المراوغة في فكر النخب المصرية السائدة (2)

01-02-2007

المراوغة في فكر النخب المصرية السائدة (2)

مع تزايد النعرة الدينية والوطنية تزايد الفساد السياسي والاقتصادي والاخلاقي. مع تزايد ارتداء الحجاب تزايد التحرش بالفتيات ولو كن منقبات. لقد زاد العنف ضد النساء في الشارع وداخل الأسرة على نحو خطير.

يكفي أن نقرأ تقارير العنف ضد المرأة خلال ستة أشهر (من أول تموز/ يوليو حتى نهاية كانون الاول / ديسمبر 2006) منها: 361 حادثة خطف واغتصاب، 123 قتل للنساء، وزاد عدد المنتحرات من البنات والنساء 37 حالة واللواتي تعرضن للضرب على يد أزواجهن وللهجر، بالاضافة الى تزايد عدد الأطفال الذين يتهرب آباؤهم من الاعتراف بهم ويصبح الشارع مأواهم (في مصر اليوم ثلاثة ملايين من أطفال الشوارع منهم مليونا طفل غير شرعي).

ومع تزايد اعداد النساء في الانتخابات وتسلقهن السلالم الى لجان التصويت، زادت المتاجرة بالدين تحت سقف البرلمان، ومعها المتاجرة بكل شيء. وأصبح الفساد السياسي والاقتصادي والاخلاقي يحدث تحت قبة البرلمان أكثر من أي مكان آخر، وأصبح التضليل الأكبر يحدث من النخب السائدة سياسيا واعلاميا، وأصبح الشعب المصري جاهلا بحقوقه الدستورية والقانونية.

هل يعلم الشعب أن أي عضو في مجلس الشعب يمكن أن يخرق مواد الدستور من دون أن يناله عقاب قانوني؟ لماذا؟ لأنه لا يوجد نص في قانون العقوبات يحدد عقوبة على من يخالف مواد الدستور، تماما مثل عدم وجود عقوبة قانونية بحق الرجل الزاني. أما الرجل الذي يغتصب فتاة فلم يكن يعاقب اذا تزوجها، ورغم تعديل القانون أخيراً فلا تزال الأسر المصرية تجبر الفتاة على الزواج من مغتصبها حفاظاً على شرف رجال العائلة.

أما المادة الـ95 من الدستور التي تحرم التجارة والتكسب من المنصب فهي حبر على ورق، والاتهامات كثيرة لنواب مصريين جمعوا الملايين من خلال عضويتهم في مجلس الشعب، وأصبح أغلب النواب اليوم من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الرأسمالية ووكلاء الشركات الأجنبية.

لعل أكبر تضليل هو تلك الاقتراحات التي تقدمها النخبة المصرية المسيطرة لعلاج الفساد (بعد قضية اكياس الدم الاخيرة) ومنها تشكيل لجنة سياسية عليا لمكافحة الفساد!

يعني ذلك اضافة لجنة عليا أخرى الى العديد من اللجان العليا الموجودة، ومن سيشكل هذه اللجنة العليا هم أصحاب السلطة في تشكيل اللجان العليا واختيار اعضائها من الرجال والنساء الذين يدورون في فلك السلطة والمال ورجال وسيدات الأعمال، مع أن العلاج واضح، وهو في يد الشعب المصري نفسه، الشعب القادر على انتزاع حريته من أنياب السلطة والمال، القادر على إلغاء قانون الأحزاب والجمعيات، وتكوين أحزابه وجمعياته من دون أخذ الاذن من الحكومة أو لجنة الأحزاب أو ما يشبهها، القادر على توعية نفسه من دون حاجة الى النخبة.

لقد حدث ذلك للشعوب التي حررت نفسها من الاستبداد الداخلي والخارجي. فالوعي يؤخذ من التجارب التي يخوضها الشعب بنفسه ولا يُفرض عليه الوعي الزائف في المدارس وأجهزة الاعلام المملوكة للحكومة أو لرجال الاعمال.

وبالمثل لا يمكن أن يتحرر نصف المجتمع من النساء من دون الوعي والتنظيم، وكشف الخداع ومراوغة الشعار المرفوع اعلاميا، «تمكين المرأة»، والذي أدى الى «تحجيب» عقول النساء أكثر من شعورهن أو وجوههن، ومع زيادة عدد المتعلمات وخريجات الجامعات تزايد الجهل بحقوق المرأة كإنسان.

أما شعار الخصوصية الثقافية أو الهوية الذي رفعته النخبة السائدة فقد أصبح يعني الدفاع عن السلبيات من التراث، خصوصاً في ما يتعلق بالنساء، كبشات الفداء في الصراعات الدائرة بين الرجال.

نوال السعداوي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...