990م. ويقوم هذا الانبعاث الان على نشر التراث العلوي، حيث أن العلاقة بين أتباع وشيوخ هذه الطائفة كانت تعتمد على التراث المكتوم أو الشفوي، وهو ما لم يعد مجديا بعد التغيرات الكبيرة التي جرت في بلغاريا خلال الحكم الشيوعي.

  وعلى حين أن العلويين في بلغاريا هم أقرب إلى تركيا بحكم الجوار الجغرافي والتداخل الأثني، وهم أقرب الى الطائفة المغلقة( أي أن العلوي هو من ولد من اب وأم علويين) فإنهم في مكدونيا هم أقرب إلى ألبانيا بحكم التداخل الأثني أيضاً، حيث لم تعد البكتاشية طائفة مغلقة بل مفتوحة باستمرار لتتقبل كل من يرغب بالانضمام اليها.

وبالمقارنة مع البلدان المجاورة فقد عرفت ألبانيا في بداية القرن التاسع عشر انتشاراً واسعا للطريقة البكتاشية العلوية وخاصة في جنوب ألبانيا، إذ كان يقدر عدد البكتاشيين العلويين بـ 150-200 ألف يمثلون حوالي15% من عدد السكان. وقد أصبحت ألبانيا بعد 1926م (أي بعد إلغاء الطرق الدينية في تركيا) هي مركز الطريقة أو مقر الشيخ الأكبر للطريقة. وكما في بلغاريا يلاحظ في ألبانيا أيضاً انبعاثاً جديداً للطريقة التي تحولت إلى طائفة (كما تسمى هناك) بعد سقوط النظام الشيوعي في 1990م. وتحت إلحاح زعامة الطائفة فقد اعترفت الدولة بهم كطائفة مستقلة عن الجماعة السنية واعتبر عيدها (يوم النوروز) من الأعياد الوطنية. وبذلك أصبح رئيسها يعامل على قدم المساواة مع رؤساء الطوائف الأخرى في ألبانيا(السنة والكاثوليك والأرثوذكس).

ويلاحظ في ألبانيا بشكل خاص أن هذه الطائفة تحظى باهتمام إيران في السنوات الأخيرة، حيث تقوم بمحاولات حثيثة لاحتواء هذا الامتداد العلوي على شاطئ البحر الأدرياتيكي وجعله أكثر ارتباطاً بها، وهو ما يستحق مقالة أخرى.

محمد م. الأرناؤوط

المصدر: الغد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...