القضاء على (جند السماء)

30-01-2007

القضاء على (جند السماء)

الجمل:   ركزت وسائل الإعلام باهتمام على قيام القوات الأمريكية تساعدها قوات حكومة المالكي بعملية عسكرية ناجحة في منطقة (الزرقاء) الواقعة قرب مدينة النجف العراقية، تمكنت من خلالها القضاء على تنظيم (جند السماء) الذي (لم يسمع به أحد).. إلا يوم القضاء عليه.
حتى الآن تقول القصص المتضاربة حول تنظيم (جند السماء)، المعلومات الآتية:
• زعيم التنظيم: ذكرت الأنباء الأولى بأن زعيم التنظيم هو المدعو أحمد الحسني الصرخي (ولقبه اليماني)، وقد ظهرت حركته لأول مرة في مدينة الكوفة في عام 2003م، وكان لها نفوذ واسع، إلا أن محافظ النجف السابق عدنان الزرقي، نفذ حملة ضد هذا التنظيم في عام 2005م.
في لقاء مع قناة الجزيرة، ذكر أحد كبار مساعدي الزعيم الشيعي العراقي بأن زعيم تنظيم (جند السماء) اسمه علي، ويدعي بأنه المهدي بن علي بن(علي ابن أبي طالب- كرم الله وجهه).
الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، قال بأن زعيم تنظيم (جند السماء) هو اللبناني سامر ضياء الدين.
• أعضاء التنظيم: قال شيروان الوائلي وزير الأمن الوطني العراقي بأن أعضاء التنظيم الذين تم حصرهم حتى الآن قد بلغ عددهم ما بين 600 إلى 700 شخصاً، من بينهم بعض النساء والأطفال، وقد تضاربت المعلومات حول هوية هؤلاء الأعضاء:
- محافظ النجف أسد أبو ككل أعلن للصحافة بأن أعضاء (جند السماء) من أتباع المذهب السني.
- أحد كبار الضباط العراقيين الذين اشتركوا في عملية الهجوم قال لصحيفة صوت العراق الالكترونية بأن تنظيم (جند السماء) عضويته مختلطة تضم السنة والشيعة، وذلك كما تبين له ميدانياً من الأسرى المسلمين الذين تم اعتقالهم وأيضاً من هويات وانتماءات القتلى العراقيين التي تم الكشف عنها.
- نسبت بعض الصحف  العراقية إلى مصدر أمني عراقي قوله بأن تنظيم (جند السماء) هو تنظيم شيعي وأعضاءه من العراقيين المقيمين بمنطق كربلاء والنجف والكوفة.
• أهداف التنظيم: تقول المعلومات الأولية بأن زعيم التنظيم ادعى بأنه يتصل بالمهدي المنتظر، وبأنه أفتى بضرورة قتل المرجعيات الدينية الحالية، وذلك حتى يتمكن من الظهور، (لكي يملأ الأرض عدلاً وخيراً).. وعلى هذا الأساس، بحسب المعلومات الواردة، فقد خطط تنظيم (جند السماء) لتنفيذ عملية عسكرية ميدانية واسعة تستهدف استغلال احتفالات ذكرى عاشوراء.. (للقيام بعملية التصفية والقضاء على السيستاني، ومقتدى الصدر، وعبد العزيز الحكيم.. وأيضاً كبار مساعديهم ورموزهم، وأيضاً مهاجمة الحسينيات والحوزات الدينية، وتدمير بعض الأماكن الشيعية المقدسة ومن أبرزها مرقد الإمام العسكري).
• معطيات الخبرة التاريخية: تشير الإفادات والمعلومات إلى أن حركة الصرخي قد انتشرت في عدد من المحافظات العراقية الشيعية خلال الفترة التي أعقبت مباشرة عملية الغزو الأمريكي في عام 2003م، وقد انخرط أتباع الصرخي في الآتي:
- مقاومة قوات وسلطات الاحتلال الأمريكي.
- معارضة ومقاومة الأطراف الدينية المرتبطة مع إيران وبالذات أتباع الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وأتباع عبد العزيز الحكيم.
- معارضة الحكومات العراقية التي تم تنصيبها في ظل الاحتلال الأمريكي.
وتحقيقاً لذلك، قام أتباع الصرخي بتنفيذ العديد من العمليات، وكان من أبرزها:
* إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء.
* إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة.
وقد أدت هذه العمليات إلى قيام الحكومة العراقية وسلطات الاحتلال الأمريكي بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد أعضاء التنظيم.
قال أحد أبرز المقربين لزعيم تنظيم (جند السماء)، واسمه أبو الحسن، لصحيفة (صوت العراق) الالكترونية بأن ما تم ترويجه عن نية جماعة (جند السماء) تنفيذ حملة اغتيالات داخل النجف، هو أمر عار عن الصحة، فالمواجهات اندلعت عندما شنت القوات المشتركة الأمريكية- العراقية حملة مداهمة لاعتقال الصرخي، الذي كان موجوداً في حي الزركة الواقع شرق مدينة النجف، الأمر الذي دفع أنصاره إلى الثورة والمقاومة.
تقول بعض المصادر بوجود (علاقة وثيقة للغاية) بين تنظيم جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وتنظيم (جند السماء) التابع للصرخي، ويُقال: إن مقتدى الصدر تدخل شخصياً في وقت سابق لدى السلطات العراقية، ولدى عبد العزيز الحكيم لمنع عملية اعتقال الصرخي وأتباعه التي تم تنظيمها بواسطة السلطات العراقية في عام 2005م.
وحالياً يرى بعض المراقبون بأن أحداث عملية النجف الأخير ضد تنظيم (جند السماء) وزعيمه الصرخي، تعكس المزيد من الصراعات الشيعية- الشيعية التي أصبحت قابلة للانفجار. ويدلل هؤلاء المراقبون على ذلك بلفت الانتباه إلى تزامن تنفيذ العملية العسكرية ضد الصرخي وأتباعه، مع ظهور التسريبات التي تحدثت عن وجود اتفاق تم إبرامه بين حكومة المالكي وحركة مقتدى الصدر، وذلك بهدف تنفيذ صفقة تتضمن أن يخفف الأمريكيون ضغطهم على مقتدى الصدر وميليشيات جيش المهدي التابعة له، مقابل أن يتم السماح للقوات المشتركة الأمريكية- العراقية بالدخول إلى معاقل حركة الصدر في بغداد وغيرها، وذلك من أجل البحث عن الأسلحة والمطلوبين، ويُقال: إن مقتدى الصدر قد اقتنع ودخل الصفقة تفادياً وتجنباً لحدوث عملية أمريكية كبيرة قد لا تستثني الصدر نفسه.
يُقال بأنه عندما كانت القوات المشتركة الأمريكية- العراقية تنفذ عملية الهجوم ضد تنظيم (جند السماء) مصحوبة بالطائرات الأمريكية والتي يُقال بأنها استخدمت القنابل العنقودية، كان الائتلاف الحاكم يشهد تطوراً جديداً في بغداد، وفي هذا الصدد صرّح قاسم داوود أحر قادة الائتلاف الحاكم (وعلى خلفية الاخبار بأن بعض الأطراف سوف تنسحب من هذا الائتلاف) وقال  بأن الأيام القادمة سوف تشهد ولادة كتلة سياسية جديدة داخل الائتلاف تضم بعض الكتل السياسية، إضافة إلى بعض المستقلين، وقال بأنه سيكون لهذه الكتلة الجديدة برنامج سياسي جديد يهدف إلى وقف الاقتتال الطائفي ونبذ العنف المذهبي.. أما رضا جواد الناطق باسم عبد العزيز الحكيم، فقد نفى معلومات تشكيل هذه الكتلة الجديدة.
السرد السابق، يؤكد دخول الحركات والقوى السياسية العراقية مرحلة المناورات وعقد الصفقات من أجل تصفية الحسابات الداخلية، والبينية، وهو أمر سوف تستفيد أمريكا منه كثيراً، لأنه يتيح لسلطات الاحتلال الأمريكية تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقويض ونسف البنية السياسية العراقية بالكامل، وجعل العراق مسرحاً للفوضى الأمنية والعسكرية على النحو الذي يساعد على تصدير الصراعات العابرة للحدود إلى دول المنطقة.
أزمة تنظيم (جند السماء)، ليست ظاهرة معزولة، بل تمثل من الناحية الأخرى أزمة أخرى أكثر عمقاً، هي نسف القيم المعرفية والابستمولوجية التي ظلت تعصف بالعقل العربي لمئات السنين.. فالإرث العربي الديني لم يعد مرجعاً للمعرفة والدراسة العلمية الفاحصة الناقدة، وإنما أصبح مصدراً لسوء الفهم وسوء التفسير وسوء التعاطي مع الواقع المعاصر.
نقل الصحفي سامي مبيض عن الكاتب توماس فريدمان قوله بأن الحياة بلا أوهام هي أمر لا يُطاق ولا يمكن تحمله، وبالذات إذا كان المرء يعيش في العالم العربي.
ومن المعروف أن الكاتب توماس فريدمان قد  ألّف كتاباً حمل عنوان (من بيروت إلى أورشليم) تناول فيه تجربة حياته في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية في حقبة ثمانينيات القرن الماضي.
لقد أصبح التراث العربي (والذي هو بالأساس تراثاً حضارياً إنسانيا) مصدراً لصناعة الوهم وتعبئة القدرات المادية والمعنوية العربية من أجل تعميم وتسويق أن يقدم الإنسان العربي نفسه (قربانا).. وذلك من أجل أن (يستبدل الحياة الدنيا بالحياة الأخرى)، وفي الوقت نفسه يتجاهل الزعماء الذين يستثمرون في هذه الصناعة الجديدة (أي صناعة الوهم) أن كل الأديان قد حفزت الإنسان على ضرورة التمسك بقيم الفكر والعدل والخير والتمسك بالحياة الكريمة.
في لبنان نفذ اللبنانيون عمليات القتل على الهوية، وأيضاً في العراق، والسودان والصومال، وأفغانستان.. وأصبحت العدوى على وشك الانتقال إلى الساحة الفلسطينية، واللبنانية مرة أخرى.
وعموماً فإن أفضل ما نضيفه إلى حديث توماس فريدمان هو حديث دينيس روس (المبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط) والذي قال فيه (إن التآمر مثل الأوكسجين في الشرق الأوسط).. وبالجمع بين الحديثين نصل إلى حل معادلة المشهد الشرق أوسطي الكبير- الجديد التي تتضمن مخطط الوهم+ المؤامرة، طالما أن منطقة الشرق زاخرة بوجود الرجال الذين يتبنون ويدعمون قيام هذه (الصناعة الجديدة) أي صناعة الوهم، في الوقت الذي يسهل على إسرائيل تنفيذ (المؤامرة).

الجمل: قسم الدراسات والترجمة


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...