القذافي يوسّع هجومه المضاد والثوار يقاومون

12-03-2011

القذافي يوسّع هجومه المضاد والثوار يقاومون

بدت مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من المذابح التي يرتكبها نظام العقيد الليبي معمر القذافي ضد شعبه معلقة على النتائج الميدانية للمعارك المستمرة بين القوات الموالية للنظام والثوار الليبيين، الذين ما زالوا يقاومون الهجمات البرية والجوية والبحرية في خط المواجهة الرئيسي في الشرق عند مدينة رأس لانوف. أحد جنود القذافي في مدينة الزاوية بعدما خسرها الثوار
ولعل التطورات الميدانية التي شهدتها مدن الشرق والغرب الليبي، والتي بدا فيها أن نظام القذافي قد استعاد زمام المبادرة بآلة دمار هائلة لا يملك الثوار لمواجهتها سوى أسلحة خفيفة ومتوسطة، قد جعلت الحكومات الغربية أكثر ميلاً للتراجع أمام القذافي، وهو ما ظهر أمس في «القلق» الذي أعرب عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء قدرة الرئيس الليبي على الصمود، وإخفاق الأوروبيين في التوصل إلى اتفاق حول فرض حظر جوي لحماية المدنيين الليبيين، بانتظار ما سينتهي إليه اجتماع اليوم لوزراء الخارجية العرب المنقسمين بدورهم حول سبل التعامل مع جرائم النظام الليبي.
ميدانياً، استمرت عمليات الكر والفر بين الثوار الليبيين والقوات الموالية للقذافي في مدينة رأس لانوف، التي شهدت معارك ضارية، بعدما شنت القوات الحكومية هجوماً برياً وبحرياً وجوياً لاستعادة السيطرة عليها من الثوار المسلحين ببنادق رشاشة وبضعة مدافع مضادة للطائرات.

وبدا حتى مساء يوم أمس، أن قوات القذافي ما زالت عاجزة عن إحكام قبضتها على رأس لانوف، حيث ما زالت تواجه مقاومة شرسة من قبل الثوار، الذين ما زالوا يسيطرون على الميناء النفطي الاستراتيجي في المدينة، والذي اضطروا للانسحاب منه صباحاً قبل أن يستيعدوه ليلاً، برغم إعلان التلفزيون الليبي الرسمي أن الجيش نجح في دحرهم عن المدينة، ومواصلته التقدم شرقاً.
وسعت قوات القذافي إلى توسيع نطاق هجومها شرقاً، إذ شنت غارات جوية قرب بلدة العقيلة، الواقعة شرقي خط المواجهة في رأس لانوف، التي انسحب منها عدد كبير من الثوار الذين كانوا حتى يوم أمس يقاتلون على جبهة رأس لانوف.
أما مدن الغرب الليبي فشهدت هدوءاً حذراً، حيث شهدت مصراتة هجومين محدودين شنتهما القوات الموالية للقذافي المتمركزة على أطراف المدينة، في ما بدا اختباراً لقدرة الثوار على الصمود فيها، في حين بث التلفزيون الحكومي الليبي ما قال إنه لقطات لتجمع حاشد لإبداء التأييد للزعيم الليبي معمر القذافي في وسط الزاوية، التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، فيما أحضرت السلطات الليبية نحو مئة صحافي أجنبي لمعاينة ميدان الشهداء في وسط هذه المدينة، والذي كان المعقل الرئيسي للثوار فيها.
وفي العاصمة طرابلس، قال شهود عيان إن قوات الأمن الليبية استخدمت الغاز المسيل للدموع، وأطلقت النار في الهواء، لتفريق المصلين قرب أحد المساجد في حي تاجوراء، وذلك لمنعهم من تنظيم تظاهرة ضد القذافي.
أوباما
واعتبر الرئيس الأميركي باراك اوباما، أمس، ان العالم «يضيق الخناق» على القذافي، لكنه أقر بأنه «قلق» من ان يكون القذافي لديه القدرة على التمسك بالسلطة. وأشار إلى أنه سيعيّن مبعوثاً يتم إرساله للاتصال بقوات المعارضة الليبية في إطار جهود «لتغيير التوازن» العسكري في ليبيا، محذراً من أن على العالم واجب منع وقوع مجزرة في ليبيا مماثلة لتلك التي حدثت في رواندا أو البوسنة. وقال أوباما، إن على العالم ان يحاول «تغيير التوازن» عسكرياً في ليبيا وكذلك في أوساط المقربين من القذافي، من دون أن يكشف عما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها فكروا في تسليح قوات المعارضة الليبية.
وفرضت الإدارة الأميركية عقوبات على تسعة من المقربين من القذافي بهدف زيادة الضغط على المسؤولين الليبيين. وجاء في بيان لوزارة الخزانة الأميركية ان من بين من تطالهم هذه العقوبات وزير الدفاع اللواء أبو بكر يونس، زوجة معمر القذافي وصفية فركاش وأبناؤه، ورئيس جهاز الأمن الخارجي ابو زيد عمر دوردة، ومدير الاستخبارات العسكرية عبد الله السنوسي.

- في هذا الوقت، طغى الخلاف على قمة الاتحاد الأوروبي جراء انقسام في المواقف بين الدول الأعضاء بشأن مقاربة الملف الليبي. وفيما أبدت فرنسا وبريطانيا الاستعداد للقيام بعمل عسكري إذا تطلب الأمر، رفضت دول أخرى هذا الخيار تخوفا من تأزيم الأمور.
وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان بلاده وبريطانيا مستعدتان للمشاركة في توجيه «ضربات محددة الأهداف» ضد القوات الموالية لنظام معمر القذافي، خصوصا إذا قامت هذه الأخيرة باستخدام «أسلحة كيميائية» ضد السكان. وأوضح «أعربنا، بريطانيين وفرنسيين، مع (رئيس الوزراء البريطاني) ديفيد كاميرون، عن استعدادنا، بشرط صريح ان تكون الأمم المتحدة تريد ذلك، وتوافق عليه الجامعة العربية وترغب به السلطات الليبية التي نأمل في الاعتراف بها (المجلس الوطني الانتقالي المعارض)، لشن ضربات محض دفاعية محددة الأهداف، إذا ما استخدم القذافي أسلحة كيميائية أو الطيران ضد السكان الذين يتظاهرون بصورة سلمية».
وأيد رئيس الوزراء البريطاني هذه الفكرة، معتبراً أن على الاتحاد الأوروبي أن يستعد «لأي احتمال» من اجل طرد القذافي من السلطة.
لكن دبلوماسياً أوروبياً قلل من شأن تصريحات ساركوزي، مؤكد انه «لم تجر مباحثات حول تحرك عسكري فرنسي بريطاني» في ليبيا.
وشددت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل على ضرورة ان تملك أوروبا صوتا موحدا حيال ليبيا، قائلة «أريد ان نوجه اليوم مؤشرا حول وحدتنا لأن التقسيم من اجل السيطرة لن يخدم إلا القذافي». وأضافت «ينبغي ان يكون الأمر واضحا: من يشن حربا على شعبه لا يمكن ان يكون شريكا في المحادثات مع الاتحاد الأوروبي. لذلك نطالب باستقالة القذافي فورا. وسنفعل كل ما في وسعنا لتوجيه رسالة موحدة»، موضحة «نريد ان نبذل كل ما يمكن لتقليص عذابات الشعب الليبي. لكنني أقول بوضوح ان علينا التفكير مليا في ما نفعل للتوصل إلى نتيجة منطقية».
وأضافت «نظرا إلى الوضع اليوم، لا أرى تدخلا عسكريا في الأفق... ولكن كل يوم هناك وضع جديد»، مشددة على أنه في كل الأحوال يجب أن يكون لأي عمل عسكري محتمل «سند قانوني»، أي قرار عن مجلس الأمن الدولي، ودعم من الهيئات الإقليمية وفي طليعتها الجامعة العربية.
وكرر وزير الخارجية الألماني غيدو فيرسترفيله تردد بلاده حيال فكرة تدخل عسكري، معرباً عن «تشكيك كبير» في الفكرة التي يدعمها عدد من الدول بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا، ومحذرا من مخاطر «الانجرار إلى حرب». واعتبر فيسترفيله أن «منطقة الحظر الجوي ليست مشابهة لوضع إشارة سير. إنها هجوم بقنابل وصواريخ وأسلحة». وتساءل «ماذا سنفعل ان لم تنجح؟ سنذهب بقوات برية؟»، داعياً إلى استخلاص العبر من العراق وأفغانستان.
واتخذت دول أوروبية أخرى مسافة من فرنسا التي بادرت إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي. وأبدى فيسترفيله حذرا كبيرا حيال مسألة الاعتراف بالمجلس الوطني، قائلاً «أنصح بشدة بالتعمق في التأكد مما إذا كان هؤلاء الأشخاص الذين يعلنون أنهم يمثلون الشعب يتكلمون حقا باسمه».
وقال رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلوسكوني إن «القذافي لم يعد شخصا يتحاور معه المجتمع الدولي أو ايطاليا... ولكن من اللحظة التي تم الإعلان فيها انه يجب محاكمته امام المحكمة الجنائية، أصبح القذافي لن يتخلى أبدا عن السلطة»، مشيراً إلى أن خيار «المنفى على الدرجة نفسها من الاستحالة».
برغم ذلك، اجمع القادة الأوروبيين في بيانهم الختامي على مطالبة القذافي بالتنحي فورا باعتبار أن «نظامه خسر أي شرعية ولم يعد محاورا مناسبا للاتحاد الأوروبي»، والسعي إلى حماية السكان «بجميع الوسائل»، والاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كـ«محاور سياسي»، والتعهد بتقديم المساعدات الانسانية.
وأشار البيان الختامي للقمة الأوروبية إلى أنه «من اجل حماية المدنيين سيبحث الاتحاد الأوروبي جميع الخيارات اللازمة شرط وجود حاجة ضرورية وقاعدة قانونية واضحة ودعم من المنطقة»، مشدداً على أنه «ينبغي محاسبة المسؤولين (عن أعمال العنف ضد المدنيين) وتحميلهم تبعات حازمة».
وتابع البيان «سنعمل مع الولايات المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي وشركائنا في المجتمع الدولي للرد على الأزمة... وندعو إلى عقد اجتماع بين الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي سريعا».
من جهته، قال وزير الخارجية المجري جانوس مارتوني، الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، انه من المرجح ان «تدعم الجامعة العربية فرض حظر جوي بشروط»، معتبراً أن «أفضل طريقة هي تخطيط وتطبيق خطة جماعية بالتنسيق مع دول الجامعة العربية».
وأضاف «لقد استطعنا بالأمس الاتفاق على ان فرض حظر جوي سيتطلب ثلاثة شروط مسبقة وهي ان التدخل يجب ان يكون ضروريا وهذا يعتمد على تطور الأحداث، وتحديد ما إذا كان يتم ارتكاب جرائم ضد الانسانية بشكل متزايد، وكذلك صدور قرار من مجلس الأمن يضع الأسس لمثل هذا العمل، فضلاً عن الحصول على موافقة ودعم الجامعة العربية على جميع الخطوات المحتملة».

- ومن المتوقع أن يعقد وزراء الخارجية العرب، اليوم، اجتماعاً في مقر الجامعة العربية في القاهرة لمناقشة الملف الليبي، لا سيما البحث في إمكانية فرض حظر جوي فوق ليبيا، وفكرة الاعتراف رسمياً بالمجلس الوطني الانتقالي.
وقال مسؤول في الجامعة العربية ان فكرة فرض منطقة حظر جوي ستكون على جدول أعمال الاجتماع الطارئ للوزراء العرب، وأيضا اقتراح الاعتراف الرسمي بالمجلس الوطني.
لكن مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن الانقسامات بين الدول العربية قد تعيق الاتفاق على هذه الأفكار، وهو ما يمكن ان يحبط الحكومات الغربية الراغبة في مواقف واضحة من الجامعة العربية تساعد في تشكيل سياساتها.
وقال الباحث السياسي المصري وحيد عبد المجيد إن «فرص إعلان موقف واضح يصدر بالإجماع عن اجتماع (اليوم) يؤيد فرض منطقة حظر جوي والاعتراف بالمجلس (الوطني الانتقالي) ضعيفة جدا».
وتبنت بلدان الخليج العربية، وكلها أعضاء في الجامعة العربية، موقفا صارما تجاه النظام الليبي، بعدما دعت إلى اتخاذ إجراءات ضد القذافي بما في ذلك الحظر الجوي، علماً بأن علاقة الأخير بالعديد من هذه البلدان، ولا سيما السعودية، سيئة منذ سنوات.
في المقابل، بدت سوريا والجزائر أكثر حذراً تجاه هذه الفكرة، وذلك انطلاقاً من رفضهما أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، في حين يبدو الموقف المصري أكثر ميلاً لاتخاذ إجراءات قوية ضد النظام الليبي، لسببين، هما حالة الاحتقان في الشارع المصري ضد القذافي، وغضب المجلس العسكري الحاكم في مصر من تصريحات للعقيد الليبي اتهم فيها القاهرة بإشعال الثورة ضده.
وتبنت الجامعة العربية خطا صارما تجاه القذافي بعدما علقت مشاركة ليبيا بسبب تعاملها مع الاحتجاجات، لكن مسؤولا في الجامعة العربية قال ان الجامعة لم تقطع العلاقات مع الحكومة الليبية نهائيا. وقال السفير هشام يوسف «هناك حاجة لمناقشة كل التفاصيل مع المسؤولين الليبيين»، لكنه أشار إلى ان وفدا ليبيا أرسله القذافي الى القاهرة لن يسمح له بحضور الاجتماع، مؤكداً في الوقت ذاته أن المجلس الوطني لن يحضر أيضا اجتماع اليوم.
من جهته، قال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي إن بلاده «ترفض أي تدخل أجنبي» في ليبيا، وأنها «تأمل» في المقابل «وساطة بين نظام العقيد القذافي والمعارضة المسلحة».
في هذا الوقت، أعلن وكيل وزارة الخارجية الليبية خالد الكعيم في مؤتمر صحافي ان ليبيا قررت «تعليق» علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا، غداة اعتراف باريس بالمجلس الوطني الانتقالي، مشيراً إلى أنه «سيتم تحديد دولة لرعاية مصالح الليبيين في فرنسا»، التي اتهمها بالسعي إلى تقسيم بلاده.

المصدر: وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...